نظرة إلى مكتسبات «حزب الله» في الذكرى السنويّة الأربعين للتأسيس
كيف تألّق «حزب الله» في أربعين ربيعاً؟
ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي تقريراً يتطرّق إلى مكتسبات «حزب الله» في الذكرى السنويّة الأربعين لتأسيسه منذ إجباره العدوّ الصهيوني على التراجع باتّجاه «الحزام الأمني» في العام 1985 مروراً بتحقيقه الإنجاز الأعظم في التاريخ المعاصر عام 2000 وصولاً إلى مرحلة تحقيق الانتصار الكبير في حرب تمّوز وخلق قوّة ردع كبيرة منعت الكيان الصهيوني حتّى اليوم من الاعتداء على لبنان.
تزامن تأسيس «حزب الله» مع الاعتداء العسكريّ للكيان الصّهيوني على بيروت عام 1982 تحت عنوان المقاومة الإسلاميّة، ثمّ تحوّل «حزب الله» تدريجيّاً بعد قطعه مراحل الارتقاء والتقدّم إلى قوّة إقليميّة من جهة وتهديد إستراتيجيّ للكيان الصّهيونيّ من جهةٍ أخرى. انطلقت أولى المواجهات بين المقاومة في لبنان والصّهاينة قرب منطقة خلدة في أطراف بيروت. في ذلك الوقت، لم يكن الكيان الصّهيوني يعرف تماماً من أيّ جهة وممّن يتلقّى الضّربات، لأنّ المقاومة لم تكن قد أعلنت رسميّاً بعد انطلاق حركتها.
إجبار الصّهاينة على التراجع باتّجاه «الحزام الأمني»
كانت العمليّة الاستشهاديّة للشّهيد أحمد قصير أواخر 1982 واحدة من أكبر الأحداث التي كشفت السّتار عن نشوء النواة الأولى للمقاومة في لبنان. اتّجه قصير ضمن أولى عمليّات المقاومة في لبنان بسيّارته المملوءة بموادّ التفجير، واستهدف بها مقرّ الحاكم العسكريّ الصهيوني في صور مُوقعاً 150 قتيلاً في صفوف الجنود لهذا الكيان وعملائه. وجّهت هذه العمليّة ضربة مُهلكة إلى بنية الصهاينة. منذ ذلك الزّمان، جعل «حزب الله» اسم «المقاومة الإسلاميّة» عنواناً لعمليّاته العسكريّة. وعليه، أدرك المسؤولون في الكيان الصهيونيّ الغاصب بصورة كاملة وجود قدرة عسكريّة حديثة النّشوء في لبنان.
أدّى استمرار نهج المقاومة مقابل الكيان الصهيوني إلى أن يتراجع جنود هذا الكيان في نهاية المطاف إلى المنطقة المسمّاة «الحزام الأمني» في 1985. هذا الانسحاب كان إنجازاً عظيماً سُجّل في سجلّ المقاومة في لبنان.
الإعلان الرّسمي والعلنيّ لانطلاق العمليّات في 1985
بعد انقضاء ثلاثة أعوام على عمليات المقاومة في لبنان، وفي الذكرى السنويّة الأولى لاستشهاد الشيخ راغب حرب (أحد قادة المقاومة في لبنان الذي استُشهد عام 1984 على يد الصّهاينة)، وجّه «حزب الله» نداء خاطب فيه المستضعفين حول العالم وأعلن رسميّاً وعلنيّاً تشكيل المقاومة الإسلاميّة في لبنان.
تلا هذا البيان السيّد إبراهيم أمين السيّد الذي يتولّى حاليّاً رئاسة المجلس السياسيّ لـ«حزب الله» وقد كان في ذاك الزّمان المتحدث باسم هذه المجموعة. أشار «حزب الله» صراحة في هذا النّداء إلى جوانب خطابه الإسلاميّ ومنها تُمكن الإشارة إلى «وجوب طرد المحتلّين الأجانب من أرضِ لبنان» و«ضرورة منع السيطرة على حقّ الناس في تحديد المصير».
بدء «المرحلة الذهبيّة» في تاريخ «حزب الله»
عُيّن صبحي الطفيلي عام 1989 أوّل أمين عام لـ«حزب الله» في لبنان، وبعد «الطفيلي» جرى في 1991 انتخاب السيّد عبّاس الموسوي أميناً عامّاً ثانياً. وبعد استهداف مقاتلات الكيان الصهيوني السيّارة التي كانت تقلّ السيّد الموسوي في شباط/فبراير 1992 واستشهاد الأمين العامّ الثاني لـ«حزب الله»، اختير السيّد حسن نصر الله بديلاً عنه وكانت هذه بداية «المرحلة الذهبيّة» في «حزب الله».
فرض الهزيمة على الكيان الصّهيوني في 1993
بعد تعيين السيّد حسن نصر الله أميناً عامّاً لـ«حزب الله»، خاضت هذه المجموعة تجربة لمرحلة جديدة وخطت أكثر من أيّ زمنٍ مضى في مسار التقدّم والارتقاء، لأنّ الانتصارات والإنجازات المتتالية للحزب بدأت تتحقّق واحدة تلو أخرى.
في الخامس والعشرين من حزيران/يونيو من 1993، أقدم الكيان الصهيوني على اعتداء عسكريّ ضدّ لبنان بهدف إبادة «حزب الله». وقد أوضح رئيس الوزراء للكيان الصهيوني آنذاك، شيمون بيريز، بمنتهى الصراحة، سبب هذا الاعتداء العسكريّ قائلاً: «هجماتنا العسكريّة على لبنان تنطوي على هدفين: الهدف الأوّل هو التصدّي لحزب الله، أي المجموعة التي تستهدفنا مباشرة، والثاني هو أن نُفهم الشّعب اللبناني وحكومته أن عليهم الضّغط على حزب الله لإيقاف تحرّكات هذه المجموعة». رغم كلّ هذا، لم يطل الأمر أكثر من أيّام قليلة لكي يُدرك الصهاينة مستوى قوّة وقدرات المقاومة العسكريّة وأيضاً تمتّعها بالإمكانات العسكريّة واللوجستيّة. وأدّت هذه القضيّة إلى أن يوقف المعتدون الصهاينة اعتداءهم العسكريّ بعد سبعة أيّام فقط مقابل أن توقف المقاومة هجماتها بصواريخ الكاتيوشا.
مباغتة المقاومة للصهاينة في 1996
لم تؤدّ هزيمة 1993 أيضاً إلى أن يكفّ الكيان الصّهيوني عن سلسلة اعتداءاته العسكريّة ضدّ لبنان، لأنّ الصهاينة شنّوا في نيسان/أبريل 1996 حرباً أخرى على لبنان بغية التصدّي للقدرات الصاروخيّة لدى «حزب الله». رغم هذا، باغتت قوّة المقاومة الإسلاميّة في لبنان وقدراتها العسكريّة الصهاينة بشدّة. وأدّت هذه القضيّة إلى أن يرضخ المسؤولون الصهاينة بعد 16 يوماً فقط من إطلاق الحرب ضدّ لبنان لتوقيع مذكّرة تفاهم خطيّة من أجل إنهاء الحرب، يُطلق عليها اسم «مذكّرة تفاهم نيسان».
تحقّق أعظم إنجاز في التاريخ المعاصر عام 2000
يُعدّ الانسحاب الذليل دون قيد أو شرط لجنود الكيان الصهيونيّ من الأراضي المحتلّة جنوبي لبنان عام 2000 من الأوراق الذهبيّة في سجلّ المقاومة الإسلاميّة لهذا البلد. وبما أن هذا الانتصار العظيم تحقّق في 25/5/2000، عُرف هذا اليوم بيوم «المقاومة والتّحرير».
وقد أشار الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله، في كلمة منذ قرابة شهرين ضمن الإحياء لهذه المناسبة إلى أنّ الانتصار العظيم في 2000 أمام الكيان الصّهيوني كان «تحقيقاً لأعظم إنجاز في التاريخ المعاصر». كما أكد السيد نصر الله أنّه يجب في ذكرى التحرير استحضار معاناة اللبنانيين على أيدي الاحتلال منذ 1982، وشرح أنّ «انتصار عام 2000 كسر صورة الجيش الذي لا يُقهر وكسر مشروع إسرائيل الكبرى. الإنجاز الذي تحقق عام 2000 قوبل بافتخار عربي وإسلامي ووطني». کما نشر المتحدث باسم حركة «أنصار الله» اليمنيّة، محمّد عبد السّلام، في الذكرى الثانية والعشرين لعيد «المقاومة والتّحرير»، تغريدة على «تويتر» كتب فيها: «للأمة أن تفخر بأول انتصار عربي، وأول هزيمة مذلة لكيان العدو الإسرائيلي».
الانتصار الكبير في حرب تمّوز 2006 وخلق قوّة الرّدع
نفّذت قوّات «حزب الله» في 12/7/2006 عمليّة مباغتة ضمن الحدود المشتركة للبنان وفلسطين المحتلّة نجم عنها أسر جنديّين من الكيان الصّهيوني. كان الهدف من هذه الخطوة مبادلة الأسرى الصهاينة بالأسرى اللبنانيّين في سجون الكيان الصّهيوني. استغلّت الولايات المتّحدة الأمريكيّة هذه الظروف ودفعت الصّهاينة نحو اعتداء عسكريّ جديد ضدّ المقاومة في لبنان. كانت ذريعة الاعتداء العسكريّ الجديد استعادة الأسيرين الصهيونيّين لكنّ الهدف الحقيقيّ كان «إبادة حزب الله» وإنهاء حضوره على الساحتين السياسيّة والميدانيّة. طبعاً اتّضح لاحقاً أنّ الصهاينة كانوا قد خطّطوا منذ مدّة للإقدام على هذا الاعتداء العسكريّ. رغم هذا الأمر، باغتت المقاومة الإسلاميّة الكيان الصهيونيّ في البرّ والبحر. وخلال هذه الحرب، استهدفت الأهداف البريّة للكيان الصهيوني باستخدام صواريخ «كورنيت»، ومن الأهداف البحريّة تُمكن الإشارة إلى «بارجة ساعر».
في هذا الخصوص، يصرّح نائب الأمين العام لـ«حزب الله»، الشيخ نعيم قاسم: «فاجأ حزب الله العدو الإسرائيلي في تموز 2006 بالإمكانات النَّوعية والكثيرة التي وفَّرها قائد محور المقاومة الشهيد قاسم سليماني (قده) مع حضوره المباشر في غرفة عمليات المقاومة أثناء العدوان. كما فاجأ حزب الله العدو بالتَّخطيط الدَّقيق، والانتشار الواسع في بقع المعارك العسكرية مع تجهيزها بشكل مستقل لتكون وحدات قتالية مستقلة في المواجهة، ومترابطة مع المركز والوحدات الأخرى في مواجهة العدوان الشامل، وهذا من إبداعات وخطط القائد الملهم والاستثنائي الشهيد عماد مغنية (قده) الذي أعلنه سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله قائداً للانتصارين في 2000 و2006».
عليه، انتهت حرب 2006 عقب صدور القرار 1701 من مجلس الأمن بهزيمة موجعة للكيان الصهيوني وانتصارٍ عظيم لمحور المقاومة. أدّى هذا الانتصار إلى التأسيس لقوّة ردع شاملة في مقابل الصهاينة، القوّة التي منعت منذ أكثر من 15 سنة - منذ 2006 حتّى اليوم - «تل أبيب» من ارتكاب أيّ اعتداء عسكريّ جديد ضدّ لبنان.
تحوّل «حزب الله» إلى قوّة إقليميّة
أدّت تجربة «حزب الله» في المقاومة طوال العقود الماضية وأيضاً تمتّعه بالإمكانات والتسليح العسكريّ المتقدّم إلى أن تتخطّى التطلّعات تجاه هذه المجموعة كونها مجرّد حزب. والصّهاينة اليوم أيضاً لا ينظرون إلى «حزب الله» على أنّه مجرّد حزب ومجموعة بل يرونه جيشاً قويّاً يتمتّع بقدراتٍ عسكريّة عالية. وفي هذا الخصوص، أوردت صحيفة «معاريف» الصهيونيّة في تقريرٍ لها ما يلي: «تحكي التوقّعات عن أنّ الترسانة الصاروخيّة لحزب الله تحوي أكثر من 100 ألف صاروخ، وهذا سيكون خطراً مدمّراً لإسرائيل في أيّ مواجهة مُقبلة».
إضافة إلى هذا أكّد السيّد حسن نصر الله منذ مدّة، في حوار مع قناة «الميادين» عند حديثه عن القوّة العسكريّة لهذه الحركة المقاومة، أنه «لا يوجد هدف إسرائيلي في البحر أو في البر لا تطاله صواريخ المقاومة الدقيقة. لدينا قدرات بحرية هجومية كافية لتحقيق الردع المطلوب وتحقيق الأهداف المنشودة».
وكتب موقع «الميادين» في هذا الصّدد: «تصريحاتُ السيد نصر الله تؤكد أنّ حزب الله حرّك صواريخه، التي بلغت اليوم، بعد 40 عاماً من التأسيس، نحو150 ألف صاروخ دقيق وموجه وثقيل، وهو قادرٌ على إطلاق 3 آلاف صاروخ في اليوم الواحد، من كل المديات، على الجبهة الداخلية الإسرائيلية في أيّ مواجهةٍ مقبلة». وورد أيضاً في المقالة نفسها: «أحدث حزب الله تغييراً جوهرياً في بنيته العسكرية بعد تحرير الجنوب اللبناني خصوصاً على مدار السنوات الست التي سبقت حرب تموز 2006، وبغض النظر عن ازدياد أعداد الصواريخ، فإنّ حزب الله طوّر الصواريخ الغبية وجعلها ذكية، أي امتلك التقنية، فلمواجهة التهديد الجوي الإسرائيلي، قام بتطوير قدرته الاعتراضية بتطوير القوّة الصاروخية التي تتمتع بإمكانات هجوميّة وقدرة عالية على الوصول إلى العمق الإسرائيلي والمتجسد بالجبهة الداخلية». وأضاف الكاتب: «في 18 شباط/فبراير الماضي، أطلق حزب الله الطائرة المسيرة "حسّان" داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وجالت في المنطقة المستهدفة مدة 40 دقيقة في مهمة استطلاعيّة امتدّت على طول 70 كيلومتراً شمال فلسطين، ورغم كل محاولات العدو المتعددة والمتتالية لإسقاطها، عادت الطائرة "حسان" سالمة بعد أن نفذت المهمة المطلوبة بنجاح، ومن دون أن تؤثر في حركتها كل إجراءات العدو الموجودة والمتبعة».
الخاتمة
حلّت الذكرى السنويّة الأربعين لتأسيس «حزب الله»، وبناء على كلّ ما ذُكر تحوّلت هذه المجموعة إلى قوّة إقليميّة. وضمن هذا الإطار، يقول الشيخ نعيم قاسم: «حزب الله أصبح قوة إقليمية، فمساهمة حزب الله في مواجهة العدوان الصهيوني من ناحية، ومواجهة التكفيريين والتعاون مع محور المقاومة أبرزت حزب الله كقوة إقليمية، فإذاً ليس من مصلحة إسرائيل أن تخوض معركة أخرى مع حزب الله».
تعليقات الزوار