في أجواء «عيد التحرير الثاني» ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي تقريراً يسلّط الضوء على قوّة الرّدع لدى المقاومة وحزب الله والدور الذي تلعبه المقاومة في توفير الأمن ضمن أبعاد لبنان وما يتجاوز الحدود الجغرافيّة لهذا البلد والأخطار التي أُزيلت بفضل جهاد مجاهدي هذه المقاومة الذين منعوا تحوّل لبنان إلى سوريا ثانية.
دائماً كان مشروع جعل لبنان غير آمن على جدول أعمال الكيان الصهيوني والجماعات الإرهابية تحت رعاية هذا الكيان وحلفائه. مع ذلك، كان هذا المشروع دائماً يواجه عقبة كبيرة في طريق تحقيق الأهداف المحددة سلفاً، هي المقاومة الإسلامية في لبنان، أي حزب الله. عام 2000، أي عندما كان الصهاينة تصيبهم الثمالة باحتلال الأراضي العربية، وخاصة جزءاً من جنوبي لبنان، نجح حزب الله مع مجموعات أخرى داعمة للمقاومة اللبنانية في تبخير مخططاتهم كلها عبر عملية مباغتة. جعلت المقاومةُ الصهاينةَ يفضلون الهرب والانسحاب من جنوبي لبنان دون شروط. وبطرد الصهاينة من جنوبي لبنان في أيار/مايو 2000، لم يضمن حزب الله أمن هذا البلد فقط، بل أيضاً أمن الدول العربية الأخرى، وجعل الصهاينة لا يفكرون في احتلال أراضٍ أخرى.
قوة الردع لدى حزب الله الركيزةُ الكبيرة لأمن لبنان
لقد أنهى الانتصار العظيم لعام 2000، الذي تحقق بالاعتماد على المعادلة الذهبية «الجيش والشعب والمقاومة»، أسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يُقهر، وأرسى الاستقرار في أرض جنوبي لبنان وأنحاء هذا البلد شتى، الاستقرار الذي سُلب من اللبنانيين في الاحتلال الصهيوني. في النتيجة، بعد تحقيق هذا الانتصار، سُطّرَ «عيد المقاومة والتحرير» في لبنان. في غضون ذلك، أدى تحول حزب الله إلى قوة كبيرة تدافع عن لبنان إلى خلق قوة ردع عالية جداً مقابل ممارسات الكيان الصهيوني ضد لبنان. أصبحت قوة الردع بحد ذاتها ركيزة لأمن لبنان.
الدور لتوفير الأمن في أنحاء لبنان كله
بما أن دور حزب الله في لبنان كأحد الركائز الأساسية والرئيسية لإرساء الأمن لم يَطِبْ للسلطات السياسية والقادة العسكريين في الكيان الصهيوني، حاولوا القضاء عليه عام 2006. لذلك، خطط الكيان الصهيوني لهجوم على لبنان لتدمير المقاومة هناك والمنطقة بأسرها في نهاية المطاف. قصدَ الصهاينةُ مباغتة المقاومة عبر عدوانهم العسكري على لبنان لكن أسر مجاهدي حزب الله الجنديين الصهيونيين في 12 تموز/يوليو 2006 قلبَ الصفحة وأدى إلى تعجيل السلطات الصهيونية تنفيذ خططها الموضوعة مسبقاً ضد المقاومة، ففقدوا فرصة مباغتة حزب الله.
في هذا الصدد، أشار السيد حسن نصر الله إلى سفر الحاج قاسم سليماني وتنقله بين بيروت وطهران خلال الحرب وأنه حمل رسالة بخط الإمام الخامنئي إليه، مضيفاً أن قائد الثورة أكد أن أميركا والاحتلال كانوا يخططون لهجوم عسكري على لبنان والمقاومة، وأن عملية أسر الجنديين سلبت عنصر المفاجأة من الأعداء. وأضاف السيد نصر الله: «سماحة القائد كان يقول إن عملية المقاومة الإسلامية في لبنان لطف إلهي لأن إسرائيل وأميركا كانتا قد خططتا لحرب على لبنان مع نهاية الصيف وبداية الخريف المقبل وكانوا يحضرون لذلك، لكن عند أسر الجنديين وجدوا أنفسهم أمام أمر واقع فبدؤوا الحرب، والفارق بين الحرب في تموز وآخر الصيف أن فيها عامل المفاجأة من قبلهم لتدمير المقاومة والدخول إلى لبنان، وعندما أسرنا جنديين أخذنا عامل المفاجأة منهم».
أعاد انتصار حزب الله في «حرب تموز» استقرار الأمن في لبنان. رغم أن الصهاينة كانوا ينفذون قبل الحرب اعتداءات على جنوبي لبنان من حين إلى آخر، فإن هذه الاعتداءات لم تتكرر بعد الحرب. وقد أشار الأمين العام لحزب الله إلى هذه النقطة: «هذا الجنوب ينعم بالأمن والأمان من موقع القويّ، من موقع العزيز، من موقع الحرّ، من موقع المقتدر، من موقع الشّريف... اللّبنانيّون هم الّذين صنعوا أمنهم في لبنان وأمنهم وأمانهم في الجنوب، من موقع الكرامة والقوة والاقتدار»(1).
توفير الأمن بأبعاد تتجاوز الحدود الجغرافية للبنان
لم تقتصر أهداف الكيان الصهيوني من عدوانه على لبنان عام 2006 على الحدود الجغرافية لهذا البلد فحسب، بل وصلت إلى ما أبعد من ذلك. وفي هذا الصدد، قال السيد حسن نصر الله: «مشروع الحرب على لبنان عام 2006 كان من المفترض أن يؤدي إلى سحق المقاومة في لبنان وسحقها في فلسطين وإسقاط نظام الرئيس الأسد في سوريا وتثبيت الاحتلال الأميركي في العراق والقضاء على المقاومة هناك. حرب تموز 2006 توقفت لسبب واحد هو إدراك الأميركي والإسرائيلي الفشل في تحقيق نتيجة في هذه الحرب وخوفهم من انقلاب السحر على الساحر»(2). بناءً على ما قيل يتضح تماماً أنه مع تحقيق النصر في 2006 كان حزب الله مؤثراً في مجال توفير الأمن ليس في لبنان فقط ولكن أبعد من حدود هذا البلد أيضاً.
نزع الأمن في المرتفعات الشرقية ودخول حزب الله ضامناً لأمن لبنان
كان الانتصاران الرئيسيان لحزب الله في المعركة المباشرة مع الكيان الصهيوني كافيين لهذا الكيان ليدرك القوة والقدرة العالية للمقاومة. من ناحية، كان الصهاينة يبحثون كيف يبسطون حالة انعدام الأمن في لبنان ولم يرغبوا في التخلي عن هذا المشروع في هذا البلد، ومن ناحية أخرى، كانوا خائفين للغاية من تحمل الهزيمة الثالثة المباشرة من المقاومة بسبب قوة الردع المتزايدة لحزب الله. لذلك، كان استغلال الإرهابيين التكفيريين في سوريا من أجل جعل لبنان غير آمن أفضل فرصة لدى «تل أبيب».
حل آب/أغسطس 2014. مرّ اليوم الأول بسلاسة لكن تطورات اليوم الثاني فاجأت الجميع. ففي اليوم الثاني، هاجم التكفيريون المرتفعات الشرقية للبنان وتحديداً منطقة عرسال ووجهوا ضربات قاسية إلى الجيش اللبناني. في عملية مباغتة، أسروا 21 جندياً في اليوم الأول وتمكنوا من السيطرة على بلدة عرسال بأكملها. أعلنت مصادر لبنانية، في 4 آب/أغسطس، استشهاد 14 عنصراً من الجيش وجرح 86 آخرين على يد التكفيريين، فيما اختطف الإرهابيون 22 جندياً من الجيش حتى يصل انعدام الأمن في المرتفعات الشرقية إلى ذروته. استمرت الأعمال الإرهابية في عرسال حتى 7 آب/أغسطس وازدادت أعداد الشهداء والجرحى والمخطوفين. في نهاية المطاف، استطاع الجيش استعادة أجزاء كثيرة من هذه المنطقة وإحلال استقرار نسبي فيها.(3) ورغم أن الجيش اللبناني استطاع السيطرة على الوضع في عرسال في آب/أغسطس 2014، فإن المرتفعات الشرقية صارت مكاناً لجولات العناصر التكفيرية وصولاتهم حتى 2017. هنا برز حزب الله مرة أخرى ضامناً لأمن لبنان وقرر إنهاء وجود الإرهابيين نهائياً في المرتفعات الشرقية خاصة في عرسال.
بدء عملية «إن عدتم عدنا»
ودخول السيد حسن نصر الله في تفاصيل العمليات العسكرية
بدأت عملية حزب الله الكبيرة لطرد الإرهابيين من المرتفعات الشرقية في لبنان في 20 تموز/يوليو 2017 تحت عنوان «إن عدتم عدنا». وبعد أسابيع قليلة بدأ الجيش اللبناني عملية أطلق عليها اسم «فجر الجرود» للمشاركة في طرد الإرهابيين من المحور الشرقي. كانت أهمية العمليات ضد الإرهاب في المرتفعات الشرقية كبيرة لدرجة أن السيد حسن نصر الله دخل في تفاصيل العمليات العسكرية، وطلب من قادة المقاومة إطلاعه على تفاصيل العمليات كافة.(4) استمرت «إن عدتم عدنا» قرابة الشهر، وفي النهاية، يوم 28 آب/أغسطس، نجحت قوات المقاومة في العملية بعد تطهير مرتفعات البقاع وفليطة والقلمون وعرسال... عدّ الأمين العام لحزب الله هذا الانتصار أنه «عيد وطني» وأطلق عليه: «عيد التحرير الثاني».
الأخطار التي أُزيلت عن لبنان عبر المقاومة ودورها
قال السيد حسن نصر الله في شرحه دور حزب الله في إعادة الأمن إلى المرتفعات الشرقية: «في 28 آب، تكون جبالنا وتلالنا والسلسلة الشرقية في البقاع والجرود والبلدات في بعلبك الهرمل قد تخلصت من الجماعات الارهابية المسلحة وعاد الأمن إلى منطقة البقاع وإلى ربوعنا. ما حصل في جرود البقاع كان جزءاً من الحرب الكونية على سوريا ومن مشروع خطير في المنطقة ولكن البعض يبسّطون الأمر وهؤلاء يتجاهلون كل الحقائق». يُظهر هذا الجزء من تصريح السيد حسن نصر الله بوضوح أن المقاومة قدمت خلال معركتها ضد الإرهاب في المرتفعات الشرقية خدمة كبيرة ليس إلى لبنان فقط بل دول المنطقة جميعاً.
كما أوضح الأمين العام لحزب الله: «مشروع "داعش" كان السيطرة على كل سوريا وكان لبنان جزءاً من مشروعه، وقد حظي هذا التنظيم بدعم دولي وإقليمي. تنظيم "داعش" كان يهدف إلى وصل تدمر بالقلمون، ولو تمكن من ذلكـ لكانت المعركة أصعب... معركتنا هدفت إلى حماية لبنان وتحرير الأرض ومواجهة العدوان وانتصرنا بفعل المعادلة الثلاثية (الجيش والشعب والمقاومة) وفي مقدمها سلاح المقاومة». وأكد نصر الله: «كما نقول للصهاينة: وإن عدتم عدنا، نقول لكل الإرهابيين: وإن عدتم عدنا».
الحؤول دون تحويل لبنان إلى سوريا ثانية
بطرد الإرهابيين التكفيريين من المحور الشرقي، أدت المقاومة اللبنانية دوراً مهماً في الحؤول دون تحويل لبنان إلى سوريا ثانية، كما أنها لم تسمح لأجزاء أخرى من البلاد بأن تصير مكاناً لممارسات الإرهاب التكفيري، مثل المرتفعات الشرقية. وفي هذا الصدد، يقول الخبير والمحلل في الشؤون السياسية أسامة دنورة: «أراد التكفيريون تحويل لبنان إلى سوريا والعراق ليصبح لبنان ضحية جديدة من ضحايا العدوان على استقرار الدول العربية، واستمراراً لمخطط الفوضى البناءة الأمريكي»(5).
في الختام
إن تحرير مرتفعات لبنان الشرقية وتطهيرها من دنس تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» في 28 آب/أغسطس 2017، المعروف بـ«عيد التحرير الثاني»، ليس حدثاً عابراً في تاريخ لبنان، ويمكن القول إن أهميته تتساوى مع تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الصهيوني عام 2000.(6)
لقد حققت مقاومة لبنان هذا الإنجاز الكبير وجلبت الأمن إلى البلد كله، وهو الواقع الذي لم يجرؤ أو يتجاسر العدو الصهيوني وإرهابيوه على المس به حتى الآن في الميدان. إذا لم ترد اليوم أنباء من لبنان عن تفجيرات عدة واشتباكات مسلحة وعمليات وهجمات إرهابية وخطف جنود ومدنيين وعشرات الحوادث المماثلة، فإن السبب الرئيسي هو الإنجازات التي حققتها المقاومة اللبنانية وفي مقدمها حزب الله خلال ما يقارب العقدين في محاربة الإرهاب والصهيونية. ولا شك أن عملية «إن عدتم عدنا» ضد التكفيريين تعدّ جزءاً لا يتجزأ من الإنجازات المهمة والإستراتيجية للحزب في اتجاه تحقيق الأمن للبنان والمنطقة.
تعليقات الزوار