عبور رسالة المقاومة للثورة الإسلامية حدودَ إيران
كيف تشكّلت جبهة المقاومة الموحدة؟
ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي تقريراً يُلقي الضوء على كيفيّة تشكّل جبهة موحّدة للمقاومة وعبورها رسالتها حدود إيران، فيعرض المسار التاريخي لهذا الأمر بدءاً من تحريض نظام صدّام حسين على الحرب ضدّ إيران ودعمه بالسلاح، مروراً بظهور المقاومة الإسلاميّة في فلسطين ولبنان، وتحويل سوريا إلى ركن أساسيّ من أركان المقاومة حتّى تشكّل المقاومة في العراق واليمن.
اقتربت الذكرى الثانية والأربعون لـ«الدفاع المقدس»، في حين لا تزال كثير من الأبعاد والزوايا لأهداف نظام صدام حسين وحلفائه من العدوان العسكري على الجمهورية الإسلامية قابلة للمراجعة والتبيين.
إن طلب الاستقلال، وهو «المقاومة والصمود أمام الاستكبار والاستعمار»، كان من تبلورات الثورة الإسلامية ومن أهم شعارات الشعب الإيراني في مسار انتصار الثورة. فمع الانتصار، كانت رسالة الثورة وشعاراتها في حالة انتشار وتصل إلى شعوب العالم، في حين أن جهاز الاستكبار يخشى من انتشارها وقد اتخذ إجراءات مختلفة بعد الثورة من أجل مواجهتها: الانقلاب العسكري، مروراً بالتدخل العسكري المباشر من الجيش الأمريكي، وصولاً إلى الفوضى وزعزعة استقرار البلاد... ولم يحقق أيٌّ منها النتيجة المرجوة.
كان الهجوم العسكري المباشر لدولة ثالثة على الجمهورية الإسلامية خطة أخرى لنظام الهيمنة للإطاحة بالجمهورية الإسلامية على خط تحقيق أهدافه. نتيجة لذلك هاجم نظام صدام إيرانَ في 22/9/1980 من أجل تحقيق أهداف عبر هذا العدوان، مثل منع وصول رسالة مقاومة الثورة الإسلامية والشعب الإيراني إلى الشعوب الأخرى، وهي القضية نفسها التي أشار إليها قائد الثورة الإسلامية في المدة الأخيرة: «كان لدى الشعب الإيراني رسالة جديدة وكلام جديد للعالم. الجمهورية الإسلامية مقولة جديدة، والسيادة الشعبية الدينية كلام جديد وتنظيم جديد للحياة ونمط جديد لحياة الشعوب. كانوا يريدون ألّا تصل هذه الرسالة، رسالة المقاومة، رسالة الصمود، رسالة رفض الاستسلام أمام الغطرسة ومواجهة الظلم، رسالة مواجهة التمييز الدولي. كانوا يريدون إخماد صوت هذه الرسالة. كان هذا الهدف» (21/9/2022).
تحريض صدام على الحرب ضد إيران ودعمه بالسلاح
لقد توصّل المسؤولون الأمريكيون في ذلك الوقت إلى نتيجة تقول إن الثورة الإسلامية لن تبقى محدودة ومحصورة داخل إيران فقط. ولذلك، لم يدخروا أي جهد لدعم نظام صدام خلال الحرب المفروضة التي بدأت بتشجيع وتحريض من الأمريكيين أنفسهم. بعد بدء الحرب، وضعت أمريكا والدول الغربية الدعمَ الشامل لجيش صدام على جدول أعمالهم وجهّزوه ضد إيران بصورة واسعة. زوّدت أمريكا والغرب، وبخاصة بريطانيا وفرنسا، صدامَ بأسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك الكيماوية.
في هذا الصدد، كتبت صحيفة «الغارديان» الإنكليزية في مقالة: «عام 1985، بدأت بريطانيا بناء ترسانة أسلحة كيماوية للعراق. بالإضافة إلى ذلك، بين 1980 و1984، بادرت ألمانيا إلى بناء مختبرات ومخابئ ومواد خام لغاز الخردل والسارين والتابون (غاز الأعصاب) والغاز المسيل للدموع للعراق»(1).
كذلك، أقرّت صحيفة «لوموند» الفرنسية بدعم باريس نظام صدام بالسلاح خلال الحرب المفروضة، وكتبت: «سلمت فرنسا 5 طائرات سوبر أتاندر إلى العراق»(2). وكتبت صحيفة فرنسية أخرى تدعى «ليبراسيون»: «من 1972 إلى 1988، تزوّد جيش صدام حسين بـ90 طائرة مقاتلة و150 طائرة هليكوبتر و560 آلية مدرعة و81 مدفعاً ذاتي الحركة وأكثر من 15 ألف صاروخ من جميع الأنواع، وعادت كلها على الصناعات الفرنسية بأرباح بنحو 20 ملياراً»(3). في الوقت نفسه، أقرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية بالدعم العسكري الأمريكي لنظام صدام في الحرب المفروضة، وكتبت: «تثبت ملفات وكالة المخابرات المركزية أن الولايات المتحدة ساعدت صدام عندما هاجم إيران بالأسلحة الكيماوية. علمت الولايات المتحدة أن صدام كان على وشك شن واحدة من أبشع الهجمات الكيماوية في التاريخ، ومع ذلك، ساعدته»(4).
ظهور المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين
في الوقت نفسه الذي كانت تتواصل مقاومة المناضلين ضد نظام صدام وحلفائه خلال الحرب المفروضة، تشكلت النواة الأولية للمقاومة في لبنان عام 1982، ونتيجة لذلك أعلن حزب الله في لبنان عام 1985 وجوده بإصداره بياناً علنياً ورسمياً.(5) منذ ذلك الحين حقق حزب الله إنجازات كثيرة ضد العدو الأول للأمة الإسلامية، أي الكيان الصهيوني. كان من أبرز هذه الإنجازات دحر الكيان من جنوب لبنان وانتصار 2006. وبصفته من أذرع المقاومة المستلهمة من رسالة الثورة الإسلامية، نجح حزب الله في تحطيم أسطورة «الجيش الصهيوني الذي لا يقهر» إلى الأبد. من ناحية أخرى، قبل انتصار الثورة بأشهر قليلة، أي في 1978، تشكلت حركة «الجهاد الإسلامي في فلسطين» بقيادة فتحي الشقاقي. مما لا شك فيه أن الثورة الإسلامية كانت من العوامل المؤثرة في تشكيل «الجهاد الإسلامي». في هذا الصدد، يقول المحلل والباحث العربي عدنان أبو عامر: «كانت هناك عوامل عدة مؤثرة في تشكيل الجهاد الإسلامي، بما في ذلك الثورة الإسلامية في إيران»(6).
مؤسس «الجهاد الإسلامي في فلسطين»، الشهيد فتحي الشقاقي، هو نموذج واضح آخر على تأثير الثورة الإسلامية وقائدها غب النضال الفلسطيني ومسار المقاومة. بعد انتصار الثورة في إيران، كتب كتابه الشهير الخميني الحل الإسلامي والبديل واعتقلته قوات الأمن المصرية بسبب هذا الكتاب (7)
يقول الأمين العام لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة»، الراحل أحمد جبريل، وهو أحد قادة النضال ضد الصهيونية، بشأن الشهيد الشقاقي: «عندما تخرّج في الجامعة تحدث معي وأبدى رغبته في العمل طبيباً في مدينة القدس، وكان يبشّر بفكر الجهاد الإسلامي، وأنا واثق أن انتصار الثورة الإسلامية في إيران في ظل قيادة الإمام الخميني (قده) ترك أثراً كبيراً في فكر الشهيد فتحي الشقاقي وقلبه. أخبرني بحزم أنني كنت متشوقاً لحمل السلاح لمواجهة النظام الإسرائيلي بالعقيدة الإسلامية، ولكن بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ازداد إيماني وتأكدت أن هذه الصحوة الإسلامية التي بدأها الإمام الخميني (قده) في الإسلام ستستمر في مواجهة الصهاينة ومرتزقتهم الغربيين» (8)
كانت هناك أشكال متنوّعة للمقاومة في فلسطين قبل تشكيل حركة «الجهاد الإسلاميّ»، وللمقاومة تاريخٌ طويل في هذا البلد. على مدى تاريخ النضال الفلسطيني، ظهرت المقاومة بأشكل مختلفة، ففي البداية اتخذت شكلًا فرديًا وعفويًا قبل أن تتخذ نمطًا أكثر تنظيمًا، وذلك مع بدء الثورة المعاصرة عام 1965، وما تبعها من تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وظهور الفصائل المحسوبة عليها، وما تلى ذلك من حضور الفصائل الإسلامية نهاية الثمانينيات من القرن الماضي. مع بداية الانتداب البريطاني عام 1917، وتصاعد التدفق اليهودي إلى فلسطين، مرت المقاومة الفلسطينية بعدة مراحل وتطورات ما بين السلاح والوسائل الشعبية والإضرابات والعصيان المدني، في محاولات مستميتة كان يقوم بها الفلسطينيون للمحافظة على أرضهم من "السرطان" الصهيوني الذي كان يتمدد جغرافيًّا على حسابهم، مستغلًّا التسهيلات البريطانية. (9).
تحويل سوريا إلى ركن من الأركان الأساسية للمقاومة
سوريا أيضاً هي طرف آخر من الأركان الأساسية للمقاومة في المنطقة، ومن الأدلة الواضحة لذلك دعم الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية بمختلف أشكالها في عهدي حافظ وبشار الأسد. هذه هي القضية التي أدّت، بالإضافة إلى المواقف المناهضة للاستكبار من الشعب والحكومة السورية، إلى جعل دمشق مستهدفة بشدة من التيارات الإرهابية والأمريكية والغربية عام 2011. في هذا الصدد، يؤكد الأمين العام لحزب الله في لبنان، السيد حسن نصر الله، أن «الهدف من المشروع الذي انطلق ضد سوريا عام 2011 كان ضرب المقاومة وتقسيم المنطقة»(10). رغم كل هذا، ومع إعلان النهاية الرسمية لإرهاب «داعش» التكفيري في سوريا في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، رسّخ هذا البلد موقعه في محور المقاومة أكثر من ذي قبل.
تشكّل المقاومة في العراق واليمن
بعد احتلال أمريكا العراق في العام 2003، تكوّنت حركات شعبيّة مقاومة في مختلف مناطق العراق بهدف التصدّي للمحتلّين الأمريكيّين وسائر دول التحالف التي اعتدت على العراق. ألحقت هذه الحركات خسائر كبيرة بالمحتلّين وبشكل خاصّ بالجنود الأمريكيّين بسبب تركيزها على «حرب العصابات» واستفادتها أيضاً من تجارب الآخرين (11).
في حزيران/يونيو 2014، وبعد صدور فتوى الجهاد الكفائي من آية الله السيد علي السيستاني لمواجهة «داعش»، أعلن كثيرون استعدادهم لمحاربة التنظيم الإرهابي. بعد مدة وجيزة، وبمساعدة أطراف مختلفة من محور المقاومة، تنظم هؤلاء الأفراد وتشكل «الحشد الشعبي»، الفصيل الذي أدّى دوراً لا يمكن إنكاره في القضاء على الإرهاب التكفيري في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وهو يواجه حالياً حملات سياسية وإعلامية واسعة النطاق من أمريكا والكيان الصهيوني ودول غربية وعربية، بسبب دوره في محور المقاومة.
من ناحية أخرى، وبعد العدوان العسكري للتحالف السعودي على اليمن في 25/3/2015، شكلت حركة «أنصار الله» جبهة مقاومة منظمةً للدفاع عن السيادة الوطنية وشعب هذا البلد. في ذلك الوقت، لم يكن أحد يعتقد أن مجموعة يمنية يمكن أن تشكل جبهة مقاومة منظمة عبر الصمود في حرب غير متكافئة مع المعتدين السعوديين، وتمتلك أسلحة ومعدات عسكرية واسعة النطاق وتستهدف عمق أراضي المعتدين بصواريخ بعيدة المدى. مع ذلك، لم يحدث هذا فحسب، بل صارت المقاومة اليمنية جزءاً من محور المقاومة، إلى درجة أن صرّح قائد «أنصار الله»، السيد عبد الملك الحوثي، بالقول: «نحن نفتخر بأن نكون جزءاً من محور المقاومة»(12).
بناءً على كل ما ذُكر إن المساعي التي يبذلها الأجانب، وعلى رأسهم الأمريكيون، لمنع رسالة مقاومة إيران من الوصول إلى الشعوب الأخرى، واجهت فشلاً ذريعاً. كانت نقطة انطلاق هذا الفشل خلال «الدفاع المقدس» وحرب السنوات الثماني المفروضة، ثم مع تشكيل جبهة المقاومة الموحدة، وقد امتد هذا الفشل إلى دول أخرى أيضاً.
المصادر
1ـ الغارديان
https://www.theguardian.com/politics/2003/mar/06/uk.iraq
2ـ لوموند
https://www.lemonde.fr/archives/article/1983/06/24/la-france-prete-cinq-super-etendard-a-l-irak_2828213_1819218.html
3ـ ليبراسيون
https://www.liberation.fr/planete/2010/09/21/la-france-la-guerre-iran-irak-et-les-affaires_680556/
4ـ فرين بوليسي
https://foreignpolicy.com/2013/08/26/exclusive-cia-files-prove-america-helped-saddam-as-he-gassed-iran/
5ـ العهد
https://www.alahednews.com.lb/article.php?id=43410&cid=125
6ـ مصر 360
https://masr360.net/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A/
7ـ الجزیره
https://www.aljazeera.net/encyclopedia/icons/2014/12/6
8ـ پایگاه اطلاع رسانی حوزه
https://hawzah.net/fa/News/View/85636
9ـ نون بوست
https://www.noonpost.com/content/40805
10ـ وكالة سانا للأنباء
http://www.sana.sy/?p=1002298
11ـ فصائل المقاومة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي
https://www.youtube.com/watch?v=9EXEZ3-Im4g
12ـ الميادين
https://www.almayadeen.net/latestnews/2022/8/8/%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86:-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%AB%D9%8A:-%D9%86%D8%A4%D9%83%D8%AF-%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D8%B2%D8%A7%D8%B2%D9%86%D8%A7-%D8%A8%D8%A3%D9%86%D9%86%D8%A7-%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D9%85%D9%86-%D9%85%D8%AD%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%88%D9%85%D8%A9-%D9%88%D9%84%D8%A7
تعليقات الزوار