اجتماع السفراء الأوروبيين المقيمين في طهران منتصف أكتوبر/تشرين الأول الذي استضافته إحدى السفارات لدعم أعمال الشغب، والتخطيط لاغتيال شخصيات نووية وجو-فضائية وعسكرية رئيسية، والدعم المسلح للجماعات الكردية المناهضة للثورة من الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، يمكن عدّها من الإجراءات المهمة والمُلفتة للعدو في أعمال الشغب التي لم تخف عن أعين جهاز الاستخبارات التابع لحرس الثورة الإسلامية.  وفي إطار تبيين الجذور لأعمال الشغب التي وقعت العام الماضي، أجرى موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقابلة مع العميد محمد كاظمي، رئيس جهاز الاستخبارات في حرس الثورة الإسلاميّة. وفقاً للعميد كاظمي، إن أجهزة استخبارات 20 دولة أجنبية متورطة في تأجيج أعمال الشغب الأخيرة.

مقتطفات من الحوار مع رئيس جهاز الاستخبارات في حرس الثورة الإسلاميّة العميد محمّد كاظمي:

ـ كانت أجهزة التجسس تؤكّد في أواخر مرداد 1401 (آب 2022) أنّ تحقيق النجاح في ما يرتبط بـ«الحجاب الإلزامي» سيكون مقدّمة لإسقاط النّظام.

ـ إنّ وقوع حادثة وفاة السيّدة مهسا أميني التي كانت تتمتّع بخصائص منها كونها فتاة شابّة وكرديّة وسنيّة سرّع في تنفيذ مخطّط العدوّ.

ـ الأمريكيّون توصّلوا بعد مجيء حكومة بايدن إلى هذه النتيجة الاستراتيجيّة بأنّهم تلقّوا الهزيمة في العديد من الملفّات الخارجيّة وسبب ذلك كان الخطوات التي أقدمت عليها إيران وأسلوب قائدها في الإدارة.

 ـ لذلك انطلقوا باتجاه إعادة تدوين وصفة الضغوط القصوى لترامب بما ينسجم مع الديمقراطيّين (الحرب المركّبة) لصدّ الجمهوريّة الإسلاميّة ومحاصرتها.

ـ في أيّار من العام 2022 انعقد مؤتمر التنسيق بين السي آي أي والعناصر المعادين للثورة الإسلاميّة وتناول قضيّة تنظيم احتجاجات خلال الأشهر القادمة، وتمّ طرح أساليب عمل منها تشكيل غرفة عمليّات خاصّة بالحرب المحليّة ضدّ النظام، وعرض مخططات تضمن قضيّة المحافظة على الأشخاص والقادة الميدانيّين وكذلك أساليب لتصنيع المواد المتفجّرة..

ـ تمثّلت الخطة الثانية لأمريكا في إلهاء إيران بشكل متزامن بموجة من الأزمات الداخليّة، توفير الأموال للمجموعات الأجنبيّة، تحريض القوميّات، الإيحاء بفقدان النظام كفاءته، استمرار الضغوط والحظر، إظهار أنّ شنّ الهجوم العسكريّ قريباً والعزل الشامل على المستوى السياسي. في الواقع، كان الهدف هو إيجاد «إيران ضعيفة».

ـ وفق استطلاعاتنا الاستخباريّة، كان هناك جدول أعمال خاصّ في الساحة الكرديّة محوره تنشيط المحطّات الأمريكيّة في المنطقة ضمن إطار ملف الأكراد المعادين للثورة الإسلاميّة، ولا يزال مستمرّاً حتى اليوم. وفي أحد النماذج تمّ في آذار/مارس من العام 2022 تقديم قرابة الـ800 ألف دولار للأكراد المعادين للثورة الإسلاميّة من أجل تقويتهم من خلال رفدهم بالتجهيزات الحديثة والمزيد من العناصر.

ـ وخلال مسيرة الأربعين شاهدنا مواقف من بعض الجماعات الكرديّة تهدّد أمن الزائرين، ومع بدء أعمال الشغب تضاعف لعبهم لأدوارهم.

ـ وعقب التنسيقات السابقة مع الحكومة العراقيّة والرسائل والتحذيرات المُسبقة التي كانت قد وُجّهت إلى قادة هذه الجماعات، ووفق المعلومات الدقيقة التي تمّ الحصول عليها من داخل الأحزاب المعادية للثورة الإسلاميّة، تمّ خلال أربع مراحل وبالتزامن مع حضور العناصر الرئيسيّين للجماعات، توجيه ضربات قاسية لمواضعهم من قبل قوّات حرس الثورة الإسلاميّة. وخلال هذه العمليّات، وبعد الاستهداف الدقيق لـ44 هدف محدّد مسبقاً، تمّ القضاء على 24 شخصاً من الأشرار المعادين للثورة الإسلاميّة وجُرح أكثر من 165 منهم، كما وُضعت شبكة المتعاونين معهم في الداخل قيد المراقبة والعمل الاستخباري.

ـ وتمّ إطلاع الحكومة العراقيّة والمسؤولين في الإقليم شمال العراق بخطوط إيران الحمراء ومُنحت فرصة لمنع تحرّكات الجماعات الإرهابيّة الكرديّة في سبيل توفير الأمن لأراضي البلاد. كما تمّ إجراء نقاشٍ في هذا المجال خلال الزيارة الأخيرة للأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي وتمّ عقد بعض الاتفاقيات.

ـ في خضمّ أعمال الشغب، طُرحت هذه الشائعة من قبل بعض وسائل الإعلام المعارضة بأنّ بريطانيا هدّدت جمهوريّة إيران الإسلاميّة ولوّحت بأنّ أعمال الشغب ستنتهي في حال تمّ تحقيق شروط من قبيل قطع الدعم عن روسيا في حرب أوكرانيا، والعودة إلى حدود الاتفاق النووي والإفراج عن السّجناء.

ـ بعد أيّام من أعمال الشغب أيضاً، تمّ في بعض اللقاءات الدبلوماسيّة طرح ادّعاءات شبيهة من قبل بعض الدول الأوروبيّة. وفي الجلسة التي انعقدت بهدف إعادة إحياء المفاوضات في العاصمة القطريّة «الدوحة» بمشاركة وفدٍ من وزارة الخارجيّة في بلدنا ووفد من الاتحاد الأوروبي، شدّد الطرف المقابل على موضوع تغيير جمهوريّة إيران الإسلاميّة سلوكها وتفاعلها مع الغرب.

ـ ونظراً إلى اشمئزاز الشعب الإيراني التاريخي من الجماعات الإرهابيّة، خاصّة المنافقين والمؤيّدين للشاه المخلوع، لم تتوفّر لهؤلاء أبداً إمكانيّة إطلاق موجة وأحداث أمنيّة اجتماعيّة داخل البلاد، وهم كانوا يترصّدون باستمرار فرصة لركوب الموجة وبثّ انعدام الاستقرار وإطلاق أعمال الشغب ضمن تلك الأرضيّة. طبعاً، تضاعف مستوى دعمهم وتوجيههم من قبل أجهزة التجسّس.

ـ وفي الاجتماع الثلاثي الذي حضره ممثّلون عن أمريكا، بريطانيا والكيان الصهيوني في إحدى دول المنطقة وتناول الأوضاع في إيران، تمّ التأكيد على عدّة نقاط. «أوّلاً أن يُسلّم الأسطول البحري الخامس للقوات البحريّة الأمريكيّة أسلحة للأكراد المعادين للثورة الإسلاميّة وثانياً أن تتمّ مساندة جماعات المنافقين على المستوى الاستخباري في ما يرتبط بالتعرّف على الأماكن المهمّة وثالثاً تفعيل المجموعات المعادية للثورة من أجل القيام بخطوات سريّة داخل إيران.»

ـ نظراً إشراف الأجهزة الاستخباريّة في البلاد على المشغّلين لشبكات الجماعات العمليّاتيّة والإعلاميّة في الداخل، تمّ في ذروة أعمال الشغب التعرّف على 35 شخصاً من قادة المنافقين و20 من قادة الحركات الشاهنشاهيّة، وأُلقيَ القبض عليهم. وهنا تمّ تتبّع الشبكة التي تدّعي أنها من شباب الأحياء في بعض المحافظات وخضعت للمراقبة الاستخباريّة وتمّ التصدّي لها.

ـ كذلك يرِد في تقييم وكالة استخبارات الدفاع الأمريكيّة في أيلول/سبتمبر ما يلي: «هذه المجموعات أثبتت عجزها عن الهجوم على حدود إيران، وإنّ ادعاءاتهم السابقة بخصوص عمليّات شراء الأسلحة وتخزينها داخل إيران كانت كاذبة.»

ـ لطالما كان الاستثمار في مواضيع تُساهم في إحداث الفرقة داخل المجتمع وتستهدف الانسجام داخل البلاد، من الاستراتيجيّات القديمة والمستخدمة بكثرة لدى العدوّ، وبشكل خاصّ بريطانيا الخبيثة، ولم يقتصر الأمر على بلدنا بل كان سارياً في أيّ مجتمع توفّرت فيه الإمكانيّة لأمرٍ كهذا.

ـ وفي مشروعٍ آخر تمّ إنفاق 550 ألف دولار كدعم إعلامي لتحريض الأقليّات القوميّة والدينيّة في مناطق إيران الحدوديّة وتغطية أخبار أعمال الشغب داخل البلاد.

ـ في ما يرتبط بدائرة الشباب، ووفق المعلومات التي حصلنا عليها مؤخّراً، تمّ إدراج مسألة إيجاد الشرخ مع الشباب وإطلاق مصطلح «الثورة الطلابية» على أعمال الشغب في الخريف، وإعادة إنتاج التوتّرات السياسيّة وتقسيم التيارات إلى متطرّفين ومعتدلين، كأساليب لتغيير استراتيجيّة أمريكا في التعامل مع إيران.

ـ وإنّ التحليلات الاستخباريّة في جهاز الاستخبارات التابع لحرس الثورة الإسلاميّة تعرض بوضوح مشاركة وأدوار لأجهزة استخباريّة تابعة لما يقرب من عشرين بلد في أعمال شغب العام 2022، وفي ما يرتبط ببعض هذه الدول، تدخّلت عدّة أجهزة استخباريّة لديها.

ـ تجدر الإشارة إلى أنّه خلال الأعوام الأخيرة، جرى العمل على بناء تحالف وتقسيم الأعمال بين المجموعات المعارضة لجمهوريّة إيران الإسلاميّة والأجهزة الاستخباريّة التابعة للدول المعادية لإيران، وقد تجلّى هذا الأمر خلال الأحداث الأخيرة.

ـ بالطّبع، كان تدخّل الأجهزة الاستخباريّة والسفارات التابعة لهذه الدول مباشراً وغير مباشر، أو كان بالتعاون مع عناصر نابت عنهم في مختلف المجالات السياسيّة، الأمنيّة، الدبلوماسيّة، الحقوقيّة والسيبرانيّة.

ـ من الدول التي نشطت في هذه المجالات، يمكن الإشارة إلى أمريكا، بريطانيا، الإمارات، السعوديّة، فرنسا، ألمانيا، كندا، بلجيكا، النمسا، ألبانيا، أستراليا، إيسلندا، إيطاليا، كوزوفو، النرويج، البحرين، نيوزلندا والكيان الصهيوني المحتلّ.

ـ تحرّكات دبلوماسيّي السفارة الفرنسيّة في طهران من أجل جمع المعلومات الميدانيّة حول أعمال الشغب وأوضاع قوى الأمن والشرطة في أيلول/سبتمبر وتبادل المعلومات مع ضابط استخباري تابع لسفارة إحدى الدول الأوروبيّة.

ـ محاولة الكيان الصهيوني تبرير إنشاء صندوق لدعم المعترضين والمحتجّين، والذي ابتُكر وحظي بدعمٍ مالي من أمريكا وسائر الدول.

ـ جلسة ضمّت سفراء 28 دولة أوروبيّة في سفارة إحدى الدول الأوروبيّة في أيلول/سبتمبر 2022 من أجل دراسة مقترح استدعاء سفراء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وإغلاق السفارات الأوروبيّة في إيران ومحورها ألمانيا.

ـ ألاستفادة من الأجانب غير الأوروبيّين (الأفغان، الباكستانيّون، العراقيّون) ومن حضور الأجانب الأوروبيّين من أجل جمع المعلومات وتوثيق أوضاع أعمال الشغب، وقد أدّى ذلك إلى اعتقال 40 شخصاً من مواطني إحدى الدول الجارة، وشخص فرنسي – إيرلندي في محافظة خراسان الرضويّة وشخص ألماني في محافظة أردبيل.

ـ تشديد أنشطة وكالة السي آي إي في خضمّ أعمال الشغب وممارستها الدعم في سبيل بناء الأرضيّة السيبرانيّة الضروريّة لتناقل أخبار أعمال الشغب، ومنها العمل على إرسال التجهيزات التقنيّة، ووسائل التهرّب وإلغاء الحظر على الأدوات ذات الصلة بالتواصل عبر الهواتف النقالة بذريعة التدفّق الحرّ للمعلومات وحريّة الإنترنت.

ـ طلب وكالة الـCIA في نهايات أعمال الشغب تشكيل فريق مشترك مع الموساد والـMI6 من أجل إعادة تفعيل مشروع اغتيال العلماء خاصّة العاملين في المجال النووي والجو-فضائي والعسكري.

ـ جلسة دوريّة مشتركة لوكالتي الإمارات والكيان الصهيوني الاستخباريّتين في بلد عربي تناولت موضوع دعم أعمال الشغب في إيران.

ـ لا تزال استراتيجيّة الأعداء ضدّ جمهوريّة إيران الإسلاميّة متواصلة، وتشكّل انتخابات العام 1402[1] نقطة تحوّل بالنسبة إليهم. لكن هناك إرادة تتغلّب على إرادة العدوّ.

ـ وقد شاهد الأصدقاء والأعداء في الداخل والخارج معالم هذه الإرادة الإلهيّة في يوم الله 13 آبان[2] و22 بهمن[3]. إنّ مقاومة الشعب الإيراني استطاعت ترك تأثيرها في الأوضاع الداخليّة والخارجيّة للبلاد بفضل الحضور الواعي والحماسي للشباب والعائلات في هذه المناسك الدينيّة – السياسيّة والإعلان عن انهزام مخطط الأعداء الذي استمرّ 100 يوم.

ـ وقد كان التأثير الأوّل على الأمريكيّين الذين التفّوا بعد وقوعهم بالخطأ في حساباتهم بشأن أعمال الشغب والتفكير بتنفيذ مخططهم الثاني مع دعمهم العلني للإرهابيّين الخبثاء والداعمين سيّئي السمعة للدكتاتوريّة البهلويّة، وهم اليوم يحاولون إعادة بناء صورتهم ومواقفهم.

ـ وكان التأثير الثاني على الأوروبيّين الذين تراجعوا عن إدراج الاتحاد الأوروبي حرس الثورة الإسلاميّة على لائحة الإرهاب، وإنّ الحكومات الأوروبيّة تسعى لإعادة إحياء مسارات التعامل الدبلوماسي مع إيران.

ـ وكان التأُثير الثالث واضحاً في الزيارة التاريخيّة لسماحة السيّد الدكتور رئيسي (رئيس جمهوريّة بلادنا الموقّر) إلى الصين والاتفاقات الاستراتيجيّة التي انعقدت بين طهران وبكين خاصّة في المجال الاقتصادي.

ـ كما إنّ التأثير الرابع تجلّى في الإعلان عن اتفاق بين جمهوريّة إيران الإسلاميّة والسعوديّة وترحيب سائر الحكومات العربيّة بتعزيز العلاقات مع إيران.

ـ وفي الداخل أيضاً، فإنّنا عقب الأمر التاريخي لقائد الثورة الإسلاميّة بالعفو وتخفيف أحكام مجموعة يُعتنى بها من المتهمين والمحكومين في الأحداث الأخيرة، إضافة إلى الهمّة المضاعفة للمؤسسات التنفيذيّة، التشريعيّة والقضائيّة في البلاد من أجل لجم التضخّم ومنح الاستقرار للسوق وأيضاً تدفّق الانفراجات الخارجيّة إلى داخل البلاد، نشهد بفضل الله ارتقاء الأمل، الانسجام والثقة بالنفس لدى عامّة الناس وبين مختلف فئاتهم، إضافة إلى انطلاق مشاريع اقتصاديّة ضخمة مع بداية العام 1402[4].

ـ جاءت التطوّرات الأخيرة نتيجة مقاومة الناس وكفاءة نظام جمهوريّة إيران الإسلاميّة، إذ إنّه طوال هذه الأعوام التي تلت انتصار الثورة وعلى الرغم من الحجم الكبير لمخططات الأعداء وخطواتهم العدائيّة والشريرة، استمرّ مسار الارتقاء والتقدّم والعزّة لإيران الإسلاميّة وإن شهدت البلاد وقفة في بعض الأحيان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  1 آذار 2024

[2] اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي

[3] ذكرى انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران

[4]  21 آذار 2023