في ليلة الهجرة، كلّف النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم الإمام عليّاً عليه السلام -وهو شابّ في مقتبل العمر- أن يبيت في فراشه، فكان سؤال الإمام عليه السلام الوحيد: "أَو تسلم بمبيتي هناك يا نبي الله؟"(1)، فردّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالإيجاب، فبات الإمام عليه السلام مطمئناً دون أن يرفّ له جفن. وكان من نتيجة امتثاله التكليف أن نجت أمّةٌ بكاملها، فأرّخت تلك الليلة تاريخ الإسلام.
لكلّ تحدٍّ تكليف، وبعض هذه التكاليف يولد في ظروفه الخاصّة. ولأنّ التكاليف تُبنى على قاعدة الولاية والبصيرة، ارتأت مجلّة بقيّة الله أن تقف عند آراء الشباب، بوصفهم النبض الحيّ لمستقبل الأمّة، وعامل التغيير، وورثة المقاومة في المستقبل؛ لاستطلاع مواقفهم من مسألة التكليف، وسرّ امتثاله، وإرادة الالتزام به، وأخيراً بركات هذا الالتزام من وجهة نظرهم.
* ما المقصود بالتكليف؟
قبل الغوص في آراء الشباب ومواقفهم، من الجيّد الإشارة إلى معنى التكليف. يوضح سماحة السيّد بلال وهبي أنّ التكليف إنما هو مجموعة وظائف شرعيّة تنشأ من ظرف معيّن، ويمكن أن تختلف من ظرف إلى آخر أو من زمن إلى آخر، وهي تصدر عن الأئمّة عليهم السلام، لذلك، يجب الالتزام بأوامر كلّ إمام ونواهيه. وبما أنّنا نعيش في زمن الغيبة، لا بدّ من الرجوع في هذه المسألة إلى فقيه عادل كفؤ.
والفقيه الجامع للشرائط في هذا الزمن هو الإمام السيّد علي الخامنئيّ دام ظله، وعلى الإنسان أن يلتزم بالتكليف ويؤدّيه على أكمل وجه، لأنّ فيه مصلحة له وللأمّة الإسلاميّة جمعاء. ويتحدّث السيّد وهبي عن نوعين من التكليف: كفائيّ وعينيّ. الواجب العينيّ يكلّف به كلّ مسلم على حدة، أمّا الكفائيّ فهو المتعلّق بجميع المكلّفين وبالمصالح العامّة للأمّة، لكن لو جاء به بعضهم، لسقط الوجوب عن الآخرين.
* نماذج الالتزام بالتكليف
إلى أيّ مدى يلتزم الشباب بأداء التكليف؟ ربيع الحاج وهو ناشط إعلاميّ يقول: "على الشابّ المسلم أن يبدع في أداء تكليفه بروحيّة ونشاط"، ويتابع: "إنّ أهمّ عامل في أداء التكليف يكمن في فهم مصطلحين: القيادة والولاية". كما أكّد على دور العلماء في التبليغ الدينيّ لتفسير مفهوم الولاية وترسيخه لدى الشابّ المسلم. وعند سؤاله عن أوضح نموذج اليوم لدى جيل الشباب التزاماً بالتكليف، يجيب: "أظهرت المقاومة بقوّتها الشابّة الفتيّة من مجاهدين وجرحى وشهداء؛ أنّها نموذج مثاليّ لأداء التكليف. فضلاً عن الدور الزينبيّ لأمّهات المجاهدين وزوجاتهم، اللواتي دفعن بهم نحو أداء التكليف".
* لكلّ تحدٍّ تكليف
من وقت إلى آخر، تظهر تحدّيات جديدة تحتاج إلى علاجات ومواقف مختلفة، ومن الأمثلة على ذلك ما يعصف بمجتمعاتنا من تحدّيات اجتماعيّة قد تهدّد بنيانه، فكيف يحدّد الشباب تكليفهم في مواجهة هذا النوع من التحدّيات؟ يقول ربيع الحاج: "إنّنا نتعرّض لغزو ثقافيّ يضعنا أمام تحدّيات كبرى، وأهمّ مثال على ذلك هي الحرب الناعمة، التي تُشنّ إعلاميّاً على المقاومة من خلال الفضاء الافتراضيّ، فتُبثّ الشائعات والفتن لتشويه سمعتها، وتسعى إلى زرع الانشقاقات بين المذاهب الإسلاميّة، وتعمل كذلك على توهين الدين والمعتقدات الإسلاميّة". يشير الحاج إلى مسألة أخرى في إطار الغزو الثقافيّ هي في غاية الخطورة: "إنّ ما نشهده اليوم من هجمة ممنهجة لتوهين الحجاب الإسلاميّ المراعي للستر والحياء، فضلاً عن توجيه الفتيات نحو (الإسلام الأمريكيّ) عبر الترويج لحجاب الموضة القائم على التبرّج وارتداء الملابس التي لا تراعي الضوابط الشرعيّة، ناهيك عن دسّ أفكار مسمومة في عقولهنّ كعدم الزواج والإنجاب وما ينتج عنهما من تفكيكك للأسر، مقابل شعارات خدّاعة من قبيل التحرّر وتحقيق الذات والاستقلاليّة؛ كلّها تحدّيات تتطلّب من الشباب الصمود وعدم الانجرار وراء هذه الثقافة، بل تفرض عليهم صقل ثقافتهم الإسلاميّة أكثر وتحصينها".
* أداء التكليف سرّ النجاح
كيف ينظر الشباب إلى أداء التكليف؟ وهل يلمسون ثماره ونتائجه في حياتهم؟ يقول محمّد جواد: "أداء التكليف في نفسه عبادة، فعندما أقوم بما أُكلّف به، فأنا ألتزم بطاعة الله، فضلاً عن أنّ التكليف نعمة حقيقيّة؛ لأنّه ينير لنا الطريق، ويدرّ علينا الخير كلّه، ويوحّدنا تحت القضايا المصيريّة الكبرى، في حين نرى بعض الشعوب مشتّتة ضائعة، لأنّها تفتقد إلى مثل هذا الأمر". وعن آثار هذا الامتثال في حياته، يقول: "الشخص الذي يحرص على أداء التكليف في حياته، تجده نشيطاً ومنجزاً ومثابراً، كلّما أنجز تكليفاً معيّناً، يسأل عن تكليفه التالي". ويتابع قائلاً: "أعتقد أنّ تكليفنا جميعاً اليوم هو التمهيد لدولة العدل المنتظر، وكلّ ما يتطلّبه ذلك منّا: تعلّم، وثقافة، وجهاد، وتربية...". أمّا فاطمة.ش فتقول: "الالتزام بالتكليف يجعل منك شخصاً إيجابيّاً، بمعنى أنّك تقوم بما عليك، وتتوكّل في النتائج على الله، بأمل وإيجابيّة". وتتابع: "أداء التكليف يوحّد همومنا، وينظّم سلوكنا، ويقرّب أهدافنا إلى الواقع، وهذا سرّ نجاح مجتمع المقاومة رغم كلّ التحدّيات التي يواجهها".
* همّة لا تهدأ
بعض الشباب يترجمون الالتزام بتكليفهم عن طريق العمل بهمّة ونشاط ومثابرة، في مختلف المجالات والساحات. يقول حيدر حجازي (22 سنة): "تدعونا الحاجَة في المجتمع لأن نكون حاضرين في كلّ ساحة وميدان، خاصّة أنّ الاستكبار يشنّ حروباً كثيرة على جيلنا الشابّ، هدفها أن نفقد الروحيّة والأمل بالتغيير، وأن نستسلم لتلك الثقافة الغربيّة البعيدة كلّ البُعد عن مبادئنا الإسلاميّة وقضايانا وأهمّها قضيّة تحرير فلسطين".
انطلاقاً من مبدأ قيامه بتكليفه، ينشر حيدر قصص الشهداء الجهاديّة والعباديّة، ويعمل عبر مجموعته "يقين" على توعية الشباب وإشراكهم في نشر آثار الشهداء. وعن كيفيّة صقل شخصيّته وتقوية نفسه ليقوم بتكليفه؛ يقول: "أصقل شخصيّتي من خلال الثقافة التي أحقّقها عن طريق المطالعة، فلدينا إرث فكريّ كبير من كتب العلماء أمثال الشهيد مطهّري، والإمام علي الخامنئيّ دام ظله، والإمام الخمينيّ قدس سره". ويدعو حيدر الشباب إلى تنشيط عقولهم ثقافيّاً، "فنحن نواجه غزواً ثقافيّاً خطيراً". ويختم قائلاً: "على كلّ شابّ أن يلتزم بأداء التكليف ولا ييأس إن تأخرّت النتائج، فالتغيير والإصلاح سيتحققّان بظهور الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وكلّنا تحت راية السيّد علي الخامنئيّ دام ظله".
وللمرأة أيضاً دور في أداء التكليف، وعن ذلك تقول زهراء نصر الدين، وهي ناشطة على وسائل التواصل: "تكليفنا يحتّم علينا أن نملأ أيّ ثغرة في جميع الساحات، خصوصاً الإعلاميّة منها، ونقدّم نموذجاً راقياً عن الفتاة المسلمة المقاومة المحجّبة بحجاب الستر والعفاف اقتداءً بشخصيّة السيّدة الزهراء عليها السلام ودورها السياسيّ في حماية مصالح الأمّة الإسلاميّة والولاية".
* ما هي آثار أداء التكليف؟
من خلال تجربته مع الشباب، نعود إلى سماحة السيّد وهبي لسؤاله عن آثار أداء التكليف وانعكاسه على فئة الشباب، فيقول: "إنّ الفائدة التي يجنيها المكلّف من أدائه للتكليف الشرعيّ هي الالتزام بالحكم الشرعيّ وأداء حقّ الطاعة لله تعالى علينا، وهذا الأهمّ على الإطلاق". يضيف سماحته: "إنّ من ثمار الالتزام بالتكليف التسليم لقيادة واحدة واعية وشرعيّة في إطار طاعة الوليّ، وبها نحقّق النصر والعزّة".
* كيف نحصّل ثقافة التكليف؟
يبيّن سماحته أنّ ثمّة أسباباً عدّة تجعل من الشابّ مكلّفاً واعياً، أهمّها: إيمان الإنسان ويقينه بوجوب الامتثال لأوامر الله عزّ وجلّ، مضافاً إلى الدور الأساسيّ للأسرة في تنشئة هذا الشاب على القيم والمبادئ الإسلاميّة.
ختاماً، حذّر سماحته من خطورة الحرب الناعمة ودورها عبر القنوات التلفزيونيّة ووسائل التواصل الاجتماعيّ، من خلال ما تقوم به من غسل لدماغ الشباب، وحرفهم عن أداء تكليفهم، وإبعادهم عن الروحيّة الجهاديّة الحسينيّة.
* سبيل كلّ خير
في الختام، أداء التكليف ليس عبئاً أو حِملاً ثقيلاً يصعب إنجازه، وإنّما هو عبارة عن دور، على كلّ إنسان القيام به تبعاً للظروف المحيطة به، وهو نعمة لما يحمله في نهاية المطاف من خير وصلاح ونصر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- الشيخ الطوسي، الأمالي، ص465.
تحقيق: نور مطوط
المصدر: مجلة بقية الله
تعليقات الزوار