ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي نصّ الحوار الذي أجراه مع نائب الأمين العام لحزب الله في لبنان سماحة الشيخ نعيم قاسم، حيث جرى التطرّق للحديث عن وضع الكيان الصهيوني الحالي مقابل المقاومة وتوازن الرّدع الكبير الذي فرضته المقاومة مع العدوّ، إضافة إلى تسليط الضوء على جوانب متعدّدة من شخصيّة الإمام الخامنئي والحديث عن حزب الله كهويّة وطنيّة وأنّ تضحياته ومقاومته ودفاعه عن الإسلام والوطن إنّما هي ببركة توجيهات الوليّ الفقيه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بفضل الله بسم الله الرحمن الرحيم والحمد حقّه كما يستحقه حمداً دائماً لا ينقطع أبداً وصلّ اللهم على سيدنا محمدٍ وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. أهلاً وسهلاً بكم في هذا اللقاء الخاص الذي أتاحه لنا نائب الأمين العام لحزب الله العلامة المجاهد سماحة الشيخ نعيم قاسم في أجواء ذكرى الانتصار الإلهي الذكرى السابع عشرة، سلامٌ عليكم سماحة الشيخ.
عليكم السلام.
حياكم الله بداية أعظم الله لكم الأجر في أجواء ذكرى شهادة سيد الشهداء ـ عليه السلام ورابع ـ أئمة الهدى ـ سلام الله عليهم ـ.
عظّم الله أجركم.
وأجركم إن شاء الله وكل عامٍ وأنتم بألف خير في الذكرى السابعة عشرة للانتصار الإلهي.
أسأل الله أن تكون كل الأمة الإسلامية والمقاومين بخير.
صرح الإمام الخامنئي ـ دام ظلّه ـ منذ عدة أعوام أن الكيان الصهيوني لن يشهد الأعوام الخمس والعشرين القادمة، ومؤخراً أيضاً أشار إلى أنهم استعجلوا على الرحيل قبل خمسة وعشرين عاماً، كيف كان تلقيكم لموقف الإمام ـ دام ظلّه ـ؟ وما هي قراءتكم لهذا الموقف بالنظر إلى التجربة وبالنظر إلى الوضع الراهن والمستجدات؟
بسم الله الرحمن الرحيم، سماحة الإمام القائد الخامنئي ـ دام ظلّه ـ يرى بنور الله تعالى، وقد توفق خلال هذه الفترة من القيادة لأن يكون ملماً بأدق التفاصيل التي لها علاقة بالجمهورية الإسلامية ومحور المقاومة، وكذلك ما يجري على الساحة العالمية، وما هو الواقع الموجود في فلسطين المحتلة.
فلو افترضنا أنه أجرى مقارنة ودراسة منطقية إلهية بحسب السنّة التكوينية بناءً على المعطيات المتوفرة في انحدار الكيان الإسرائيلي وصعود المقاومة وتفكك الوضع العالمي من الآحادية إلى التعددية، فلا بدّ أن تكون له قراءته ولا بدّ أن يصل إلى استنتاجات ستكون دقيقة بإذن الله تعالى.
وحاول سماحة القائد أن يؤكد بطريقة أو بأخرى أن هذا الأمر هو استنتاج من قبله، أنا لا أعلم إذا كان هناك أمر آخر ربما بسبب خصوصيته وعلاقته بالله تعالى وعلاقته بالإمام المهدي ـ عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ قد تكون له إلهامات معينة، لكن أنا سأقتصر على ما أصر [سماحته] على الإشارة إليه أن منطق الأمور والسنن الإلهية توصل إلى هذه النتيجة.
طبعاً، أن يقوم محور المقاومة بواجباته، والحمد لله هذا المحور ينمو، يتطور، يتقدم إلى الأمام، فأمام كلام سماحة القائد لا كلام آخر. إذا كانت هذه رؤيته وهو في كل الأمور التي طرح فيها وجهة نظر أو موقف كنا نرى أن هذا الموقف يتحقق لأنه مبني على معطيات دقيقة وله قدرة عجيبة في ربط الأمور وتحليلها بدقة لا متناهية.
إن شاء الله يكون هذا التوقع في وقته بل قبل وقته، وعلى كل حال نحن نرى أن هذا الكيان فيه مشاكل كثيرة، فيه تداعيات كثيرة، ومحور المقاومة في المقابل ينمو، يقوى، يتطور... هذه مؤشرات إيجابية وتأخذ نحو زوال الكيان إن شاء الله.
سماحة الشيخ، في موقف الإمام ـ دام ظلّه ـ بناءً على القواعد التي تفضلتم بالإشارة إليها، هل شرط تحقق هذا الأمر بأن يكون مرتبطا بالعمل على مستوى المحور؟
نعم أنا ذكرت أنه قال إن هذا التاريخ الذي هو خمس وعشرون سنة مرتبط بقيام محور المقاومة والمقاومين بواجباتهم وأن لا يتخلوا عن أدنى واجب وإعداد واستعداد وعمل وجهاد وشهادة.. وهذا ما نراه متوفراً في الجانب العملي.
إلى المقاومة والحديث عن حزب الله وقدراته وتحديداً فيما يخص العلاقة مع الجمهورية الإسلامية لا بدّ من استذكار الشهيد القائد الحاج قاسم سليماني ـ طاب ثراه ـ كيف كانت علاقتكم مع الحاج قاسم سليماني؟ وكيف كان دوره في تعزيز قدرات حزب الله؟
الحاج قاسم سليماني ـ رضوان الله تعالى عليه ـ استلم مسؤولية قيادة قوة القدس في سنة ألف وتسعمئة وثمانية وتسعين أي قبل التحرير عام ألفين بسنتين، وفي الواقع شهدنا خلال هاتين السنتين نمطاً جديداً من طريقة الإدارة وطريقة الدعم وطريقة الاهتمام، بل نستطيع أن نقول إن فترة قيادة الشهيد قاسم سليماني كانت فترة تصاعدية بشكل غير عادي في التجهيز والتدريب وتوفير الإمكانات والرفد بالكفاءات وتطوير القدرات بشكل غير عادي أيضا.
عندما يحضر الشهيد قاسم سليماني ـ رضوان الله عليه ـ مباشرة في قلب المعركة عام 2006، ويكون إلى جانب سماحة السيد حسن نصر الله ـ حفظه الله ـ والحاج عماد مغنية ـ رضوان الله تعالى عليه ـ، عندما يكون في قلب المعركة ولا يغادرها إلا ليومين فقط من أجل أن يضع القيادة الإيرانية وسماحة القائد بالأجواء ويحضر بعض الإمكانات المالية وغير المالية نفهم دور القائد الشهيد سليماني ونفهم كيف كان يعيش المقاومة في الميدان.
هو شخص عملي، هو ليس شخصا نظريا، هو قائد، ويسير في الأمام ويكون مع المجاهدين بشكل مباشر، وهذه الميزة هي التي جعلته بهذا الموقع وهذا الدور وهذا التأثير وهذا الحبّ الذي انتشر عند المقاومين في كل المناطق.
مع القدرات وطبيعة الإدارة المستجدة منذ العام 1998 نقف عند النتائج التي حصلت وحصّلتها المقاومة عام 2006، كيف تنظرون إلى المقاومة الإسلامية في آب 2006 وآب 2023؟
في آب 2006، يعني بعد معركة الثلاثة والثلاثين يوماً نستطيع أن نقول بكل فخر وبكل اطمئنان أن النصر الذي حصل هو نصر إلهي بكل ما للكلمة من معنى.
صحيح أن المقاومين أعدوا واستعدوا، وصحيح أن المجاهدين كانوا في موقع المعركة مستبسلين واستطاعوا أن يوقفوا الامتداد الإسرائيلي، وصحيح أيضاً أن العدو واجه مفاجآت كثيرة لم يكن يتوقعها، لكن إذا درسنا الإمكانات بين إمكانات المقاومة وإمكانات العدو، وإذا درسنا العدد بين عدد المقاومين وعدد العدو، سنجد أن الانتصار لم يحصل فقط بالإمكانات لأنها غير متكافئة، وإنما حصلت بالروحية، بالتعبئة، بالثقافة، بالإيمان، بالإخلاص وبالعلاقة مع الله تعالى، إذاً هذا النصر هو نصر إلهي حقيقي.
سأصارحك أننا في اليوم الخامس لبداية المعركة يعني في السابع عشر من تموز عام 2006، كانت توجد جلسة للشورى، وفي هذه الجلسة مع أننا كنا في اليوم الخامس من المعركة، كان جو سماحة السيد حسن نصر الله وما بثه وما تحدث به وما كان مجالا للنقاش، أننا متجهون إلى الانتصار بعد خمس أيام وكانت المعالم ليست واضحة أبداً.
وهذا كان مبنيا على عاملين:
العامل الأول الثقة بالله تعالى والاطمئنان.
والعامل الثاني أننا قمنا بما كان علينا القيام به، والاستعدادات كانت حقيقية، وإشراف القيادة وخاصة الولي الفقيه كان يرعى بشكل مباشر.
اليوم إذا أردنا أن نجري مقارنة بين 2006 و2023 يعني بعد سبعة عشر عاماً من الانتصار، لا أعتقد أننا بإمكاننا أن نجري مقارنة دقيقة لأنه على مستوى الإمكانات العسكرية تناهت في القوة والزيادة وأصبح لدينا صواريخ دقيقة وأصبح لدينا كفاءات متطورة جداً، خاصة أنه بعد 2006 حصلت المعارك في سوريا في مواجهة التكفيريين، وبالتالي اكتسب الإخوة خبرات متقدمة جداً في أماكن وأوضاع تشابه الجيوش [من ناحية] وتشابه المقاومين [من ناحية أخرى]، هناك خبرة غير عادية أصبحت موجودة لها تأثير في المعركة، فإذاً على مستوى الإمكانات وعلى مستوى الخبرة فهي قد زادت كثيراً عند المقاومة وكذلك على مستوى العديد أيضاً، هناك عديد مهم يزداد يوماً بعد يوم وإقبال غير عادي، ولأخذ العلم، الحزب ليس مجرد عديد متفرغ، لا، هناك التعبئة التي تعتبر أكثر بكثير من عدد المتفرغين وهذه قاعدة مهمة موجودة، وحماس التعبئة حماس كبير جداً.
أنا اعتبر أن ما أعدته المقاومة خلال سبعة عشر عاماً كان على مستوى أكبر بكثير مما كان سنة 2006، في المقابل الإسرائيلي لم يتقدم التقدم الملحوظ، هو أيضاً رمم بعض قدراته لكن لم تكن متوازنة مع ترميم وتقوية قدرات المقاومة إضافة إلى المعاناة التي يعاني منها الإسرائيلي في مجتمعه الداخلي وفي البيئة التي يعيش فيها وفي صراع الأجنحة الموجودة وفي عدم وصوله إلى إعطاء الحوافز الكافية للجندي من أجل أن يقاتل، هذه كلها عوامل تبين أن نمو العدو الإسرائيلي كان محدودا وضعيفا بينما نمو المقاومة كان كبيراً.
أكبر تطبيق عملي أنه خلال سبعة عشر عاماً لم يتجرأ الإسرائيلي أن يعتدي في لبنان على حزب الله أو على عناصر من حزب الله أو على أماكن في لبنان بسبب خوفه من ردّ الفعل الذي يمكن أن يصل إلى الحرب. أي عندما يخضع العدو للترسيم البحري خوفاً من أن تكون هناك حرب هذا أيضاً دلالة على القوة التي يتميز بها الحزب، وهذه فارقة عن القوة السابقة.
وأيضاً عندما يكون هناك خيمة على الشريط نلاحظ بأن الإسرائيلي يتجنب الاحتكاك خوفاً من أن تصل الأمور إلى حرب، وهذا يعني أن الحزب ليس مهتماً إذا أوصل العدو الأمور إلى معركة أو لا، هو حاضر للحرب، لكن طبعاً الحزب لا يريد الحرب والإسرائيلي لا يريد الحرب، لكن لو فرضت الحرب علينا لكنا على استعداد كامل لأن نخوضها بسرعة. اليوم هناك توازن ردع كبير بين إسرائيل وحزب الله وهذا باعتراف القادة الإسرائيليين الذين يتحدثون عن هذا الموضوع بشكل كبير.
في أكثر من موضع ذكرتم الولي الفقيه، وقبل، علاقة الولي الفقيه بالمقاومة الإسلامية، قبل أن نتحدث عن الولي الفقيه الإمام السيد علي الخامنئي ـ دام ظلّه ـ هل لديكم خاطرة عن الولي الفقيه الإمام الخميني ـ قدس سره ـ.
كانت أول زيارة لي مع الإخوة -أعضاء من قيادة الحزب- لسماحة الإمام الخميني ـ قدس الله روحه الشريفة ـ في بيته في جماران، كنت خلال الجلسة بكاملها أنظر إلى وجهه وإلى حركاته، ولكن كان لدي خفقان في القلب لم يكن يتوقف، وبرغم ذلك كان عندي إصرار أن أنظر إليه، لشعوري بنور استثنائي، كأني كنت في حالة دهشة، أني أجلس مع الذي حرك العالم وأوجد حركة الإسلام مجدداً في القرن العشرين بطريقة ليست منطقية ومتوقعة. وهذا جعل الحب والعشق للإمام مميزاً. في الحقيقة أنا أقول لك، إلى الآن، إلى هذه اللحظة أشعر أن الإمام الخميني ـ قدس الله روحه الشريفة ـ حاضر قوي يدير ويملأ العقل والقلب والروح، هذا نموذج استثنائي في تاريخ البشرية، في الواقع، هذه هي نظرتي للإمام ـ قدس الله روحه الشريفة ـ.
كان لكم العديد من الزيارات لسماحة الإمام الخامنئي ـ دام ظلّه ـ وفي العديد من المناسبات سواء فترة رئاسته للجمهورية أو بعد رحيل الإمام الخميني العظيم وتوليه قيادة الثورة الإسلامية، لو تحدثوننا عن طبيعة علاقة حزب الله بشكل عام مع الإمام الخامنئي ـ حفظه الله ـ.
ربما من الأمور التي لا يعرفها الكثيرون أن الله تعالى وفق منذ اللحظة الأولى أن يكون هناك علاقة لحزب الله مع الإمام الخامنئي ـ دام ظلّه ـ حتى عندما كان رئيسا للجمهورية. جرت العادة أن تتابع حركات التحرر مع وزارة الخارجية ومع الحرس وكذلك الأمن الإيراني، وبعض الجهات لها متابعات مع جهات مختلفة في العالم، [لكن] من اللحظة الأولى تقرر أن يكون الإمام الخامنئي وهو رئيس للجمهورية، هو الذي يتابع قضايا حزب الله بشكل مباشر، وقال لوزارة الخارجية: القرارات أنا أقولها لكم وأنتم تتابعون التفاصيل، لكن دائماً كان اللقاء مع الإمام [الخامنئي] قائماً.
هو نفسه أصبح إماما وقائداً، وقد استمرت العلاقة معه، وهذه الخصوصية ليست موجودة لأي حركة تحرر في العالم. الإمام الخامنئي ـ دام ظلّه ـ يحب حزب الله حبّاً جما حتى أنه دائماً، ولا أعتقد أن هناك جلسة من الجلسات التي التقيناه فيها إلا وقال: أنا أدعو لكم فرداً فرداً وأدعو للمقاومين. وعندما يلتقي به أحد الإخوة مثلاً أو حتى سماحة الأمين العام ـ حفظه الله ـ يقول له: بلغ سلامي إلى الإخوة فرداً فرداً وإلى المجاهدين بشكل عام، هو يقصد أعضاء الشورى.
فالإمام الخامنئي لديه صفات مميزة: دقيق الملاحظة، يسمع التقرير بكامله دون أن يسجل ملاحظات ثم يجيب عن كل ما ورد بنداً بنداً، من دون أن ينسى شيئاً، يستفيد من الجلسات لتوجيه بعض الملاحظات التي تكون قد علقت لديه من خلال متابعاته، هو يقرأ كل التقارير، يتابع بشكل دقيق، لديه دقة لا متناهية في تحديد موقع الخلل أو في الإشادة بالمسألة.
في الحقيقة بالنسبة لي، لأنني تابعت كلماته كلها وألّفت كتاب الولي المجدد الذي يتحدث عن شخصية سماحة القائد وعن رؤيته الفكرية والسياسية والدينية، أستطيع أن أقول إنه جامع للثقافة والفقه والسياسة وعلم الاجتماع وقدرة الإدارة والفن، يعني قلما تجد شخصية علمائية تجمع كل هذه الصفات مع بعضها. أيضاً هناك ميزة خاصة، وهي أنه صاحب رؤية استراتيجية، يعني هو أول من أسس في الجمهورية الإسلامية الاستراتيجيات في القضايا المختلفة، يعني استراتيجية التعامل مع الأسرة، استراتيجية التعامل مع الاقتصاد، واستراتيجيات أخرى.
الإمام الخامنئي ـ دام ظلّه ـ هو شخص استراتيجي، يخطط بشكل دقيق، ليس لديه خطوات خارج الخطة، وبالتالي حتى عندما تسمع كلماته مع عدد من المسؤولين تجد أنه مطلع على كل شيء، يعني يتحدث معهم كأنه صناعي أو كأنه تاجر أو كأنه مسؤول في الدولة أو نائب أو وزير، هو مطلع على أدق التفاصيل. نحن في علاقته معنا كان أحياناً يسألنا أسئلة عن بعض الخصوصيات الموجودة في الداخل اللبناني يعني يقول فلان الرئيس ما وضعه الآن؟ فلان الشخص كيف يعمل معكم الآن؟ هل عالجتم هذه المشكلة أم بعد؟
هذا يدل على أنه شخص حاضر متوقد لديه دقة، ورؤيته رؤية استراتيجية، وهو متابع من الدرجة الأولى.
هذه العلاقة التي عمرها أكثر من أربعين عاماً، ومن خلال زياراتكم المتكررة لسماحة الإمام، هل من الممكن نقل ذاكرة من الذكريات التي تعد ملفتة بينها.
مثلاً عندما نلتقي به هو يسأل كل شخص بشخصه عن أحواله، يحاول أن يطمئنّ، إذا وجد شخصا غير موجود يسأل عنه، مثلاً: في اللقاءات يحرص دائماً أن يستمع أولاً ثم يقول ما يريد.
أذكر في إحدى المرات كنا مجموعة في إطار الوحدة الإسلامية، بسبب التدافع مرّ بعض الإخوة، أنا كنت في الخلف وكنا نريد أن ندخل إلى المصلى إذ به يلتفت ويسأل أين فلان؟ يعني يتفقد حتى يقربني منه، فهو حاضر في الموضوع. دائماً كان يقول لنا: أنا أدعو للمقاومين. يحب المقاومين بشكل كبير جداً.
أيضاً من الملاحظات، أنني عندما كتبت الكتاب وأحضرت معي نسخة، وردت في بالي فكرة أن أذكر ما قاله عن حزب الله في كلماته، فجمعت كلمات من سنة ألف وتسعمئة وثمانية وتسعين إلى سنة ألفين وثمانية، يعني عشر سنوات، في العشر سنوات استطعت أن أجد في خطاباته المعلنة تسعة عشر موقع يتحدث فيه عن حزب الله بشكل مباشر، وقد جمعتها في الكتاب. مثلاً هو يقول: إن انتصار المقاومة الإسلامية وحزب الله العملاق في لبنان والنجاح المشفوع بالفخر يعطي الجميع درساً مؤداه أن المواقف الشجاعة والدعوة إلى تطبيق العدالة والصراط المستقيم لتحقيق الحرية والاستقلال فحسب.
في كلمة أخرى، يقول: إن التجربة العملاقة لحزب الله لبنان ستساهم في ترسيخ روح التضحية لدى الفلسطينيين وباقي الشباب العربي الطاهر.
أيضاً هو أرسل سلاماً عند انتهاء عدوان إسرائيل على لبنان سنة 2006 إلى سماحة السيد حسن نصر الله قال فيه: لقد كان انتصاركم انتصاراً للإسلام ولقد استطعتم بحول الله وقوته أن تثبتوا بأن التفوق العسكري ليس بالعدد والأسلحة والطائرات والبوارج والدبابات وإنما هو مرهون بقوة الإيمان والجهاد والتضحية مع الاستعانة بالعقل المدبر.
أيضا هو تحدث بمناسبة شهادة السيد عباس الموسوي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ وقال: هذا السيد العالي المقام الذي مزج العلم بالعمل وتكلل بالصدق والتضحية. هذه المبادئ التي يعلمها في هذا الطريق لتحقيق الأهداف السامية المقدسة للدفاع عن الإسلام ومواجهة الظلم ومقارعته.
كذلك عندما عزّى بالشهيد عماد مغنية قال: إن استشهاد الأخ المجاهد المخلص والمضحي عماد مغنية الذي ملأ وجوده العشق الإلهي والجهاد في سبيل الله يعد فوزاً عظيماً وعاقبة سعيدة بالنسبة إليه.
وهكذا وجدت خلال عشر سنوات، تسع عشرة مرة، _طبعاً هذا الذي أنا جمعته_ يمكن أن يكونوا أكثر، ولكن الذي أنا استطعت أن أراه أنه عندما يتحدث عن حزب الله أو عن أشخاص مثل الشهيد السيد عباس أو الحاج عماد ـ رضوان الله تعالى عليهما ـ هو لا يذكر فقط الإشادة بل يذكر السبب الدافع للإشادة، ويذكر نتيجة الإشادة، مثلا هذا ملهم للفلسطينيين، هذا حامي الإسلام... وهذا يعني من نوع المدح الهادف، من أجل تعليم الأمة أن هذا القدوة الذي هو في حزب الله، والذي هو من القيادات في هذا الحزب، ليس قدوة لمجرد أن له أهمية معينة، لا بل هو قام بإنجاز، هذا هو إنجازه أنظروا إلى إنجازه أنا أحييه بسبب هذا الإنجاز بسبب هذا الاتجاه بسبب هذا الفكر.
وهذه طبعاً ميزة ملفتة في الإمام ولها علاقة أيضاً بحالة الحب. أذكر أننا في جلسة كنا معاً، لن أذكر من هم المقصودون، لكن سألناه عن بعض حركات التحرر الموجودة في العالم وقلنا له: لماذا هؤلاء لا يطيعون، لا يسمعون، لا يسيرون.. يفتعلون المشاكل إجمالاً. قال: لا تقارنوا أنفسكم بأحد، حزب الله يختلف عن الآخرين. يعني عرفنا أننا لا يجب أن نقوم بمقارنة خاطئة، وحتى هو القائد يرى أن حزب الله يختلف عن الآخرين، وهذه نقطة مهمة جداً.
سماحة الشيخ، "الولي المجدد" هو أحد الإصدارات، ولديكم قراءة في رسالة الإمام الخامنئي التي وجهها للشباب الغربي، هل يمكن القول بأن سماحة القائد ـ حفظه الله ـ لديه رؤية عالمية؟
سماحة القائد هو ولي وهو قائد عالمي، ليس لدينا في الإسلام قائد أول محصور في دولة أو قرية أو مدينة أو جماعة، هو في النهاية نائب الإمام المهدي ـ عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ غير المنصوب بشكل مباشر ولكن المنصوب بكفاءته وقدرته على أن يؤدي الهدف المطلوب، وهذا الدور دور عالمي قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) يعني (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) على مستوى العالم. في النهاية دوره دور عالمي، بعضهم يؤاخذوننا لأننا في لبنان وهو موجود في إيران؟!
يا أخي! القائد بالنسبة إلينا هو قائد للمسلمين على أساس الإسلام، الجغرافيا لا تمنع القيادة، وجود أماكن مختلفة أو لغات مختلفة أو ألوان مختلفة لا تمنع القيادة، إن القيادة مبنية على المبدأ الذي هو الإسلام وليست مبنية على شيء آخر.
وبالتالي الإمام يعمل من أجل أن يطل عالمياً بالطريقة المناسبة، وقد وجد من المناسب أن يوجه رسالة إلى الشباب الغربي، من يطالع رسالته إلى الشباب الغربي، وقد كتبت حولها بعض التفاصيل، يخاطب بعض الأخوة بما يفهمون ويقول: أنتم حكمتم على الإسلام من دون أن تتعرفوا عليه، قولوا لي: من قال لكم ما هو الإسلام؟ اقرؤوا الإسلام من منابعه ولا تقرؤوه من جماعتكم أو الأشخاص الذين لا يعرفونه لأنهم يشوهونه.
هم قالوا لكم أن الإسلام إرهاب خطر، "إسلاموفوبيا"، من قال إن هذا صحيح؟ هل اختبرتم؟ تعرفتم؟ هل تحققتم في غير ما يصل إليكم من بعض المعطيات الخاطئة؟! أنا أدعوكم أن تتجردوا وتقرؤوا وتطلعوا ثم بعد ذلك احكموا. نحن نعتبركم أشخاصا جاهلين لحقيقة الإسلام، لذلك لديكم هذا الموقف، تعالوا نتفاهم تعالوا نطلع، أنظروا إلى مسار الأنبياء قارنوا حياتكم التي أنتم تعيشونها بطريقة مادية مع ما يقوله الإسلام لتجدوا الفرق. خطاب فيه مودة، وأيضاً فيه جذب، حيث يدعوهم إلى المنابع الأساسية حتى يتعرفوا على الحقيقة.
الآن هم كيف يعرّفون الإسلام؟ يعرفونه بنحو مشوه، ويحاولون أن يغفلوا عن حقائقه، وأن ينزعوا الأشياء التي ممكن أن تكون جاذبة. أي يشوهونه.
من بين الإشارات التي تفضلتم بها، إحدى الشبهات التي تطرح حول العلاقة بين حزب الله باعتباره حزباً لبنانياً وبين الجمهورية الإسلامية ألا وهو موضوع الهوية، البعض يحاول إظهار التعارض بين هوية حزب الله الإسلامية وهويته اللبنانية واعتبار أن هذه الهوية تتعارض مع المصالح الوطنية اللبنانية. في المقابل يرى [الإمام الخامنئي] تكاملاً بين الأمرين أي الهوية الوطنية والمصالح الوطنية، كيف تردون على هذا السؤال أو الإشكالية؟
أولاً أنا سوف أعطيك تعريفا لحزب الله، ما هو حزب الله؟ حزب الله هو حزب وطني عربي إسلامي إنساني عالمي.
هو وطني لأنه يعمل داخل لبنان، وملتزم تماماً بالقوانين اللبنانية وبالدستور اللبناني، وهو قابل أن يحتكم إليها، وأي واحد من [حزب الله] يخالف، فإنّه يحاكم على أساس هذه القوانين، وهو يؤمن أن هذه الأرض اللبنانية يجب أن تكون بكاملها محررة ولمصلحة لبنان، ولا نريد أن نعطي هذه الأرض لأحد ولا أن نتخلى عن هذه الأرض، هي خيار نهائي بالنسبة إلينا، بهذا المعنى يكون وطنيا. والتضحيات التي قام بها حزب الله من خلال المقاومة والشهداء الذين حرروا الأرض، كنا نقول دائماً أن هذا التحرير هو تحرير للوطن وليس تحريراً لمصالح خاصة.
هو عربي لأنه يرغب بأن يكون متعاوناً مع العرب، وبالتالي إذا كانت القضايا العربية مشتركة يمكننا أن نتعاون نحن وإياهم، ما الذي يمنع؟! يعني هذا لا يخل بالوطنية وفي آن معاً أبرز قضية ربما تكون على المستوى العربي قضية فلسطين، نحن حاضرون أن نكون إلى جانبها ندعمها، لن تأخذ منا شيئا أبداً إنما سوف تكون زخما وتأييدا لنا. لأنه كلما كان العرب بخير، نحن سوف نكون بخير والأفضل ألا يكون بيننا مشكلات.
هو إسلامي لأنه يؤمن بالمشروع الإسلامي، يؤمن بالدين الإسلامي، يؤمن بالرسالة الإسلامية. الإمام القائد الخامنئي هو اليوم زعيم وولي وأساس وقائد عالمي هو الذي يحمل هذا الفكر النقي على درب محمد وآل محمد ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ. وبالتالي عندما نمشي تحت لوائه، نمشي على قاعدة الفكر والقناعات والإيمان الذي يبرّئ ذمتنا في الدنيا وفي الآخرة وهذا لا يتعارض أبداً مع الوضع اللبناني، هذا لا يخل بالوطنية التي عندنا.
أذكر أننا كنا يوما نقوم بمقاربة كتاب اسمه «مجتمع المقاومة»، جاء أحد الدكاترة المسيحيين وبعد أن قام بقراءة للكتاب قال أمام الجمهور: كل شيء عند حزب الله أعجبني - وهذا موجود في الكتاب أيضاً -، لكن هناك مشكلة واحدة هي ارتباطكم بالولي الفقيه. يعني قال عندي فقط هذه القصة.
قلت له: أريد أن أسألك سؤالا، هل تعجبك مقاومة حزب الله؟
قال: ممتازة.
قلت له: أداء حزب الله السياسي في داخل البلد كيف تراه؟
قال: أيضاً ممتاز.
قلت له: دعوته إلى الوحدة الوطنية، كيف تراها؟
قال: أيضاً [ممتازة].
قلت له: كل هذا الذي تراه هو بتوجيه الولي الفقيه، يعني أنت تريد الآثار أم تريد السبب؟! إذا كانت الآثار كلها تؤدي إلى عمل وطني شريف حتى آخره، إذاً ما المشكلة بهذه العلاقة مع الولي الفقيه؟! العلاقة معه لها علاقة بإيماننا، بقناعاتنا، بديننا، بخلفيتنا.. وليس لك علاقة أنت بهذا الموضوع. هناك الكثير من الناس عندهم هذا الارتباط، ممكن أن هذا لديه قناعة بأن خلفيته مع بابا روما، هذا قناعته مع كارل ماركس، هذا قناعته مع آدم سميث، هذا.. بالنهاية هي أفكار وقناعات، المهم العبرة وما هو انعكاسها على الواقع؟!
قلت له: إذا كنت ترى مقاومة وأخلاقا ودينا وتماسكا وحبّا لله وتضحية في سبيل الله ودفاعا عن الوطن، فإن كل هذا هو ببركات توجيهات الولي الفقيه، فإذا ما الذي يضرك في الموضوع؟! لم ينطق بشيء.
أنا أقول للذين أشكلوا، ماذا يعني إشكالكم؟ يعني أنتم ما الذي يضركم في هذا الموضوع؟! أحدهم كنت يوما أتحدث معه، قال لي: يا أخي! تربطون كل الأمور بالجنة والنار!
قلت له: أنت من الذي دعاك إلى الجنة أو النار؟! كما تحب وترتاح، أنا حريص أن أدخل الجنة وألا أدخل النار. إن أنت لم تكن حريصا فهذا شأنك، ولكن أنت لا يمكنك أن تقول لي لماذا تعمل من أجل دخول الجنة! إذهب واعمل كما تريد ونحن نتحمّل مسؤولية مذهبنا واعتقادنا.
سماحة الشيخ، الشباب اليوم معظمهم يطلع على فكر الإمام الخامنئي ـ حفظه الله تعالى ـ من خلال الخطابات ومتابعة كلماته، أنتم من خلال هذه التجربة وما راكمتم من تجربة واختزنتم في ذاكرتكم، وحيث أن لديكم توجيها أعمق مما نطلع عليه، ما هي توصياتكم للشباب المسلم اليوم تجاه العلاقة مع الإمام الخامنئي ـ حفظه الله تعالى ـ؟
أنا أنصح الشباب أن يقرؤوا سيرة حياة الإمام الخامنئي ـ دام ظلّه ـ وأن يقرؤوا بعض الكتب التي تتحدث عن فكره واستراتيجياته، ثم بعد ذلك يتابعوا الخطب التي تنشر وتوزع وتترجم عادة لأنهم بذلك يمتلكون قواعد التفكير الصحيح ويمتلكون الخطوات العملية التي تفتح الطريق أمام الحلول سواء في إيران أو في العالم أو كل واحد بحسبه. من خلال الاطلاع على خطب سماحة القائد تلاحظ أنه في كل خطبة يأتي بشيء جديد، حتى الآية التي يفسرها، مع أننا نقرأ تفاسير كثيرة، لكننا نرى أنه استنتج منها أموراً لم تكن في البال ولم تكن في الخاطر، فإذاً نحن أمام ثروة يجب أن نستفيد منها. وإذا تعرفنا عليه وتعرفنا على كلماته ومواقفه ستصبح العلاقة معه كولي علاقة أمتن فيها حبّ وعشق كما يقول الإمام الرضا ـ عليه السلام ـ: (فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا). يعني عندما يدرك الفرد المضمون، لا يبقى [الأمر] بإطار أنه ولي ونحن نحبه، هذا المقدار ليس كافياً، أي أنّ [هذا المقدار] لا يدع الإنسان يتعلق أكثر. كلما تعرفت عليه أكثر كلما سمعت منه أكثر كلما راقبت خطاباته وكلماته وتوجيهاته كلما عشقته أكثر وشعرت أنه شيء عظيم.
ليس من أمر عادي أن يقول الله عزّ وجل في القرآن الكريم: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي القربى) لماذا المودة؟ لأن مستوى التفاعل عندما يكون هنالك شيء عاطفي مبني على هذه القواعد الإيمانية والعقلية وإلى آخره أكبر، ويجعل الإنسان أصلب ويصبح الإنسان قادرا على التزود ممن يحب. [توصيتي إلى الشباب] أن يتعرفوا عليه وعلى كلماته وعلى سيرته، سيجدون أنهم أمام عظيم من عظماء التاريخ قل نظيره وأكبر نعمة إلهية لنا أننا في زمانه وتحت قيادته.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تعليقات الزوار