ما أحوجنا اليوم لأن يوصي بعضنا بعضاً بالصبر والصمود والثبات، ولأن ندعو إخواننا وأصدقاءنا إلى الحقّ والإسلام والجمهوريّة الإسلاميّة. فلو كان الإنسان يريد إقامة دولة الحقّ في بلاده وتطبيق الإسلام، فعليه أن يصبر كما صبر الأنبياء والأولياء عليهم السلام؛ لأنّ ذلك الطريق مليء بالعقبات والصعوبات(1).
•أقسى أنواع الحصار
إنّ ما تعرّضنا له حتّى الآن من حصار أمريكيّ اقتصاديّ وضغوطات من كثير من الدول، لا يعادل شيئاً من حجم المعاناة والمضايقات والأذى الذي تعرّض له الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنون الأوائل في مكّة ومن ثمّ في المدينة. ففي مكّة عاملهم المشركون بوحشيّة، ومارسوا ضدّهم أنواع التعذيب الجسديّ والضغوط والحصار الاقتصاديّ لدرجة دفعت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى اللجوء الى غار في الجبال. مع هذا لم يسلم من أذى المشركين والمنافقين وسائر الفئات الفاسدة، الذين حاصروه ومنعوا عنه قوت يومه. حتّى عندما هاجر وأصحابه إلى المدينة، لم يتركهم المشركون بحالهم وشنّوا ضدّهم الكثير من الحروب، هذا فضلاً عن الأعمال التخريبيّة التي كان يمارسها المنافقون واليهود في الداخل(2).
•لمواجهة الأعداء
أيّها الإخوة، نحن اليوم نواجه قوّة شيطانيّة كبيرة، فعليكم أن ترصّوا صفوفكم قبالتها، وأن تتركوا الخلافات والاعتراضات جانباً، وتفكّروا في مواجهة الأعداء الكبار.
نحن مخيّرون بين أن نعيش أيّاماً بذلّ، أو أن نرحل بعّزة عن هذه الدنيا، أو أن يكون النصر حليفنا إن شاء الله. نحن نرفض الذلّ كما رفضه عظماؤنا من أئمّتنا عليهم السلام، ولا نهاب الحصار الاقتصاديّ الذي تفرضه أمريكا علينا، ولا أيّ تدخّل عسكريّ، وشعبنا أيضاً -إن شاء الله- لا يهاب ذلك، ولا يرضى بالذلّ، ولا يسمح للآخرين أن يصادروا وجوده ويستعبدوه(3).
إنّنا لا نخاف من التهديد لأنّنا شيعة أولئك الأئمّة عليهم السلام الذين كانوا يرحّبون بالشهادة. وشعبنا اليوم يرحّب بالشهادة، ومستعدّ للذهاب إلى ساحة القتال لمواجهة أيّ تدخّل عسكريّ.
لذلك نقول للأعداء: افعلوا ما شئتم، فإنّنا لا نهاب أحداً. نحن رجال الحرب والنضال والمواجهة. إنّ شبّاننا المناضلين قد قاوموا بأيديهم وبأجسادهم الدبّابات والمدافع والرشّاشات.
أمّا في مسألة الحصار الاقتصاديّ، فنحن شعبٌ اعتاد الجوع، إذ نصوم ونتناول في اليوم وجبة غذائيّة واحدة. وإذا تقرّر أن تفرض الدول العظمى الحصار الاقتصاديّ علينا، فإنّنا نأكل ما نزرعه في بلادنا من شعير وحنطة ونقتصد في ذلك ليكفينا، ولا نأكل اللحم إلّا في يوم واحد فقط من أيّام الأسبوع. فلا يخيفونا بهذه الأمور. وإذا خُيّرنا بين أمرين: إمّا سلامة شرفنا وحفظ ماء وجوهنا، أو أن نُشبع بطوننا ولا نعاني آلام الجوع، فإنّنا نختار سلامة شرفنا وحفظ ماء وجوهنا، ونرجّح هذا على الشبع والرفاهية(4).
•الثبات حتّى النهاية
استطاعت أمّتنا المجاهدة وقوّاتنا المسلّحة، ولا سيّما الجويّة منها المتميّزة عن سائر القوى، تحقيق انتصارات باهرة أذهلت العالم بأسره، بعدما تغلّبت على أعتى القوى الكبرى، وقطعت أيدي أعداء البشريّة عن العبث ببلادها، ممّا جعلها قدوة لجميع الأمم والبلدان المستضعفة. وإنّ أعمالاً عظيمة وانتصارات كهذه، تتطلّب منّا جميعاً، قادة وشعباً وقوّات مسلّحة وجميع المستضعفين، الاستقامة والثبات. فهؤلاء الذين تضرّرت مصالحهم وقُطعت أيديهم عن البلاد، سيسعون بشتّى الوسائل لاسترداد ما فقدوه بتدبير المؤامرات، وفرض العزلة والحصار الاقتصاديّ علينا، وتحريض عملائهم في المنطقة لمحاربتنا، وهذا يعني أنّ ثمّة الكثير من المحن والبلايا تنتظرنا، وأنّنا أمام تحدّيات مستقبليّة كبيرة تستهدف أمن البلاد وحريّته واستقلاله.
إن كنتم تريدون الحفاظ على ما أنجزتموه من خلال ثورتكم، وما حقّقتموه من انتصارات قدّمتم في سبيلها عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، فعليكم بالثبات والصمود والاستقامة حتّى النهاية، ولهذا أمر الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والأمّة جمعاء بالاستقامة والثبات، فلا تسمحوا لبعض الأمور كالنقص في البنزين أو أيّ سلعة أخرى أن تزعزعكم أو تضعفكم، فإنّ إخوانكم في قوّات الجيش والحرس والتعبئة والشرطة والأمن، يقاتلون العدوّ بكلّ ثبات وإيمان واستقامة، ويبذلون الدماء والأرواح في سبيل ذلك، وقد حقّقوا بثباتهم هذا انتصارات باهرة، فعلينا جميعاً أن نثبت ونصمد(5).
1.خطاب للإمام الخمينيّ قدس سره بتاريخ 24 صفر 1401هـ، عن الدعوة إلى الحقّ والصبر.
2.المصدر نفسه.
3.خطاب للإمام قدس سره بتاريخ 8 صفر 1400هـ.
4.خطاب للإمام قدس سره بتاريخ 19 ذي الحجّة 1399هـ، عن عدم الخوف من التدخّل العسكريّ والحصار الاقتصاديّ.
5.خطاب للإمام قدس سره بتاريخ 21 صفر 1401هـ.
المصدر: مجلة بقية الله
تعليقات الزوار