آية الله الشيخ مصباح اليزدي رحمه الله

 

يمثّل المجاهدون في عالمنا المعاصر قوّة الإسلام في مواجهة أعداء الله تعالى، حتّى بتنا نرى اليوم مدى الخوف والرعب في قلوب الأعداء ممّا يرونه من هيبة كبرى تُكَلّل جباه المجاهدين.

 

والتعبويّون هم النبع الذي يسقي ساحة الجهاد بهؤلاء الصفوة الطيّبة والطاهرة من الشباب المجاهدين الَّذين ينتظرون لحظة النداء الإلهيّ ليكونوا في طليعة المدافعين عن كرامة الأمّة الإسلاميّة.

 

* شروط الالتحاق بالتعبئة

ليست التعبئة مجرّد حركة صوَريّة فارغة من أيّ مضمون يستطيع الإنسان أن يدّعي شرف الانتساب إليها، بل هي حركة تتبنّى الإسلام كعقيدة ومنهج. ولكي يحصل الإنسان على هذا الوسام، لا بدّ من أن تتوافر فيه جملة من الشروط والمواصفات، منها:

 

1. الإيمان والالتزام الدينيّ: وهما من أبرز الصفات لدى الفرد التعبويّ، إذ إنّهما يشكّلان الملامح الأساسيّة لشخصيّته، ومن دونهما لا يستحقّ الفرد هذا الشرف الإلهيّ.

 

2. أداء التكليف: إنّ بطاقة الانتساب إلى التعبئة تتمثّل في الالتزام بالتكليف الشرعيّ. والفرد التعبويّ ليس من اهتماماته ما يقوله الناس فيه، وكيف ومتى يمتدحونه، بل هو ذاك الذي لا يشغله شيء سوى رضى الله تعالى مهما كانت النتائج.

 

3. الطاعة للولاية والقيادة: هذه الطاعة هي سرّ من أسرار التوفيق للجميع (سواء للقائد أو الفرد)، والتمرّد على القيادة الشرعيّة وعدم طاعتها يدلّان في الواقع على عبادة الإنسان لنفسه وتعصّبه لذاته.

 

* المواصفات الإيمانية للتعبوي

ثمّة مجموعة من الصفات التي يجب أن يتحلّى بها التعبويّ، مثل:

 

1. المعارف الدينيّة: لأنّ الفرد التعبويّ هو النموذج الأرقى للإرادة الإلهيّة، فإنّ من واجبه أن يسعى إلى تحقيق كلّ ما يمكن أن يعرّفه على أمور الدين، ويسلك الطريق الصحيح الذي يوصله إلى الهدف المنشود. وأولى الخطوات في هذا الجانب هي:

أ. الالتزام الدينيّ: لكي يكون التزامك الدينيّ صحيحاً وتضمن له الاستمراريّة وعدم الانحراف أو الزوال، فإنّ ذلك مشروط بالدخول إلى هذا الدين والتعرّف عليه من خلال الوسائط الإلهيّة، وهي الكتاب والسنّة.

ب. التعرّف على القرآن الكريم والعمل به: المطلوب من الفرد التعبويّ التدبّر في آياته والعمل على فهمها والتفكّر فيها، والالتزام الصادق بعدم هجرانه وتلاوة آياته على الدوام.

ج. التعرّف على الحديث والعمل به: السنّة النبويّة الشريفة وأحاديث الأئمّة المعصومين عليهم السلام هي المصدر الثاني بعد القرآن الكريم للتعرّف على أحكام الله ومعرفة أوامره ونواهيه. من هنا، أكّدت الروايات على ضرورة تعلّمها وحفظها والعمل بها.

د. التفقّه في الدين والأحكام الشرعيّة: لكي تكون عبادتك وأعمالك سليمة وصحيحة، لا بدّ لك من تعلّم الأحكام الشرعيّة والتفقّه في الدين، وبذلك تضمن معرفة الأنظمة والقوانين والآداب العامّة.

هـ. الوعي الدينيّ: من خصائص الفرد التعبويّ ومميّزاته الوعي والعقل الراجح، فهو يعرف أمور زمانه، والمخاطر المحيطة بالعالم الإسلاميّ، ويتصرّف بعقلانيّة وفطنة لمواجهة التحدّيات والأخطار، ولا يتعامل بالفوضى والتسرّع.

 

2. مكارم الأخلاق: التعبئة ليست حركة عابرة في هذا المجتمع، فهي تمثّل الالتزام الكامل بالقوانين والأنظمة والتعاليم الأخلاقيّة التي كان من روّادها الأنبياء والأئمّة عليهم السلام والقادة الصالحون، وعلى أفراد التعبئة أن يتحلّوا بالآداب ومكارم الأخلاق وكلّ الصفات النبيلة، مثل:

أ. الصبر: ورد في الأخبار: "الصَّبْرُ مِنَ الإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ فَإِذَا ذَهَبَ الرَّأْسُ ذَهَبَ الْجَسَدُ كَذَلِكَ إِذَا ذَهَبَ الصَّبْرُ ذَهَبَ الإِيمَانُ"(1).

ب. التوكّل على الله: هو الاعتماد على الله تعالى في جميع الأمور، وتفويضها إليه والإعراض عمّن سواه.

ج. الإيثار: هو أسمى درجات الكرم وأرفع مفاهيمه، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المثل الأعلى في عظمة الإيثار وسموّ الأريحيّة.

د. التواضع: هو احترام الناس وعدم الترفّع عليهم، وهو خلق كريم وخلّة جذّابة تستهوي القلوب، وتستثير الإعجاب والتقدير.

هـ. الاستقامة والثبات: الاستقامة والثبات على المبدأ الحقّ من أقدس واجبات الأمّة وفروضها الحتميّة، لأنّ ذلك يرفع معنويّاتها، ويعزّز قيمها، ويحقّق أهدافها وأمانيها.

 

* التكاليف الفرديّة للتعبويّ

يمكن اختصار التكاليف الفرديّة التي ينبغي للتعبويّ أن يكون رائداً فيها بالآتي:

 

1. أداء الواجبات: لأنّ العامل بفرائض الله تعالى، هو خير الناس، وأعبدهم، وأتقاهم، وأورعهم.

 

2. ترك المحرّمات: فإنّ ذلك من أعظم المحامد والمكارم، فلا يكفي أداء الفرائض من دون التزام الإنسان بالابتعاد عن النواهي.

 

3. محاسبة النفس ومراقبتها: أي محاسبتها كلّ يوم عمّا عملته من الطاعات أو اقترفته من المعاصي والآثام، وضبطها عن الإخلال بالواجبات وارتكاب المحرّمات.

 

4. المحافظة على الصلاة: "الصَّلَاةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيّ"(2)، وأفضل وسيلة يتقرّب بها العباد إلى ربّهم، وهي أحبّ العبادات إلى الله سبحانه وتعالى.

 

5. الدعاء والخشوع لله تعالى: للدعاء أثر في إيقاظ القلب والعقل، أمّا الخشوع فهو من أبرز علامات المؤمن.

 

* التنظيم العسكريّ للتعبئة

في الجانب العسكريّ، ثمّة مجموعة من المسائل الأساسيّة نشير إليها ضمن العناوين الآتية:

 

1. التعبئة وهدفها السياسيّ: المجاهدون في سبيل الله يستهدفون من عمليّة الجهاد استنقاذ المستضعفين والمحرومين من البغي والتعدّي، ورفع لواء الحقّ، وتحرير الأرض من الأعداء الغاصبين. والمجاهد في سبيل الله هو العارف بهذه الأهداف ويضعها نصب عينيه، لأنّ ذلك من الأمور الضروريّة للنجاح والنصر.

 

2. أهميّة التنظيم والانضباط في التعبئة: تتجلَّى الصورة الحقيقيّة لانضباط المقاتل التعبويّ المسلم بمظاهر وأشكال متعدّدة، ويقع في أولويّات ذلك اتّباع تعاليم القيادة في جميع الأمور. وثمّة أمور أخرى مهمّة في الانضباط من حيث الشكل والمضمون نذكر منها:

أ. المحافظة على المظهر الخارجيّ.

ب. تنفيذ القوانين بشكل حرفيّ.

ج. المحافظة على النظم العسكريّة ورعايتها.

د. اعتماد التطوّر والحداثة في التنظيم.

هـ. احترام الرُّتب العسكريّة.

 

3. الجهوزيّة العسكريّة للتعبويّين: إنَّ أعداء الإسلام ينتهزون الفرص ويترقَّبون الأوقات الحرجة للاعتداء على الأمّة الإسلاميّة ومجتمعها وأفرادها، وهذا ما يفرض على الأمّة بكلّ تشكيلاتها، وبالخصوص التعبويّين، أن يكونوا على جهوزيّة دائمة ومستمرّة حتّى لا يباغتهم العدوّ، وليكون زمام المبادرة بيدنا لا بيد عدوّنا.

 

والجهوزيّة تنقسم إلى قسمين:

أ. الجهوزيّة المعنويّة: لا أثر لكلّ الاستعدادات اللوجيستيّة ما لم تكن مرتكزة على جملة من الأمور المعنويّة والنفسيّة، ومنها:

- الشعور بالمسؤوليّة تجاه شؤون المسلمين.

- المعرفة والإيمان بالأهداف.

- الثبات وعدم الانحراف.

 

ب. الجهوزيّة الماديّة: في هذا الجانب، يترتّب على التعبويّ:

- التدريب العسكريّ باستمرار: وهذا ما خاطب به القرآن الكريم جميع المؤمنين حينما أمرهم بالجهاد: ﴿انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (التوبة: 41).

- الاستعداد الدائم للقتال: وذلك بمعنى عدم الاسترخاء والانشغال عن التفكير في الجهاد في حالة السلم.

- المحافظة على التنظيم: هذا التنظيم لا يختصُّ بحالة الحرب فقط، بل يجب المحافظة عليه حتّى في حالات السلم.

- اتّخاذ المسجد مقرّاً: فالمسجد هو المكان الذي يستمدُّ منه مجاهدو التعبئة الطاقة الروحيّة والمعنويّة ليحافظوا على أسباب العلاقة مع الله.

- التحصين الثقافيّ والفكريّ: فالثقافة الإسلاميّة هي الأساس الذي ترتكز عليه عقيدة التعبويّين، وهي المانع من كلّ أشكال التلوّث الفكريّ التي يتعرّض لها مجتمعنا.

- الثبات على روحيّة الإيمان والتديُّن: في ميدان الجهاد وساحة القتال، يعيش المجاهد حالة روحيّة فريدة لا يمكن أن يرتقي إليها في غيرها من الحالات، وهذا ما يجب أن يحافظ عليه التعبويّ في غير ساحة الجهاد.

- انتظار الشهادة في سبيل الله: الشهادة هي الغاية المنشودة التي ينتظرها كلّ مجاهد في سبيل الله ليحصل على رضوانه تعالى، ويكون في القيامة مع الأنبياء والأئمّة عليهم السلام والأولياء والصالحين، وهي درجة يمنحها الله تعالى لخاصّة عباده.

 

* التعبويّون ممهّدون

بما أنّ التعبئة في الأساس هي حركة تمهيديّة لظهور الإمام الحجّة عدل الله تعالى فرجه الشريف، فالتعبويّون بما عاهدوا الله عليه وبما يمثّلونه في جسد هذه الأمّة، سيكونون في طليعة الممهّدين، الذين يتطلَّعون إلى الأفق منتظرين ظهور الإمام المبارك عدل الله تعالى فرجه الشريف ليكونوا جنوداً في جيشه ومعه في خندق واحد.

والتعبويّ ليس كأولئك الذين ينادون الإمام المهديّ عدل الله تعالى فرجه الشريف بألسنتهم أو بقلوب بعيدة عن الأعمال، بل هو معه بعمله وسيفه وقلبه وعقله، يلتزم النهج ويعمل به في زمن غيبته أو في حضوره الشريف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 87.

2- نهج البلاغة، تحقيق صبحي صالح، ص 494.