منع أمريكا والكيان الإسرائيلي من الاستفراد بالشعب الفلسطيني، ومنع محو القضية الفلسطينية من وجدان وعقل الإنسان العربي والمسلم، وإخراج القضية الفلسطينية من نطاقها العربي الضيق إلى بعدها الإسلامي الرحب، زرع الأمل في قلوب الشباب المسلم بحتمية هزيمة المحتل الإسرائيلي ومواجهة الهيمنة الأمريكية، واعتماد المقاومة المسلحة كوسيلة لإعادة الحقوق المسلوبة، وتوحيد الساحات وفصائل المقاومة في الإقليم، لدعم الشعب الفلسطيني المظلوم، كلها رؤى أكد عليها الإمام الخميني (ره) خلال عمره الشريف، نراها اليوم تتحقق بحذافيرها على ارض الواقع، الأمر الذي يؤكد صوابية هذه الرؤى للإنسان الإلهي الذي تمر هذه الأيام الذكرى الـ35 لرحيله.

 

تحتضن طهران منذ ايام فعالیات المؤتمر الدولي"غزة المظلومة والمقاومة" بمشارکة شخصیات سیاسیة من مختلف دول العالم، بمناسبة الذكرى السنوية لرحيل مفجر الثورة الإسلامية ومؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، الإمام الخميني (ره)، وهي الذكرى التي تتزامن مع التجسيدات العملية لأفكار ورؤى الإمام حول القضية الفلسطينية، وسبل مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، والهيمنة الأمريكية، على ارض الواقع، حيث نشهد مع تجسيدات هذه الرؤى، انهيارا كاملا للمخطط الأمريكي الصهيوني في المنطقة، تحت ضربات محور المقاومة، الذي تسلح بأفكار ورؤى الإمام الراحل، واتخاذه سبيلان لتحرير الأرض والمقدسات والإنسان.

 

أدق تجسيد لأفكار الإمام الخميني (ره)، كان "طوفان الأقصى"، الذي جاء ليؤكد أن من المستحيل تصفية القضية الفلسطينية، وان الشباب الفلسطيني اليوم أكثر من كل الأجيال السابقة تمسكا بأرضه ودفاعا عن مقدساته، وان بإمكانه ليس مقاومة المحتل فحسب، بل إلحاق الهزيمة به، كما في "طوفان الأقصى"، الذي أصاب هيمنة الكيان الإسرائيلي في مقتل والذي اخذ يستنجد بالأمريكي والبريطاني والفرنسي والألماني وحتى بعرب التطبيع، لإنقاذه من رجال المقاومة.

 

عندما كان الإمام الخميني يتحدث منذ أكثر من 60 عاما، عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية المسلمين الأولى، بل القضية التي يجب أن توحد المسلمين في جميع أنحاء العالم، كان هناك من يصف هذا الكلام بأنه طوباوي ومثالي لا يمت للواقع بصلة، ولكن ما نشهده اليوم ومنذ 8 أشهر، أكد أن بإمكان الشباب العربي والمسلم، أن يُدفّعوا الكيان الإسرائيلي ثمنا باهظا لجرائمه في غزة، وفرضوا حزاما ناريا كالكماشة حول الكيان لم يسبق أن مر بهذا الظرف الصعب من قبل، فلم يعد يخيف أحدا، ناهيك أن يردعه، بل هو الآن مشغولا بترميم صورته التي باتت في الوحل جراء الضربات التي يتلقاها من محور المقاومة من كل جانب.

 

من كان يتصور يوما قبل طوفان الأقصى أن تفرض قوى المقاومة في المنطقة حصارا بحريا على الكيان الإسرائيلي، وتعطل العمل في موانئه، حيث تحولت ايلات إلى هدف لفصائل المقاومة العراقية و للقوات المسلحة اليمنية، فاضحي خال من أي سفينة. فأما تل أبيب فلا يمر يوم إلا وتدكها صواريخ المقاومة وتدوي فيها صفارات الإنذار.

 

الكيان الإسرائيلي الذي كان يوما يطلق سراح العشرات من الأسرى الفلسطينيين مقابل هيكل عظمى لجندي من جنوده في قبضة المقاومة، نراه اليوم يترك مصير مئات الأسرى في قبضة المقاومة، وعاجز تماما عن "تحرير" أسير واحد رغم كل الدمار الذي الحقه بغزة، بل انه عاجز حتى اليوم من إعادة المستوطنين إلى غلاف غزة، خوفا من صواريخ المقاومة.

 

لم يمر في خيال احد قبل اليوم، ان تستهدف القوات المسلحة اليمنية وقوات حركة أنصار الله اليمنية، حاملات الطائرات والسفن والبوارج الحربية الأمريكية والبريطانية، في البحر الأحمر وبحر عمان والمحيط الهندي والبحر المتوسط، بالصواريخ والمسيرات، نصرة لغزة، وهو فعل لم تجرؤ عليه دول عظمى مثل روسيا والصين، إنها العزة التي وعد الله بها عباده المؤمنين.

 

الكيان الإسرائيلي الذي كان يعبث بأمن واستقرار الدول العربية دون رادع، مستقويا بالوجود العسكري الأمريكي والغربي في المنطقة، تعرض لأكبر هجوم في تاريخ المنطقة والعالم، عندما دكت القوات المسلحة الإيرانية، في عملية "الوعد الصادق" الكيان الإسرائيلي بأكثر من 300 صاروخ ومسيرة في آن واحد، ردا على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، ولم يجرأ الكيان الإسرائيلي ولا حماته الأمريكيين والغربيين، من أن يردوا على إيران، فأظهرت عملية “الوعد الصادق” أن الكيان الإسرائيلي اوهن من بيت العنكبوت.

 

الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني (ره)، تبنت القضية الفلسطينية، كقضية إسلامية مقدسة، وسعى الإمام الراحل من خلال إعلان آخر جمعة من شهر رمضان كيوم عالمي للقدس، أن يضع القضية الفلسطينية على صدر جدول أعمال الحكومات والشعوب والأحزاب الإسلامية، وان يشكل جبهة طويلة من المقاومة، تتبنى القضية الفلسطينية، كقضية إسلامية لا تنازعها أي قضية أخرى مهما كانت أهميتها، وهو ما تحقق اليوم، عندما نرى محور المقاومة الممتد من إيران إلى اليمن والعراق و سوريا ولبنان حتى فلسطين، يتحرك نحو هدف واحد وبدافع واحد. وهذا المحور هو النقيض الإسلامي، لمحور الشرذمة والتفكك والطائفية والتطبيع والخنوع والخضوع، الذي تحاول أمريكا فرضه على دول المنطقة وشعوبها.

 

أفكار الإمام الخميني(ره)، التي وجدت طريقها إلى التطبيق، بفضل قائد الثورة الإسلامية السيد على الخامنئي، كانت تقوم ومازالت، على الوحدة ضد التشتت، وعلى الإسلام الأصيل ضد الإسلام الأمريكي البريطاني، و على المقاومة ضد الخنوع والاستسلام، وعلى وحدة المحور والساحات ضد التشرذم والتشتت، وعلى الوحدة الإسلامية ضد الطائفية والعنصرية، وعلى القوة ضد الضعف، وعلى الثقة بالنفس ضد التردد والاستلاب، وعلى الأمل بتحرير فلسطين ضد التطبيع والمهادنة. وباتت شعوب المنطقة تقطف ثمار هذه الأفكار المباركة، بفضل محور المقاومة والتضحيات الكبرى التي قدمها من اجل غزة، وهي تضحيات، أجبرت الصهيوني الأكبر بايدن، على الإعلان رسميا عن أن الكيان الإسرائيلي، لن يحقق أي نصر في غزة، وعليه أن يوقف الحرب، إذا ما أراد أن يعيد أسراه أحياء، فالقوة المجردة لن تحقق أي هدف من أهداف أمريكا وإسرائيل" من الحرب. هذا الإعلان هو اعتراف رسمي بالهزيمة، كما انه اعتراف واضح بقوة محور المقاومة، المحور الذي بات رقما صعبا، لا يمكن لأي قوة في العالم، أن تتجاوزه أو تتجاهله.

 

أحمد محمد