ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقالاً للباحث في الشؤون الأمريكيّة محمّد مهدي عبّاسي يتطرّق فيه إلى أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر التي وقعت في الولايات المتحدة الأمريكيّة، وتداعيات تلك الحادثة على المستوى العالمي وما جنته أمريكا من حربها المزعومة على «الإرهاب» في العالم بعد مرور أكثر من عشرين عام.

 

مرّت 23 سنة على حادثة 11 أيلول/سبتمبر، الحادثة التي كانت ذريعة لحضور أميركا بوجه جدّي في غربيّ آسيا، حيث بدأت بشنّ هجوم عسكريّ واسع النطاق ضدّ بلدان مختلفة في المنطقة. في الأيّام الأولى بعد الحادثة، قال جورج بوش الابن، رئيس الولايات المتّحدة آنذاك، خلال خطاب له في جلسة مشتركة للكونغرس، بُثّت مباشرة عبر القنوات التلفزيونيّة: «حربنا ضدّ الإرهاب تبدأ ضدّ "القاعدة"، لكنّها لن تنتهي عند هذا الحدّ، ما دام هناك مجموعة إرهابيّة في العالم لم تُكتشف وتنكفئ وتُهزم، فإنّ هذه الحرب لن تنتهي». وبعد هذا الخطاب، أصبحت الهجمات العسكريّة غير المشروعة التي شنّتها الولايات المتّحدة في غربيّ آسيا تُعرف باسم «الحرب على الإرهاب» أو «الحرب ضدّ الإرهاب».

 

 بعد عامين، قدّم جورج بوش الابن وعدًا كبيرًا في خطابه بعد سقوط صدّام حسين واحتلال العراق، إذْ قال: «ستنجح الديمقراطيّة في العراق، وسيصل نبأ هذا النجاح من دمشق إلى طهران، هذه الحرّيّة يمكن أن تصبح في المستقبل من نصيب كلّ شعب، ستكون التشكيلات السياسيّة والقانونيّة للعراق الحرّ في قلب الشرق الأوسط نقطة تحوّل في الثورة الديمقراطيّة العالميّة»، لكنّ هذا الوعد لم يتحقّق قطّ، ولم تتحقّق أيضًا بعد عقدين من الحضور الأميركيّ في غربيّ آسيا، لا الديمقراطيّة ولا الازدهار، بل الدمار والبؤس؛ حيث أظهرت نتائج آخر الأبحاث في جامعة "براون" أنّ الحروب التي شنّتها الولايات المتّحدة بعد 11 أيلول/سبتمبر أدّت بشكل مباشر إلى مقتل أكثر من 940 ألف إنسان حتّى الآن، وتقدّر الجامعة أيضًا أنّ بين 3.6 إلى 3.8 مليون إنسان فقدوا حياتهم بشكل غير مباشر نتيجة لهذه الحروب على مدى الـ23 عامًا الماضية؛ بمعنى أنّ مجموع الضحايا من «الحرب على الإرهاب» التي شنّتها الحكومة الأميركيّة تجاوز 4.5 مليون إنسان. من جهة أخرى، تسبّبت هذه الحروب بنحو مروّع في تهجير 38 مليون إنسان، ودُمّرت أو هُدّمت مساكن ملايين الناس الأبرياء.

 

في أفغانستان وحدها؛ أدّت العمليّات العسكريّة التي شنّتها القوات الأميركيّة على مدار 20 عامًا إلى مقتل 174 ألف إنسان، بما في ذلك أكثر من 30 ألف مدنيّ. يشير تقرير "نيويورك تايمز" في كانون الأوّل/ديسمبر 2021 إلى أنّ أكثر من 50 ألف غارة جوّيّة أميركيّة على العراق وسوريا وأفغانستان أودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيّين، إحدى المجازر الوحشيّة التي ارتكبتها القوّات الأميركيّة، كانت الهجوم بطائرة من دون طيّار على المدنيّين الأفغان خلال انسحاب القوّات العسكريّة الأميركيّة من أفغانستان، قُتل في هذا الهجوم 10 مدنيّين أفغان، من بينهم 7 أطفال، كان عمر أصغرهم لا يتجاوز السنتين.

 

إضافة إلى ذلك، يعيش العالم حاليًّا في صدمة بسبب المشاهد والتفاصيل الجديدة التي نشرتها مجلّة "نيويوركر" عن «مجزرة حديثة» التي ارتكبتها القوّات الأميركيّة في العراق، جريمة أسفرت عن مقتل 24 مدنيًّا عراقيًّا، من بينهم أطفال ونساء ورجال، على يد مجموعة من مشاة البحريّة الأميركيّة في مدينة "حديثة" عام 2005، وقد وثّق العسكريّون الأميركيّون آنذاك جرائمهم من خلال التقاط صور كثيرة، ولكنّ الجيش الأميركيّ حاول، حتّى الأسابيع القليلة الماضية، إبقاء هذه الصور بعيدة عن أنظار عامّة الناس.

 

لكنّ المأساة لا تنتهي عند هذا الحدّ، إذْ يعدّ الشعب الأميركيّ كذلك من بين أكبر ضحايا آلة الحرب الوحشيّة التي تشنّها حكومته.

 

 تشير الإحصاءات إلى أنّ «الحرب على الإرهاب» كلّفت الولايات المتّحدة أكثر من 9 تريليونات دولار حتّى الآن، بمعنى أنّ دافعي الضرائب الأميركيّين يدفعون في المتوسّط أكثر من 93 مليون دولار كلّ ساعة لتمويل الحروب الأميركيّة، كما أنّ الخسائر البشريّة في صفوف الجيش الأميركيّ تستمر حتّى بعد انتهاء حرب العراق وأفغانستان، إذْ إنّ عدد أفراد الجيش العاملين والمحاربين القدامى الذين انتحروا بسبب آثار هذه الحروب التي شُنّت بعد 11 أيلول/سبتمبر يفوق، على الأقل، أربع مرّات عدد الذين قتلوا في ساحات القتال.

 

إضافة إلى ذلك، سُجّلت تقارير عديدة عن اعتداءات جنسيّة كثيرة بين الجنود الأميركيّين المشاركين في حروب العراق وأفغانستان، تشير الإحصاءات إلى أنّ 24% من النساء في الجيش الأميركيّ، و1.9% من الرجال فيه تعرّضوا لاعتداء جنسيّ خلال حرب أفغانستان (2001-2021).

 

الآن، وبعد مرور 23 عامًا على حادثة 11 أيلول/سبتمبر وبدء الهجوم العسكريّ الأميركيّ على المنطقة، أصبح واضحًا أكثر من أيّ وقت مضى أنّ كلّ هذه التكاليف الضخمة الماليّة والعسكريّة والبشريّة كانت تهدف فقط إلى إرضاء «المجتمع الصناعيّ العسكريّ» الأميركيّ، ومسؤولي هذا البلد المجرمين. أفراد مثل بوش وأوباما وترامب وبايدن، الذين وضعوا مصالحهم الشخصيّة فوق مصالح الشعب الأميركيّ، وضحّوا بمئات الآلاف من الأبرياء تحت ذريعة زائفة هي مكافحة الإرهاب، وتسبّبوا بمشاعر السخط والنفور العميق لدى شعوب المنطقة، أدّى إلى طرد الولايات المتّحدة من غربيّ آسيا إلى الأبد.

 

الموضوع الذي أشار إليه قائد الثورة الإسلاميّة بحكمة منذ سنوات عديدة، إذْ قال: «شعوب بلدان هذه المنطقة تكره أميركا، لماذا لا يفهم الأميركيّون هذا الأمر؟ لقد ارتكبتم - أنتم الأمريكيّون - جرائم في العراق، وفي أفغانستان، وقتلتم البشر. في بدايات الأمر، بعد سقوط صدّام، اغتال الأميركيّون، بوساطة أجهزة خبيثة مثل "بلاك ووتر" وأمثالها، ربما أكثر من ألف عالم عراقيّ، وقتلوهم، وقضوا عليهم، وهاجموا بيوت الناس، كانوا يطرحون الرجل أرضًا أمام أعين زوجته وأبنائه، يسحقون وجهه بأحذيتهم، لقد ارتكبتم كل هذه الأفعال. أنتم الأميركيّون قصفتم مواكب فرح الأعراس في أفغانستان، ليس لمرّة واحدة، أو مرّتين، بل لعشرات المرّات، وقصفتم مجالس العزاء، أنتم ارتكبتم الجرائم، والناس يكرهونكم؛ الشعب الأفغانيّ والشعب العراقيّ والشعب السوريّ وشعوب بلدان أخرى».