ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقالًا للباحث في الشؤون الأمريكيّة محمّد مهدي عبّاسي يتحدّث فيه عن آخر الأوضاع في سوريا بعد سقوط النظام، ويشرح كونها حربًا أهليّة أو تدخّل خارجي، مع تسليط الضوء على بصمات أمريكا في هذه الأزمة.

 

اشتعلت الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، وسرعان ما تحولت إلى ساحة لتدخّلات القوى العالمية. كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة العالمية الرئيسية التي لعبت دوراً محورياً في هذه الأزمة. دخلت الولايات المتحدة الساحة تحت شعار دعم السوريين المطالبين بالديمقراطية، ولكنها في الواقع دعمت جماعات ذات طبيعة إرهابية تماماً وساندتها. سواء في المدة من 2014 إلى 2017 عندما صنعت تنظيم «داعش» الإرهابي - أو على الأقل دعمته خلف الكواليس - ما دفع سوريا إلى أزمة الفوضى وانعدام الأمن، أو في هذه الأيام إذْ صممت حرباً أهلية جديدة وعززت في السرّ جماعات إرهابية مرتبطة بـ«تنظيم القاعدة»، في محاولة لتقسيم سوريا.

 

قد يبدو الحديث عن دعم الولايات المتحدة للجماعات الإرهابية المسلحة منذ سنوات طويلة «نظرية مؤامرة» بالنسبة إلى الكثيرين، ولكن في السنوات الأخيرة، اعترف عدد من السياسيين الغربيين بهذه المسألة، وأصبح ارتباط الحكومة الأمريكية بالإرهابيين في المنطقة حقيقة جليّة.

 

على سبيل المثال، قال روبيرت إف. كينيدي، مرشح الانتخابات الرئاسية الأمريكية ووزير الصحة المحتمل في حكومة ترامب الثانية، في مقابلة مع قناة «العربية» قبل بضعة أشهر: «نحن صنعنا داعش. وعبر إشعال الحرب في سوريا، جعلنا مليوني لاجئ يتهافتون إلى أوروبا»[1]. كما اعترف مات غيتس، عضو الكونغرس الأمريكي، قبل بضع سنوات في جلسة للكونغرس بدعم الولايات المتحدة للمتمردين السوريين، قائلاً: «في بعض الأحيان، كان المتمردون الذين كنا نؤيدهم وندعمهم ماليّاً من أجل القتال ضد الأسد في سوريا، يعودون ويرفعون راية «داعش». لذلك، من السخافة القول إنه من أجل صدّ «داعش» يجب أن نكون في سوريا، في حين أنّ وجودنا في سوريا كان في بعض الحالات أفضل هدية لـ«داعش»»[2]. علاوة على ذلك، وصف بعض السفراء البريطانيين السابقين مثل كريغ موري، في موقف جديد له، التطورات الأخيرة في سوريا بأنها ليست «ثورة»، بل «تدخل خارجي» من قبل الولايات المتحدة لزعزعة استقرار المنطقة. [3]

 

قدّم المحللون والخبراء الدوليون آراء متعددة حول هذا الموضوع. على سبيل المثال، أشار جيفري ساكس، أستاذ جامعة كولومبيا الشهير، في مقابلة قبل بضعة أيام، إلى دور الولايات المتحدة في الأحداث الجارية في سوريا، قائلاً: «الوضع الحالي في سوريا هو نتيجة لسياسات الولايات المتحدة و"إسرائيل" التي أقدمت عمداً على إسقاط الحكومات المختلفة واحدة تلو الأخرى، ولم تترك سوى الدمار والخراب، بل ومنطقة واسعة من زعزعة الاستقرار... لقد دعمت الولايات المتحدة الجهاديين السنّة منذ عام 1979، وفي حالات عدة، بما في ذلك في البلقان، والبوسنة، والشرق الأوسط، وأفغانستان... من المهم جداً أن يُدرك الجميع أنّ الولايات المتحدة، فعلياً، منذ عام 2001، كانت في حالة حرب دائمة في الشرق الأوسط بناءً على طلب "إسرائيل"»[4]. كما أشار المذيع والخبير في قناة «سكاي نيوز عربية» في حوار جديد إلى أن قادة الجماعات الإرهابية الموجودة في سوريا مرتبطون بالولايات المتحدة والغرب، قائلاً: «هناك أنباء تشير إلى أن مستشارين عسكريين من شرق أوروبا كانوا يدرّبون أعضاء جبهة النصرة. كان الجولاني معروفاً لدى أعضاء «القاعدة» منذ زمن بعيد بأنه عميل للولايات المتحدة». لاري جونسون، المحلل السابق في المخابرات المركزية الأمريكية، CIA، ذكر في مقابلة حديثة، أنّ الأحداث الأخيرة في المنطقة تمثّل جزءاً من خطة الغرب لتوسيع الحرب في أوكرانيا، قائلاً: «كما تعلمون، يوجد جنود أوكرانيون في سوريا يقاتلون إلى جانب قوات «هيئة تحرير الشام». في رأيكم كيف وصلوا إلى هناك؟ الولايات المتحدة وبريطانيا هما مَن يساعدان في ذلك وينفّذان هذه المهمة»[5].

 

تُظهر هذه المواقف والتصريحات كلّها مخططاً معقداً لغرفة تفكير مشتركة أمريكية–إسرائيلية بشأن مستقبل سوريا ومنطقة غربي آسيا. قصف الولايات المتحدة لـ75 نقطة بنية تحتية وحيوية في سوريا[6]، وقصف الكيان الصهيوني لـ300 نقطة عسكرية وحساسة في سوريا، بالإضافة إلى الأخبار التي تشير إلى استعجال الحكومة الأمريكية في سحب مكافأة الـ 10 مليون دولار مقابل القبض على زعيم جبهة النصرة[7]، تُعدّ أدلة مهمة على هذا المخطط الخطير.

 

الأغرب من ذلك هو أن وسائل الإعلام الأمريكية، هذه الأيام، تتماشى مع حكومة بلادها في تبييض جرائم الجماعات الإرهابية داخل سوريا وتتستر عليها. وسائل إعلام تتجاهل عمداً حقيقة تقسيم سوريا وطبيعة المتمردين الإرهابية، وتستمر في الحديث عن ثورة شعبية تماماً في هذا البلد!

 

لكن بعيداً من المصالح الأمنية والسياسية للحرب الأهلية السورية بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحليفها الرئيسي، أي الكيان الصهيوني، يجب ألا تُتجاهَل المصالح الاقتصادية التي تجنيها الولايات المتحدة من هذا الوضع. هذه المصالح هي التي جعلت الولايات المتحدة تسعى دائماً إلى تعزيز وجودها في منطقة غربي آسيا. اعترف دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي المنتخب، في مقابلة قبل بضع سنوات مع «فوكس نيوز» بهذا الموضوع قائلاً: «لقد وَضعتُ قوات في سوريا للاستيلاء على النفط. لقد استوليتُ على النفط (السوري). القوات التي لدينا في سوريا ليست إلّا للاستيلاء على النفط هناك. إنهم يحرسون النفط (السوري)» [8].

 

في الختام، أشار قائد الثورة الإسلامية في لقائه الأخير مع مختلف فئات الشعب، إلى الدور الفاضح للولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني في الأحداث الأخيرة في سوريا، قائلاً: «المتآمر الرئيسي والمخطّط الأساسي وغرفة التحكّم الأساسيّة موجودة في أمريكا والكيان الصهيوني. لدينا قرائن على ذلك، وهذه القرائن لا تُبقي للمرء أيّ مجال للشكّ والتردّد». إنه مخطط من المؤكد أنه يشوبه خطأ في حسابات حكومة الولايات المتحدة بشأن قدرات محور المقاومة، ومثل مخططات أمريكا في العقود الماضية جميعها، فإنه سيواجه هزيمة حتمية.