من فكر الإمام الخميني وإستراتيجيته السياسية

بمناسبة ذكرى رحيل الإمام الخميني (قدس سره) ننتهز هذه الفرصة لكي نطالع فكر الإمام وإستراتيجيته السياسية التي استطاع أن يحقق من خلالها اكبر نجاح للحركة الإسلامية في عصرنا الأخير.

هنالك محاولات دؤوبة ومركزة للقوى المعادية للإسلام وللجماهير المستضعفة في العالم لفصل الجماهير المسلمة عن فكر الإمام وإستراتيجيته، فيثيرون أن هذا الفكر لا يمكن أن يحتذى به، أو أن هذه التجربة هي تجربة خاصة في بلد خاص ولا يمكن تعميمها لأي بلد آخر.

هذه مخالفة وأكذوبة كبرى. نحن ككوادر تهتم بالعمل الإسلامي، وكل من يريد أن يمارس العمل الإسلامي لا بد أن يعرف أن التجربة الخمينية هي تجربة ناجحة، بل أنها من أفضل التجارب التي يمكن أن يقتدى بها.

إنّ هذه التجربة كانت تجربة موفقة بالتأكيد. فهناك الكثير من القضايا العامة التي يمكن أن تقدمها هذه التجربة للشعوب المستضعفة. هناك عناصر عامة وكبرى وأساسية. إن هذه التجربة هي من أفضل التجارب الموفقة في عالمنا هذا.

العناصر العامة في التجربة الخمينية لا تخص إيران بالذات. فالهيمنة الأميركية هي هيمنة عامة. هنالك أساليب، وهنالك إستراتيجيات لمواجهة هذه الهيمنة، التجربة الخمينية واجهت الهيمنة الأميركية، وتستطيع الشعوب الإسلامية أن تستفيد من التجربة الإيرانية في هذا المجال.

* بعض الركائز العامة التي إستخدمها الإمام الخميني:

أميركا وحكومة الشاه استخدمت كل إمكانياتها في ضرب هذه الثورة وبكل الأساليب والواجهات. ولكن الإمام الخميني استخدم مقومات قوة عامة، موجودة في أكثر البلاد الإسلامية، واعتمد على ركائز عامة لا تخص إيران فقط. فقد رفع الإمام الخميني لواء الإسلام، وتطبيق الإسلام عنصر عام، وليس مختصا بشعب أو ببلد.

كما اعتمد الإمام في إستراتيجيته على الجماهير المستضعفة، وهو الآخر عنصر ليس خاصا بإيران. فلكل شعب طاقات ومواهب يمكن للقادة أن يستفيدوا منها في سبيل تهيئتها بإتجاه الهدف المطلوب.

ويُقال إن وجود الإمام الخميني في إيران هو عنصر فريد لا يتوفر في أي بلد آخر. ولكن حتى هذه النقطة يمكن للشعوب الأخرى أن تستخدم عناصر أخرى للقوة لتعوض عنها. إذن، هذه العموميات لا تخص شعب إيران.

* بعض الركائز الخاصة التي إستخدمها الإمام الخميني:

ويمكن أن يضاف إلى هذه الركائز العامة، ركائز خاصة تتوفر في كل بلد على حدة، لأن الكثير من البلدان الأخرى توجد لديها طاقات أخرى يمكن الاستفادة منها.

* أكذوبة فشل التجربة الخمينية:

النقطة الأخرى، أحياناً يركز على أنّ هذه الثورة لم تحقق انجازا أو فشلت في مهمتها. وهذه أكذوبة كبرى. الإعلام الأميركي يوحي بفشل التجربة الخمينية والعكس واضح.

التجربة الإيرانية هي تجربة ناجحة. فقد نجحت هذه التجربة في طرح أطروحة إسلامية سياسية حديثة لبلد واسع ومتنوع عقائديا ودينيا واثنيا في ايران.

فيوجد في إيران سبع قوميات وعناصر مختلفة في اللغة والأعراف والتقاليد. بلد يحدده 16 قطرا، بلد فيه من الأديان غير اليهودية والنصارى، الزرادشتية.

الأحداث السياسية التي عاشها هذا البلد في هذا القرن الماضي لم يشهده أي بلد آخر. لا يوجد بلد خاض معارك سياسية داخلية كإيران. إيران استطاعت أن تلم شمل هذا البلد، وحافظ النظام على قوته وخاض الكثير من الحروب والحركات الداخلية في السنين الأولى للثورة، ولكن الدستور الإسلامي استطاع أن يحافظ على وحد هذا البلد، وكذلك يفرض مراقبة عامة على كل أجهزة الدولة.

القوانين الاقتصادية والمدنية حلت بها مشاكل كثيرة وتم هذا تحت إشراف الفقهاء المختصين الذين يشرفون على كل مادة قانونية يتم إقرارها في مجلس الشورى.

خطة الحرب ضد إيران هي محاولة لإفشال الجمهورية في السير في حركة دؤوبة إلى مراحل عالية من الرقي الاقتصادي والعلمي والثقافي.

استطاعت الدولة الإسلامية من القضاء على الأمية في هذا البلد، فهناك حوالي 10% فقط هم أميين وهي نسبة قليلة. إنّ الضجة التي تفتعلها أمريكا حول البرنامج النووي الإيراني هي حملة مفتعلة ليس الهدف منها خوف أمريكا من امتلاك إيران للسلاح النووي كما تحاول أن تصور أمريكا الموضوع، ولكن الخوف الأميركي هو من إمكانية التطور العلمي في إيران. أمريكا لا تريد إيران أن تحصل على الطاقة النووية التي تمكنها من المضي قدما في التطور والإزدهار والنجاح، فنجاح إيران يعني نجاح هذه الثورة الإسلامية، وأمريكا لا تريد للشعوب الإسلامية أن تعرف أن هذه الثورة ناجحة، وإنما تريد أن تظهرها بأنها ثورة متخلفة لا يمكن استنساخها، أو إعادة تطبيقها في أي مكان آخر.

ــــــــــــــ

* كلمة لسماحة آية الله الشيخ محسن الأراكي(دام ظله) في مؤسسة الأبرار الإسلامية في لندن ۲/٦/ ۲۰۰٥م بمناسبة الذكرى السنوية ۱٦ لارتحال الإمام الخميني(قدس سره).