كرامة الإنسان والتكليف في منهج الإمام الخميني
تمهيد:
تمثل ماهية الإنسان وكرامته مكانة تأسيسية في فكر الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) وحركته الإصلاحية، بوصف الكرامة مكون أساسي في بناء الشخصية الإسلامية الرسالية الفاعلة، ومحرك قوي وفعال نحو إصلاح المجتمع وتطويره.
وقد اعتبر الإمام الخميني أن ما قدمه من فكر حول كرامة الإنسان، يمثل رؤية إسلامية قرآنية صرفة، وهو ما نادى به الأنبياء (عليهم السلام) وأن تحقيق الحياة الكريمة للناس تمثل أحد أهم أهداف رسالات السماء، قول الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}(الحديد: 25)، واعتبر كرامة الإنسان منحة إلهية، وعليه:
* ليس لأحد الحق في أن ينتهكها.
* وأنها السبيل إلى الحرية والارتقاء والتقدم، ومواجهة الدكتاتورية والاستبداد والتخلف.
* وأنها السبيل إلى الفضائل وبناء الإنسان الصالح والمجتمع الصالح.
وقد جاء في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران أن نظام الجمهورية يقوم على أسس، منها: "الإيمان بكرامة الإنسان وقيمته الرفيعة، وحريته الملازمة لمسؤوليته أمام الله". (المادة: 2، الفقرة: 6).
ولقد كانت نفسية الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) ممتلئة بالعزة والكرامة والشموخ الرسالي، وتمثل الكرامة أساسا فكريا وعقائديا وأخلاقيا متينا في حركته الثورية وصراعه المرير ضد الباطل والظلم والاستبداد، وتحريك الشعب الإيراني وإلهاب حماسه على طريق الثورة وبناء الدولة الإسلامية، وتحريك شعوب العالم المستضعفة ضد الدكتاتورية والاستبداد وقوى الاستكبار العالمي.
وفي هذه الليلة المباركة سوف نحاول أن نتعرف على:
* مفهوم الكرامة.
* وكيف أنها تمثل أساسا فكريا وعقائديا وأخلاقيا في الثورة وبناء الدولة.
المفهوم اللغوي للكرامة:
للكرامة معاني عديدة، تقول: كرم الشيء، أي عز ونفس وفضل، فالشيء الكريم هو الشيء النادر والمرضي والمحمود والفاضل والثمين.
وكرم السحاب: أي جاد بالغيث، فالكرم يعني العطاء والسخاء.
وأكرم زيد: أعظمه ونزهه.
والكريم: هو الجامع لأنواع الخير والشرف والفضل والفضائل، والمنزه عن الأفعال الدنيئة والصفات القبيحة، وهو صفة لكل ما يرضى ويحمد في بابه، فيطلق على الرزق، فيقال: حجر كريم، ورزق كريم، وعلى الكتاب، فيقال: كتاب كريم، وعلى الإنسان، فيقال رجل كريم، وامرأة كريمة، والكريم اسم من أسماء الله الحسنى، ويعني أن الله جل جلاله:
* كثير الخير، والجواد الكريم الذي يعطي بغير استحقاق وفوق الاستحقاق للمعطى له، لأنه رحيم بعباده، ولا ينفذ عطاؤه.
* وهو ذو الفضل العظيم والرحمة الواسعة، والصفوح عن الأخطاء والزلات.
* والمنزه عن النقائص والأخطاء.
* والحقيق بالتعظيم فيطاع ولا يعصى.
والإكرام: الإنعام والإحسان والإعظام والتفضيل والتنزيه.
والكرامة: اسم يوضع للإكرام.
والمكرمة: فعل الكرم.
معنى كرامة الإنسان:
وكرامة الإنسان تعني أنه موجود نفيس ومتميز إيجابيا في وجوده عن سائر الموجودات، وأن له الفضل والشرف على سائر الموجودات، وأنه مكان الإنعام والإحسان والتفضيل من الله تبارك وتعالى، فالإنسان يحظى بعناية ربانية خاصة، فقد جعله الله تبارك وتعالى:
* خليفته في الأرض.
* ومستودع علمه حكمته.
* ومرآة جلاله وجماله.
* وأسجد له ملائكته.
* وسخر له ما في السماوات والأرض.
قول الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}(الإسراء: 70). فالآية تقرر وجود كرامة تكوينية أصيلة وهبها الله ذو الجلال والإكرام للإنسان في المقام الأول، وبسبب كرامته تم:
* حمله في البر والبحر في سياق تسخير الموجودات من أجله.
* ورزقه من الطيبات فلا يأكل الخبائث ولا يأكل كما تأكل الانعام.
* وتفضيله على سائر المخلوقات.
والخلاصة: أن للإنسان كرامة تكوينية في أصل خلقته التي وهبه الله ذو الجلال والإكرام إياها، وأن هذه الكرامة هي السبب في جعله خليفة الله عز وجل في الأرض، وأمر الملائكة بالسجود له، وتسخير ما في السماوات وما في الأرض من أجله، وهنا يبرز أمامنا سؤالان:
:: علة كرامة الإنسان:
السؤال (1): ما هي علة كرامة الإنسان؟
الجواب: لكرامة الإنسان ثلاث علل، وهي:
العلة (1): النفخة الربانية في الإنسان، قول الله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}(الحجر: 29)، فعلة أمر الملائكة بالسجود لآدم (عليه السلام) هي النفخة الربانية، وهي علة كرامته، وهي التي تمنحه القابليات والاستعدادات الوجودية للتكامل الروحي، واكتساب صفات الله ذي الجلال والإكرام، والتخلق بأخلاقه، والصعود إلى ساحة القدس والطهارة والكمال والقرب من الله ذي الجلال والإكرام.
العلة (2): العقل، قال الإمام الباقر (عليه السلام): "لما خلق الله العقل استنطقه، ثم قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك، ولا أكملت إلا فيمن أحب، أما إني إياك آمر، وإياك أنهي، وإياك أعاقب، وإياك أثيب". (الكافي، ج1، ص10). فالعقل هو مدار:
* الخطاب بالتكليف الإلهي للإنسان.
* والاختيار للأفعال الحسنة التي تنسجم مع حقيقته النورانية، واجتناب الأفعال القبيحة التي تتنافى مع حقيقته التورانية.
* وأفضلية الإنسان وتقدمه على غيره من المخلوقات بما منحه الله تبارك وتعالى من المواهب والإمكانيات والقابليات والاستعدادات.
العلة (3): حرية الاختيار، قول الله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }(الشمس: 7-10)، فهو الكائن الوحيد في الوجود الذي يصنع ماهيته بنفسه، فهو يمتلك القابلية للصعود ليصنع لنفسه بحريته واختياره ماهية أفضل من الملائكة، ويمتلك القابلية للهبوط ليصنع لنفسه بحريته واختياره ماهية شيطانية سافلة أخس من ماهية البهائم تهوي به إلى الدرك الأسفل في نار جهنم، قول الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}(الأعراف: 179).
:: مقتضى الكرامة:
والسؤال (2): كيف تصلح كرامة الإنسان أساسا قويا ومتينا لحركة الصراع الثوري ضد الاستبداد والاستكبار والتخلف، ومن أجل الارتقاء الحضاري والازدهار الشامل بالإنسان وإقامة دولة العدل الإلهي؟
والجواب: إن لكرامة الإنسان مقتضيات توجب له حقوقا وتفرض عليه واجبات، وتجاوز هذه الحقوق والواجبات يعد خروجا على مقتضى الكرامة الإنسانية، ومنها:
1) أن لا يفرض دين أو عقيدة على الإنسا، ن وإنما هو الذي يختار دينه وعقيدته بحسب قناعته العقلية وإرادته، ويمنح حق التعبير عن رأيه، ثم يتحمل المسؤولية الشاملة عن اختياره في الدنيا والآخرة، قول الله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}(البقرة: 156).
2) أن لا يفرض على الإنسان نظام سياسي بغير إرادته، فالشعب هو الذي يختار النظام السياسي الذي يعبر عن إرادته ويخدم مصالحه الجوهرية، وهذا هو المراد من القول في دساتير الدول الديمقراطية: "الشعب مصدر السلطات جميعا". والكرامة تفرض وضع هذا النص موضع التطبيق، وليس وضعه في الدستور للضحك على الذقون، ثم مخالفته من خلال مواد الدستور الأخرى التي تشرعن للدكتاتورية والاستبداد، وتصادر حق الشعب في صناعة القرارات، وتفرض عليه إرادة الحكام، وإصدار القوانين المصادرة للحقوق والحريات، وممارسة الانتهاكات على الأرض، بحكم القانون الجائر أو بحكم الواقع استنادا إلى القوة والبطش البهيمي، ومن الناحية العقلية والأخلاقية، فإن من يفعل ذلك لا يشعر هو بكرامة نفسه، قول الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): "أذل الناس من أهان الناس". (البحار، ج75، ص142)، وقول الإمام الصادق (عليه السلام): "إنما الذليل الظالم". (البحار، ج78، ص203).
3) يجب على المجتمع والدولة توفير الخدامات الأساسية لجميع المواطنين، مثل: المأكل والمشرب والمسكن والصحة والتعليم ونحوها، فلا يليق بكرامة الإنسان أن يعيش في الجهل والعراء، وأن يترك للمرض والجوع والعطش تنخر قواه.
4) أن موهبة الكرامة تفرض على الإنسان:
* أن يكون حضاريا وراقيا في سلوكه ومواقفه وعلاقاته مع غيره، واختيار الأفعال الحسنة، واجتناب الأفعال القبيحة، فمن يشعر بكرامته لا يفعل الأعمال القبيحة.
* وشكر المنعم المتعال، وهو الله ذو الجلال والإكرام، فمن يشعر بكرامة نفسه لا يقابل إحسان الآخرين بالإساءة إليهم.
* واجتناب مذلة أي إنسان ما لم يفعل هو ما يوجب إذلاله، مثل: التعدي على حقوق الآخرين وحرياتهم، فمن يشعر بكرامة نفسه لا يمكن أن يذل غيره من الناس، قول الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): "أذل الناس من أهان الناس". (البحار، ج75، ص142)، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: "من أهان لي وليا فقد أرصد لمحاربتي". (الكافي، ج2، ص351)، وقال الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): "من استذل مؤمنا واستحقره لقلة ذات يده ولفقره، شهره الله يوم القيامة على رؤوس الأشهاد". (الكافي، ج2، ص353). وهذه المعاملة الإنسانية التي تستند إلى الكرامة، يجب أن تكون مع جميع الناس على اختلاف مللهم وأديانهم ومذاهبهم، قول الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): "من آذى ذميا فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة"، ولهذا وقف الأنبياء (عليهم السلام) والمصلحون الإسلاميون ومنهم الإمام الخميني العظيم مع جميع المستضعفين في الأرض بغض النظر عن مللهم وأديانهم ومذاهبهم.
* وأن لا يقبل بالمذلة والمهانة والتحقير من أحد أي كان، قول الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): "من أقر بالذل طائعا، فليس من أهل البيت". (البحار، ص77، ص162)
والخلاصة: يجب على الإنسان بمقتضى كرامته التكوينية الأصيلة التي جعلها الله ذو الجلال والإكرام في أصل خلقته وتكوينه:
* أن يختار دينه ومنهجه في الحياة بحرية وبحسب قناعته العقلية.
* أن يسعى لإقامة النظام السياسي والدولة التي تعبر عن إرادته وتخدم مصالحه.
* وأن يثور حينما يفرض عليه دين هو غير مقتنع به، أو نظام سياسي بخلاف إرادته، أو يحرم من حقوقه الطبيعية في الحياة، مثل: حرية التفكير والتعبير، أو يحرم من الخدمات الأساسية التي تقتضيها كرامته وتوفر له العيش الكريم في الحياة، مثل: التعليم والصحة والسكن والمأكل والملبس وكلها بالشكل المناسب.
* أن يكون حضاريا وراقيا في سلوكه ومواقفه وعلاقاته مع غيره.
:: الكرامة أساساً للحقوق والثورة ضد الانتهاكات:
ولهذا تعد كرامة الإنسان أساسا للحرية والديمقراطية والعدل والسلام في العالم كما أشير إلى ذلك في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقد نص الإعلان على أن جميع الناس من جميع الأجناس والألوان والاعراق يولدون متساوين في الكرامة (المادة 1) وبين الحقوق الأساسية المفروضة للإنسان بحكم أصالة كرامته في العديد من مواده، ومنع الممارسات الحاطة بالكرامة (المادة 5).
وقد وظف الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) بكفاءة قيادية وإنسانية عالية مفهوم كرامة الإنسان كأساس متين:
* للثورة ضد الاستبداد الشاهنشاهي وقوى الاستكبار العالمي.
* وللمقاومة الشريفة بكل أشكالها.
* والسعي لإقامة دولة العدل الإلهي.
* والسعي لتوفير الظروف المناسبة لكي يستفيد جميع المواطنين من النعم والإمكانيات الموجودة في المجتمع والدولة، في سبيل الازدهار والتقدم، ونيل السعادة والكمال المطلوب للإنسان.
والخلاصة: من يشعر بكرامة نفسه، يرفض أن يفرض عليه دين أو مذهب أو نظام سياسي بغير إرادته، ويثور ضد الدكتاتورية والاستبداد وقوى الاستكبار والتخلف، ويقاوم جميع الانتهاكات لحقوقه الطبيعية، ولا يرضى بغير العيش الكريم في الحياة.
:: ثانياً: نظرية التكليف الشرعي في فكر الإمام الخميني
تمهيد:
يعرف منهج الإمام الخميني العظيم بمنهج التكليف، وأنا أضع هذا المنهج في مقابل منهج التبرير والقبول بالأمر الواقع، وفي سبيل فهم هذا المنهج سوف أتحدث في نقاط عديدة:
المراد من منهج التكليف إجمالا: أن الإنسان مأمور من الله عز وجل بأن يبذل جهده بحسب قدرته وإمكانياته من أجل إحقاق الحق ومحاربة الباطل وتنفيذ ما يأمره الله سبحانه وتعالى به، دون النظر إلى النتائج التي هي بيد الله عز وجل، قول الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}(البقرة: 285):
* فالسمع كناية عن الإيمان.
* والطاعة دليل على الانقياد والعمل بالجوارح.
* والسمع والطاعة هما تمام الحق الذي جعله الله سبحانه وتعالى لنفسه على عباده.
نظرية التكليف بشيء من التفصيل:
يرى الإمام الخميني العظيم (قدس سره الشريف) بأن الغاية العظمى للإنسان، وغاية جميع العبادات، مثل: الصلاة والصيام والحج والزكاة، هي معرفة الله ذي الجلال والإكرام، والفناء فيه، والبقاء به، وهذا يقتضي:
* عشقه ومحبته.
* والخضوع المطلق لسلطانه.
* والتقيد التام بأحكامه في جميع مناحي الحياة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
ومن جهة ثانية: فإن الحياة الاجتماعية للإنسان تفرض وجود الأحكام الشرعية التي تنظم جميع شؤون حياته وتوصله إلى كماله الوجودي، وبدون هذه الأحكام يفسد الأفراد والمجتمع، وتحقق هذا الفساد في النوع وليس في بعض الأفراد وهم العصاة هو بخلاف الحكمة الربانية والعناية الإلهية الخاصة بالإنسان، وقد كتب الله سبحانه وتعالى على نفسه الرحمة، وإيصال الإنسان إلى سعادته وكماله وتحقيق غاية وجوده، ولهذا أنزل الله تبارك وتعالى الأحكام، وفرض على الإنسان التقيد بها. وفي سياق الخضوع للأمر الله عز وجل ونهيه في ساحة صراع المؤمنين ضد الباطل والظلم والرذيلة والاحتكار والدكتاتورية والاستبداد وقوى الاستكبار العالمي والصهيونية ونحوها، يبرز أمامنا منهجان:
(1) منهج التكليف:
ونقطة الانطلاق فيه تبدأ بالنظر إلى الله ذي الجلال والإكرام والتعلق به: (عشقا ومخافة) ومعرفة الأحكام الشرعية من مصادرها (اجتهادا أو تقليدا) وفق منهج علمي رصين، ثم إصدارها والعمل بها بقوة، وعدم التردد أو الخشية من أحد، قول الله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}(الأحزاب: 39)، وقول الله تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}(مريم: 12).
ويتمتع هذا المنهج بخصائص عديدة، منها:
* الاستناد في الحركة والصراع ضد الباطل والظلم والرذيلة ونحوها إلى الإسلام كفكر وعقيدة وفقه، فلا تنفصل الحركة عن الفكر والعقيدة كعامل تحريك وتنوير، وعن الفقه كضابط للسلوك والمواقف، واتخاذ الإسلام منهجا للتغيير والإصلاح، والسعي لتحقيق أهداف الرسالة في الحياة، والارتقاء بالإنسان إلى أعلى درجات السمو والكمال الإنساني، فتكون الحركة فكرية وحضارية بامتياز، وتمتلك تراثا ثقافيا يمتد لآلاف السنين، وهو تراث جميع الأنبياء (عليهم السلام) وآخرهم وخاتمهم وأفضلهم حبيب الله الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
* الوقوع تحت تأثير العشق لله ذي الجلال والإكرام أو المخافة منه، مما يؤدي إلى التركيز على الأهداف الأساسية وعدم الاشتغال بالأمور التافهة والجانبية، وعدم الخضوع للضغوط والمساومات الرخيصة أو الوقوع تحت تأثير الخوف أو الطمع، وإبعاد الحركة والصراع عن القضايا الشخصية.
* لتركيز على أداء التكليف وتحمل المسؤولية وعدم النظر إلى النتائج، فهي بيد الله (عز وجل) وحده لا شريك له، الذي يفعل ما يشاء بقدرته، ويحكم ما يريد بعزته، قول الله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}(آل عمران: 173).
* الغيرة على المقدسات والأعراض والمصالح الحيوية، والحرص الشديد على الحقوق، والتمسك القوي والحازم بالواجبات، والصلابة والقوة والشجاعة والعزيمة في مواجهة الصعوبات والتحديات والمشاكل، والتوكل العميق على الله عز وجل، والإصرار على تحقيق المطالب والأهداف المشروعة.
وتترتب على هذا المنهج مجموعة من النتائج:
* السعي لمعرفة الأحكام (اجتهادا أو تقليدا) والالتزام التام بها.
* إخضاع المباني الفكرية ونتائجها الفوقية للمراجعة والنقد وإعادة النظر في التشخيصات باستمرار، مما يترتب عليه سلامة الحركة وتجددها وتطورها باستمرار.
* تعظيم الشهادة والفداء والتضحية في سبيل الله ذي الجلال والإكرام، وتعزيز روحية المبادرة والإقدام في ساحة الصراع.
* التأسيس لنظرية ولاية الفقيه التي من شأنها توفير المظلة والمرجعية الدينية العليا التي تؤمن أداء التكليف الشرعي والقيام بجميع الوظائف الشرعية.
* تحمل جميع الناس المسؤولية الشرعية في الشأن العام، قول الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): "ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". (رواه مسلم في صحيحه)، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم". (حديث متواتر متفق عليه)، وتصرفهم بإرادة واختيار، وعدم القبول بالأمر الواقع المفروض عليهم ظلما وعدوانا، والسعي لتغييره وإصلاحه وتحصيل الحقوق التي تصون كرامة الإنسان.
* الشعور بالتواضع أمام الله عز وجل وأداء الواجب، وعدم الشعور بالمنة على أحد من العباد للدور الذي يقوم به المكلف، وتجلي ذلك في العلاقة مع جميع الناس.
* انشراح الصدر والصبر على المحن والنوائب والمصائب في سبيل تحقيق الأهداف، والشعور بالسكينة والطمأنينة والأمل في ذروة الأحداث، وعدم اليأس مهما كانت الصعوبات والمشاكل، والاعتماد على الألطاف الإلهية والتسديد الرباني في مسيرة العمل.
(2) منهج التبرير:
نقطة الانطلاق فيه النظر إلى الواقع، وحساب الربح والخسارة في حركة الصراع مع الباطل، ثم البحث عن المبررات الشرعية للموقف الذي يتخذ.
مقارنة بين المنهجين:
1) منهج التكليف يقوم على النزول من الأعلى (من الله المعشوق الذي له السلطة المطلق على الناس) إلى الأسفل (الواقع المحكوم تكوينا بإرادة الله عز وجل وينبغي أن يحكم بها تشريعا) والسعي لفرض الإرادة الربانية التشريعية (إرادة السيد المطلق) في الحياة، ويتجلي في منهج التكليف:
* الإيمان الحقيقي بالغيب والارتباط الفعلي به والتعاطي معه.
* الارتقاء والسمو الروحي والنضج النفسي البالغ.
* نكران الذات وعدم الوقوع تحت تأثير الحسابات الدنيوية والمصالح الشخصية في تحديد المواقف.
* الثقة العظيمة بالله عز وجل والتوكل العميق عليه.
بينما يكون المنهج التبريري أسير الذات والواقع والمنافع الدنيوية والحسابات المادية للربح والخسارة، ويتجلى فيه:
* الإيمان بالحس والارتباط به وعدم القدرة على التحرر من أسره.
* الالتفات إلى الذات والحسابات الدنيوية والمصالح الخاصة في تحديد المواقف.
* ضعف الانفتاح على الله عز وجل وضعف الثقة به وضعف التوكل عليه.
2) يؤدي العمل بمنهج التكليف إلى الظفر برضوان الله تبارك وتعالى والتأييد الإلهي، والسلامة في الدين والنفس، قول الله تعالى: {فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}(آل عمران: 174). بينما يجعل منهج التبرير صاحبه عرضة لزلات الشيطان الرجيم والوقوع تحت تأثير وساوسه الخبيثة، قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}(آل عمران: 175). وقد ينتهي الأمر بصاحب المنهج إلى سخط الله (عزّ وجلّ) وجهنم والعياذ بالله تعالى، قول الله تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}(آل عمران: 162).
ومن المناسب أن أذكر بأن أصحاب المنهج التبريري درجات، وهي:
* منهم مؤمنون أتقياء ملتزمون، وقد يكونوا فقهاء، ولكنهم لا يملكون الارتقاء الروحي والنضج النفسي الذي يؤهلهم لدفع الأثمان والتضحيات التي يتطلبها منهج التكليف، قول الله تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}(آل عمران: 163)، ولهذا خالف بعض الفقهاء الإمام الخميني (نور الله ضريحه) في مواجهة الشاه، وتقديم التضحيات اللازمة ثمنا لهذه المواجهة.
* ومنهم من يضعف ولكنه لا يبرر ضعفه تبريرا دينيا، سواء اعترف بضعفه أو لم يعترف.
* ومنهم من يضعف ولكنه يكابر وتأخذه العزة بالإثم فلا يعترف بضعفه، ويعمل على تبرير سلوكه ومواقفه الضعيفة تبريرا دينيا، مما يولد نظريات فكرية وأحكام شرعية باطلة لتبرير السلوك المنحرف والمواقف الضعيفة، وهذا يؤدي إلى إضلال العباد عن دين الله الحق، وترسيخ الواقع الظالم والمنحرف، لتستمر بذلك مآسي الناس والأضرار المادية والمعنوية التي تلحق بهم في الحياة، وهذا الصنف من التبرير هو الأكثر خطورة، وربما ينطبق على أصحابه قول الله تعالى: {... كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}(آل عمران: 162).
فعلينا أن نضع عقولنا في جماجمنا وأن نحذر كثيرا من هذا الصنف من التبرير، وأن نقلب الأمور جيدا ونمحصها، وأن نحذر من أصحابه، وأن نحذر أكثر من الدخول في دائرته.
:: أسئلة وأجوبة:
أجوبة الأستاذ على بعض الأسئلة التي وجهت إليه في نهاية المحاضرة:
السؤال (1): هل يتوافق منهج التكليف مع خط الممانعة، ومنهج التبرير مع خط المسايرة؟
الجواب (1): يجب التفريق بين المصطلحات السياسية الثلاثة، وهي: (الموالاة، والمسايرة، والمعارضة) وبين منهج التكليف ومنهج التبرير، لأن الموقف المناسب من السلطة (الموالاة أو المسايرة أو المعارضة) يختلف باختلاف الظروف الموضوعية ونوع السلطة، بينما اتباع منهج التكليف تكليف ثابت لا يختلف باختلاف الزمان والمكان والظروف.
السؤال (2): ما هو المنهج الذي يسير عليه تيار الوفاء الإسلامي؟
الجواب (2): يحرص تيار الوفاء الإسلامي على الارتقاء بنفسه وبجماهيره إلى مستوى منهج التكليف والعمل به إن شاء الله تعالى والله ولي التوفيق والتسديد.
السؤال (3): أيكون شعب غزة أكثر أهمية من شعب البحرين، بحيث تتحرك نخوة البعض من العلماء والقوى السياسية والمؤسسات المجتمعية لنجدة شعب غزة ونصرته، ولا تتحرك لنجدة الشعب البحريني ونصرته؟
الجواب (3): لا يوجد أحد من العلماء الأجلاء المعروفين والقوى السياسية والمؤسسات المجتمعية المعروفة لا تهتم بالشعب البحريني وقضاياه الحيوية، فجميعهم يؤكد اهتمامه بقضايا الشعب البحريني والعمل بصدق وجد من أجلها، ويعرب الكثير منهم عن استعداده للتضحية بنفسه وأعز ما يملك من أجل قضايا الشعب، ولكن يوجد اختلاف في المنهج والأساليب والوسائل بين العاملين، ولا يصح أن نجعل القناعة بمنهج مختلف في العمل مساوي للإهمال والتضييع للقضايا.
وهناك جدل في صفوف بعض المهتمين حول الأكثر أهمية: القضية الفلسطينية أو القضية الوطنية، وأنا أتفق مع الرأي القائل بأن القضية الفلسطينية في نفسها أكثر أهمية من قضيتنا الوطنية في نفسها، ولكن أنبه إلى خطأ منهجي يقع فيه البعض، وهو إظهار الاهتمام كثيرا بالقضية الفلسطينية مع عدم إظهار الاهتمام المناسب عمليا بالقضايا الوطنية، بحجة أن القضية الفلسطينية أكثر أهمية من القضية الوطنية، والخطأ المنهجي برأيي، يتمثل في الغفلة أو عدم إدراك أن القدرة الفاعلة على خدمة القضايا الوطنية والقومية والإسلامية تتوقف على نجاحنا في تحقيق الإصلاح السياسي الوطني، والتخلص من الدكتاتورية والاستبداد، فما لم تنجح الشعوب في التحرر من الدكتاتورية والاستبداد وتمتلك زمام القرار في أوطانها، فلن تكون قادرة على خدمة قضاياها الحيوية: الوطنية والقومية والإسلامية وهذا ما ثبت بالتجربة فالشعوب العربية المجاورة لفلسطين ماعدا الشعب اللبناني تقف عاجزة في ظل الحكومات الدكتاتورية المستبدة عن تقديم الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني، بل تقف عاجزة وهي ترى حكوماتها تقف موقف المتفرج من فرض الحصار الظالم على الشعب الفلسطيني، فضلا عن مساهمة بعض حكوماتها ومشاركتها بفاعلية في فرض هذا الحصار. ولما تحركت الشعوب تحت تأثير صوت الضمير الإنساني لكسر هذا الحصار الجائر من خلال العصيان المدني كما في قافلة شريان الحياة وأسطول الحرية كان دور الشعوب العربية هو الأضعف، وذلك لأن الحكومات الدكتاتورية المستبدة تمنع الشعوب العربية من المساهمة الفاعلة في قوافل العصيان المدني لكسر هذا الحصار الظالم.
وهناك من يظهر الاهتمام بقضية فلسطين وغيرها من القضايا الخارجية ولا يظهر نفس الاهتمام بالقضايا الوطنية، لأن الاهتمام بالقضية الفلسطينية وغيرها من القضايا الخارجية لا يتطلب منه أن يدفع ثمنا، ويسمح له بالبروز وتلميع الصورة، بينما الاهتمام بالقضايا الوطنية قد تترتب عليه فاتورة حساب لا يمتلك الاستعداد لدفعها، قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}(الحج: 11)، وقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ}(العنكبوت: 10).
وسفينة التبرير واسعة، وأشرعتها عديدة، منها: الدين والحكمة والواقعية والتدرج ونحوها!!
السؤال (4): هل هناك تلازم بين منهج التكليف والمواجهة؟
الجواب (4): هناك تلازم بين منهج التكليف ورفض الباطل والظلم والفساد ومقاومتها، قول الله تعالى: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ}(هود: 113). ولكن لا يوجد تلازم بين منهج التكليف والمواجهة، لأن المواجهة أو عدمتها محكومة بالظروف الموضوعية، وقد تأتي لغير صالح المواجهة، فلم يواجه الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله) في مكة قبل الهجرة، وذلك لأن الظروف الموضوعية في غير صالح المواجهة، وتكون المواجهة في ظلها خيارا خاطئا، وقد يكون خيارا خطيرا يمنع تحقيق الأهداف وقد يهدد الوجود أيضا، فقد روي أن جماعة من أصحاب الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم: عبد الرحمن بن عوف الزهري، والمقداد بن الأسود الكندي، وقدامة بن مظعون الجمحي، وسعد بن أبي وقاص الزهري، كانوا يلقون من مشركي مكة قبل الهجرة أذى شديدا فيشكون ذلك إلى الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقولون له ائذن لنا في قتالهم، فيقول لهم: كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، فإني لم أومر بقتالهم (تفسير أبي السعود، ج2، ص203)، قول الله تعالى: {... الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ...}(النساء: 77)، وهكذا كان الحال في عهد الإمام الحسن (عليه السلام) والمقصود هنا المواجهة العسكرية، أما المواجهة السياسية، فقد كانت موجودة على عهد الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة قبل البعثة في صراعه ضد المشركين، وعلى عهد الإمام الحسن (عليه السلام) في صراعه مع معاوية بن أبي سفيان، وهذا لا يعني أن خيار المواجهة السياسية صحيح في جميع الأحوال، فقد يكون خيارا خاطئا في بعض الظروف، ولكن لا يمكن إسقاط خيار المواجهة السياسية بشكل ثابت ولتاريخ طويل مع وجود الظلم ونحوه.
السؤال (5): الكثير من الناس يمتلكون الرغبة والإرادة في المقاومة ورفض الظلم، ولكنهم ينتظرون إذن الفقيه، لأنه لا يصح العمل بدون الرجوع إلى الفقيه.
الجواب (5): الأصل هو رفض الظلم ومقاومته، والقبول بالظلم ومسايرته أو التعايش معه يحتاج إلى حجة شرعية استثنائية، وليس كل العمل يحتاج إلى إذن الحاكم الشرعي، فالذي يحتاج إلى إذن الحاكم الشرعي هو العمل الذي يدخل ضمن شؤون الولاية، وليس كل العمل يدخل ضمن شؤون الولاية، فلا يصح ترك كل العمل بحجة عدم الحصول على الإذن. وإذا كانت هناك حاجة إلى إذن الحاكم الشرعي للقيام بعمل صالح أو ضروري، فإن الصدق والإخلاص يدفع المؤمن للسعي الجاد للحصول على الإذن لا أن يجلس في بيته ويحتج بعدم الحصول على الإذن، فهذا لا ينفعه ولا يبرئ ذمته عند الله (عزّ وجلّ).
السؤال (6): هل يتحرك القائد بحسبه أم بحسب الأمة؟
الجواب (6): حركة القائد مقيدة بأوضاع الأمة أو الشعب، ولكن القائد مسؤول عن تهيئة الشعب وإعداده للمهام الرسالية أو الوطنية، وليس له أن يقصر في هذا الواجب ثم يحتج على الدوام بعدم تهيؤ الأمة أو الشعب. ولو صح هذا لما قام الأنبياء (عليهم السلام) والمصلحون بواجباتهم الإصلاحية في المجتمعات، فهم الذين يقومون بصناعة الأمة وإعدادها وتهيئة الظروف للقيام بوظائف التغيير والإصلاح.
تعليقات الزوار