بسم الله الرحمن الرحيم
الغموض الذي يكتنف كيفية نـزول القرآن في ليلة القدر*
أشكر السادة العلماء والمفكرين والوعاظ المحترمين الذين تجشموا عناء المجيء، ولا أرى ضرورة لذكر أسمائهم ولكني أتوجه بالشكر لهم جميعاً وألتمس منهم الدعاء في هذا الشهر شهر رمضان المبارك، بالنصر للإسلام وقطع دابر الأجانب عن البلدان الإسلامية.
حدثت في شهر رمضان المبارك قضية تبقى ماهيتها وأبعادها غامضة بالنسبة لنا إلى الأبد ألا وهي نـزول القرآن. نـزول القرآن على قلب رسول الله في ليلة القدر. فما هي قضية نـزول القرآن، وكيفية نـزول الروح الأمين على قلب النبي الأكرم من قبل الله تعالى ﴿إنا أنـزلناه في ليلة القدر﴾؟ ما هي كيفية هذا النـزول على قلب الرسول في ليلة القدر؟. لا بد لي من القول أن هذه القضية تبقى غامضة ومبهمة بالنسبة للجميع فيما عدا الرسول الأكرم والذين نشؤوا في أحضانه وكانوا موضع ألطاف الله تبارك وتعالى والعناية الخاصة للنبي محمد.
كيف نـزل الروح الأمين بالقرآن على قلب رسول الله؟ وما هي ليلة القدر؟ هذه قضايا تبدو في الوهلة الأولى موضوعات بسيطة وربما تناولها البعض بالبحث والتمحيص، ولكن أقول لكم إن كيفية نـزول القرآن تبقى غامضة بالنسبة لأمثالنا. تبقى كيفية نـزول ملائكة الله تعالى في ليلة القدر وماهية ليلة القدر غامضة ومبهمة بالنسبة لأمثالنا.
استضافة النبي (صلى الله عليه وآله) في ليلة القدر بنـزول القرآن
ما هي هذه الدعوة التي وجهها الله تبارك وتعالى، حيث يقول الرسول الأكرم: قد دعيتم إلى ضيافة الله[1]. ما هي هذه الضيافة، ومن الذي قبلها، وما هي مقدمات قبول هذه الدعوة وهذه الضيافة؟
لا بد لي من القول إن أحداً لم يجب هذه الضيافة التي دعا إليها الله تبارك وتعالى بالنحو الذي ينبغي تلبيتها عدا الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله). فالدعوة لها درجات، والتلبية لها درجات أيضاً. وان المقدمات والرياضات التي قام بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) انتهت باستضافته من قبل الله تبارك وتعالى بنـزول القرآن. القرآن هو النعمة التي تحققت لدى استضافة رسول الله. النعمة التي كان يتمتع بها النبي الأكرم على تلك المائدة المبسوطة منذ الأزل وحتى الأبد. أما المقدمات فهي الرياضات المعنوية التي قام بها على مدى سنوات طويلة حتى أوصلته إلى مرتبة استحق بها هذه الضيافة. والمهم في هذا الأمر هو الإعراض عن الدنيا.
الإعراض عن الدنيا السبيل إلى الدخول في ضيافة الله
إن الذي يقود الإنسان إلى ضيافة الله هو التخلي عما عدا الله، ومثل هذا غير متيسر لكل إنسان بل تيسر لأناس معدودين في طليعتهم رسول الله.. إن التوجه القلبي لمبدأ النور والإعراض عما وراء الله، هو الذي جعل من النبي الأكرم مستحقاً لضيافة الله ولنـزول القرآن على قلبه مرة واحدة وبسهولة. وان أحد احتمالات الليلة المباركة بنية الرسول الأكرم نفسه التي هي مشكاة نور الله. كما أن ثمة احتمالات أخرى. المهم إدراك هذا المعنى وهو أن مراتب كمالات الإنسان للولوج إلى ضيافة الله، كثيرة ويجب البدء بالمقدمات. ومن هذه المقدمات أن لا يكون هناك توجه لغير الله، وعدم رؤية غير الله، والتخلي عن كل شيء غيره جلّ وعلا. وهنا ينبغي القول بأن هذا الأمر مطلوب من الناس جميعاً. فإذا أرادوا الالتحاق بضيافة الله، يجب عليهم الإعراض عن الدنيا قدر استطاعتهم وإدارة ظهورهم لها. ولكن بالنسبة للأسرة العلمائية والتي تضم فئة الوعاظ أيضاً، فإن هذا الإعراض مطلوب أكثر.
قلق الرسول الأكرم من عدم استقامة أمته
يذكر الرسول الأكرم في أحد أحاديثه: (شيّبتني سورة هود)[2]، أي الآية الواردة في سورة هود، كما أنها وردت في سورة الشورى أيضاً باستثناء كلمة واحدة. غير أن الرسول الأعظم يقول عن سورة هود (شيبتني)، فقد ورد أمر باستقامة رسول الله والذين كانوا معه والتابعين له. إن استقامة الأمة التي كان يحمل الرسول على عاتقه مسؤوليتها الجسيمة، والقلق الذي كان يراوده (صلى الله عليه وآله) خوفاً من عدم استقامة الأمة، هي التي دفعت الرسول الأكرم لقول كلمته هذه- وفقاً لأحد الاحتمالات القوية-. إن ما كان يقلق رسول الله قوله عز من قائل: ﴿فاستقم كما أمرت ومن تاب معك﴾[3]. ذلك أن الاستقامة في كل أمر تقضي أن يكون لدى الإنسان توجه إلى الله تبارك وتعالى والى أنبيائه لاسيما النبي الخاتم وما عانى من آلام ومصائب طوال عشرين عاماً ونيفاً على أيدي أبناء أمته. ولكونه ولي أمر هذه الأمة فقد طلب منه استقامة هذه الأمة أيضاً.
مسؤولية علماء الدين الخطيرة وإتمام الحجة عليهم
إن مسؤولية الإسلام تقع على عاتق علماء الدين في أنحاء البلاد، سواء الذين يتولون مناصب في النظام الإسلامي أم أئمة الجمعة والجماعات، ومن يعمل على هداية الناس من الوعاظ والخطباء المحترمين .. فالنبي الأكرم معني بهذه الأمة. وان جميع ذرات أعمالنا تحت أشراف الله تبارك وتعالى. وان صحيفة أعمالنا تعرض- حسب بعض الروايات- على أمام العصر (سلام الله عليه)، حيث يراقبنا، يراقب أداء علماء الدين لمهامهم. واليوم حيث ألقيت مسؤولية الإسلام على عاتق علماء الدين وقد انتفت جميع الأعذار، فلا يمكنهم أن يقولوا لم نكن نعلم، لا يمكنهم أن يقولوا بأن النظام الشاهنشاهي لم يسمح لنا بالعمل، أو ليس بوسعنا العمل. فقد انتفت كل هذه العقبات وأوكل الإسلام إليكم، أوكل إلى كل علماء الدين في أنحاء البلاد، وإنكم تحت مراقبة الله تبارك وتعالى، مراقبة الملائكة المكلفة بهذا العمل: (والله من ورائهم محيط)[4] .. يأتي شهر رمضان وينقضي، وتنقضي الأعمار أيضاً ونمضي نحن الواحد تلو الآخر، وما يبقى هو صحائف أعمالنا المثبتة في قلوبكم، وربما صحيفة العمل تتمثل في الأسئلة التالية: ماذا كانت ميولكم القلبية تجاه الدنيا؟ وما الذي فعلته الدنيا بقلوبكم؟ والى أي حد كان اهتمامكم بالدنيا؟ فعندما كانت أيديكم قاصرة، كنتم زهاداً وعباداً. وفي اليوم الذي أقبلت الدنيا عليكم، فعلتم العكس- لا سمح الله-؟ هناك مراقبة دائمة. وان المسؤولية الملقاة اليوم على عاتق علماء الدين وكل من يرتدي هذا الزي المقدس، لم تلق على عاتق الطبقة العلمائية طوال التاريخ. فمنذ صدر الإسلام وحتى يومنا هذا لم يضطلع علماء الدين بمسؤولياتهم مثلما هم عليه اليوم حيث انتفت كل الأعذار. فعلى مرّ التاريخ لم تتوفر مثل هذه الفرصة لأي بلد. وقد ألقيت اليوم مسؤولية الإسلام على عاتقكم، وإنكم مطالبون بالمحافظة عليه وصونه. ألقيت على عاتق هذا الشعب ويراد منه المحافظة عليها من خلال استقامتكم وإدارة ظهوركم لبهارج الدنيا. والمهم هنا التوجه القلبي. فليس مهماً امتلاك المال والعقار والثروة، المهم قلب الإنسان، المهم التحكم بقلب الإنسان. وان تكديس الثروة والتوجه لبهارج الدنيا مذموم، لأنه يقود الإنسان إلى غير الله ويحرمه من ضيافة الله تعالى. فمن غير الممكن تلبية دعوة الله والالتحاق بضيافته جل وعلا من دون أن تنسلخ قلوبكم عن هذه الدنيا. إن ما اهتم به أولياء الله هو تهذيب النفس وانتزاع القلب مما عدا الله والتوجه إليه سبحانه. لأن كل المفاسد التي تحدث في العالم هي وليدة الاهتمام بالنفس بدلًا من التوجه إلى الله. وان كل الكمالات التي تحققت لأنبياء الله وأوليائه كانت بوحي من انتزاع القلوب من غيره تعالى واللجوء إليه. ويتجلى كل ذلك في أعمالنا. وفضلًا عن أنفسنا، فثمة مسؤولية أخرى ملقاة على عاتقنا تجاه أبناء جنسنا. ثمة مسؤولية علينا تجاه الشعب. وكما ورد في سورة هود حيث أمر الرسول: ﴿فاستقم كما أمرت ومن تاب معك﴾، فإنكم مكلفون بالاستقامة والعمل على استقامة الناس بوحي من استقامتكم. فإذا رأى الناس خطأ منّا، وأداروا ظهورهم لعلماء الدين بسبب أخطاء بعضنا، فان المسؤولية المترتبة على ذلك ليست مسؤولية شخصية وإنما هي مسؤولية إسلامية عامة.
هزيمة الإسلام إذا لم يهذب علماء الدين أنفسهم
إذا تصرفنا بنحو يبعد الشعب عنا ويجعلهم يتعاملون معنا بشك وريبة، فسوف يساق الإسلام إلى الانـزواء ويأتي- لا سمح الله- الذين يعارضون الإسلام لتسلّم مقاليد الأمور، وان مسؤولية ذلك تقع على عاتقنا جميعاً. فالقضية ليست قضية شخصية. ففي السابق عندما كان يرتكب أحد رجال الدين ذنباً ما، كانوا يقولون أن رجال الدين كلهم هكذا. ولكن إذا ما ارتكب اليوم عالم الدين مخالفة، فإنهم سيوجهون أصابع الاتهام إلى الإسلام، وستكون هزيمة الإسلام على أيدينا. ولكن إذا ما أصلحتم أموركم لن يهزم الإسلام.
إصلاح حالكم يصلح حال الشعب. وبتهذيب أنفسكم يتهذب الناس. فإذا تحدثتم على منابركم عن أمر لم تلتزموا أنتم به، وإذا ذكرتم في المسجد شيئاً تعملون أنتم خلافه، فان قلوب الناس ستنصرف عنكم، ويؤدي ذلك بالتدريج إلى هزيمة الإسلام. وان مسؤولية ذلك تقع على عاتقنا جميعاً. إن كل هذه المفاسد التي نراها، وكل هذا الجدل الدائر في العالم وتكالب بعضهم على بعض، إنما هو وليد الأنانية وغياب التوجه إلى الله تعالى، لأنهم يفتقرون إلى الأخلاق الربانية ويتسمون بالطباع الحيوانية والتي هي في تزايد مستمر يوماً بعد آخر. وإذا ما شنوا حرباً ضد إيران فإنما هي بدافع هوى النفس لأنه لا يروق لهم أن يروا بلداً آخر قوياً.
خدع المتغطرسين لاستغفال الشعوب
وإذا ما احترق العالم بنار القوتين العظميين، فهو نتيجة الأهواء النفسية المهيمنة على هاتين القوتين وأياديها. وإذا ما احترقت الدول الإسلامية بنيران هذه المفاسد، فالسبب أن المتصدين للأمور تسيطر عليهم الأهواء النفسية ولا يرون غير أنفسهم ويريدون أن يكون الجميع في خدمتهم. وقد ذكر الرئيس الأميركي مؤخراً موضوعاً لا أدري إن كنتم استمعتم إليه. إذ دعا إلى الإعلان عن أسبوع لمناصرة الشعوب الرازحة تحت الأسر، وطلب من هذه الشعوب، طلب منكم أن تعملوا على تحرير أنفسكم من الذين وضعوكم في الأسر. وقال الرئيس الأميركي: إنني سأقف إلى جانبكم.
لا أدري لِمَنْ يقول الرئيس الأميركي ذلك؟ هل يخاطب الشعوب الرازحة تحت الهيمنة الأميركية؟ من الذي يحاول إغفاله؟ هل يحاول تضليل الشعب الأميركي؟ ولكن الأميركيين يعلمون مسبقاً ما الذي فعلته حكومتهم بالعالم. هل يريد أن يلفت الأنظار إلى المعسكر الشرقي الذي يستعبد الناس؟. الجميع يعلم أن كليهما يفعلان ذلك؟ هل يريد أن يقول لهذه الشعوب الواقعة تحت الأسر، بأن الحكومة الأميركية غير مسؤولة عن ذلك؟ ما الذي يريده من دعوته للإعلان عن أسبوع لمناصرة الشعوب الرازحة تحت الأسر، حيث دعا الشعب الأميركي إلى الاهتمام بذلك وطالب شعوب العالم التي تنشد الحرية بالعمل على تحرير نفسها. إذا كان حقاً يدعو إلى تحرير الشعوب، فمتى سيتم تحرير الشعوب الرازحة تحت الهيمنة الأميركية؟ وهل سيتم تحريرهم بدعم من الحكومة الأميركية ومساندتها؟
على صعيد آخر دعا صدام إلى وقف لإطلاق النار بمناسبة شهر رمضان المبارك كي يتسنى له التفرغ إلى عبادته!! لأن هذا الشهر شهر العبادة. وان بعضهم يزعم أنه من الأشهر الحرم التي يحرم فيها القتال. هذا هو مستوى اطلاعهم. ويقولون بأن النبي محمداً قد أمهل الكفار وأوقف القتال في هذا الشهر. فهل أمهل النبي الأكرم المنافقين أيضاً؟ فلو جاء المنافقون إلى الرسول وطلبوا منه أن يمهلهم قائلين: بأننا أصبحنا مسلمين وأننا معكم، ونسألك أن تعطينا الفرصة لنتمكن من التفرغ لعبادتنا. ولكنه (صلى الله عليه وآله) يرى بأنهم يتآمرون لانتهاز فرصة توقف القتال لاسترجاع قواهم؛ فهل كان الرسول سيمهلهم؟ كان الرسول يمهل الكفار لأن مواقفهم كانت واضحة وصريحة. ولكن المنافقين كانوا يتظاهرون بالعبادة ويتكتمون على نواياهم.
وأمثال هؤلاء كانوا في زمن الإمام علي (سلام الله عليه) أيضاً وكانت جباههم مسودة من أثر السجود، فهل أمهلهم؟ بل وهل كان يحق له أن يمهل المتآمرين كي يستعيدوا قواهم ويحضّروا لهجوم أكبر؟. نحن الذين نعرف حزب البعث ونعرف صدام جيداً، فهل ينبغي لنا أن ننخدع بدعواته لوقف القتال؟ نحن نعلم بأن صداماً لم يمد يده يوماً للإصلاح. إنه يسعى إلى الفساد باسم الإصلاح. يريد استغفالنا. يريد أن يقول للعالم انظروا كم أنا رجل مسالم، فلنكف عن القتال في الشهر المبارك حتى يتسنى لنا التفرغ للصيام والصلاة وطاعة الله تعالى!!. ولكن إذا ما رأوا أنفسهم أقوياء فإنهم لن يتوانوا عن الهجوم علينا حتى في شهر رمضان. فأي عاقل يقبل هذا؟ هل ينبغي للشعب الذي ضحى بشبابه فمنهم من استشهد ومنهم من لحقت به إعاقة، وحيث بات عدوه عاجزاً ذليلًا، هل ينبغي أن ينخدع ويمهل عدوه لاسترجاع قواه ومهاجمته ثانية والقيام بتشكيل ما يسمى بـ (عربستان)، فيجعل من خوزستان (عربستان) حسب زعمه.
لا بد لنا من التحلي بالوعي واليقظة وان لا ننخدع بأمثال هذه الأحابيل، لا أحابيل الرئيس الأميركي ولا صدام العفلقي، فالرئيس الأمريكي يدعو إلى تحرير الشعوب الرازحة تحت الأسر، ويريد من الشعوب أن تتضامن مع دعوته. ولا أدري هل يتضامن مع الشعب الإيراني كي يتحرر من قيود المستكبرين؟ وهل يفعل ذلك مع الشعب العراقي واللبناني والفلسطيني، والمناطق التي تمتد لها أيديهم وتعمل على إفسادهم وأسر أبنائهم.
وفي الجانب الآخر يقف الاتحاد السوفيتي حيث يرفع أمثال هذه الشعارات، من أننا نعمل من أجل السلام. فأولئك يقولون إننا نعمل من أجل السلام. وهؤلاء يكررون النغمة ذاتها. طبعاً هذا صحيح من جانب وهو أن أياً منهما إذا ما أغمض عينيه ابتلعه الآخر. غير أن الشعوب يجب أن لا تخدع بأمثال هذا الكلام.
الحرب في طليعة أولوياتنا
إن الحرب اليوم تقف في طليعة قضايانا، فإذا ما غفلنا يوماً فسوف يهجمون علينا ويقضون على كل ما لدينا. فما لم تتحقق المطالب التي ذكرناها في اليوم الأول من الحرب، فإننا سنواصل الدفاع عن أنفسنا. فإذا ما غفلنا عن هذه الحرب أو استطاع بعض المنحرفين والمنافقين النفوذ في أوساط الناس وتحريض البعض على رفع عقيرتهم بالمطالبة بالقبول بوقف إطلاق النار؛ فاعلموا بأن خطر الكفر سيتهدد الإسلام. فإذا ما تراجعنا اليوم خطوة واحدة، إذا ما سمح شعبنا بأن يجد الوهن طريقه إليه وتراجع خطوة واحدة، فان أرواح شبابه ونواميسه وثرواته ستكون في مهب الريح.
لا بد لنا من السير قدماً بكل قوة، والتصدي بكل حزم لمن تسول له نفسه الاعتداء علينا، وان الموت أشرف ألف مرة من أن يعيش الإنسان حياة ذليلة خانعة.
إنني أقول للشعب الإيراني بأسره، بكافة شرائحه وقواته المسلحة، اسعوا إلى تقوية أنفسكم واحرصوا على تجهيز أنفسكم يوماً بعد آخر، والتحلي بمزيد من العزم والإرادة في الدفاع عن الإسلام، والاستعداد للقتال أكثر فأكثر لأنه دفاع عن الإسلام، دفاع عن نواميس المسلمين، دفاع عن القرآن الكريم، دفاع عن الشعب الإيراني والشعوب الأخرى. ولا بد من الثبات والصمود بكل قوة وعدم التراجع مطلقاً.
شهر رمضان شهر صيانة الإسلام
واني آمل أن يكرس السادة همتهم في هذا الشهر المبارك لرفع معنويات الناس واستعدادهم للتضحية حفاظاً على الإسلام. وعليكم أن تدعو الناس في المساجد ومن على المنابر إلى الصلاح، ادعوهم للتمسك بالإسلام وقولوا لهم: ﴿فاستقم كما أمرت ومن تاب معك﴾، وهو الأمر الذي أقلق الرسول الأكرم. واعلموا أن أولياء الله قلقون لئلا يهن أو يضعف أبناء شعبنا- لا سمح الله- في هذا الطريق الذي اختاروه وساروا فيه. والحمد لله فإننا اليوم نقف صفاً واحداً وكنا حتى هذه اللحظة متكاتفين ومنسجمين. وآمل أن يستمر هذا الانسجام والتآزر والتكاتف من الآن فصاعداً أيضاً.
كما أتوجه بكلمة - وهي بمثابة نصيحة - إلى أصحاب مجالس الوعظ والإرشاد والتكايا وأمثال ذلك، وادعوهم إلى الاهتمام بأحوال الضعفاء من الناس، إذ يوجد بين الناس المريض والضعيف والشيخ والعجوز، فيجب مراعاة أحوالهم كي لا يتألموا. فامتنعوا عن إثارة الصخب ولا تخرجوا مكبرات الصوت خارج التكايا بحيث تؤذي أصواتها الناس. فيجب أن لا يكون الأمر بان تطلبوا طاعة الله بنحو يؤدي إلى معصية. وان من آداب شهر رمضان أن توفروا الهدوء للناس. فربما كان بعض الصائمين يريد أن ينام مبكراً، وهناك المرضى والعجزة، وهناك المعاقون الذين قد يتألمون من الصخب. فلا بد من الاهتمام بالإخوة الإيمانية تجاه أمثال هؤلاء. وآمل أن يعمل علماء الدين- أينما كانوا- على تعزيز تآزرهم وتكاتفهم، وان لا يكون نشاطهم بنحو بحيث يعمل إمام الجمعة بمفرده، وإمام الجماعة لنفسه، وثالث من أجل جماعة معينة. كونوا مجتمعين فيما بينكم. إنكم أخوة. إنكم حفظة الإسلام، ولا يتحقق حفظ الإسلام ما لم تكونوا معاً. احرصوا على تكاتفكم وتآزركم في مجالسكم في شهر رمضان. احيوا المجالس في الليالي. ادعوا أبناء الشعب لإقامة مجالس للدعاء ولتعليم أحكام الإسلام. إنه شهر الدعاء، شهر التوسل إلى الله. وأرجو لكم التوفيق في هذا الشهر المبارك في صيانة الإسلام من خلال دعائكم ومناجاتكم وبكائكم وأمثال هذه الأمور التي حرصتم عليها دائماً حيث تتفانون من أجل الإسلام ومن أجل المشاركة في مجالس العزاء والتعزية. واحرصوا على مجالس العزاء التقليدية، وأحيوا تلك المصائب، فهذه المجالس هي التي تمن علينا بالبركة. كربلاء هي التي تظللنا ببركاتها. حافظوا على واقعة كربلاء حية. ابقوا على الاسم المبارك لسيد الشهداء حياً، فإذا ما بقي حياً بقي الإسلام حياً. ولتحرص كافة الطوائف على إخوتها، وليعلموا بأن هناك من يعارض الإسلام ويسعى لبث الخلاف والفرقة بين الإخوة الشيعة والسنّة. فأمثال هؤلاء لا يريدون الخير لا للشيعة ولا للسنة، وإنهم يعارضون الإسلام. فليتحل جميع الأخوة بالوعي وليحرصوا على وحدتهم. إن أمامنا عدواً مشتركاً، وعلينا أن لا ندع هذا العدو المشترك يهاجمنا، ويخترق صفوفنا للعمل على بث الخلاف والفرقة بيننا.
وفقكم الله تعالى جميعاً بمشيئته، وجعلنا أكثر استعداداً لخدمة الإسلام ودعم جبهات القتال.
والسلام عليكم ورحمة الله.
ــــــــــــــــــــ
المكان: طهران، حسينية جماران المناسبة: حلول شهر رمضان المبارك المصدر: صحيفة الإمام، ج17، ص: 395 التاريخ: 21 خرداد 1362 ﻫ.ش/ 29 شعبان 1403 ﻫ.ق الموضوع: كيفية نـزول القرآن على قلب رسول الله رسالة علماء الدين الخطيرة
[1] بحار الأنوار، ج 93، ص 356، ح 25.
[2] علم اليقين، ج 2، ص 971.
[3] سورة هود، الآية 112.
[4] سورة البروج، الآية 20.
تعليقات الزوار