بقلم محمد كاظم تقوي[1]
إنّ كتاب (سير مبارزات إمام خميني در آينه اسناد به روايت ساواك)[2] هو كتاب قيم في إثنين وعشرين مجلداً، يتناول من خلال الشرح والتحليل الحياة السياسية والجهادية للإمام الخميني (قدس سره) وفقاً لما جاء في وثائق جهاز الإستخبارات المركزي الإيراني (ساواك)[3]، كما يتحدث عن أبعاد هذه الشخصية (مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران).
يتضمن المجلد الأول من هذه المجموعة الوثائق التي تتحدث عن أوضاع الحوزة العلمية في قم، ومكانة الإمام ومميزاته، والأحداث التي جرت قبل حادثة (15 خرداد سنة 1342 هـ.ش)[4] ومواقف الإمام في تلك الفترة.
أما المجلدات من الثاني إلى الثامن، فتتضمن بحوثاً مثل: حادثة (15 خرداد)[5] وانعكاساتها، الإعتقالات والنفي، إستشهاد ابن الإمام، انتفاضة (19 دي)[6] في قم، هجرة الإمام إلى باريس، قيادته للثورة من مكان إقامته في المنفى، ومواقف الإمام وبياناته التي أدت إلى قيام الثورة الإسلامية.
في حين تهتم المجلدات من التاسع إلى الحادي والعشرين بتحليل الوثائق المتعلقة بمواضيع مثل: (الإمام، الشخصيات، المجموعات السياسية والإجتماعية، أقارب الإمام والمنسوبين إليه وعائلة الإمام)، و(الإمام والشعب)، و(الإمام ونظام الشاه) و(الإمام، الحكومات والمسائل العالمية).
وهذه المقالة تتناول بعض هذه الوثائق مع تقييم وشرح مختصر لما جاء فيها.
إنّ ظاهرة (الثورة الإسلامية) ومؤسس نظام الجمهورية الإسلامية، هي ظاهرة مهمة جداً تستحق البحث والدراسة لسنوات وأجيال عديدة، مما يساعد على بقائها وديمومتها.
وبلا شك لا نبالغ إذا ما قلنا أن قيام هذه الظاهرة المحيّرة المليئة بالخير والبركة، يعود إلى شخصية الإمام الخميني (قدس سره)، بل أن مقتضى الإنصاف والوقائع غير القابلة للإنكار تؤكد أن ما حصل حتى الآن من بركات وخيرات وما يحصل منها وما سيحصل، كلها من بركات آثاره الوجودية.
إذن، لمعرفة (الثورة) و(الجمهورية الإسلامية) بشكل صحيح وأدق، ينبغي علينا دراسة أبعاد وجوانب شخصية مؤسسهما وقائدهما، حتى نتمكن من تحليل حياته السياسية والجهادية ـ على ضوء الوثائق والمستندات الموجودة ـ ثم نقدم نتيجة هذه الدراسة إلى القراء والباحثين؛ لأن الباحث سيتمكن من خلال هذه الوثائق التعرف على تفاصيل شخصية قائد الثورة الإسلامية، وبالتالي تقديم تحليل أفضل للأحداث والتغيرات التي وقعت في فترة الثورة الإسلامية.
فمثلاً، إذا ما تساءل المحقق، كيف لشخص مثل الإمام كمرجع تقليد وقائد إسلامي، أن يهاجر إلى دار الكفر ـ باريس ـ ويقيم فيها؟ أو يتساءل، كيف لقائد فقيه له نظريات وآراء وينتمي إلى مذهب فقهي واضح، أن يصرح ويؤكد على نوعية النظام(جمهورية إسلامية) لا تنقص كلمة ولا تزيد؟ وغيرها من أمثال هذه الأسئلة، فإذا ما أردنا الإجابة بشكل تحليلي وإقناعي، فإن ذلك يستلزم وقتاً طويلاً؛ لأنه يتطلب دراسة وتحليل أبعاد وجوانب شخصية الإمام الخميني ومراحل جهاده، بل دراسة جميع مراحل حياته.
لكن كتاب (سير مبارزات إمام خميني در آينه اسناد به روايت ساواك) بمجلداته الإثنين والعشرين، يقرّب المحقق الطالب للحقيقة أكثر من الوصول إلى الواقع. إذ تمّت طباعة ونشر هذه المجموعة القيمة بهمة وجهود(مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدس سره) في ربيع سنة (2007م).
الآن، وبعد تقديم الشكر إلى المؤلفين والمساهمين في تأليف وكتابة هذه المجموعة التاريخية والثقافية والسياسية القيمة، وعرضها على الباحثين والمهتمين بهذه المواضيع، نقدم تقريراً مختصراً عن محتويات هذا الكتاب. وقبل البدء بهذا التقرير، من المناسب أن نذكّر القراء ببعض النقاط المهمة:
1ـ ضرورة تدوين وتنظيم الوثائق والمستندات.
إنّ اهتمام المرحوم السيد أحمد الخميني (نجل الإمام قدس سره) بوثائق السافاك التي تختص بجهاد الإمام، دفعه إلى أن يوجّه رسالة إلى سماحة الإمام ـ مؤسس الجمهورية الإسلامية ـ ينبهه فيها عن عدم الدقة الموجودة في انتشار هذه الوثائق، إضافة إلى عدم انسجامها، ولهذا يطلب من سماحة الإمام تعيين شخص يتولى مسؤولية تنظيم هذه الوثائق والمؤلفات الخاصة به.
جاء في رسالته:
(المسألة الأخرى... إن ملفات السافات الخاصة بسماحتكم, والموجودة الآن لدى وزارة الأمن، ونسخة منها موجودة عندي أيضاً, رأيت من الضروري أن أطلعكم أن هذه الملفات الخاصة بسماحتكم, والتي كانت موجودة في مديرية أمن الشاه في طهران، تبلغ لوحدها ثمان وأربعين مجلداً، وكل مجلد منها يحتوي على خمسمائة صفحة، لذا فإن نشرها سيؤدي بلا شك إلى إزاحة الستار عن الكثير من المسائل، كما أنها تعد واحدة من أنْفَسِ الوثائق الخاصة بالثورة الإسلامية).
فأجابه الإمام:
(بما أني أعتبرك ولله الحمد صاحب رأي وفكر في المسائل السياسية والإجتماعية، وكنت ولازلت تقف إلى جانبي في جميع المواقف والأحداث، تتولى مسؤولية إدارة أموري السياسية والإجتماعية بصدق وكياسة، لذا أنتخبك لتولي مسؤولية تنظيم وتدوين جميع المسائل الخاصة بي، لمنع حدوث الإختلاف والإشتباه فيها عند عرضها في وسائل الإعلام).
ونتيجة لهذا التعيين والأمر بتولي هذه المسؤولية، تم تأسيس (مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني) بشكل رسمي، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، قامت المؤسسة بالكثير من الوظائف المهمة، منها تنظيم هذه الوثائق. وبالطبع بقي الكثير من المهام الأخرى التي تزيد مسؤولية هذه المؤسسة أضعافاً.
2ـ إنّ مصدر وثائق هذه المجموعة، يعود إلى الوثائق التي جمعها السافاك في ملف الإمام الخميني (قدس سره) تحت أرقام (67908 و 5756)، وذلك خلال الفترة بين سنة (1957م) حتى انتصار الثورة الإسلامية سنة (1979م).
3ـ كيفية تصنيف هذه الوثائق.
إنّ كثرة الوثائق الخاصة بالإمام الخميني (قدس سره) في السافاك، قد أدى إلى صعوبة وصول الباحثين والمحققين إلى الوثائق المطلوبة، لذا عمد المسؤولون على هذه المجموعة, إلى تنظيمها حسب مواضيعها ليتسنى للباحثين الوصول إلى الوثائق المطلوبة بسهولة، ثم تنظّم هذه الوثائق حسب تاريخ التقرير، وتاريخ الحدث، وتاريخ وصوله، مع رعاية تنظيمها وتصنيفها حسب المواضيع المطلوبة.
4ـ خلاصة الوثائق.
لأجل تسهيل مهمة الباحثين والمحققين في الوصول إلى الوثائق المطلوبة، عمد المسؤولون عن هذه المجموعة, إلى إعداد نبذة وخلاصة عن الوثائق الخاصة بكل موضوع في بداية كل فصل تحت عنوان (خلاصة الوثائق) أو تحت عنوان (المدخل).
بعد التنبيه على النقاط السابقة، نقدم تقريراً عن مواضيع ومحاور كل مجلد، ثم ننقل بعض الوثائق أو نشير إلى بعض النقاط المهمة فيها، بعد مطالعتها والتدقيق فيها.
عناوين المجلد الأول:
1ـ الفترة التي تسبق مرسوم تأسيس إتحاد الولايات والمحافظات[7].
2ـ إتحاد الولايات والمحافظات.
3ـ الإستفتاء الصوري للشاه(السادس من بهمن 1341ـ1962م).
4ـ نوروز عام (1342هـ.ش ـ1963م) وفاجعة المدرسة الفيضية.
5ـ عاشوراء عام (1383هـ.ق) وانعكاساتها.
إن الوثيقة الأولى في المجلد الأول بتاريخ (22/12/1335هـ.ش 1956م) ، تتضمن تقريراً عن وضع الحوزة العلمية في قم، وتصرح بأن الرئاسة العليا للحوزة بيد آية الله البروجردي (قدس سره).
إن هذا التقرير يتحدث أيضاً عن الوضع الدراسي والمعاشي للطلاب، الذي يقدر عددهم بأكثر من خمسة آلاف طالب؛ كما يذكر المراجع والمدرسين، ومسؤولي الدرجة الثانية في الحوزة العلمية في قم، ويشرح أوضاعهم الدراسية.
النقطة المهمة في هذا التقرير أنه يقدر عدد الطلاب عند سائر المراجع العظام (غير السيد البرجردي) بما لا يزيد عن ثلاثمائة طالب، في حين يذكر عدد أن طلاب الإمام الخميني حدود الخمسمائة طالب، ويذكر بجانبها ملاحظة (وهذا مهم بالنسبة للدرس).
النقطة المهمة الأخرى أيضاً هي: أنّ هذه الوثيقة تذكر الإمام الخميني كأحد المدرسين الثلاثة (يهتمون بالجانب الإجتماعي أيضاً)، والأهم أنها تذكر عبارة: (إنّ أغلب العلماء والمدرسين يعارضون الشيوعية لكنهم أيضاً لا يؤيدون نظام الحكم في البلاد).
وجاء في الصفحة (58) من هذا المجلد، رسالة بتاريخ (20/11/1340هـ.ش ـ1961م) كتبها آية الله السبحاني إلى أستاذه الإمام الخميني؛ وذلك أثناء فترة تبليغه في شهر رمضان في مدينة كرمان، يذكر فيها استفتاءاً عن المعادن على سطح الأرض، الموجودة بكثرة في كرمان، ثم يتطرق إلى مسألة النفط، ويتساءل أنه لماذا لا يعطى المسلمون خمسه، ثم يطلب من الإمام أن يجد الفرصة في شهر رمضان لمطالعة رسالة لا ضرر ـ بقلم التلميذ ـ لتصحيحها وتدوين بعض الملاحظات عليها.
الوثيقة الأخرى في هذا المجلد هي (الإمام الخميني وخطر إسرائيل) التي وقعت فيما بعد بيد السافاك، وترتبط بعلاقة نظام الشاه مع إسرائيل:
المرحوم آية الله الشيخ حسين اللنكراني، في تاريخ (26/1/1348هـ.ش 1969م) وفي جلسة أقيمت في منزل محمد حسن الطاهري الأصفهاني، بحضور السيد محمد رضا سعيدي[8] والشيخ حسين الكاشاني، تحدث حول موضوع علاقته السابقة بالإمام الخميني، فقال: كان (الإمام) الخميني متواجداً في كرج فترة من الزمن، وكنت خلالها أراجعه كل يوم، وعندما أرادت إيران الإعتراف رسميّاً بإسرائيل، غضب المرحوم المرجع الحاج حسين البروجردي كما غضب عامة الشعب أيضاً.
كان (الإمام) الخميني في كرج آنذاك، فصار القرار أنه؛ أنا أذهب إلى طهران للبدأ بالثورة، وأن يرسل الإمام الخميني شخصاً إلى السيد البروجردي لطلب المساعدة منه، ولهذا أرسل ـ(الإمام) الخميني ـ المجتهدي التبريزي إلى قم لإطلاع السيد البروجردي، وعندما عاد المجتهدي أبلغه أن السيد البروجردي كان غاضباً جداً من الإعتراف باليهود، وهو أشد غلياناً منا، لكن في عصر نفس ذلك اليوم إلتقى به أحد الأشخاص من طهران، فتغيّر بعدها موقف السيد البروجردي, وقال لن أتدخل في هذا الأمر. فتأثر (الإمام) الخميني جداً ومَرضَ على أثرها لعدة أيام، حتى أن الأطباء قالوا إنه تعرض لصدمة شديدة!
رسالتان من الإمام إلى الشاه:
على رغم علم الإمام الخميني (قدس سره) وتأكده من شخصيّة الشاه المنحطة وتبعيته هو وأركان حكومته، فإنه سعى إلى تنفيذ طموحاته السياسية ـ الإجتماعية وفق خطة مدروسة ومنظمة على ضوء عملية معقولة ومنطقية، إذ كان في البداية، ينصح أعضاء الحكومة ويدعوهم إلى الإصلاح، وينبههم على ضرورة إصلاح سلوكهم الخاطئ لأنه من صلاح البلاد والشعب. وعندما رأى عدم فائدة مساعيه الإصلاحية، بدأ بإعداد الشعب للنهضة والثورة والسعي لإسقاط الحكومة البهلوية الفاسدة، وقد تمكن الإمام باستقامته وشجاعته وبصيرته الواسعة، أن ينفذ جميع مطالبه الضرورية على أحسن وجه وفي كافة المراحل.
عندما رد الشاه بشكل مهين على رسالة الإمام الأولى، وادعى كذباً أنه (كان يسعى دائماً لحفظ الشعائر الدينية أكثر من أي أحد آخر) كما أرسل برقية الإمام إلى الحكومة وذيلّها بعبارة (أرجو لكم التوفيق في نشر القوانين الإسلامية وهداية العوام). أرسل الإمام رسالته الثانية بعيداً عن الإنفعال، ودون أن يتراجع ذرة واحدة عن موقفه، فكتب إليه بشهامة وشجاعة عجيبة: (بالطبع إن وظيفة رجل الدين هي الإرشاد وهداية الشعب، لكن مع الأسف وعلى رغم أنه قد نبهت السيد أسد الله علم· على هذه البدعة التي يريد إيجادها في الإسلام، وأطلعته على مفاسدها، فإنه لم يذعن لأمر الله القهار، ولم يلتزم بالدستور ولا قانون المجلس، ولم يطع الأمر الملكي، ولم يهتم بنصيحة علماء الإسلام..)
وفي نهاية هذه الرسالة، قام الإمام بتهديد الشاه بصراحة، قائلاً:
(إنّ شعبنا المسلم يتوقع أن تأمروا بشدة السيد علم وتجبروه على إطاعة قانون الإسلام والدستور، وأن يستغفر الله عن الجسارة التي ارتكبها بحق القرآن الكريم، وإلاّ سأضطر إلى كتابة رسالة طويلة أذكركم فيها بمواضيع أخرى).
النقطة المهمة والدقيقة، نجدها في القسم الأخير من الرسالة والدعاء الذي كتبه في نهايتها وكأن الإمام يرى ما سيحدث بعد الخمسة عشر عاماً:
(أسأل الله تعالى الإستقلال لجميع البلاد الإسلامية وحفظها من الفوضى والثورة).
أما محورية الإمام منذ بداية النهضة، فقد جاءت في (ج1، ص 98): في صباح هذا اليوم أرسل الشيخ الفلسفي[9] برقية إلى آية الله الخميني في قم يسأل فيها: عقدنا منذ عدة ليال إجتماعاً في مسجد الحاج عزيز الله، فهل نستمر في عقد هذا الإجتماع أم لا[10]؟
إنّ معلومات الإمام الواسعة ولغته المعاصرة، قد منحته بصيرة واسعة ورأياً نافذاً في مجال العلوم العقلية والنقلية، وبالإضافة إلى ذلك إطلاعه وإشرافه على زوايا وخفايا الأمور السياسية الإجتماعية سواء الداخلية منها أو الدولية. والشاهد على هذا الكلام، هذه المقاطع من رده على سؤال التجار وأصحاب الحرف من أهالي مدينة قم المقدسة حول تصريحات السيد عَلَم في موضوع التصويت على مرسوم إتحاد الولايات والمحافظات.
فكتب سماحته:
(... إنّ تفسيره لهذا المرسوم، فاقد لأي اعتبار قانوني.. وإني لأتعجب كيف يتحمل السادة الوزراء هذه المسؤولية القانونية الكبيرة، ولا يقدموا على إعادة النظر به، ولا يريدون الوقوف بشموخ أمام الشعوب المتحضرة وأمام شعبهم، والخضوع أمام الدين والقانون.
إنّ إعادة النظر بهذا المرسوم والإذعان لرأي الدين والقانون، هو دليل على الشهامة والتحضر، ويوافق القوانين الدولية، أما الإلتفاف على القانون ومخالفة إرادة الشعب فهي عادات القرون الوسطى وبعيدة عن الأدب والأخلاق، ومن الأفضل لوزراء دولة عريقة أن لا يوصفوا بمثل هذه الأوصاف، وأن لا يقوموا بفعل يكون دليلاً على تخلف شعبهم وعدم تطوره, وذلك من خلال قيامهم بعمل يخالف الدين والقوانين.
إنّ المنع الشديد للصحف من نشر أخبار هذه النهضة الوطنية والقانونية الكبيرة يعد أمراً نادراً قل حدوثه، بحيث ينهض شعب بكامله للدفاع عن دينه ودستوره، ويتفق على هذا العمل في جميع مدن البلاد.
وهو عمل مشين لحكومة تدعي التحضر, بحيث أصبحنا نشعر بالخجل والإهانة بين وكالات الأنباء والسفارات الأجنبية، ونحن نبرئ الشعب الإيراني من مثل هذه الأعمال القرون الوسطائية، ونلقي جميع الذنب على عدد معدود من الأفراد المغرورين أو الواقعين تحت التهديد. إذ أن الشرفاء يحترمون دينهم ودستورهم، ويتجنبون القيام بأعمال تجلب المخاطر للشعب ولاستقلال البلاد).
في البند الخامس من هذا الجواب حول رأي علم، نقرأ:
(كتبوا أن هذا الموضوع عرفي! فإذا كان القصد أنه لا يرتبط بحكم الشرع فهو أمر عجيب جداً، لأن جميع المواضيع العرفية لها حكم في الشرع، وهؤلاء السادة جاهلون بقوانين الإسلام وبالحقوق الإسلامية. فعليكم أن تسألوا علماء الإسلام عن حكم هذا الموضوع العرفي..).
ويصرح الإمام في البند السادس:
(يجب أن نقول لرئيس الوزراء، لا يمكن لأي مجلس أو أي مسؤول "أي حتى الشاه" أن يقر قانوناً يخالف الإسلام والمذهب الجعفري، فارجعوا إلى الأصل الثاني الملحق بالدستور. والحمد لله، إنّ الشعب المسلم وعلماء الإسلام مازالوا يقظين وواعين وعلى استعداد لقطع كل يد خائنة تمتد للنيل من الإسلام وأعراض المسلمين).
إنّ هذه الرسالة تمتلئ بالمنطق القوي الذي يحمله الإمام وبمعلوماته ولغته المعاصرة، ومن الواضح أن قيمة وأهمية هذه اللغة تتضح إذا ما عدنا خمسين سنة إلى الماضي، وقارنا هذه الرؤية وهذا الأسلوب مع الأساليب الأخرى، ومع مستوى وعمق تفكير العظماء الآخرين وبقية أفراد وطبقات المجتمع.
الإمام، قائد النهضة
في الوثيقة المؤرخة بتاريخ (7/2/1342 هـ.ش 1963م) ، نقرأ:
إنّ مواقف آية الله الخميني المعارضة في الأشهر الأخيرة، وتصديه لمعارضة الإصلاحات التي قام بها (حضرة الأعلى همايوني)[11] والحكومة، قد أدى إلى تمركز الشخصيات البارزة من رجال الدين حوله، وبسبب هذه المركزية أصبحت الحوزات العلمية, الدينية خارج إيران تعتبره أبرز الشخصيات الدينية في إيران، وأوضح دليل على هذا البروز هو برقية التعزية التي أرسلها له آية الله الحكيم بعد الأحداث الأخيرة..
كان هذا بروزاً محيراً لشخصية الإمام الخميني خاصة بعد المساعي الشيطانية لحكومة بهلوي في عزل وإهمال الحوزة العلمية في قم وعظمائها، خاصة الإمام الخميني؛ (من كان لله كان الله له).
أما التفاوت بين شخصية الإمام والآخرين، فقد جاء في (ج1، ص 291)، حيث أصدر أحد الأعاظم بيانياً حول حادثة مدرسة الفيضية[12]، ومن جملة ما جاء فيها:
(... إنّ الفاجعة المؤلمة التي حدثت في مدرسة الفيضية في قم، نتيجة للإعتداءات الوحشية التي قام بها عدد من رجال الأمن ضد طلاب العلوم الدينية و...).
من الواضح أن هذه النظرة للقضايا والمسائل، تقلل من أهمية المسألة وتنسب هذه الفاجعة العظيمة والخيانة التاريخية إلى (عدد من رجال الأمن)، وبالتالي تبرئ الآمرين والسلاطين المجرمين!. وفي مقابل هذه المجموعة، كان الإمام الخميني (قدس سره) بشجاعته النادرة وبصيرته الإلهية، يتهم النظام وقادته بهذا الجرم، ويقول:
(إنّ المشكلة الكبيرة تكمن في أننا عندما نراجع أي مسؤول، يقول: إنّ هذه كانت بأمر (حضرة الأعلى) ولم يكن بيدنا حيلة، كلهم من رئيس الوزراء إلى قائد الشرطة وقائم مقام قم، يقولون أن هذا بأمر من حضرة الأعلى.
يقولون: إن جرائم مدرسة الفيضية كانت بأمره.. فإن كان هذا صحيحاً، فعلينا أن نقرأ الفاتحة على الإسلام وإيران والقوانين، وإن لم يكن صحيحاً وأنهم كانوا ينسبون هذه الجرائم ومخالفة القوانين والأعمال غير الإنسانية إلى الشاه كذباً، إذن لماذا لا يدافع عن نفسه، حتى يتخذ الشعب موقفه من الحكومة، ويحاسبها في الوقت المناسب بجزاء أعمالها؟! لقد نبهت مراراً أن هذه الحكومة تحمل نيّة سيئة وتخالف أحكام الإسلام.. وأنا لا أعلم، هل جميع هذه الجرائم والجنايات تحدث لأجل نفط قم، وعلى الحوزة العلمية أن تدفع الثمن؟ أم لأجل إسرائيل ويعتبروننا معارضين لعقد اتفاقية التعاون مع إسرائيل ضد الدول الإسلامية...)
عناوين المجلد الثاني والثالث:
1ـ إعتقال الإمام، ونهضة (15 خرداد 1342هـ.ش).
2ـ الإمام في السجن.
3ـ مؤامرة نفي الإمام.
4ـ فترة الإقامة الجبرية.
5ـ إطلاق سراح الإمام وانعكاساته.
بعد انتفاضة (15 خرداد) والجرائم والإعتداءات الوحشية التي ارتكبها نظام الشاه ضد أفراد الشعب، وموقف الإمام الشديد من هذه الأحداث الذي انتهى إلى اعتقاله وسجنه، قد أدّى إلى موجة غضب شعبية وعلمائية واسعة جداً، بحيث ذكرت الوثائق بعض ردود الأفعال هذه، ومنها:
أصدر المرحوم آية الله المرعشي النجفي[13] بياناً شديد اللهجة، ذكر فيه:
(نحن نصرخ اليوم " هل من ناصر ينصرنا" وسنبقى إلى آخر لحظة على الصراط القويم، إن دمائنا ليست أفضل من دم أخينا العزيز سماحة آية الله العظمى السيد الخميني، ولن نتراجع عن مواقفنا ما لم يعيدوه إلينا صحيحاً سالماً. وسنبقى ندافع عن حريم الإسلام والقرآن حتى آخر لحظة من دمائنا) (ج2، ص 34).
لكن مع الأسف يوصي السيد شريعتمداري أحد مريديه في تبريز أثناء مكالمة هاتفية معه، بالتالي:
(أدعو الناس إلى الهدوء، وأن يتجنبوا بشدة المظاهرات؛ لأن المظاهرات لن تؤدي إلى أي ثمرة... فلا يمكن للأرواح أن تقف بوجه الرصاص... واسعوا إلى عدم إهانة (حضرة الأعلى) أو التقليل من شأنه.
أرجو أن لا تعارضوا (الشاهنشاه) أو تثيروا غضبه، لقد قلت للخميني أن لا يتصرف مع الشاه بهذا الشكل، ولا يتحدث بما يخالف الحكومة والسياسة، لكن لم يصغ لكلامي حتى وقع فيما هو فيه(!) إضافة لذلك هيّئوا طوماراً لتأييدي (!)).(ج2 ص 44).
وفي (ج 2 ص 212)، جاء في وثيقة نقلاً عن الفريق خلعتبري مسؤول التحقيق مع الإمام في السجن:
(لم أر أبداً رجلاً بهذه القوة والقدرة، فهذا الشخص يصرح عَلَناً إستعداده للموت، ويلتزم الصمت أثناء استجوابه).
إنّ سكوت الإمام الخميني(قدس سره) والتزامه الصمت أثناء استجوابه وعدم الإجابة على أسئلتهم، كان أمراً مهماً ومثيراً بحيث نجد حوله تقريراً مفصلاً في الصفحة (232) من نفس المجلد، يتحدث عن ظروف الإمام في السجن:
لقد تم استجواب الشخص المذكور، لكنه امتنع في كلا الإستجوابين عن الإجابة على الأسئلة المطروحة عليه، وحيث قال في الإستجواب الأول أنه يعتقد بعدم وجود استقلال للقضاء في إيران وأن القضاة المحترمين يتعرضون للضغط، لذا فإني لن أجيب على أسئلتكم.
وفي الإستجواب الثاني، كرر الشخص المذكور أقواله، مضيفاً: لقد استنبطت أنكم ستدينونني، لذا ما الفائدة من إجابتي على أسئلتكم، إضافة على ذلك إذا ما أقمتم محكمة لا يحضر فيها قضاة من وزارة العدل، فإني لن أحضر فيها، كما أني سأمتنع هنا عن الإجابة على أسئلتكم.
من الواضح أن سماع وقول مثل هذا الكلام أصبح كلاماً عادياً وعديم الضرر، لكن قوله بعزة وشجاعة مطلقة من قبل شخص واقع في قبضة حكومة ظالمة، يدل على الإيمان القوي والتقوى الشديدة التي كانت يتمتع بها الإمام:
وجاء في الصفحة (242) من الوثيقة المؤرخة بتاريخ (7/5/1342هـ.ش ـ1963م): (إنّ (الإمام) الخميني إضافة إلى كونه لا يخشى النفي والسجن، قد أخبر اللواء باكروان واللواء عزيزي أنه غير مستعد أبداً للتعاون مع الحكومة إلاّ إذا ما أطلعوا الشعب على هذه الحادثة عن طريق الإذاعة أو الصحف، أي يسمحوا للشخص المذكور الإستفادة من الإذاعة والصحف، وهذا ما لا تسمح به الحكومة، لذا تقرر نفي الخميني والقمي إلى كرمان والمحلاتي إلى تبريز).
أما في تاريخ (6/5/1342هـ.ش ـ1963م) أصدر جهاز السافاك (المركز) أمراً إلى السافاك في قم، ومنه إلى السافاك في سنندج: بعد أن حددت اللجنة, مدينة سنندج مكاناً للنفي، لذا أصدروا أوامركم بعيين منزل للشخص المذكور من الآن، مع اتخاذ كافة التدابير الأمنية اللازمة. (ج2 ص 260). وفي تاريخ (15/7/1342هـ.ش ـ1963م) أعلن عن عدم تنفيذ هذه التدابير والتمهيدات بأمر من اللواء باكروان.
إن علم الإمام والسيد مصطفى[14] بمراقبة هاتف المنزل أثناء فترة إقامة الإمام الجبرية، أدى إلى أن يضطر جهاز الأمن في نظام الشاه لمراقبة الأفراد الذين يتصلون بالإمام، لكن الإمام كان أذكى من أن يترك أعمالهم الشيطانية تمر بلا جواب.
وذكر السافاك في تقريره المؤرخ بتاريخ(2/6/1342هـ.ش):
إنّ ما نستنبطه من طبيعة المكالمات الهاتفية، أن السيد الخميني والسيد مصطفى يعلمان بموضوع مراقبة مكالماتهما الهاتفية، لأن كلامهما مختصر جداً، وتتم جميع اللقاءات خارج المنزل بواسطة السيد مصطفى. (ج30، ص 349).
الإهتمام بالوحدة الإسلامية، وهو الموضوع الذي تشير إليه الوثيقة المؤرخة بتاريخ (25/6/1343هـ.ش ـ1964م) ، حيث تبين اهتمام الإمام الخميني(قدس سره) بوحدة الشيعة والسنة: (لقد كان آية الله الخميني يصدر باستمرار أوامره إلى رجال الدين بأن يتجنبوا إهانة مقدسات أهل السنة، حتى يزيد ذلك من التقارب بين رجال الدين السنة والشيعة) (ج3 ص 442).
عناوين المجلد الرابع:
1ـ إحياء معاهدة الحصانة القانونية[15] وانعكاساتها.
2ـ نفي الإمام إلى تركيا.
3ـ إنعكاس حدث نفي الإمام الخميني في داخل البلاد.
4ـ إنعكاس حدث نفي الإمام الخميني (قدس سره) في خارج البلاد.
إستناداً إلى الوثيقة رقم(522) المؤرخة بتاريخ(4/8/1342هـ.ش) تم تقدير عدد الحضور في منزل الإمام أثناء خطابه التاريخي حول موضوع الحصانة القانونية، بحدود(6 آلاف) شخص، لكن في الوثيقة المؤرخة بتاريخ (11/8/1343هـ.ش ـ1964م) تم تقديره نقلاً عن أحد المعممين بأكثر من (10 آلاف) شخص.
لقد استخدم الإمام في جهاده الدرجات العالية من الحكمة والدراية والتدبير، وكان يتحرك في كل مرحلة بمقتضى العقل والتدبير، بحيث أنه بدأ مراحل جهاده من لقاءه مع الشاه وطرح النظريات ومطالب رجال الدين الواعيين والشعب الملتزم بتعاليم دينه، والتحرك بذكاء في جهاده خطوة بعد أخرى حتى وصل تدريجياً إلى مواجهة الحكومة ورئيس الوزراء عملاء الشاه، وفي المرحلة التالية وجه خطابه مباشرةً إلى الشاه نفسه، وهاجمه على أعماله المخالفة للدين ومواقفه المخالفة للمصالح والمنافع الوطنية، ثم انتقل إلى مهاجمة السبب الأساس لجميع هذه المظالم والمفاسد ـ دولة الولايات المتحدة الأمريكية ـ واعتبرها أنها هي السبب في جميع هذه المصائب والويلات في نهاية الأمر، وبالطبع أدى هذا الهجوم الشديد إلى عواقب ومصاعب كبيرة. إذ عندما تم تصويب معاهدة (الحصانة القانونية) المذلة والمهينة لعزة وكرامة البلاد، تعدى الإمام في مهاجمته الشاه, فهاجم وبكل شجاعة أمريكا ورئيس جمهوريتها، مما دفعهم لاتخاذ أشد القرارات ضده، حيث قام الشاه بتنفيذ أوامر أسياده واعتقال الإمام ليلاً ونفيه بسرعة إلى تركيا، ظناً منه أنه تمكن من إبعاد الإمام عن شعبه.
ولم يمض أكثر من يومين من نفي الإمام إلى تركيا أي في تاريخ (6 نوفمبر 1964م) حتى كتب (استوارت راكول) الوزير المنسق في سفارة أمريكا، رسالة إلى جيمز ـ من المحتمل أنه أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية ـ يقول فيها: (وأخيراً تمكنا من التخلص من السلوك السيئ لهذا الرجل المسّن الذي كان يضع بكلامه العصا بين عجلاتنا.
فقد أصدر هذا الأحمق المحلي (إشارة إلى الشاه) أمراً بإخراجه. (ج6، ص 14).
عناوين المجلد الخامس:
1ـ نفي الإمام إلى تركيا (الإمام في تركيا).
2ـ نفي الإمام إلى العراق(إنعكاساته في الداخل؛ إنعكاساته في الخارج)
أفضلي ـ رجل الأمن المرافق للإمام في تركيا ـ يكتب إلى السافاك تقريراً بتاريخ (16/8/1343هـ.ش):
(برنامجه اليومي يقتصر غالباً على الإستراحة وتلاوة القرآن وإقامة الصلاة وتناول الغذاء وأحياناً كتابة بعض الكلمات التركية، لكن لا ينبغي تركه وحيداً). (ج5، ص 10).
وقد سعى نظام الشاه بعد نفيه الإمام إلى قطع ارتباطه مع البلاد ومع الشعب الإيراني المؤمن، بحيث كان يمنع بشدة إيصال رسائل تلامذته وأنصاره إليه. فقد جاء في الوثيقة المؤرخة بتاريخ (1/10/1343هـ.ش):
(بعد طرد الخميني من البلاد، من الأصلح قطع ارتباطه كلياً مع مؤيديه، حتى ييأس الشخص المذكور من العودة إلى إيران ومتابعة نهجه السابق، ويضطروا للإنضمام إلى رجال الدين الآخرين في إيران للقيام بمسؤولياتهم الدينية).
ومن الرسائل الرائعة والمثيرة للإهتمام، الرسالة التي كتبها الشهيد سعيدي, وما أبدى فيها من إرادة خالصة للإمام، وهذه الرسالة موجودة في (المجلد الخامس ص 172 ـ 173) المؤرخة بتاريخ (30 خرداد 1344ـ 1965م) حيث جاء في قسم منها: (مولاي، كأن علو همتكم منعتكم من الإكتفاء بالمقدار الذي تمثل به بقية نواب ولي الأمر(عج) بإمامهم، وأردت أن تكون نموذجاً كاملاً له. فقد انتفضتم بحق وغبتم غيبتين، لكني أتمنى أن تعملوا في الأمر الأخير عكس ما فعله ذلك الإمام العظيم، وتجعلوا غيبتكم الأولى· الغيبة الكبرى ولا تدموا قلوب شيعتكم أكثر من هذا.
أقسم بالله الذي أظهر قدرته وخلق الخميني العزيز، أني مستعد لأن أقايض لحظة لقائك بقيمة حياتي، لكني أعلم أنه ثمن بخس..).
شكوى من العلماء:
إستناداً إلى الوثيقة المؤرخة بتاريخ (7/7/1344هـ.ش ـ1965م) (المجلد الخامس، ص 199)، يتحدث الإمام مع أحد المسافرين إلى إيران, ويشتكي من وضع إيران ورجال الدين، خاصة السيد شريعتمداري، ويوصي: (على العلماء أن يقوموا بواجبهم مهما بلغت العواقب).
عدو أصبح سبباً للخير..
على رغم ظن عملاء نظام السافاك البهلوي، إن نفي الإمام إلى النجف الأشرف، لم يؤد إلى نسيانه؛ بل أدى إلى تثبيت مكانته المرجعية والعلمية والسياسية أفضل من السابق، بحيث إضافة إلى مساعيه العلمية والتدريسية في حوزة النجف القديمة الذائعة الصيت, وجذبه لاهتمام فضلاء هذه الحوزة، فإنه تمكن أيضاً من تأليف كتابه القيم (كتاب البيع) في خمس مجلدات، وتتلمذ على يده العديد من الفضلاء والمجتهدين.
وإضافة إلى هذه المساعي العلمية، ورغم الضغوط العلنية والخفية التي كان يمارسها عملاء النظام، فقد ازداد ارتباط الإمام بالشعب الإيراني يوماً بعد آخر، إلى درجة أن أحد أبناء آية الله الحكيم يذكر في رسالة إلى آية الله السيد محمود ضيابري ـ أحد رجال الدين المعروفين في مدينة رشت وأحد مريدي الإمام ـ حسب الوثيقة ـ المؤرخة بتاريخ (20/8/1344هـ.ش ـ1965م):
(إذا كنتم تسألون عن أحوال آية الله الخميني فهو بخير وسلامة ورفاه، وقد وصل إلى آية الله الخميني مبلغ (200) ألف تومان تقريباً من طهران وسائر مناطق إيران الأخرى.. فلا تشغلوا بالكم بأحواله، فإن الله سيحفظه), (ج5، ص 232).
كذلك الوثيقة المؤرخة بتاريخ (8/10/1344هـ.ش ـ1965م) تذكر بعض النقاط المهمة حول المكانة الإجتماعية للإمام، نقلاً عن أحد أبناء آية الله الشاه آبادي أستاذ الإمام في العرفان: (بذهاب آية الله الخميني إلى العراق، وجد الإيرانيون المقيمون في هذا البلد ملاذاً وسنداً كبيراً لهم... وكانت الحقوق التي تصل إلى آية الله الخميني من طهران أكثر من المبلغ الذي يصل إلى بقية العلماء، وكلما زادت السلطات الحاكمة من ضغوطها على آية الله الخميني ورفقائه، كلما زاد ذلك من مقدار نفوذه واعتباره بين أفراد الشعب.. فأصبح على رغم ميله الباطني، يدير القسم الأكبر من الأمور المالية في حوزة قم العلمية أيضاً). (ج5، ص 3 ـ 232).
وفي الصفحات (7 ـ 435) من نفس المجلد، نجد رسالة من حجة الإسلام والمسلمين السيد سجاد ميانجي بتاريخ (10 رجب سنة 1385 هـ.ق)، كتبت باللغة العربية وتحمل في كلماتها مشاعر جياشة وإرادة مخلصة للإمام وكذلك السيد مصطفى, جاء فيها: (... يا مولاي إن الله ابتلاك كما ابتلى جميع الأنبياء والمرسلين ثم جعلهم خلفاء في أرضه كما اختارك بعد أن امتحنك نائباً عن وليه وحجته صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف...).
عناوين المجلد السادس:
1ـ استشهاد السيد مصطفى(رحمه الله) وانعكاساته.
2ـ مقالة مهينة.
3ـ إنتفاضة (19 دي) في قم.
4ـ مراسم الأربعين المتالية والمظاهرات الثورية.
5ـ هجرة الإمام من العراق إلى فرنسا.
6ـ الإمام في المهجر حتى عودته إلى إيران.
ابتلاءات الإمام:
الإمام الخميني(قدس سره) الذي لُقبّ بصفة (مُحطِّم الأصنام) وكونه قد تولى قيادة الأمة الإسلامية، وهداية العباد المظلومين إلى الله، وأصبح في الواقع حجة باللغة إلهية للإنسان في زمانه ـ تعرض إلى ابتلاءات كثيرة قبل الوصول إلى مقام إمامة الأمة، تمثلت هذه الإبتلاءات بالسجن والإقامة الجبرية والنفي, فكانت له بمثابة منازل السلوك عند العرفاء، طواها واحدة بعد الأخرى, كالسالك العاشق للقاء الحق. ومن هذه الإبتلاءات تقديم السيد مصطفى فداء للحق، فكان هذا الفداء في أرض الغربة وأثناء النفي، شبيهاً (بذبح إسماعيل) خليل الحق.
فقد قدم أمل الإسلام في المستقبل إلى الله بتسليم بل ورضا كامل، معتبراً ذلك من ألطاف الله الخفية، وكأنه سمع بقلبه من يقول له: أن إحياء الإسلام ونجاة عباد الله من قيود الطواغيت يحتاج تقديم ابنكم مصطفى فداء له، لذلك لم تصدر ذرة من الشكوى والألم من قبله بعد الحادث.
وبعد أن مرت عليه هذه المصيبة وانتهت وخرج من هذا المنزل بشموخ وعزة، نزلت البركات الإلهية عليه وعلى شعبه المضحي والمؤمن من كل جانب، بحيث تمكن هذا الشعب العظيم في ظل ظروف من اليأس والخوف, القيام بمعجزة كبرى وتحقيق النصر في ثورته الإسلامية، رغم حالة الغرور التي كانت يعيشها نظام الشاه لما يملكه من رجال مدججين بالسلاح قاموا بأقسى الأعمال الوحشية بحق الشعب وإراقة دمائهم، حتى أطمأن هو وأسياده ببقاء جزيرتهم الآمنة، لكن قدرة مقلب القلوب منحت الشعب الإيراني إيماناً وعزيمة مكنتهم من القيام بالثورة الإسلامية، واستقبال روح الله بعد سنوات النفي.
ولأهمية هذه الحادثة في مسيرة نهضة الإمام والثورة الإسلامية، نشير إلى بعض الوثائق المذكورة حولها:
الوثيقة المؤرخة بتاريخ (14 /8/1336ـ 1957م) تذكر نقلاً عن قول الحاج أبي الفضل فيض أحد أفراد حاشية السيد شريعمتداري:
(لقد قلقت كثيراً من كثرة مجالس الفاتحة التي أقامها رجال الدين والآيات وكذلك التجار على روح السيد مصطفى، فقلت: إذا كان مؤيدو الخميني والمقربون له قد أقاموا مثل هذه الدعاية والتبليغ له، فلا أدري ماذا يفعل سائر المراجع في المستقبل..؟
إنّ كل ما قمنا به حتى الآن (يقصد المؤيدون لشريعتمداري) كان يسير منذ البداية طبق برنامج صحيح، لكنه انهار الآن وفشل تماماً، إذ تأثر طلاب العلوم الدينية المؤيدين لشريعتمداري وأصابهم الملل، وأصبحوا يبحثون عن حجة للتبليغ إلى شخص آخر..) (ج6، ص 54).
وفي الصفحة 84 من نفس المجلد، نقرأ ما قاله صدر الدين الحائري أثناء حديثة مع أحد أصدقائه:
(تحدث آية الله الخميني هاتفياً مع السيد عبد الحسين دستغيب[16] شاكراً إياه على إقامة مجالس الفاتحة، كما قال له، لقد ربيت ولدي بشكل يمكنه أن يشغل مكاني بعدي، وكان لائقاً تماماً لهذا الأمر، لكنهم قتلوه).
النقطة المهمة والدقيقة في هذه الوثيقة، هي ما نقل عن الإمام أنه قال (قتلوه) وهو دليل على استشهاد ذلك الفقيد السعيد.
أما وصية الإمام باتحاد الحوزة والجامعة، فقد جاءت في عدد من الوثائق كالوثيقة الموجودة في الصفحة (114)، والتي تتضمن الخطاب المعروف في (10 آبان سنة 1356هـ.ش ـ1977م) الذي ألقاه الإمام في أول درس له بعد استشهاد السيد مصطفى، حيث تحدث في هذا الخطاب حول مسألة (الفصل بين الشباب المتدين المثقف ورجال الدين) وكان له انعكاس واسع في البلاد.
أن مكر العدو، والنصر الإلهي طيلة فترة الجهاد، وإيمان الإمام الخميني (قدس سره) وثباته كانت من العوامل التي أدت إلى ظهور الإمداد الغيبي وتحقيق الإنتصارات الإلهية.
بعد حادثة استشهاد نجل الإمام (السيد مصطفى)، سعى نظام الشاه إلى إيجاد بعض الإنفتاح السياسي، لكنه لاحظ ازدياد ارتباط الشعب بالإمام وازدياد حبهم له. لهذا أقدم هذا النظام على عمل قذر وقبيح للتقليل من شأن الإمام ومكانته في قلوب الناس، فأمر بنشر مقالة مهينة عن الإمام في صحيفة (إطلاعات)، لكن ومن باب { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[17]فقد فشلت هذه الأعمال غير الإنسانية بسبب إيمان واستقامة الشعب الإيراني؛ بل وأدت إلى إيقاد شعلة الثورة الإسلامية في إيران.
اختصت الوثيقة المؤرخة بتاريخ (20 /10/1356) بتعطيل الحوزة والأسواق في يوم الأحد (18 دي) ومظاهرات الطلاب اعتراضاً على تلك المقالة المهينة، وتشير إلى دور السيد صادق الروحاني والشيخ محمد اليزدي. وتتحدث وثيقة أخرى في التاريخ نفسه عن تجمع بعض الطلاب في بيت آية الله العظمى الشيخ هاشم الآملي وبيت العلاّمة الطباطبائي اعتراضاً على المقالة، وقد جاء فيها:
(السادة أيضاً أدانوا نشر هذه المقالة، بعد هذا التجمع والخطاب الشديد اللهجة للشيخ محمد اليزدي، ذهب الطلاب إلى مدرسة أمير المؤمنين، خطب فيهم الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ونقل لهم قول أحد المراجع: أنهم بهذا العمل لم يهينوا السيد الخميني لأن الجميع يعرفه، بل أهانوا المراجع الآخرين، لأنهم يعتبرونهم من أتباعهم ـ غيره ـ ثم ذهب الطلاب إلى منزل الشيخ وحيد الخراساني؛ الذي شبه الخميني في كلامه بالنور، الذي لا يمكن أن ينطفي بمجرد وضع الشخص قدمه عليه...) (ج6، ص 157).
ولم تؤثر هذه المقالة برجال الدين والمتدينين من أفراد الشعب؛ بل أدت إلى غضب أغلب أفراد الشعب، حتى بعض العسكريين المحسوبين على أتباع النظام البهلوي، أبدوا امتعاضهم واعتراضهم الشديد على هذه المقالة.
في الصفة (183) المجلد السادس، نقرأ قسماً من رسالة العقيد المتقاعد عزيز الله رحيمي إلى مدير صحيفة إطلاعات، يقول فيها: (... إن سماحة آية الله العظمى الخميني ليس مرجع تقليد للشيعة في العالم فحسب؛ بل هو شخصية إسلامية عظيمة، لن ينسى التاريخ أبداً مواقفه وتضحياته في سبيل تحرير وطنه. إني على يقين أن يد الشيعب الإيراني سترد بقوة على مدير هذه الأوراق الممزقة الحقيرة، ولن تنسنى أبدا خيانة مدير هذه الصحيفة).
ذلة التبعية للأجانب:
أثناء أحداث الهجرة التاريخية والمصيرية للإمام الخميني إلى فرنسا، بعد أن قرر الإمام في البداية السفر إلى دولة الكويت، تبين الوثيقة التالية شدة تبعية الحكومات غير الشعبية بالأجانب.
(... إن سفير الشاهنشاه[18] (آريا مهر)[19] في الكويت هو الذي أبلغ سفير دولة الكويت في البلاط الملكي والذي كان موجوداً في الكويت في تلك الفترة، بقصد الخميني, السفر إلى دولتهم، فقام سفير الكويت بإبلاغ إبنة أمير الكويت بالخبر، وبعد فترة قصيرة أبلغ سفير الشاهنشاه آريا مهر، أن أمير الكويت أظهر عدم علمه بوصول الخميني، فأمر المسؤولين بمنع الخميني من الدخول إلى الكويت). (ج6، ص 434).
سرية المقصد التالي للإمام:
بعد ممانعة حكومة الكويت العميلة من دخول الإمام إلى أراضيها، إختار الإمام باريس لتكون مقصده التالي، وقد أدى هذا القرار إلى اضطراب وتخبط جميع رجال الأمن والإستخبارات في النظام البهلوي، لأنهم كانوا يحتملون ذهاب الإمام إلى أي نقطة في العالم إلاّ باريس، وكان أكثر حدسهم هو هجرة الإمام إلى سوريا، ولم يشر إلى ذلك سوى تقرير السافاك في آبادان:
(... إنّ الخميني يفكر في السفر إلى إحدى الدول الأوروبية والإقامة فيها) (ج6، ص 413).
وأثناء إقامة الإمام في باريس، كان هناك اتصال بين السافاك وجهاز الإستخبارات الفرنسي. كما تشير إلى ذلك الوثائق، حيث تشير الوثيقة رقم(7655/ 312 ـ 15/7/1357) إلى المطالب الإستخباراتية للسافاك من ممثلية السافاك وفرعها في فرنسا، وقد تم نقل الجواب عن طريق أحد الموظفين الفرنسيين في دائرة ضد التجسس، حيث تذكر الوثيقة (29/ 7/55 تقريراً يشير إلى أن أحد المسؤولين الأمنيين الفرنسيين إسمه (كنت) كان موجوداً في إيران في تلك الفترة، وذكر أن إحدى احتياجات السافاك، هي جمع المعلومات عن المحيطين بالإمام.
وطبقاً للوثيقة المؤرخة بتاريخ (27/7/ـ57ـ1978م)، تم إرسال معلومات جديدة من قبل جهاز الإستخبارات الفرنسي إلى جهاز السافاك. (ج6، ص 495).
اللقاءات الصحفية القوية والمتحضرة:
أول لقاء صحفي للإمام كان مع صحيفة الفيغارو الفرنسية، نشرت بتاريخ (18 أكتوبر 1978)، وكانت هي البداية للقائه مع الصحف ووكالات الأنباء الأخرى. وقد صرح الإمام في ذلك اللقاء أن الإسلام يدعو إلى التطور والرقّي، وأعلن فيه عن معارضته للنظام الملكي، وأطلق على النظام البديل له إسم (الجمهورية الإسلامية).
وبالطبع، كانت تلك نقطة عطف في جهاد الإمام، حيث أن الهدف الذي أعلن عنه في النجف تحت عنوان (الحكومة الإسلامية)، قد أنجز خطوة متقدمة منه، وخطط لعمليات تنفيذه في باريس، بالشكل الذي يمكن تحقيقه في هذا العصر والزمان فأطلق عليه اسم (الجمهورية الإسلامية). ولابد من القول: أن النقطة المهمة في معرفة وتحليل شخصية الإمام الخميني (قدس سره)، هو وفاؤه الكامل لروح وحقيقة التراث(الديني)، فهو من جهة كان كاملاً في معرفة مقتضيات الزمان وعميقاً في معرفة مكنونات الإنسان، وبالتالي كان صوتاً معبراً عن ضمير شعبه المسلم، ومن جهة أخرى كان القائد الذي عمّق ارتباط شعبه بتعاليم الإسلام المحمدي الأصيل، ومن جهة ثالثة قام بتحريره من براثن النظام السلطوي القديم وغير المنطقي، ونقلهم إلى نظام جديد يمثل أحدث ما وصلت إليه البشرية في أنظمة إدارة المجتمعات البشرية ـ الأنظمة الديمقراطية والأنظمة الجمهوريةـ، وهذا يعني أنجح ارتباط بين التراث والتجدد، الذي حصل ويحصل فيهما دائماً الإفراط والتفريط.
فالإمام الذي ولد يوماً ما في إيران إحدى دول العالم الثالث، وبنى مراحل شخصيته في المراكز العلمية ـ الحوزوية، وقضى ثمانين سنة من عمره وهو مرجع تقليد وقائد ديني في إيران والعراق، قد تمكن من الإنتقال إلى فرنسا وأوروبا، والنفوذ في قلب العالم المتحرر المدعي للتحضر والتطور، ثم الإعلان في هذه الأشهر القليلة عن المراحل الأخيرة من جهاده الطويل لتثبيت حاكمية الإسلام في بلاده، وبالتالي جذب العالم نحو شخصيته وأهدافه ونحو الظروف التي يعيشها شعبه وبلده، فكان ذلك يمثل المفتاح الذي نفهم منه السر الذي يبين سبب الإختلاف والتفاوت بين الإمام والآخرين، وهو ما يمكن الوصول إليه من خلال التحليل المنصف والدقيق.
المجلدان السابع والثامن:
اختص المجلد السابع من هذه المجموعة بموضوع(قيادة النهضة من المنفى)، وانعكاس (الآراء، والمواقف والبيانات الخاصة بالثورة).
في سنة (1348هـ.ش ـ1969م) طرح الإمام الخميني(قدس سره) أثناء وجوده في النجف الأشرف (نظريته البديلة) كأحد العوامل الأساسية للثورة الإسلامية ـ مطلقاً عليها عنوان (الحكومة الإسلامية) ومؤكداً على الأبعاد السياسية والإجتماعية للإسلام، فكانت تلك صدمة كبيرة للنظام الظالم وأتباعه، كما رسم للمجاهدين الأفق الصحيح لحركتهم ونضالهم. لذلك نلاحظ في المجلة الخاصة بالسافاك بتاريخ (7/12/1348هـ.ش) ملاحظات حول هذا الخطاب التاريخي للإمام، والإقتراح بكتابة مقالات متتالية لردّ أقوال الإمام الخميني (ج7، ص20).
أما المجلد الثامن في هذه المجموعة فكان استمراراً لمواضيع المجلد السابع ومرتبطاً بمواضيع المجلد السادس, وتناول موضوع قيادة النهضة من المنفى، حيث نقل بعض الوثائق الخاصة بالنظريات والمواقف والبيانات الداعية للثورة.
الوثيقة الموجودة في الصفحة (503) المجلد الثامن، تشير إلى بعد من أبعاد قيادة الإمام الخميني.
فقد كان الإمام قاطعاً جداً في أدائه، إلى درجة أن بعض الجاهلين بأبعاد الشخصية الكاملة لهذا الرجل الإلهي الكامل، كانوا يعبرون عن هذه الصفة بالتطرف والشدة. في حين أن الإمام ورغم إصراره الشديد على إسقاط نظام الشاه الملكي والقضاء على محمد رضا الخائن، ولم يتراجع ذرة واحدة عن هذا الموقف ـ الذي ثبتت صحته تدريجياً للجميع ـ كان يتعامل في مراحل ومقاطع ومواضيع أخرى بهدوء وبشكل مسالم، وما يقتضيه التدبير والحكمة.
فالإمام وطيلة جهاده الطويل، لم يلجأ أبداً إلى الجهاد والنضال المسلح[20]، رغم وحشية الإجراءات العدائية لنظام الشاه، ولم يلجأ إلى ذلك حتى في أقسى مراحل حالة الطوارئ، وأشد مراحل الثورة، التي مارس فيها النظام الديكتاتوري أقسى الإجراءات وأراق فيها الكثير من الدماء، ولم يصدر عنه سوى (التهديد بالجهاد) كمحاولة لردع النظام عن أعماله الوحشية.
كما أن الإمام سعى إلى إظهار الصورة الإنسانية المترقية للشعب الإيراني والثورة الإسلامية، رغم هجومه الشديد والدقيق على الطواغيت والظلمة كالحكومة الأمريكية وغيرها، حيث سعى إلى تعزيز روابطه مع الشعوب الأخرى في العالم، ولهذا الغرض وجه في تاريخ (23ديسمبر1978)، بياناً إلى الشعب المسيحي يتضمن أدق وأجمل العناوين والألقاب، لتعزيز العلاقات مع الشعوب المسيحية، جاء فيه:
(... أيها الشعب المسيحي أدعوكم باسم الشعب الإيراني المظلوم أن تطلبوا في أيامكم المباركة من الله تعالى أن ينقذ الشعب الإيراني من براثن هذا السلطان الظالم، ويعجل له الفرج والخلاص، وإني أطلب منكم أيها الشعب العظيم أن تحذروا رؤساء بعض الدول المسيحية الذين يستفيدون من قدراتهم الشيطانية لحماية الشاه الظالم، ويعملون على سحق هذا الشعب المظلوم، وأطلب أن تشرحوا لهم تعاليم المسيح عليه السلام. كما أطلب من رجال الدين المسيحيين أن ينصحوا رؤساء بعض الدول العظمى، ويدينوا أعمالهم الوحشية المخالفة لتعاليم الأديان السماوية. إنّ القرآن الكريم يعظم السيد المسيح ويمجده، وينزه السيدة مريم، لذا ينبغي على الشعب المسيحي أن يرد هذا الدين إلى الشعب المسلم).
وبنظرته الحكيمة والجامعة، أدرك الإمام شدّة تبعية الجيش لشخص الشاه، واعتماد هذا النظام الديكتاتوري على هذا الجيش واحتمال أن يقوم بانقلاب على الثورة ، لذلك ومن خلال فهم الإمام العميق للتركيبة الإسلامية للجيش، وجه الإمام خطابه التالي إلى الشعب:
(... إنّ هذا الشعب الشجاع ورغم علمه بوجود عدد قليل من الأذلاء والمجرمين في هذا الجيش الذين اغتروا بتولي المناصب المهمة، وتمت معرفة أسمائهم لي، لكنه يعلم أيضاً بوجود العديد من التيارات الشريفة في الجيش الذين لن يسمحوا لهؤلاء الأذلاء والتابعين بالقيام بمثل هذه الجريمة (الإنقلاب العسكري) المخالفة لوطنيتهم ومذهبهم.
وإني وبما يمليه عليّ واجبي الإلهي والوطني، أحذّر الجيش الإيراني وأطلب من أصحاب المناصب والرتب الحيلولة دون حدوث هذه المؤامرة إن كانت موجودة، وعدم السماح لعدد من المجرمين بإراقة دماء الشعب الإيراني الشريف. إنّ هذا هو واجبكم الإلهي أيها الجيش المحترم، وستتحملون المسؤولية أمام الله تبارك وتعالى إذا ما أطعتم أمر هؤلاء الخونة بالفطرة، وستدين عملكم المجتمعات البشرية وتلعنكم الأجيال الآتية) (ج8، ص 528).
المجلدات من التاسع حتى الحادي عشر:
المجلد التاسع في هذه المجموعة، يتضمن الوثائق المتعلقة بمواضيع (الإمام، الشخصيات، المجموعات السياسية والإجتماعية، أقارب الإمام والمنسوبين إليه وعائلة الإمام، والوثائق المتعلقة بالإمام ورجال الدين). كما اختص المجلد العاشر أيضاً بهذا العنوان العام، لتسليط الضوء على الوثائق المتعلقة بموضوع (الإمام ورجال الدين).
مواقف مختلفة:
في تاريخ (15 /11/1350هـ.ش ـ1971م) ، أصدر السافاك كراساً لا يحمل رقماً، ذكر أن تعطيل الحوزات العلمية لدروسها في الأيام (21و22) من شهر دي عام (1350هـ.ش)، وما رافقها من غضب في قم اعتراضاً على الإهانة التي وجهها عضوان من أعضاء مجلس الشيوخ إلى الإمام، كان بسبب التوجيهات التي أصدرها آية الله الگلبايگاني، وأضاف أن السيد شريعتمداري قد أوصى الطلاب بعدم التدخل في هذه الإعتراضات.(ج9، ص37).
جهاد بأسلوب فكاهي:
تذكر الوثيقة المؤرخة بتاريخ (12 / 11/ 1347 هـ.ش ـ1968م) ، أن أحد الخطباء في أصفهان باسم صمصام، وكان يتمتع بالشجاعة وروح الفكاهة، قد قال من على المنبر:
(لقد ذهبت عدة مرات إلى منزل آية الله الخميني في قم، وقلت له سيدنا لا تكثر من وطأ ذيل هذا الكلب، لأن عاقبة سحق ذيل الكلب أنه سينبح بصوت عال، وأدى ذلك إلى نفيه إلى العراق) (ج9، ص 40).
واللافت أن هذا المرحوم قد أبدى شجاعة كبيرة، عند اعتقاله من قبل عملاء السافاك.
شجاعة الوسطاء:
إنّ دروس الإمام في موضوع الحكومة الإسلامية الذي طرحه في النجف سنة (1348 هـ.ش ـ1969م)، كانت توزع في الداخل والخارج عن طريق الكراسات والكاسيتات مما أدى إلى اضطراب عملاء وأركان النظام.
وطبقاً للوثيقة المؤرخة بتاريخ (13/12/1349هـ.ش ـ1970م)، أن السيد محمد أبو ترابي قد تعرض في منطقة خسروي الحدودية إلى التفتيش أثناء عودته من العراق، لكنهم لم يجدوا كراس دروس الإمام، إذ قام بإرسالها مع شخص آخر إلى مكتبة مصطفوي في طهران). (ج9، ص 41).
مكانة مرجعية الإمام:
تذكر الوثيقة المؤرخة بتاريخ (2/6/ 1349) أسماء رجال الدين في طهران مع ذكر أسماء مراجع تقليديهم. ويشمل هذا الفهرس أسماء (59) شخصاً من علماء الطراز الأول وأئمة المساجد في طهران، تشير الوثيقة إلى أن (32) شخصاً منهم يقلدون الإمام، و(19) شخصاً يقلدون السيد الخوئي، و(12)شخصاً يقلدون السيد الميلاني، و(5) أشخاص يقلدون السيد الشاهرودي، وإثنين منهم يقلدان السيد الگلبايگاني، وإثنين منهم يقلدان السيد شريعتمداري، وواحد يقلد السيد الروحاني. (ج9، ص 52).
الدفاع عن الشباب:
تشير الوثيقة المؤرخة بتاريخ (23/10/1355هـ.ش 1975م) إلى موقف آية الله الخونساري[21] مقابل طلب عَلَم وزير البلاط بإصدار حكم تكفير الشباب ذوي الميول السياسية، وهو موقف رائع وقابل للتقدير، إذ رد على طلب عَلَم، قائلاً: (إذا كان ذلك ضروريا لكان الأولى أن أصدر حكماً، بتكفيركم لِما سببتموه من أذى للشعب. فلا يوجد شيء في بلادنا، إذ لا يجد الناس الخبز ولا اللحم ولا احتياجاتهم الأخرى، لأنكم لا تعطونهم سوى الكلام، حتى أصبح الجميع غاضباً عليكم، ولن تجد شخصاً واحداً راضياً عنكم).(ج9، ص 54).
جهود أنصار الإمام وازدياد نفوذ الإمام:
تدل القرائن والشواهد العديدة أن أنصار الإمام بذلوا جهوداً كبيرة حتى أصبح مقدار الحقوق الشرعية التي تصل الإمام وكذلك المبالغ الشهرية التي يدفعها لطلاب العلوم الدينية، أكثر من المراجع الآخرين، فقد جاء في الوثيقة المؤرخة بتاريخ (17/7/ 1342هـ.ش ـ1963م):
(إنّ آية الله الخميني كان يرسل أموالاً حتى إلى الخطباء ورجال الدين الذين يسكنون القرى النائية، حتى يتمكنوا من إدارة حياتهم ومعيشتهم). (ج9، ص 61).
وبرغم الموانع الكثيرة التي كان يضعها السافاك ومراقبته الشديدة لأنصار الإمام ومؤيديه، كانت هذه الشبكة الواسعة والمهمة من أنصار الإمام في الداخل والخارج، تستلم الحقوق الشرعية من المؤمنين وتوزعها على الحوزات العلمية، أو توصلها إلى الإمام ليصرفها في إدارة الحوزات العلمية. ويبين الكراس المكتوب بخط الإمام أنه أصدر إجازات شرعية لـ(531) شخصاً في الفترة ما بين شهر (آبان)[22]سنة(1344هـ.ش) إلى شهر (اردبيهشت)[23] سنة (1357هـ.ش).
فشل مؤامرات الأعداء:
سعى جهاز السافاك بشدة إلى معرفة طبيعة الإختلافات بين العلماء والمراجع، والعمل على تأجيجها. فقد كان السافاك يعمل بشكل عام على تأجيج الإختلافات بين العلماء، وخاصة الاختلافات بين العلماء وفكر الإمام، حيث يوجد في هذا الموضوع الكثير من الكلام والآلام والمعاناة التي تعرض لها أنصار الإمام ومؤيدوه، لكن الإمام تجاوز هذه الآلام كما صرح في بيانه إلى رجال الدين، وعفا عنها, أما موقف الإمام في مواجهة مؤامرة الأعداء، فكان يؤكد على الدفاع عن كيان الحوزة ومراجعها، رغم اختلافه مع آراء المراجع الآخرين، كما كان يوصي تلامذته ومؤيديه دائماً بتجنب إهانة المراجع الآخرين، وأن يرفضوا غيبة المراجع في بيوتهم وعدم السماح لأي شخص بذلك. لكن ونظراً لمواقف بعض المحسوبين على بيوت العلماء وتدخلهم السلبي في مواقف الإمام الجهادية، وحتى إقامتهم بعلاقات خاصة مع المسؤولين الأمنيين في نظام الشاه، قد دفع أنصار الإمام إلى القيام ببعض ردود الأفعال المستقلة عن مواقف الإمام ورأيه.
المجلد الحادي عشر:
فقد تضمن الوثائق الخاصة بموضوع (الإمام والقوى المؤثرة في النهضة والجهاد (العوامل الإيجابية والسلبية). كان أنصار الإمام يسعون بشدة ومن خلال مواقفهم الإيجابية إلى توظيف جميع قدرات الحوزة وطاقاتها في خدمة مواقف الإمام الإسلامية والتحررية؛ لكن الأطراف والقوى السلبية كانت تعارض هذه المواقف. الوثيقة المؤرخة بتاريخ (9/1/1345هـ.ش ـ1966م)، تبين أن عدداً من أساتذة الحوزة من بينهم السادة: النوري، والمنتظري، والأنصاري والخزعلي قد اقترحوا على شريعتمداري في أواخر سنة (1344هـ.ش) تعطيل الحوزة لغرض عودة الإمام، لكنه رفض ذلك، وقال لا يمكن تعطيل الحوزة بسبب كلام إثنين أو ثلاثة أطفال! (ج11، ص 17).
المجلد الثاني عشر والثالث عشر:
اختص المجلد الثاني عشر بالوثائق التي ترتبط بمواضيع: (الإمام والجامعيون، الإمام والسياسيون، الأحزاب والحركات السياسية).
كان للجامعيين وأساتذة الجامعات دوراً كبيراً ومؤثراً خلال فترة النضال وأحداث الثورة الإسلامية؛ بحيث كان الطلاب الجامعيون في الإتحاد الإسلامي على ارتباط بالإمام منذ سنة (1342هـ.ش ـ1963م) ، والتقوا بالإمام في قم في يوم (19/2/1342)، واستمرت هذه اللقاءات بينهم حتى فترة إقامة الإمام في باريس، وثائق السافاك تشير إلى الحضور الغفير لطلاب الجامعات والجامعيين في محل إقامة الإمام في باريس، حيث تولوا إدارة أمور عديدة منها: الإجابة على المكالمات الهاتفية الكثيرة التي كانت تصل من إيران، وتدوين الملاحظات عليها، وإرشاد الصحفيين الأجنب، ومراجعة وترجمة مقالات الإمام ولقاءاته الصحفية ولقاءاته مع الإذاعة والتلفزيون في الدول المختلفة.. وغيرها من النشاطات. (ج12، ص 61).
علاقة الإمام مع الشعب:
اختص المجلد الثالث عشر بالوثائق الخاصة بموضوع (الإمام والشعب)، وإذا ادعينا أن ثورة الإمام الخميني كانت أكثر الثورات في التاريخ شعبية، فلن يكون ذلك جزافاً؛ لأن الشعب الإيراني قد آمن بكل وجوده أن الإمام الخميني صادق في قوله ويليق بتحقيق آمالهم وأمنياتهم، وقائد كفوء لحركاتهم السياسية والجهادية.
أول ارتباط بين الشعب والإمام سجلته وثائق السافاك، كان لقاء الإمام مع الكسبة والتجار في قم، ثم في طهران، وكان يتعلق بأحداث (إتحاد المقاطعات والولايات).
وكان عامة الناس ومؤيدوا الإمام هم الذين تولوا طباعة ونشر الرسالة العملية للإمام، وكذلك استنساخ الأشرطة الصوتية لخطبه في النجف، واستنساخ بياناته وإعلاناته، كما أن نصب صور الإمام كان يشير إلى علاقة الشعب القوية بالإمام وقائد النهضة الإسلامية، واستعدادهم لتحمل عواقب هذا العمل. ونقرأ في الوثائق الكثيرة التي تركها السافاك:
(تشير التقارير الواصلة من المدن المختلفة مثل: بهشهر، نهاوند، رفنسنجان، يزد، كرمان، تبريز، وطهران، إلى توزيع صور الإمام بين الناس).
كما تدل التقارير الأخرى على هذا الموضوع:
(تم منع توزيع وبيع صور الإمام في مناطق لرستان وگيلان). (ج13، ص 20).
ولم تكن العلاقة بين الإمام والشعب من طرف واحد، بل كانت علاقة ومحبة من طرفين، إذ كان يقوم بجميع جهاده ونضاله لتحرير هذا الشعب وتحقيق الرفاه له، وبالطبع كانت تعتبر جميع أعماله جزءاً من الواجبات الشرعية وأداء التكليف الإلهي.
تشير الوثيقة المؤرخة بتاريخ(8/7/1344هـ.ش)، أن الإمام طلب من أحد أقاربه إرسال مبلغ عشرة آلاف ريال شهرياً كمساعدة للشيخ باقر محي الدين الأنواري (أحد المحكومين بقضية إغتيال منصور)[24].
كما أكد على مساعدة عوائل الشهداء الأربعة في هذه العملية وهم (الشهداء بخارائي، نيك نجاد، صفار هرندي، وإمامي)، حيث كانت تصلهم المساعدات بشكل مستمر. (ج13، ص 125).
المجلد الرابع عشر والخامس عشر:
اختص المجلد الرابع عشر ببحث الوثائق الخاصة بعلاقة (الإمام والشعب).
أما المجلد الخامس عشر، فيبحث العناوين التالية:
1ـ الإمام والشعب.
2ـ العائلة، (بيت الإمام والمنسوبين إليه).
كانت أول التقارير الخاصة بعائلة الإمام، تتحدث عن التعريف بأشقاء الإمام (السادة بسنديدة ونور الدين الهندي) في خمين، وتحركاتهم وزياراتهم ومواقفهم، خاصة ما يتعلق بدور ونفوذ آية الله بسنديدة في مدينة خمين، وسفره المتكرر إلى قم أوائل النهضة مع أهالي خمين أو بمفرده، (ج15، ص 349)، بتاريخ (6/6/ 1344هـ.ش).
والظاهر أن إقالة ابن السيد بسنديدة من عمله في (بنك ملي) كان بسبب تدخله في أمور خمين. (ص 350).
كما اهتم السافاك لفترة طويلة بمتابعة المرحوم السيد أحمد الخميني ومراقبته أثناء فترة مراقبة بيت الإمام في قم، كما ينقل التقرير المؤرخ بتاريخ (21 بهمن 1348هـ.ش) زيارة السيدة زوجة الإمام إلى إيران في شهر مرداد سنة (1351 هـ.ش) للقاء أبنائها وأقاربها ورؤية حفيدها الجديد ابن السيد أحمد، ويشير إلى إصدار الأوامر التي وجهت إلى السافاك لمراقبة أعمالها وسلوكها. ( ص 355)، وتكررت هذه المراقبة أيضاً في سفرها إلى إيران في شهر (تير)[25] سنة (1353هـ.ش ـ1974م).
أما الوثيقة المؤرخة بتاريخ (22/3/1357هـ.ش)، ينقل ممثل السافاك في العراق تصريحات حول السيد أحمد الخميني الخاصة: (قبل فترة قال أحد المسؤولين الأمنيين الإيرانيين متأسفاً، لقد أدركنا متأخرين النشاطات الكثيرة للسيد أحمد الخميني في قم، وللأسف تمكن أن ينجو بنفسه منا). (ص 360).
المجلدات السادس عشر إلى التاسع عشر:
هذه المجموعة (المجلدات الأربعة) اختصت بالوثائق المتعلقة بموضوع (الإمام ونظام الشاه).
فيتضمن المجلد السادس عشر الوثائق المتعلقة بموضوع (العراقيل والمؤامرات التي تحاك ضد الإمام). حيث جاء في أول وثيقة من هذا المجلد والمؤرخة بتاريخ(16/1/1342هـ.ش): (في ليلة 3/1/تم توزيع منشور في قم ضد آية الله الخميني، وذكر أن غداً سيكون موعداً للتعريف بآية الله شريعتمداري، لذلك سافر الموظف عند آية الله شريعتمداري فجر يوم 4/1 إلى طهران ليقف على رأي المسؤولين المعنيين عن عدم طلب نشر مثل هذا الإعلان، والظاهر أنه التقى بمعاون رئيس الوزراء، ورئيس الأمن الداخلي في البلاد، ثم عاد عصر يوم/ 4/1 إلى قم).
واستمر سعي الأعداء ومعارضي الإمام الخميني في تشويه صورة الإمام، فعمدوا إلى نشر الكثير من الشائعات الكاذبة التي يروجها جهاز السافاك، ثم ينتظروا ردود الأفعال عند الناس. لكن بالإضافة إلى سعي الأجهزة الأمنية الحكومية في ترويج الإشاعات لاغتيال شخصية الإمام، يمكن أيضاً أن نحتمل قيام بعض الأفراد التابعين لبعض التيارات السياسية أو الحوزة، بترويج مثل هذه الإشاعات ضد الإمام عن جهل أو عدم فهم، كما ويشير هذا التقرير:
(في الكثير من الموارد كان المجاهدون وأنصار الإمام يقومون بترويج بعض الشائعات لإشغال رجال السافاك والتمويه عليهم، بحيث كانت الأجهزة المعنية تستهلك وقتاً وطاقات كبيرة للتأكد من صحة أو سقم هذه الشائعات). (ج18، ص 11).
المجلد الحادي والعشرون:
اختص هذا المجلد، ببحث الوثائق الخاصة بموضوع (الإمام والحكومات والمسائل العالمية)، مع عناوين فرعية: (الإمام والنظام البعثي في العراق) و (الإمام وفلسطين).
إنّ الإمام الخميني لم يخضع أبدا إلى رغبات وميول الحكومات التي تعاقبت على إيران والعراق، وبالتالي لم يربط تحركاته ومواقفه الأصولية والإلهية مع هذه الرغبات. لذلك فقد استمر في طريقه القويم بشجاعة وتدبير كامل سواء في السنوات (1963 ـ 1968) أو السنوات بين (1968 ـ 1979م) أي فترة الإنقلابين الذين قام بهما البعثيون في العراق. حيث تشير الوثيقة المؤرخة بتاريخ (10/2/1348هـ.ش) أي بعد فترة قصيرة من لقاء الإمام بالمسؤولين العراقيين، إذ ينقل ممثل السافاك في العراق:( عندما رفض الإمام الإستجابة إلى مطالبهم، هددوه بإخراجه من العراق). (ج20، ص 11).
الوعي وشمول الرؤية:
عندما طرح الإمام الخميني نظرية الحكومة الإسلامية، في سنة (1969م)، فإنه بدء العد التنازلي لإسقاط النظام الديكتاتوري في إيران، لكن مع ذلك رفض طلب حكومة البعث في العراق ـ بماهيتها الديكتاتورية ـ المشابهة لحكومة الشاه ـ بسبب اختلافاتها مع حكومة إيران، واعتباراتها السياسية، بإصدار بيان ضد الحكومة الإيرانية، كما تشير إلى ذلك الوثيقة المؤرخة بتاريخ (30/2/1348هـ.ش) حيث تذكر لقاء محافظ كربلاء ووزير خارجية العراق مع الإمام والطلب منه باتخاذ موقف ضد الحكومة الإيرانية).
إنّ الإمام الخميني ومنذ الأيام الأولى لجهاده الإسلامي، قد شدد هجومه ونقده على أمريكا وإسرائيل الحاميين الأساسيين لدكتاتور إيران، بموازاة نقده ومعارضته للحكومة الفاسدة في إيران، وكان يعتبر المسؤولين في نظام الشاه عملاء لإسرائيل والصهاينة. حيث قال في خطابه بتاريخ (26/ 1/1343هـ.ش): (أيها الناس, أيها العالم يجب أن تعلموا أن شعبنا ضد الإتفاقية مع إسرائيل...(ج20 ص317).
(إني أعلنت لجميع الدول الإسلامية وللمسلمين في العالم، أن أبناء المذهب الشيعي الأعزاء يكرهون إسرائيل وعملائها، ويشعرون بالكراهية والانزعاج من جميع الحكومات التي تتعامل مع إسرائيل) (ج20، ص 318).
وكان جهاز السافاك يتابع باستمرار هذه المواقف الثابتة للإمام سواء أثناء فترة وجوده في إيران أو في المنفى. وتم تثبيت هذه المواقف في وثائق السافاك، التي تم نشرها أيضاً في المجلد العشرين من هذه المجموعة.
المجلد الثاني والعشرون:
يتضمن هذا المجلد الوثائق الخاصة بالمواضيع التالية:
(الإمام ووسائل الإعلام العالمية) و(نهضة الإمام وردود الأفعال وانعكاساتها خارج البلاد).
وحول هذا الموضوع، تم رصد أسماء (15) وكالة أنباء، وصحيفة،(أسبوعية ونصف شهرية) ونشرية، مسجلة في وثائق السافاك الموجودة في الملف الشخصي للإمام، تتضمن موضوعات تتحدث حول الإمام الخميني ونهضته الإسلامية.
كذلك نجد بعض التقارير على هيئة مسودات كانت تستنسخ ليتم تبادلها بين دور النشر. وكانت أول وثيقة منها تحمل التاريخ (10 مرداد سنة 1342هـ.ش ـ1963م) وآخرها تحمل التاريخ (3دي سنة 1357هـ.ش)، حيث تم نقل الوثيقة الأولى من وكالة الأنباء الفرنسية عن جريدة (الأهرام) شبه الرسمية في القاهرة، بتاريخ (10 مرداد سنة 1343هـ.ش).
ـــــــــــــــــــ
[1] كاتب ومحقق في الحوزة العلمية في قم.
[2] تاريخ جهاد الإمام الخميني(قدس سره) على ضوء ما جاء في وثائق السافاك.
[3] (ساواك) أو(سافاك) جهاز أمني واستخباراتي في نظام الشاه.
[4] الموافق تقريباً: 7/6/1963م.
[5] 15خرداد: في سنة 1342 ش, 1383هـ , [1963م], قام أزلام الشاه باعتقال الإمام (قدس سره) وعدد من العلماء مما أدى لقيام ثورة شعبية عارمة قادها العلماء في العديد من المدن الإيرانية, فاستشهد الآلاف من المواطنين الذين رفعوا شعار إما الموت أو الخميني .
[6] الإنتفاضة التي اندلعت إثر الإهانة التي وجهها كاتب باسم مستعار في صحيفة (اطلاعات) للإمام الخميني تحت عنوان(إيران والإستعمار الأحمر والأسود).
[7] البنود التي اعترض عليها العلماء في المرسوم عبارة عن:
1. إلغاء شرط الإسلام عن المرشح والناخب.
2. أن يكون قسم النائب بأي كتاب سماوي ولا يشترط أن يكون بالقرآن.
3. السماح للمرأة بالمشاركة ترشيحاً وتصويتاً, وهي بنود تخالف الدستور الإيراني.
[8] الشهيد آية الله سعيدي (1308-1349هـ.ش) من أنصار الإمام السابقين تعرض للإعتقال عدة مرات واستشهد في الجن بعد 9 أيام من اعتقاله.
· رئيس الوزراء.
[9] الخطيب المشهور سماحة الشيخ محمد تقي فلسفي(رحمه الله).
[10] المقصود بها الإجتماعات التي عقدت احتجاجاً على الحكومة.
[11] لقب من ألقاب الشاه.
[12] الهجوم الوحشي من قبل الشاه على طلاب العلوم الدينية في المدرسة الفيضية عندما كانوا يحضرون مجلس وفاة الإمام الصادق(ع).
[13] أحد المراجع الكبار في قم توفي 1410هـ.
[14] نجل الإمام الخميني الأكبر.
[15] كابيتولاسيون: معاهدة تمنح الأمريكيين الحصانة القانونية في إيران, أي أنه لا يمكن لأي محكمة إيرانية أن تحاكم الأمريكي مهما كانت الجريمة التي ارتكبها. وهذه المعاهدة معمول بها في أغلب البلدان التي أراضيها عسكريون أمريكيون.
· المقصود بها فترة الاعتقال التي دامت.
[16] شهيد المحراب آية الله السيد دستغيب كان له الدور الأبرز في أحداث الثورة في مدينة شيراز اغتاله المنافقون وهو ذاهب لإقامة الجمعة.
[17] سورة آل عمران، الآية: 54.
[18] ملك الملوك.
[19] من ألقاب الشاه وهو نسبة إلى قوم آريا.
[20] رغم أن بيانات وخطابات الإمام قبل الإنتصار تكاد تخلو من الدعوة للعمل المسلح ضد النظام إلا أن سيرة بعض المجاهدين حكت عن رضى الإمام بتلك الأعمال بصورة غير علنية ولذا نجد في تاريخ الثورة من قام باغتيال بعض العناصر القذرة في النظام, يلحظ هذا الأمر أيضاً في كتاب كشف الأسرار.
[21] آية الله السيد أحمد الخوانساري صاحب كتاب (جامع المدارك) كان مقيماً بطهران (ت1405).
[22] الشهر الثامن في السنة الشمسية.
[23] الشهر الثاني في السنة الشمسية.
[24] حسن علي منصور رئيس الوزراء وهو من أوعز إلى المجلس بالتصويت لصالح الحصانة القانونية للأمريكيين وعوائلهم, قام المجاهد بخارائي باغتياله بالرصاص وهو يترجل من سيارته.
[25] الشهر الرابع من السنة الشمسية.
تعليقات الزوار