نداء الإمام الخميني إلى حجاج بيت الله الحرام

 

ذي الحجة 1407 هـ ق

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

{ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله}

 

الحمد لله على آلائه، والصلاة والسلام على أنبيائه، سيما خاتمهم وأفضلهم، وعلى أوليائه وخاصة عباده سيما خاتمهم وقائمهم أرواح العالمين لمقدمه الفداء…

 

إن الأقلام والألسن وكل ما يقال ويكتب، لتعجز عن أداء الشكر للنعم اللامتناهية التي يتفضل بها على العالمين الخالق الذي زيّن وبارك بنوره المتلألئ في عوالم الغيب والشهادة والسر والعلن، بنعمة الوجود، وبيّن لنا ببركة رسله بأنه {الله نور السموات والأرض}. وبظهور جميله كشف الغطاء عن جماله بأنه الأول والآخر والظاهر والباطن، وبيّن من خلال كتبه السماوية المقدسة التي أنـزلها على صفيّه وحتى خليله، ومن خليله حتى حبيبه (صلوات الله وسلامه عليهم)، بين طريق الوصول إلى الكمالات والفناء في الكمال المطلق، وعرفنا كيفية السلوك للوصول إليه. كما بيّن لنا طريقه التعامل مع المؤمنين والمحبين، والملحدين والمستكبرين والأعداء، فقال عز شأنه:

 

{محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم}.

 

ونحمده كثيراً عندما جعلنا من أمة أفضل وأشرف الموجودات خاتم الأنبياء محمد (ص)، وجعلنا من أتباع القرآن المجيد أشرف وأعظم الكتب السماوية المقدسة، الحاوي على جميع الكاملات، والمحفوظ من دسائس شياطين الإنس والجن، فقد قال تعالى: {إنا نحن نـزلنا الذكر وأنا له لحافظون}. فالقرآن الذي لم يزد أو ينقص حرفاً واحداً، قد شرح تعامل الأنبياء مع المستكبرين والطغاة على مر الزمن. وقد بيّن هذا الكتاب السماوي طريقة تعامل خاتم الرسل (ص) مع المشركين، والطغاة، والمنافقين الذين كانوا على رأسهم، وهي طريقة تعامل تصلح لكل زمان ومكان وعصر ومصر.

 

وقد وجه هذا الكتاب الخالد الخطاب إلى المصلحين والقاعدين والمنافقين، حول استشهاد الشباب وفقدان الأموال والأرواح وما يلحق من خسائر أخرى أثناء أداء الجهاد، فقال تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين}. والملفت للنظر في هذه الآية الكريمة أن حكم الجهاد مذكور ـ دون بقية الأحكام الإلهية ـ بعد حب الله تعالى ورسوله (ص)، وهذا يعني أن الآية بيّنت أن الجهاد في سبيل الله يقع في مقدمة جميع الأحكام الإلهية الحافظة للأصول، وأن التقاعس عنه يجر إلى الذل والأسر وسقوط القيم الإسلامية والإنسانية، كما ويؤدي إلى الوقوع في نفس الأمور التي كان المتقاعسون يخشون منها، كقتل الكبار والصغار، وأسر الأزواج وأبناء العشيرة وما جميع هذه الأمور إلاّ نتيجة لترك الجهاد، وخاصة الجهاد الدفاعي، الذي نواجهه اليوم، قال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}. ترى أية فتنة وبلية أعظم من التي تجري على الإسلام من قبل أعدائه ـ وخاصة في هذا الزمان ـ وذلك من أجل إزالته من الأساس وإقامة حكومات ظالمة وجلب المستشارين الناهبين، وإهلاك الحرث والنسل، كالذي يجري ضد إيران وشعبها، والعراق وشعبه المظلوم خلال عدة سنوات.

 

وحمداً لله وشكراً، لا عد لهما ولا حصر، على ألطافه جل وعلا حيث رفرفت راية الإسلام المعنوية ونداؤه في جميع أنحاء العالم أثناء توجه الحجاج الإيرانيين المحترمين نحو معبد العشق ومرقد المعشوق، وهجرتهم نحو الله تعالى ورسوله، بعد أن جعلت أنظار العالم تتجه نحو دولة ولي الله الأعظم (أرواحنا لمقدمه الفداء) وزاد من غم المتربصين والمنحرفين من أصحاب النوايا السيئة الذين عمت أصداء فضيحتهم كل مكان، وخلافاً لكل أضغاث الأحلام التي كان يتخيلها هؤلاء ويبشرون بها أرباب السوء من أسيادهم والتي كانت تعد بسقوط نظام الجمهورية الإسلامية خلال ثلاثة أشهر أو سنة، فإن الجمهورية الإسلامية العزيزة اليوم، وبعد مضي عدة سنوات باتت أكثر رسوخاً وأضحى شعبها أكثر عزا وقواتها المسلحة أشد بأساً وقوة، وأصبح شعبها شيباً وشباباً أكثر عزماً وتصميماً، وباتت الحوزات العلمية ـ وبفضل المراجع العظام والعلماء الأعلام ـ أكثر تلهفاً لخدمة الإسلام، وتوثقت الأواصر والصلات بين الحوزات والجامعات، وازدادت فعالية القوات المسلحة عسكرياً، وتطورت ثقافياً وسياسياً، وأضحى الأعداء ـ الذين يعتبرون في الحقيقة أعداء الإسلام، ومعارضين لاستقلال البلاد ـ أشد ضعفاً وهزالاً، وتزلزلت عروش المستكبرين أكثر فأكثر، وانكشفت فضيحة البيت الأسود، وازداد خبط المترفين وخوفهم، فيما اتضح ما تعانيه وسائل الإعلام العالمية من فوضى تعكس حالة المترفين، ويتحتم على جميع المسلمين والمستضعفين في العالم أن يستغلوا الفرصة المتاحة، ويتكاتفوا لينقذوا أنفسهم من أسر الدول العظمى. وهناك نقاط أجد من اللازم أن أطرحها:

 

أولاً: إعلان البراءة من المشركين التي تعتبر من الأركان التوحيدية والواجبات السياسية للحج، يجب أن تقام في أيام الحج بكل صلابة وعظمة مسيرات ومظاهرات كبرى، وعلى الحجاج المحترمين، إيرانيين وغير إيرانيين، أن يشاركوا فيها بتنسيق تام مع مسؤولي الحج، ويطلقوا بجوار بيت التوحيد صرخة البراءة من مشركي وملحدي الاستكبار العالمي وعلى رأسهم أمريكا المجرمة، وألا يغفلوا عن إظهار عدائهم واستيائهم من أعداء الله وخلقه، فهل أن تحقيق الديانة هو غير إعلان المحبة والإخلاص للحق، وإعلان الغضب والبراءة من الباطل؟ فيستحيل أن يتحقق خلوص حب الموحدين بغير إظهار الاستياء تجاه المشركين والمنافقين، وأي بيت هو أفضل من الكعبة، البيت الآمن والطاهر، بيت الناس، لنبذ كل أشكال الظلم والعدوان والاستغلال والرق والدناءة واللاإنسانية قولاً وفعلاً، وتحطيم أصنام الآلهة تجديداً لميثاق {ألست بربكم} وذلك إحياءً لذكرى أهم وأكبر حركة سياسية للرسول التي عبر عنها القرآن بقوله: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر} ذلك أن سنة الرسول وإعلان البراءة لن يبليا، لأن إعلان البراءة لا يقتصر فقط على أيام ومراسم الحج، أذان على المسلمين أن يملأوا أجواء جميع أنحاء العالم بالمحبة والعشق للباري، وبالبغض والاستياء والرفض لكل أعداء الله، ويجب إلاّ يصغوا إلى وسوسة الخناسين وشهادة المشككين والجهال والمنحرفين وألا يغفلوا لحظة واحدة عن هذا النشيد التوحيدي المقدس الشامل. ولا شك أن الظالمين وأعداء الشعوب لن يقر لهم قرار بعد ذلك، وسيتشبثون بمختلف الأحابيل والألاعيب، والليبراليون والمنافقون إلى عرض فلسفات وتحاليل واستنتاجات خاطئة ومنحرفة، ويمارسون أي عمل من أجل نـزع سلاح المسلمين وتوجيه الضربة إلى قدرة وعظمة وصلابة أمة محمد (ص).

 

وقد يقول الجاهلون المتنسكون إنه يجب عدم المساس بقداسة بيت الله والكعبة المشرفة بالشعارات والمظاهرات والمسيرات وإعلان البراءة من المشركين، وإن الحج هو مكان للعبادة وذكر الله وليس ساحة للتناحر والاقتتال، وقد يعمد العلماء المزيفون المتمسكون إلى إلقاء مثل هذه الفكرة وهي أن الجهاد والبراءة من أعداء الإسلام والحرب هي من عمل أصحاب الدنيا ومحبيها، وأن التدخل في المسائل السياسية خلال أيام الحج هو ليس من شأن علماء الدين والروحانيين. وهو أمر يعتبر بحد ذاته من السياسات الاستفزازية الخفية التي يخطط لها الطامعون، وعلى المسلمين وبجميع إمكانياتهم المتوفرة أن ينهضوا من أجل التصدي لهذه المؤامرة والدفاع عن القيم الإلهية ومصالح المسلمين، ويرصوا صفوفهم الجهادية ويمارسوا دفاعهم المقدس ولا يسمحوا لهؤلاء الجهلة، الميتة قلوبهم من أتباع الشياطين، بمهاجمة عقائد وعزة المسلمين أكثر من هذا، وأن يلتحقوا من أي مكان كانوا فيه، خاصة من كعبة الله، بجنود الرحمن، وليعرج الحجاج الأعزاء من أفضل أراضي العشق والجهاد وأكثرها قدسية، إلى كعبة أكثر رفعة، حيث يتوجهوا كسيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) من إحرام الحج إلى إحرام الحرب، ومن طواف الكعبة والحرب إلى طواف صاحب البيت، ومن التوضؤ بزمزم إلى غسل الشهادة والدم، ليتحولوا إلى أمة لا تقهر وبنيان مرصوص، لا تستطيع معه القوى العظمى الشرقية والغربية، الوقوف بوجهها، ولا شك أن روح ورسالة الحج لن تتحقق إلا بعد أن يلتزم المسلمون بالجهاد مع النفس، والجهاد ضد الكفر والشرك.

 

وعلى أي حال، فإن إعلان البراءة في الحج هو تجديد العهد بالجهاد، وتربية المجاهدين لمواصلة الحرب مع الكفر والشرك وعبادة الأصنام، وهو لا يقتصر على الشعارات بل يتعداها لتعبئة وتنظيم جنود الله أمام جنود إبليس وبقية الأبالسة، والبراءة هذه تعتبر من المبادئ الأولية للتوحيد.

 

فإذا لم يعلن المسلمون البراءة من أعداء الله في بيت الناس وبيت الله، فأين يستطيعون إعلان ذلك؟ وإذا لم يكن الحرم والكعبة والمسجد والمحراب، خندقاً ومتراساً لجنود الرحمن المدافعين عن الحرم، وحرمة الأنبياء، فأين هو مأمنهم وملجأهم؟

 

إن إعلان البراءة هو المرحلة الأولى من الجهاد، ومواصلته هي من المراحل الأخرى لواجبنا، وإنه يتطلب في كل عصر وزمان مفاهيم وأساليب وبرامج خاصة. فماذا يجب فعله في عصر كهذا الذي يعرض فيه قادة الكفر والشرك كيان التوحيد للخطر، ويجعلون من كل المظاهر الوطنية والثقافية والدينية والسياسية للشعوب ألعوبة بيد أهوائهم ومطامعهم وشهواتهم؟ كما يجب الجلوس في البيوت وتحمل الشيطان وأتباعه من خلال حملات التضليل وإهانة منـزلة البشر وإلقاء روح اليأس والعجز في نفوس المسلمين، ومنع المجتمع الإسلامي من بلوغ الخلوص التي يعتبر غاية الكمال ومحط الآمال، والإيحاء بأن محاربة الأنبياء للأصنام وعبادتها تتلخص في الحجارة والأخشاب الهامدة، وأن أنبياء كإبراهيم ـ والعياذ بالله ـ كانوا السباقين لتحطيم الأصنام ولكنهم تركوا ساحة الجهاد ضد الظالمين!

 

إن تحطيم الأصنام وجهاد وحروب إبراهيم (ع) مع النمروديين وعبدة الشمس والقمر والنجوم، كلها كانت مقدمة لهجرة كبرى وإن كل تلك الهجرات، والصعاب والشدائد، والمبيت في واد غير ذي زرع، وبناء البيت، والتضحية بإسماعيل كانت مقدمة لبعثة ورسالة يكرر فيها خاتم النبيين كلام أول وآخر بناة ومؤسسي الكعبة، ويبلغ الرسالة الخالدة {إنني بريء مما تشركون}.

 

وإذا قدمنا تحليلاً غير ذلك فإنه يعني عدم وجود الأصنام وعبادتها في هذا العصر، ولكن، أي إنسان عاقل لا يدرك عبادة الأصنام الجديدة بأشكالها وأحابيلها وحيلها الخاصة، ولا يعرف هيمنة معابد الأصنام ـ كالبيت الأسود الأمريكي ـ على البلدان الإسلامية وعلى أرواح وأعراض المسلمين والعالم الثالث؟

 

إن صرخة براءتنا من المشركين والكفار، اليوم، هي صرخة البراءة من الظلم والظالمين، وصرخة أمة ضاقت ذرعاً باعتداءات الشرق والغرب وعلى رأسهم أمريكا وأذنابها، وغضبت من نهب بيتها وثرواتها.

 

إن صرخة براءتنا هي صرخة الشعب الأفغاني المظلوم، وإني لأسف لعدم استجابة الاتحاد السوفيتي لنصحي وتحذيري بشأن أفغانستان فهاجم هذا البلد الإسلامي.

 

لقد قلت مرات عديدة، وها أنا أقول اليوم أن اتركوا الشعب الأفغاني لحاله، فهو يقرر مصيره ويضمن استقلاله الحقيقي ولا يحتاج إلى ولاية الكرملين أو وصاية أميركا، ولا شك أنه لن يخض لسلطة أخرى بعد خروج العسكريين الأجانب من بلاده، وإنه سيقطع دابر أمريكا إذا ما حاولت التدخل في شؤونه أو الاعتداء على أراضيه.

 

كذلك فإن صرخة براءتنا هي صرخة الشعوب المسلمة في أفريقيا.. صرخة إخواننا وأخواتنا في الدين الذين يكتوون بسياط ظلم الظالمين العنصريين بسبب لونهم الأسود.

 

إن صرخة براءتنا هي صرخة الشعبين اللبناني والفلسطيني، وجميع الشعوب والبلدان الأخرى التي تنظر إليها القوتان العظميان الشرقية والغربية، خاصة أمريكا وإسرائيل، بعين الطمع، وتقوم بنهب ثرواتها وفرض عملائها ومرتزقتها على شعوبها وتهيمن على أراضيها من على بعد آلاف الكيلو مترات وتحتل حدودها المائية والبرية.

 

إن صرخة براءتنا هي صرخة جميع الذين لم يعد يتحملون تفرعن أمريكا وتواجدها السلطوي، ولا يريدون إن تخمد صرخة غضبتهم وتذمرهم، وتخنق في حناجرهم إلى الأبد، وعقدوا العزم على العيش حياة حرة كريمة والموت أحراراً، وأن يكونوا هم الصرخة المدوية للأجيال.

 

إن صرخة براءتنا هي صرخة الدفاع عن الشعوب والكرامات والنواميس، صرخة الدفاع عن الثروات والرساميل، إنها الصرخة المؤلمة للشعب التي مزقت قلوبها خناجر الكفر والنفاق..

 

صرخة براءتنا هي صرخة الفقر والعاقة والجياع والمحرومين الذين نهب الجشعون والقراصنة الدوليون حصيلة كد يمينهم وعرق جبينهم، أولئك الذين امتصوا دماء الشعوب الفقيرة، الفلاحين والعمال والكادحين، باسم الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية، وربطوا العصب الحيوي لاقتصاد العالم بأنفسهم، وحرموا شعوبه من استيفاء أبسط حقوقها المشروعة.

 

إن صرخة براءتنا هي صرخة أمة، يتربص الكفر والاستكبار لها ويتحين فرصة قتلها، ويصوّب نباله وحرابه نحو القرآن والعترة العظيمة، ولكن هيهات من أن تخضع أمة محمد (ص) المروي ظمأها من كوثر عاشوراء ومنتظري وراثة الصالحين، هيهات أن تخضع أمة كهذه للموت المذل أو الأسر للشرق والغرب، وهيهات من أن يسكت الخميني ويبقى ساكناً أمام اعتداءات الأشقياء والمشركين والكفار، على حرمة القرآن الكريم وعترة رسول الله (ص) وأمة محمد وأنصار إبراهيم الخليل، أو أن يبقى متفرجاً على مشاهد إذلال المسلمين وإهانتهم.

 

لقد وضعت دمى وروحي الرخيصة على الأكف في انتظار الفوز بالشهادة العظيمة في سبيل الواجب والحق وأداء فريضة الذود عن حياض المسلمين. ولتكن القدرات والقوى الكبرى وعملاؤها على ثقة بأن الخميني سيواصل طريق الجهاد ضد الكفر والظلم والشرك وعبادة الأصنام حتى لو ظل وحيداً، وسيسلب بعون الله تعالى وبمؤازرة متطوعي العالم الإسلامي والحفاة الرازحين تحت نير الغصب الدكتاتوري، النوم من أجفان السلطويين والعملاء الذين يتمادون في ممارسة الظلم والاضطهاد.

 

أجل… إن شعارنا (اللاشرقية واللاغربية) هو شعار الثورة الإسلامية المبدئي في عالم الجياع والمستضعفين والذي يجسد السياسة الحقيقية والمنهج الحقيقي لعدم انحياز الدول الإسلامية والدول التي ستقبل في المستقبل القريب، وبعون الله، الإسلام كرسالة منقذة للبشرية، ولن يتم العدول عن هذه السياسة وهذا النهج قيد أنملة. وعلى البلدان الإسلامية والشعوب المسلمة في العالم ألاّ تلهث وراء الغرب المتمثل بأوربا وأميركا، ولا تتبع الشرق المتمثل بالاتحاد السوفيتي، بل أن تكون ـ إن شاء الله ـ تابعة لله ولرسوله وإمام العصر.

 

ومن المؤكد أن تجاهل سياسة الإسلام هذه، هو بمثابة التغاضي عن هدف رسالة الإسلام، وخيانة لرسول الله وأئمة الهدى، وبالتالي ستؤدي فناء بلادنا وشعبنا، والدول الإسلامية قاطبة. ويجب ألاّ يتصور أحد أن هذا الشعار هو شعار مرحلي، بل إنها سياسة عملية مستمرة ـ أزلية ـ لشعبنا وجمهوريتنا الإسلامية وكافة المسلمين في شتى أرجاء العالم، ذلك أن الشرط للدخول في صراط الحق هو البراءة والابتعاد عن صراط الضالين، وهو شرط يجب تطبيقه على كاف المجتمعات الإسلامية وعلى جميع الأصعدة والمستويات.

 

يجب على المسلمين بعد المشاركة في مسيرة البراءة والإعلان عن التضامن مع الشعب الإيراني البطل، أن يفكروا في طرد الاستعمار من بلدانهم وأراضيهم الإسلامية، وأن يسعوا لإبعاد جند إبليس عنها، ويسعوا لتعطيل القواعد العسكرية للشرق والغرب الموجودة في بلدانهم، ويحولوا دون استغلال السلطويين لإمكاناتهم من أجل خدمة مصالحهم، ويمنعوا الإساءة إلى الدول الإسلامية. إنه لخزي ما بعده خزي، وعار ما بعده عار أن يتوغل الأجانب في المراكز السرية والعسكرية للمسلمين، يجب على المسلمين ألاّ يهابوا الضجيج والطبول الفارغة والدعايات المغرضة، إذ أن قصور الاستكبار العالمي وقدراته العسكرية والسياسية لهي أشبه ببيت العنكبوت، هشّ سهل التمزق، ولابد لمسلمي العالم أن يفكروا بتربية ومراقبة وإصلاح الحكام العملاء، وأن يوقظوهم بالنصح أو التهديد من سباتهم الذي سيفني أنفسهم ومصالح الشعوب الإسلامية على حد سواء، وأن يحذروا هؤلاء العملاء، وألاّ يغفلوا ـ هم أنفسهم ـ وبالرؤية الصائبة، عن خطر المنافقين وسماسرة الاستكبار العالمي، وألاّ يظلوا ساكنين دون رد فعل، وهم يشاهدون هزيمة الإسلام ونهب ثروات ومصالح المسلمين.

 

يجب أن تفكر الشعوب الإسلامية بإنقاذ فلسطين، وتعلن للعالم سخطها واستنكارها لمساومة واستسلام زعماء العار والعملاء الذي قضوا باسم فلسطين على قضية شعب فلسطين ومسلميها ويجب ألاّ تدع هؤلاء الخونة يسيئون بالجلوس حول مائدة المفاوضات، وتبادل الزيارات واللقاءات، إلى كرامة وسمعة الشعب الفلسطيني البطل، فلقد لجأ هؤلاء ـ أدعياء الثورة ـ العملاء الفاقدون للكرامة إلى أمريكا وإسرائيل وارتموا في أحضانهما تحت غطاء تحرير القدس. ومن الغريب أنه كلما يمر يوم على كارثة اغتصاب فلسطين الدامية، كلما أطبق صمت رؤساء الدول الإسلامية وازدادت مساومتهم لإسرائيل الغاصبة، حتى أن صرخات بيت المقدس باتت لا تصل أسماعهم، كما أنهم راحوا يشجبون حكومة وشعب أي بلد ـ كإيران المنهمكة في دحر العدوان والحصار ـ ينهض لدعم الشعب الفلسطيني ومساندته، بل إنهم يخشون من إقامة يوم باسم يوم القدس. وربما يظن هؤلاء بأن مرور الزمن قد غيّر طبيعة إسرائيل والصهيونية الخبيثة وتغاضت الذئاب الصهيونية الكاسرة وعدلت عن نواياه العدوانية والتوسعية في الأراضي من النيل إلى الفرات.

 

إن المسؤولين المحترمين لبلدنا إيران، وشعبنا برمّته والشعوب الإسلامية جمعاء، لن يدخروا وسعاً في مكافحة هذه الشجرة الخبيثة واقتلاع جذورها، ويجب بالاتكال على الله وجمع شمل المسلمين جميعاً وباعتماد قوة أمة محمد (ص) المعنوية وإمكانيات البلدان الإسلامية وتشكيل قوى المقاومة لحزب الله في شتى أرجاء المعمورة، يجب ـ وبالاعتماد على كل هذه الأمور ـ جعل إسرائيل تندم على ماضيها الإجرامي، وتحرير الأراضي المغتصبة من براثنها.

 

إنني وكما حذرت مراراً وفي سنوات ما قبل الثورة وما بعدها، أعود فأنهبّه مجدداً بخطر انتشار الغدة السرطانية الخبيثة للصهيونية في جسد الدول الإسلامية، وأعلن عن دعمي التام ودعم إيران شعباً وحكومة ومسؤولين لكل أشكال الجهاد الإسلامي للشعوب والشبان المسلمين الغيارى في سبيل تحرير القدس، وأتقدم بشكري للشبان اللبنانيين الأعزاء الذين أصبحوا مدعاة لفخر الأمة الإسلامية وجلبوا الذل والخذلان للسلطويين، وأدعو بالتوفيق والنجاح لجميع الأحبة الذين يسددون الضربات إلى إسرائيل ومصالحها داخل الأراضي المحتلة وخارجها بالاعتماد على سلاح الإيمان والجهاد. وأؤكد على أن الشعب الإيراني لن يترككم وحيدين، فاتكلوا على الله واستغلوا القوة المعنوية للمسلمين وهاجموا الأعداء بأسلحة التقوى والجهاد والصمود والمقاومة، فإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم.

 

ثانياً: بما أن الحرب هي على رأس الأمور والبرامج في بلادنا فإن السلطويين ـ وعلى أعتاب الانتصار الحاسم للشعب الإيراني على نظام العفالقة المتهرئ والمشرف على الزوال ـ يحاولون حرف أفكار الرأي العام العالمي لوصفنا ـ بعد كل اعتداءات وجرائم نظام صدام، وصمت الأوساط الدولية ـ بدعاة الحرب، ولكي لا يتأثر الأفراد غير الواعين بهذه الحربة الجديدة، ومن أجل تنوير الرأي العام، والشعوب الرازحة تحت نير الأسر، سيما حجاج بيت الله الحرام المحترمين، أرى لزاماً أن أنبّه إلى بعض النقاط.

 

إن العالم، ومنذ بداية الحرب ولحد الآن، وفي كل المراحل الدفاعية، لم يتكلم معنا بلغة العدل والحياد. ففي اليوم الذي هاجم فيه صدام ـ وحزب البعث ـ الذي كان مندفعاً بغروره وغبائه، بلدنا العزيز إيران، للقضاء على نظام الجمهورية الإسلامية الفتى، ومزق وضرب المواثيق الدولية عرض الحائط، أشرف بنفسه على الغارات الجوية والاعتداءات البرية والبحرية لجيشه والذي لم يكتف بتدمير قرية أو مدينة بل دمر عشرات المدن ومئات القرى عن بكرة أبيها، وقتل الأطفال الأبرياء في أحضان أمهاتهم، واستمر في انتهاكاته وجرائمه إلى حد بات فيه التعبير عن ذلك أمراً يبعث على الخجل… نقول عندما فعل صدام كل هذا لم يقف أحد من (دعاة السلام) بوجه صدام في ذلك الوقت، ولم يقوموا هؤلاء بردع صدام والضغط عليه لإيقافه عند حده عندما أشعل أول شرارة لتوسيع رقعة الحرب إلى جميع الدول الإسلامية والدول الواقعة على الخليج الفارسي، ولم يدافع احد منهم عن الشعبين المظلومين في إيران والعراق ويسأل صدام ـ وهو البادئ بالحرب ـ بأي ذنب يقتل أبناء الشعب الإيراني ويهجر الملايين منهم ويدمر ديارهم؟ ولم يسأل أي منهم صداماً أيضاً عن سبب تدميره لثروات الشعب الإيراني ومصانعه ومزارعه مضيعاً جهوداً بذلت خلال عشرات السنين، هل أن ذنبنا أننا إيرانيون؟ أم أننا من الفرس؟ أم أن ذنبنا هو النـزعات الحدودية الماضية؟؟

 

كلا… فليست هذه هي الأسباب. فالجميع يعرف ـ اليوم ـ أن ذنبنا الحقيقي، من وجهة نظر المستكبرين والمعتدين، هو دفاعنا عن الإسلام وإقامتنا لحكومة الجمهورية الإسلامية بدلا من النظام الشاهنشاهي الطاغوتي.. إن ذنبنا هو إحياؤنا لسنة الرسول (ص) وتطبيقنا لأحكام القرآن الكريم، ودعوتنا للوحدة بين المسلمين ـ شيعة وسنة ـ من أجل الوقوف بوجه مؤامرات الكفر العالمي.. وذنبنا أيضاً هو دفاعنا عن الشعب الفلسطيني المحروم والشعب الأفغاني والشعب اللبناني، وإغلاقنا سفارة إسرائيل في إيران وإعلاننا الحرب على هذه الغدة السرطانية والصهيونية العالمية، ووقوفنا بوجه التمييز العنصري ودفاعنا عن الأفارقة المظلومين، وإلغاؤنا للمعاهدات المذلة التي أبرمها النظام البهلوي المنحوس مع أمريكا الطامعة، وطردنا للطامعين وحثالاتهم، فهل ذنب ـ عندهم ـ أفظع من الدعوة إلى الإسلام وحاكميته، ودعوة المسلمين إلى سلوك طريق العز والاستقلال والوقوف بوجه ظلم المعتدين؟ إننا لم ندرك هذه الحقيقة خلال الحرب المفروضة فحسب، بل أدركناها منذ بداية جهادنا في الخامس عشر من خرداد [الخامس من حزيران عام 1963] وحتى [الحادي عشر من شباط عام 1979]، لقد أدركنا تماماً بأن علينا دفع الثمن باهضاً من أجل تحقيق الهدف الإسلامي الكبير، وأن نقدم ضحايا أعزاء من أجل ذلك الهدف الإلهي. وعرفنا أن الطامعين لن يتركونا وشأننا وسيباغتوننا بواسطة عملائهم من الداخل والخارج، ويريقون دماء أعزتنا في الأزقة والشوارع وعلى الحدود، وذلك أثناء دفاعنا عن الإسلام، وهذا ما وقع فعلاً حينما صرخ شعبنا في الخامس عشر من خرداد مطالباً بتحقيق حكم الإسلام، وحينما أصيب غرور واقتدار أمريكا في إيران بالهزيمة، وعندما أدركت هذه القوة العظمى مدى عظمة زعامة علماء الدين وعزم الشعب الإيراني وإرادته الفولاذية من أجل نيل حريته واستقلاله وإقامة نظام إسلامي عادل، بادرت إلى عميلها المسلوب الإرادة والخائن لوطنه محمد رضا خان وأمرته بان يخنق أصوات شعبنا المطالبة بالإسلام، وأخذت منه عهداً بالقضاء على كل من يقف بوجهها. وقد شاهدنا جميعاً كيف أن الخونة والعملاء الذين قاموا بهذه المهمة المشؤومة لم يتقاعسوا ولو للحظة واحدة، وبحجة تنفيذها، وبرفع شعار الحرية المزيف، والدعوة للوصول إلى بوابة التمدن الكبير، شاهدنا كيف أنهم صنعوا من جثث هذا الشعب جسوراً لهم، وكيف صبغوا جدران بلدنا بدماء شبابنا، من المدرسة الفيضية إلى الجامعة، ومن الجامعة إلى الأزقة والطرقات والأسواق والشوارع، ومن الشوارع إلى المساجد والمحاريب.. وفي الوقت الذي كان فيه جلادو الحكم الشاهنشاهي الجائر يقومون بتدمير وقطع شجرة الحرية الطيبة، كان المستعمرون ـ وعن طريق وسائل إعلامهم ـ يصفون نظام الشاه بالتمدن، والمسلمين الأحرار بالرجعية والعمالة، ويعتبرون شروطهم الإسلامية بأنها رجعية سوداء، فراحوا يرتكبون أبشع الجرائم ليكرروا بذلك جرائم يزيد في التاسع والعاشر من أيام محرم، وقد وصفوا بلدنا آنذاك ـ رغم كل ذلك ـ بأنه بلد الأمن والاستقرار بينما حوّلوه إلى مقابر وخرائب. وقد أعلنت يوم عودتي إلى إيران العزيزة في مقبرة "جنة الزهراء" بان الشاه قد حول البلد إلى خرائب، وعمّر مقابره، واليوم أكرر هذا الكلام ثانية؛ فالشاه قد دمر بلدنا وعمّر المقابر. فمن هو الشاه وتحت إمرة من كان يعمل؟ فلو كان يعمل ويحكم بأفكاره الفاسدة لكانت المسألة قد انتهت منذ سقوطه. ولكن من ذا الذي لا يعرف بان الشاه كان عميلاً لأمريكا، وان جميع شهدائنا وأعزائنا قد ضحوا بأنفسهم من أجل الحرية، لقد كان الشاه ينفذ مهمته التي أوكلها له أسياده واستطاع أن يثأر لأمريكا من الإسلام والمسلمين، أما العقل المدبر الأساس لهذه الحوادث ـ ونعني به أمريكا ـ فقد بقيت وراء الستار تهاب الإسلام الحقيقي وتخاف من انتفاضة الشعب الذي يتطلع إلى الحكومة الإلهية، لقد اتبعت أمريكا ـ لعدة أيام ـ سياسة الوعد والوعيد لتصورها بان الشعوبيين والمنافقين وعملائها من اليمين واليسار سيقومون بتدوير عجلة الثورة والحكومة والنظام لصالحها، فاتجهت للعمل على إحاكة المؤامرا