التاريخ: الاثنين 15/8/1357هـ ش. 5/12/1398هـ ق. 6/11/1978م. 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

التجأ الشاه إلى ذريعتين لنجاته: الخداع والسلاح. فالخداع هو تعهده بتنفيذ الدستور وأن يتدارك (أخطاءه) السابقة. فطلب من الشعب أن يوقف معارضته ويفكر بإيران، كما طلب من الآيات العظام والعلماء الأعلام أن يهدئوا الشعب[1]!

 

فهل كان ما قام به من أعمال من (خطأ) أو عمد؟ هل كانت أعماله المخالفة للإسلام، وجرائمه التي ارتكبها بحق الشعب والبلاد عن (خطأ)؟! فهل إعطاؤه النفط مثلاً لأمريكا، كان لظنه أنهم طائفة إيرانية؟ هل هذه السجون وإعمال التعذيب والقتل الجماعي التي ارتكبها كانت عن (خطأ)؟! وعلى سبيل المثال هو هجومهم على المدرسة الفيضية بأمر منه وإحراقهم المصاحف وكسرهم أيدي الشباب وأرجلهم وهدمهم الغرف، كان بسبب تصوره أن هذا المكان منطقة من روسيا أو موضع للأجانب ثم تبين أنه (خطأ)؟! أو إن هؤلاء العلماء الذي سجنوا أو قتلوا أو وضعت أرجلهم في الدهن المغلي أو بترت بالمنشار ـ كما قيل ـ وكذلك الحال بالنسبة لرجال السياسة، هل كانت هذه (أخطاء)؟! وإنه لن يرتكب مثل هذه (الأخطاء) بعد الآن! ألم يكن هو الذي أدى اليمين وتعهد في بداية تسنمه السلطة؟ فهل هذا التعهد يختلف عن ذاك التعهد؟! ليقول إن تعهده هذا لا يمكن العدول عنه!

 

فهل يريد من ارتكب كل هذه الجرائم أن ينهي الأمر بتعهد؟! والحكم على تعهده هذا ذكرني بقصة (القط والفئران) وهو كتاب قيّم وتعليمي. فقد جسّد أوضاع الملوك والطغاة أثناء تعاظم قوتهم وضعفها ووضع تحايلهم باسم كتاب (القط والفئران) حيث بسط القط في وقت من الأوقات سجادة وأخذ يصلي ويستغفر الله قائلاً بأني لن ارتكب ذنباً بعد هذا! فانخدع الفئران المساكين، فحملوا له الطعام، إذ هجم عليهم واصطاد خمسة منهم في دفعة واحدة! كان القط في البدء يصطاد واحداً واحداً، والآن اصطاد خمسة خمسة! وإن توبة هذا الرجل كتوبة ذلك القط!

 

وهؤلاء الآيات العظام والعلماء الأعلام الذين طلب منهم تهدئة الوضع، هم أنفسهم كانوا حتى الأمس (الرجعية السوداء)[2]! فقد قال نفسه: ابتعدوا عن هؤلاء الرجعيين كابتعادكم عن الحيوان النجس[3]! ولو أن العلماء الأعلام والشعب أمهلوه لاستأنف جميع (الأخطاء) من جديد! وهو الذي يقول في كلمته: (تعالوا جميعاً وفكروا بإيران)! ونحن نقول له: إنما نقول ما نقوله لأننا نفكر بإيران، ونحاربك لأنك منشأ هذه (الأخطاء) حسب زعمك و(الأعمال العمدية) حسب قولنا! والتفكير بالإسلام والمستضعفين هو الذي يدفعنا لمعارضتك، لا أننا بمعارضتنا إياك قد أعرضنا عن التفكير بإيران! فمن ينخدع بأنه (إذا لم يكن حضرته فلن تبقى إيران)؟! فمعنى قوله: ما أن يتوسد حضرته الثرى حتى لا تبقى إيران في الوجود! يا ترى كيف يفكر هذا الرجل؟! ومن يريد أن يَخدع؟! ويريد أن يقول لا إيران بعده، أي إننا نفقد إيران أخيراً، لأنه هو الذي يحافظ على إيران، فـ(لابقاء لنا) إن لم يكن حضرته! هذه إحدى الطرق التي يلتجئ إليها وهي طريق الخداع.

 

والذريعة الثانية لجوؤه إلى السلاح. فمنذ مدة ولا ملجأ له إلا الهراوات والحراب. فصراخ أهالي اصفهان كان يعلوا ويدوي (الموت للحكم البهلوي هذا) ولكنه يقول في خطابه إن أهالي اصفهان أنصار للملك!! فمنطقه ذاك هو أن الناس يحبون النظام الملكي وتربطهم علاقة ذاتية بهذا العرش! إذن فكل صراخهم وعويلهم الآن لظنهم ـ لا سمح الله ـ بسقوط الملكية! ولهذا هرعوا إلى الشوارع وملؤوها صراخاً!!

 

لقد لجأ الى الهراوات والحراب ولم يفد ذلك شيئاً، أي ذلك الحكم العرفي الذي من قوانينه أن لا يجتمع أكثر من اثنين، وإذا اجتمعوا فسيكون ما يكون، فقد تحرك بعد ذلك الإعلان (عن الأحكام العرفية) مائة ألف، ثلاثمائة ألف وهتفوا بما يريدونه! ولم يستطع الحكم العرفي أن يؤثر في الناس. فلا يمكن الوقوف بوجه الشعب الذي وضع روحه على راحته بواسطة الأحكام العرفية! أيفعل السلاح أكثر من قتل الإنسان الناس؟ يقولون أيضاً نريد أن يقتلونا! إن هذه الحلول عن حماقة! مرة يأتون بحكومة (المصالحة)! والآن أعلنوا الأحكام العرفية! ألم تكن الأحكام العرفية نافذة قبل هذا؟! لقد تعود الناس على ذلك. كان هذا في وقت ما شيئاً جديداً، ففي الأيام الماضية عند ما كان الناس لا يعلمون من هذه الأمور شيئاً، إذا كان يدخل عسكري السوق، وحتى إذا كان ضابطاً بسيطاً بنجمتين، فيا للمصيبة! فكان يقوم بما يريد من عمل وشرّ وليس هناك من يقول له لا تفعل! أما الآن فإذا جاء (الشاه) بنفسه الى الساحة فسوف يقطعونه إرباً إرباً! فليس اليوم كالأمس، لقد تغير الناس، ولا يخشون شيئاً، وهذه ذرائع لا فائدة منها!

 

وقد جاء في إحدى الصحف السوفيتية ـ كما كرر ذلك أحد أصدقاء الشاه الأمريكيين ـ أن هؤلاء العلماء الذين يعارضون الشاه قد أضرّ بهم (الإصلاح الزراعي)! هذا خطأ، لأن وضع العلماء اليوم أحسن مائة مرة من الوقت الذي لم يكن فيه (الإصلاح الزراعي)! ولم يتغير أي شيء فيهم كي يعارضوا من أجله. فلو لم تبق كلمتهم مسموعة كما كانت، فكيف يتوسل بهم ويقول (أيها المراجع العظام، أيها العلماء الأعلام، تعالوا وارشدوا الناس)! وفي بداية الأمر عندما كان يجيب على رسائل المراجع كان يكتب: (عليكم بهداية العامة من الناس)! أي ليس لكم الحق في التدخل في أمور الدولة! ينبغي القول له نحن أرشدنا عامة الناس والآن هم مهتدون وكنت نائماًَ! لقد أرشدوا، والآن وقد أرشدوا يتوسل إليهم أن (اذهبوا وحافظوا عليّ وفكّروا في إيران)! لا فائدة إلا لكلمة واحدة وهي: يجب إلغاء هذا النظام! وأن ترفع دول أمريكا والسوفيت وإنجلترا ـ التي تستفيد مجانياً من ثروات إيران ـ يدها عن إيران! فنحن لا نريد أن نقطع النفط عنهم ليتشبثوا بهذا الشكل! بل نريد أن يكون نفطنا تحت تصرفنا، ونبيع منه الكمية التي نريد، وأيّ نظام سيأتي يريد أن يبيع نفطه، ولكن لا بهذه الصورة! إننا نخالف السلب والنهب، لا بيع النفط بسعره المناسب! نبيعه بسعره ونأخذ ثمنه بالعملة الصعبة. فهم يستخرجون نفطنا بأكثر من الحاجة، ولا يأخذون نقوداً أيضاً، فإما أن يأخذوا بعض قطع حديد قُراضة أو الطائرات بأسعار خيالية! وما يأخذونه من مال لا ينفق على الشعب! لاحظوا قرى خوزستان، يعلم الله أن وضعها مؤسف! لقد ذهبت لزيارة العتبات المقدسة قبل عدة سنوات عن طريق خوزستان، فالشط الذي يمكن أن تكون فيه ملاحة موجود هناك والأراضي الواسعة على مد النظر متروكة لا زراعة فيها والماء يذهب سدى! وقد كتبت جرائدهم في حينه لا يوجد ماء كاف لينظف الأطفال به عيونهم المصابة بالتراخوما، ولهذا فإنهم يعالجونها بالبول! ففي خوزستان لا يوجد لكل عشر أو عشرين قرية مستوصف واحد ولا طبيب واحد! هذه هي (الحضارة الكبرى)؟!

 

يسأل هؤلاء الصحفيون باستمرار لماذا تعادي الشاه؟! حسناً، اسألوا الشعب، اسألوا صراخ الصغار والكبار وهؤلاء لماذا تعادون الشاه؟! هل هناك بينهم وبين الشاه عداء شخصي؟ ثلاثون مليوناً لهم عداء شخصي؟!

 

لم يُبق الشاه طريقاً للمصالحة، ولذلك يجب إلغاء هذا النظام! وإذا قال عالم دين أو سياسي أو تاجر أو جامعي صالحوا هذا النظام، فإن الناس يعتبرونه خائناً! ماذا نسامح؟! أهذا أمر قابل للمسامحة؟! لقد قتل هذا الرجل أطفالنا وشبابنا وضيّع بلادنا فما نسامح؟! وماذا يكون من الآن فصاعداً. لقد أجلس الأهالي في مآتم قتلاهم، والآن نقول بسم الله الرحمن الرحيم، انتهت القضية! (سامحوني لقد أخطأت)! هل في العالم من يقبل هذا الكلام؟! لمن يقول هذا الكلام؟! هذا هو السبيل ومن يفكر بغير ذلك فهو خائن للشعب والإسلام! فإذا أمهلتموه فلن يبقى لكم إسلام ولا بلد! فلا تمهلوه وضيقوا عليه الخناق حتى يختنق! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

ــــــــــ

 

المصدر: كتاب مختارات من أحاديث وخطابات الإمام الخميني رقم: 55.

 

[1] اقرّ الشاه بعض أخطائه وأبدى أسفه وندمه عمّا مضى في كلمة ألقاها يوم 15/ 8/1357(عند إعلانه من تشكيل وزارة المشير أزهاري العسكرية) واستنجد علماء الدين بعجز لتهدئة الناس. وأبدى الخضوع إلى حدّ استخدم ضمير (أنا) عن نفسه بدل (نحن) على خلاف السنة الجارية عند الملوك منذ قرون متمادية!

 

[2] كان الشاه ومنذ سنة 1341هـ.ش ـ 1962م يكنّي علماء الدين بـ(الرجعية السوداء) في بعض خطاباته وكلماته.

 

[3] إشارة الى كلمات الشاه التي ألقاها في مدينة كرمان يوم 6/3/1342هـ.ش ـ 27/5/1963م.