بناء الذات أوَّل الواجبات

(مقتطف من كلمة للإمام الخامنئي (دام ظله) ألقاها في 30/4/2008).‏

إن التقوى والورع وبناء الذات أول واجباتنا. فلو نظمنا لائحة بمسؤولياتنا لكان "بناء الذات" على رأس هذه اللائحة. علينا بالدرجة الأولى أن نهتم لأنفسنا ونعزّز بنيتنا المعنوية والدينية، صاحب البنية المعنوية القوية يستطيع حمل الأعباء الثقيلة على عاتقه، أما الذي يعيش مشكلة مع نفسه فلن يستطيع حمل الأعباء الجسيمة.‏

* أيها الشباب... إننا في محضر الله:‏

أيها الشباب، اعرفوا قدر شبابكم بعمق. قلوبكم الطاهرة غير الملوثة تستطيع اليوم أن تصنع منكم شخصيات يبقى سراج المعنوية متّقداً فيها على مر الزمن، فلا يستطيع أي شيء إطفاء ضيائها وتألقها، هذا هو درسنا الأول؛ درسنا الأول التوجه إلى الله واستذكار أنّنا في محضر الله. هذه مهمة سهلة بالنسبة للشاب، عليكم معرفة قدرة فترة الشباب هذه. من أهم مصاديق معرفة قدر الشباب هو: اجتناب الذنوب، ومواطن الشبهة، والذكر المستمر. ولقد وفّر الله تعالى لنا أدوات الذكر، وأهمها الصلاة، هذه الصلوات الخمس التي أوجبها الله علينا هي من أعظم نعم الله علينا، لولا الصلاة لغرقنا في الغفلة. الصلاة التي أوجبت علينا كفريضة تخرجنا من حيز الغفلة، أداء الصلاة بشكل جيد وبحضور قلب يعدّ بحد ذاته حدّ نصاب لصناعة الإنسان، وكذلك تلاوة القرآن والاستئناس به، لأن التلاوة الجيدة تزيد من جاذبية القرآن وتقرّب القلوب إليه وتذكّر الإنسان بالقرآن. يذكر السيد القاضي(1) (رضوان الله عليه) هذه النقطة في التوصيات التي تركها بشكل مكتوب لبعض تلاميذه، يوصي بقراءة القرآن بلحن عذب عند قيام الأسحار. هذه توصية رجل روحاني معنوي كالمرحوم الحاج ميرزا علي القاضي. وهناك الأنس والارتباط بالصحيفة السجادية، فالأنس بالدعاء عالم فسيح من المعرفة. لا شك أنّ العلم الديني من الأمور التي تقع في صدر قائمة العلوم، بحاجة للاطلاع على الدين والمعارف الدينية.‏

* أوصي بقراءة كتب الشهيد مطهري:‏

المرحوم الشهيد مطهري كان نموذجاً للشخص العالم بمعارف الدين... انظروا إلى ما تركه الشهيد مطهري خلال فترة حياته التي لم تكن طويلة جداً، وسترون كم تلطّف الله بهذا الرجل وكم رزقه رزقاً وافراً واسعاً من فضله.‏

أوصي جميع الشباب توصية أكيدة بقراءة دورة كاملة من كتب المرحوم مطهري. كلام مطهري كلام جديد. حقائق الدين ومعارفه وتمحيص جوانب من المعارف والعقائد نحتاج إليها اليوم كما كنّا يوم طرحها لأول مرة.‏

أيضاً نحن اليوم بحاجة إلى المعارف العقلية، هذه المعارف أيضاً ضرورية إلى جانبه... علوم الدين... ادرسوا ما استطعتم أيها الطلاب الشباب... فكروا وزيدوا من رصيدكم.‏

* اعرفوا الداء، الحدث والواقع:‏

ينبغي العلم بالمعارف الدينية وفهمها وطرحها طبقاً لمنطق العصر... منطق العصر ولغة العصر... بمجرد أن نقول تكلموا بلغة العصر ينصرف ذهن البعض إلى الانترنت؛ يجب أن نتحدث بالانترنت؛ يجب أن نتقن اللغة الأجنبية الفلانية. هذه أمور ضرورية طبعاً لكنها أدوات؛ ليس هذا معنى منطق العصر ولغة العصر. معناه أن تنظروا ما الذي يفعله المناخ الخارجي والأمواج المختلفة بذهنية مخاطبكم. معناه أن تعرفوا الداء والحَدَث والواقع، وعندها تتوجهون نحو العلاج. اقرأوا وفكّروا ما استطعتم... هذه ممارسة ضرورية.‏

* متابعة السياسة العالمية:‏

وتأتي في رأس اللائحة أيضاً النظرة الصائبة للسياسة العالمية والتيارات السياسية في العالم. يجب أن تعرفوا أين يقع خندقكم، وما هي ومَنْ هي الجبهة المقابلة؟ من دون المعرفة بالسياسة العالمية والتيارات السياسية في العالم ـ ومثالها التيارات السياسية في بلادنا وبيئتنا ـ لا نستطيع أن ندرك أين هي مواطن الضلال وأين هي مواطن الهداية. الموطن الرئيس لإضلال البشر في العالم ودفعهم للخطيئة والفحشاء والظلم والحروب وقتل إخوتهم البشر هي السياسة التي تسود العالم. لا أن هذه السياسات وليدة اليوم، بل لقد كانت موجودة في العالم دوماً، لكن القوى التي تريد العالم كله لها وتروم السيطرة على العالم وكل جوانب الحياة البشرية تهيمن اليوم أكثر من السابق بفضل أدواتها ووسائلها الحديثة.‏

لذلك تلاحظون كل هذا التشديد على الاستكبار ـ الاستكبار العالمي ـ في شعارات إمامنا الجليل وشعارات الجمهورية الإسلامية. وحينما يرفع بلد راية مواجهة هذا النظام ـ باسم الدين، والإسلام، والمعنوية ـ ينهالون عليه بشدة.‏

* المؤمن كيّس:‏

المعيار الأساس هو أن نستلهم الإسلام بوضوح ووعي ونعبر عنه بشجاعة، ونسير نحو الهدف بحكمة وتدبير. التدبير ضروري ولكن ينبغي عدم خلطه بالهدف. يجب عدم الخلط بين التدبير وبين تضييع الهدف وتحطيم الأطر، فإنّ البعض يتصور أنّ التدبير هو الابتعاد عن الأصول والأطر الرئيسية والمؤشرات المبدئية.. هذا هو عدم التدبير بعينه؛ وهو الذوبان في معدة توسع الأعداء الطامعين. ينبغي أن يكون الهدف محدداً، ويجب متابعته بحسم وجزم. لا بد أن يتحرك الإنسان في هذا المسار بتدبير "المؤمن كيّس".. إنه متفطّن لما حوله. وهذا بدوره من مصاديق التقوى: أن يحذر الإنسان من الوقوع في شراك العدو، ومن أن يؤخذ على حين غرة، ويكون عرضة لغارات الأعداء، هذا هو الوعي، هذا هو الركن الثالث أو المادة الثالثة من المواد المكلفون نحن بها اليوم: أن نعزز مشاعر التقوى في داخلنا، ونطور أذهاننا وعقولنا بالعلم، ولا نكتفي بالتعلم في حيز الدراسة العلمية، إنما نمارس الإنتاج والاجتهاد أيضاً. ليتعلم طالب العلم منذ البداية أن يطلب الدليل على ما يسمعه حتى لو سمعه في الدرس، فيستقبل الدليل في ذهنه ويحلله.‏

القراءة ليست ملاكاً، إنما العلم هو الملاك. ثم يأتي دور الوعي، ومعرفة الساحة، ومعرفة الواجبات.‏

نستطيع أن نتقدم نحو العدالة، والمعنوية، والأخلاق، وتطبيق أحكام الإسلام إذا كان لدينا شباب أقوياء، علماء، متقون، شجعان، واعون. حاذروا من أن تنحرف بكم الحوافز الصغيرة عن هذا الهدف الكبير.‏

 

ــــــــــــــــــ

 

(1) كان من كبار علماء الأخلاق وأساتذته في حوزة النجف الأشرف ومن أساتذة العلامة الطباطبائي (صاحب تفسير الميزان).‏