الشباب في توجيهات الإمام الخامنئي
أهمية الشباب الاهتمام بفترة الشباب
الشباب ظاهرة متألقة وفصل لا بديل ولا نظير له في حياة كل إنسان.
أي بلد يهتم بقضايا الشباب كما هو حقها سيحقق نجاحات كبيرة في طريق التقدم. الشباب – هذه المرحلة المتألقة المشرقة – ومع أنها ليست فترة طويلة جداً، لكن آثارها آثار باقية طويلة علی امتداد حياة الإنسان.
كما أن أجسام الشباب تتمتع بالنشاط والطراوة والقوة كذلك تتحلی أرواحهم بالنشاط والحيوية. خلق الله تعالی هذا الكائن بكل ما له من قدرات وبكل قواه العقلية والجسمية والعصبية وطاقاته غير المعروفة ليستفيد من هذه الطبيعة ومن مواهبها وغذائها ومنامنها، ومن هذه الدنيا المادية عموماً كوسيلة للوصول إلی مقامات القرب الإلهي.
النزعة الشبابية في الإسلام
أوصی الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بالشباب، وكان يستأنس بهم ويستخدم طاقاتهم للأعمال الكبيرة. كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) خلال فترة شبابه في مكة عنصراً مضحياً وذكياً وشاباً نشيطاً ورائداً وسباقاً. كان يرفع العقبات الكبرى عن طريق الرسول في كافة الميادين. في ميادين الخطر كان يتقدم مضحياً ويتولی أصعب المهام والأعمال. وفر بتضحيته إمكانية هجرة الرسول إلی المدينة، ثم كان خلال العهد المدني قائداً عسكرياً وزعيماً للمجاميع الناشطة والعالمة والفتية والمضحية. في ساحة الحرب كان جندياً شجاعاً وقائداً مقداماً. وعلی مستوی الحكم كان شخصية كفوءة.
وعلی صعيد القضايا الاجتماعية أيضاً كان شاباً متقدماً بكل معنی الكلمة. استفاد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) خلال فترة حكومته التي استمرت عشرة أعوام وعدة أشهر لا من شخصية كالإمام علي فقط بل من كل العناصر والطاقات الشابة إلی أقصی حدّ ممكن.
رصيد تقدم الشعوب
عدد الشباب ونسبتهم إلی كل سكان إيران ظاهرة مدهشة. أكثر من نصف سكان إيران اليوم هم دون سن الثلاثين. الشيء النادر الذي حصل هو أن البلد الذي يعد من أشبّ البلدان في العالم جرّب واحدة من أكبر الثورات في التاريخ، وأشب الثورات في العالم، وأكثر الأنظمة السياسية استقلالاً في العالم كله. إنه اقتران مدهش. هذا العدد الهائل من الشباب لا يعيشون في بلد نظامه السياسي تابع لأمريكا والشركات المالية الكبرى في العالم والشركات متعددة الجنسيات أو البلد الفلاني أو السياسة الفلانية، إنما يعيشون في بلد نظامه السياسي ينزع نحو الشباب. الشاب ميّال إلی الاستقلال. الشاب بطبيعته يرفع رأسه إلی الأعلى ولا يرغب أن يكون أسيراً وتابعاً. النظام السياسي القائم في إيران اليوم نظام يرفع رأسه ولا ينكسه أمام أي كان، ولم يهب للحظة واحدة الأسلحة والتهديدات الأمريكية ولا التهديدات الأخرى طوال هذه الأعوام. بلد إيران أمام ثورة جديدة وشابة لذلك فهو بحاجة إلی سرعة في الأعمال والإنجازات تصحبها برمجة صحيحة باتجاه بناء الذات والتقدم حتى يستطيع تقصير ألسنة الأعداء وفرض وجوده عليهم جميعاً سواء من الناحية العلمية أو العملية.
الخصائص المثيرة للإعجاب لدی الشاب
الشاب يقبل الحق بسهولة. وهذه نقطة علی جانب كبير من الأهمية. الشاب يعترض بسهولة وصدق ومن دون هموم وتشويش، ويعمل من دون أية تقييدات داخلية.
وهذه أيضاً نقطة علی جانب كبير من الأهمية. ضعوا التقبل السهل والاعتراض الصادق والعمل والمبادرة الخالية من الهموم والتشويش إلی جانب بعضها ولاحظوا أية حقيقة جميلة سوف تتجلی وأي مفتاح لحل المشكلات سيظهر.
الشاب بطبيعته يطلب الإصلاح. وهو يطالب بالعدالة بشكل طبيعي وكذلك بالحريات المشروعة وتحقيق المبادئ الإسلامية. الحقائق والمبادئ الإسلامية تثيره وتجذبه. الصورة المنطبعة في ذهنه عن الإمام علي (عليه السلام) تثيره وتبعث فيه الهياج، وتراه يقارن النواقص الموجودة به ويطالب بالإصلاح. هذه خصيصة جد بارزة.
من النقاط المثيرة للإعجاب لدی الشباب الطاقة والقدرة والابتكار والحيوية والنشاط في كيان الشاب. هل يكسب الشاب هذه المميزات؟ لا، لا يبذل الشاب جهوداً معينة من أجل التحلي بمميزات طلب الحق والتوفر علی الطاقة والقوة والحيوية والهمّة. هذه مرحلة طبيعية من العمر والحياة. وإذن فهي موهبة وثمة قبالها واجب ومسؤولية.
الشباب ومسؤولية المدراء
ليس الآباء والأمهات هم فقط من لديهم شباب، فمسؤلوا التعليم والمسؤولون السياسيون والمخططون والمبرمجون الاقتصاديون للبلاد كلهم من الذين لديهم شباب ومسؤولين عن الشباب. شباب البلد أبناء مسؤولي البلد ومدرائه. إذا سادت روح الأبوة والبنوّة بين مسؤولي البلاد والشريحة الشابة فسوف يصار إلی معالجة العديد من مشكلات الشباب. بعض المشكلات قد لا يمكن معالجتها علی الأمد القصير، بيد أن توعية جيل الشباب والشريحة الشبابية والانتفاع من مساعداتهم بوسعها تعويض هذه النقيصة.
العدد الهائل من الشباب في البلد نهر زاخر مواج بالفيوض. إنه نهر يجري باستمرار وسيبقی يجري بعد الآن أيضاً لسنوات عديدة. يمكن التعامل مع هذا النهر بطريقتين:
الطريقة الأولی هي أن يعرف المسؤولون أهمية هذا النهر بأسلوب عقلاني وواع وعلمي، هذا أولاً وثانياً أن يتعرفوا علی المناطق والمراكز التي تحتاج إلی مياه هذا النهر. وثالثاً أن يخططوا ويحفروا القنوات لتوجيه المياه إلی حيث الحاجة. وعندها ستخضر آلاف المزارع والحقول بفضل هذه النعمة الإلهية السخية وسوف تعمر كل النقاط والمناطق الخربة. يمكن توجيه هذا النهر الزاخر إلی ما خلف السدود المنتجة للطاقة، وخلق مصدر هائل للطاقة، وحضّ البلاد برمتها علی النشاط والجهد. إذا جری التعاطي مع هذا الموضوع بهذه الصورة عندئذ ستكون هذه الظاهرة ظاهرة مباركة نادرة واستثنائية، لو شكر كل واحد من الناس الله عليها مائة مرة كل يوم لم يوفوا حقوق الشكر اللازمة اللائقة. السمة المميزة لهذا اللون من التعاطي هي البرمجة والتوجيه، وفتح الطرق، وتشخيص مواطن الحاجة، ووضع هذه الهدية الإلهية في موضع الحاجة بشكل دقيق، وستكون النتيجة الاخضرار والنبات والنماء والعمران والحيوية والبركة.
والنوع الآخر من التعامل هو أن يترك المسؤولون هذا النهر الفياض المتموج لحاله دون أي اهتمام، ولا يفكروا فيه، ولا يبرمجوا له، ولا يعرفوا قدره، فتكون النتيجة لا جفاف المزارع ودمار الحقول فحسب، بل سوف يذهب هذا الماء نفسه هدراً. وفي أفضل الأحوال ستصب مياه هذا النهر في المياه المالحة وتفسد. والحال الثانية هي أن تتحول إلی برك آسنة ومستنقعات تتجمع فيها أنواع الآفات. والشكل الأسوأ هو أن تتبدل إلی سيول تخرب كل مكتسبات الشعب. إذا لم تحصل البرمجة والدقة والعمل اللازم فسوف تترتب علی ذلك مثل هذه النتائج.
مسؤوليات الشباب الاجتماعية بناء الذات علی كافة الأبعاد
بناء الذات علمياً وأخلاقياً وجسمياً مطالبات يجب أن نطلبها من الشباب، والشاب نفسه بحاجة إلی مثل هذا البناء الذاتي. علی الشاب أن يتخذ قراره في أن يبذر بذوره في أرضه ويستفيد من مخزونه وثروته الثقافية ويستخدم إرادته ويقيم وزناً وقيمة لشخصيته واستقلاله ولا يطالب بلبوس مستعارة ولا يلهث وراء تقليد النماذج الأجنبية واستعارتها.
لا يبحث الشباب عن التقليد، وليفكروا في الأساليب والسبل التي تقوي أذهانهم وإراداتهم وإيمانهم وتطهر أخلاقهم وتحليها. عندئذ سيكون الشاب عنصر كمثل العمود الذي ينهض عليه سقف المدنية في هذا البلد والحضارة الحقيقية لهذا الشعب.
الشعور الواعي بالمسؤولية
المهم بالنسبة للشباب هو الشعور الواعي بالمسؤولية. الشاب يطفح بالقوة ويمتاز بحساسية أكبر وأرهف. الشعور بالمسؤولية هو أن الإنسان كما يفكر بالحياة والمعيشة والشغل والزواج وكل شيء يتعلق بنفسه، يكون ممن يشعرون بالمسؤولية تجاه الأهداف التي تتجاوزه وتتعداه.. الأهداف التي لا تتحدد به هو نفسه بل تتعلق بالمجموع وبالشعب وبالتاريخ وبالبشرية.
علی الإنسان أن يشعر بالواجب والالتزام والمسؤولية حيال هذه الأهداف أيضاً. ما من إنسان وما من مجتمع يمكن أن يصل إلی قمم السعادة الرفيعة من دون هذا الشعور بالالتزام. ويجب أن يكون هذا الشعور بالمسؤولية والالتزام واعياً. يجب أن يعلم الفرد عن ماذا يبحث وما هي عقبات الطريق. هذا هو الشعور الواعي بالمسؤولية.
حساسية الشاب تجاه المجتمع
الشاب حساس مقابل قضايا مجتمعه. في المجتمع – أي جميع المناخات الموجودة التي تحيط الشاب – إذا كان ثمة تمييز فسوف ينزعج الشاب ويتألم وإذا كان في البيت تمييز فسوف ينزعج الشاب أيضاً. وإذا كان ثمة تمييز في المدرسة أو الصف يتألم الشاب ويمتعض. البعض يفقدون حساسيتهم إزاء هذه الآفات الاجتماعية أو ينغمرون في حياتهم الشخصية أو يتعودون علی هذه السلبيات من كثرة ما يشاهدونها. لكن الشاب ليس علی هذه الشاكلة. الشاب مثالي ومبدئي. إذا لم تتوفر العدالة في المجتمع وإذا كان فيه تمييز يمتعض الشاب، وإذا شاع الفساد في المجتمع سوف يمتعض الشاب الذي يفكر في عزة بلاده يقيناً. وإذا افتقدت الحالة الملحمية والحماسية والهياج الوطني فهناك يتحسّس الشباب. في الحرب المفروضة كان الشباب يتدفقون علی الجبهات جماعات جماعات بإشارة واحدة من الإمام الخميني (رضوان الله عليه) وبطلب بسيط من الجبهات إذ كانوا يعلمون يقيناً أن ثمة خطراً يداهم البلاد. هكذا هو الشاب في كل المجتمعات. ولكن في المجتمعات التي تشيع فيها حالات الإيمان والقيم المعنوية تزداد هذه الظاهرة طبعاً. في كل المجتمعات حينما تكون القضية قضية الدفاع عن البلاد والدفاع عن الكبرياء الوطني والمنافحة عن عزة البلاد وحريتها يتقدم الشباب متطوعين ويبادرون ويرمون بأنفسهم في سوح الأخطار دون تفكير بهموم الحياة أو راحتهم.
السعي للتفكير والتدبر
من الأمور اللازمة للشاب المناضل هو الدراسة والتعلم ومكافحة الكسل وضعف الإرادة وهشاشة القدرة علی اتخاذ القرارات والإعراض عن الدراسة وعن السعي للتفكير والتأمل. ليتعود الشباب علی التفكير في المسائل والقضايا المختلفة. من أعظم الأخطار التي تهدد كل إنسان – وخصوصاً الجيل الشاب – هو أن يبتلی بعدم القدرة علی التفكير والتشخيص حيال الأحداث والوقائع والظواهر في المجتمع. واجب توجيه أفكار الشباب وهدايتها واجب كبير وهناك من يأخذون علی عاتقهم القيام بهذا الواجب، ولكن واجب الشباب في المقابل هو أن يفكروا في القضايا ويسيروا في الدرب بهدي من الفكر والتدبر. ليعوِّد الشباب أنفسهم علی التفكير والدراسة والتقييم في أية حادثة صغرت أم كبرت. إذا كان الإنسان من أهل التفكير وعوَّد نفسه علی التفكير سيستفيد من استشارات الآخرين أيضاً. من العوامل التي تمنع التفكير الغرق في لجج الفساد والقنوط. لذلك كان من المعارك الكبرى التي يخوضها الشباب المعركة ضد اليأس والقنوط وعوامل الفساد.
العقبات والتحديات أمام جيل الشباب الهموم الفردية للشاب
الشاب يفكر بالدرجة الأولی في دراسته وعمله وشغله ومستقبله. تأمين المستقبل ووضوحه من الأمور المهمة بالنسبة للشاب. ومن المهم بالنسبة له تشكيل العائلة والوصول إلی مراتب جيدة من المعرفة العلمية بقدر همته. ومن المهم بالنسبة له الميل للهياج والفرح والبهجة. والأمور ذات الصلة بالشعور بالجمال لدی الإنسان قوية لدی الشاب. والأمور المتعلقة بالمشاعر والعواطف الإنسانية وقادة متفجرة لدی الشاب. هذه هي الأمور الشخصية للشاب. لكن هموم الشاب لا تنحصر بها.
هموم المعنوية
من هموم الشباب هم المعنوية وهذا هو الشيء الذي ينبغي أن يحظی باهتمام المخططين والمبرمجين. ثمة روح عرفانية ودينية عامة يعيشها الإنسان خلال فترة الشباب. يريد الشباب أن يكونوا علی صلة بالله وبقطب المعنوية والحقيقة، لذلك يشاركون في الاجتماعات والجلسات الدينية الشائقة، وأينما يفصح الدين عن نفسه بصورة لا تخلو من الروح يتجمع الشباب هناك. طبعاً في الكثير من الأديان في البلدان المختلفة من العالم لا ترشح من الدين روح ولا معنوية ولا حقيقة، لذلك لا يكترث الشباب ولا ينظرون له. لكن في المجتمع الذي يكون للدين فيه معناه وروحه ومفهومه ومعرفة يعرضها علی الشباب، وتكون فيه حيوية روحية ومعنوية يسبغها علی الشباب، ينشدّ الشباب إلی الدين ويعشقونه.
العبادة غسل لقلب الإنسان وروحه. العبادة جوهرة جد ثمينة وقيمة للإنسان. الذين لا تهبط رؤوسهم للسجود للحق ليس بوسعهم الإحساس بلذة المعنوية. الأنس بالله والتناجي معه وبثه الأسرار وطلب الحاجات منه وبث الشكوى له وطرح المطاليب والحوائج عليه تعالی – وهو الغني المطلق – وطلب العون منه في الطريق لبلوغ المثل والأهداف، هذه كلها تحصل للإنسان في إطار العبادة. وأفضل العبّاد تجدهم بين الشباب. عبادة الشاب أكثر حماساً وحيوية ومعنوية، ودعاؤه أقرب للاستجابة.
الحاجة إلی اكتشاف الهوية والمواهب
للإنسان في فترة شبابه وخصوصاً في مستهل الشباب ميوله ودوافعه الخاصة.
أولاً: لأنه في حال تكوين هويته الجديدة لذلك يميل إلی أن يعترف الآخرون بشخصيته الجديدة وغالباً ما لا يحدث ذلك، فلا يعترف الآباء والأمهات بالشاب في هويته وشخصيته الجديدة. ثانياً: للشاب مشاعره ودوافعه. وله نموه الجسماني والروحي وهو يضع أقدامه في عالم جديد عادة ما لا يكون للمحيطين به ولعائلته ولأفراد المجتمع اطلاع عليه أو أنهم لا يكترثون لهذا العالم الجديد. لذلك يشعر الشاب بالتوحد والغربة. كبار السن يتذكرون فترة شبابهم. الشاب خلال فترة الشباب – سواء في بداية البلوغ أو بعد ذلك – يواجه الكثير من الأمور التي يجهلها، وتطرح عليه العديد من القضايا الجديدة المثيرة للاستفهام والنقاش. وتنقدح في ذهنه شبهات واستفهامات يرغب أن يجد إجابات لها، وفي الكثير من الأحيان لا يجد الإجابات الوافية الشافية في الوقت المناسب، لذا يشعر الشاب بالفراغ والغموض.
ثالثاً: يشعر الشاب أن لديه طاقة متراكمة وقدرات جسمانية وفكرية وذهنية. والحق أن القدرات الموجودة لدی الشاب يمكنها صناعة المعجزات وتحريك الجبال من أماكنها. لكن الشاب يشعر أن طاقاته وقدراته المتراكمة هذه تهذب هدراً ولا يستفاد منها، وهكذا تراه يشعر بالعبث والإهمال.
رابعاً: يواجه الشاب لأول مرة عالماً كبيراً في فترة الشباب لم يكن قد جربه من قبل وهو لا يعلم عنه الشيء الكثير. تقع له العديد من أحداث الحياة لا يدري ماذا يجب أن يكون موقفه منها. يشعر أنه بحاجة إلی مرشد ومساعد فكري، وحيث أن الآباء والأمهات غالباً ما يعملون خارج البيت، لذلك لا يساعدون أبناءهم الشباب ولا يعاضدونهم فكرياً. والمراكز المسؤولة عن هذه الأمور عادة ما لا تتواجد عند الحاجة وفي لحظات اللزوم. وهكذا لا يقدم للشاب هذا العون وتنتابه مشاعر عدم وجود ملاذ وملجأ يؤوي إليه.
التعامل المنطقي والبرهاني مع الشاب
يرغب الشاب في أن تشرح له المفاهيم الدينية. يميل الشاب اليوم إلی أن يكتسب دينه بالأدلة والبراهين والمعرفة والنظر النيّر المشرق. هذا مطلب صحيح وفي محله. إنه مطلب يعلمه الدين نفسه لأتباعه. يعلمنا القرآن بأنه يجب علينا التعامل مع المفاهيم الإسلامية بتفكر وتعمق وتدبر وفهم ووضوح. المسؤولون إذا استطاعوا إشاعة هذا الوضوح لدی الجيل الشاب سيرون أن الشاب منسجم ومستأنس تماماً مع التعبد والتدين والعمل وفقاً لأحكام الدين.
المشاعر الجنسية
قضية المشاعر الجنسية لدی الشاب همّ يمكن للتأسيس المبكر للعائلة أن يزيله. حول زواج الشباب اعتقد أنه لو جرى تحاشي التشريفات والأمور الزائدة في الزواج – الشائعة بين الناس اليوم للأسف – لأمكن للشباب أن يتزوجوا عند حاجتهم الشبابية للزواج. سن الشباب سن مناسب جداً لتشكيل العائلة. للأسف التقليد الأعمى للثقافة الغربية أوجد في الماضي بعض العادات المغلوطة بين العوائل فحواها أنه يجب تأخير سن الزواج، والحال أن المسألة ليست كذلك في الإسلام. في الإسلام الأفضل أن يكون سن الزواج أقرب ما يمكن من بداية الشباب.
الغزو الثقافي
الغزو الثقافي اليوم قضية جادة جداً بالنظر لاستخدام أدوات وتقنيات اتصالاتية جديدة فيها. ثمة المئات من الوسائل والمنافذ الإعلامية إلی أفكار الشباب والأحداث. إنهم يستخدمون مختلف الأساليب التلفزيونية والإذاعية والكومبيوترية وما إلی ذلك ويحشونها باستمرار بالأفكار والشبهات. مثلاً حينما أراد الأوربيون استعادة الأندلس من المسلمين عملوا وفق مشروع طويل الأمد. لم يكن الصهاينة يومذاك لكن أعداء الإسلام والمراكز السياسية كانت ناشطة ضد الإسلام. بادروا إلی إفساد الشباب، وكان لهم في هذا السياق دوافع مسيحية ودينية وسياسية متنوعة. كان من أعمالهم أنهم أوقفوا حقول العنب لتصل خمورها مجانياً إلی الشباب! ودفعوا الشباب نحو الغرق في الشهوات والانشغال بالنساء والفتيات! مضي الزمن لا يغيّر الطرق الرئيسية لإفساد الأمم أو بنائها. واليوم أيضاً يفعلون الشيء نفسه.
الكسل والنـزوع إلی الراحة
من أعدی أعداء الإنسان في داخل نفسه هو الكسل والخمول وعدم الانهماك في العمل. ينبغي مقارعة هذا العدو. إذا حارب الشاب هذا العدو واستطاع الانتصار عليه عندها حتى لو هاجم عدو خارجي بلاده سيستطيع الانتصار عليه. إذا استطاع الشاب الانتصار علی هذا العدو سينتصر أيضاً علی ذلك العدو الذي يروم اغتصاب ونهب كل ثروات الأمة وخيراتها وكيانها. وإلا إذا لم ينتصر الإنسان علی كسله واستولی عليه الخمول والتقاعس فسوف لن يتواجد في أية ساحة يقتضيها الواجب. إذن العدو الأول هو الكسل ونزوع الإنسان إلی الراحة. الذي لا ينهمك في الدراسة ولا في العمل ولا في العبادة ولا في واجباته العائلية والاجتماعية المختلفة ويستسلم للكسل لا يستطيع الادعاء أنه لو هدده عدو خارجي سيستطيع الانتصار عليه.
الانهزام النفسي
حققت إيران تقدماً بارزاً جداً في قطاعات مهمة للغاية. هذه خطوات ثورية تمثل روح الثورة الإسلامية. أنه الإيمان بالذات الذي منحته الثورة، والمناخ المنفتح للمواهب الذي أهدته للشعب الإيراني، ووفرت له أمكانية أن يفكر مرة ثانية ويعيش مشاعر الأمل.
أن نعزف علی وتر اليأس ونقول: « لا يمكن.. لا يسمحون لنا.. ولا فائدة من ذلك» فهذا سمّ قاتل لهذه المسيرة. ذات يوم أعدوا هذا السم وألقوه في المياه الثقافية للشعب الإيراني. وذات يوم جاءوا وقالوا بصراحة: « إننا لا نستطيع ». في فترة شبابي كان هذا الكلام من الأفكار الشائعة بأن الإيراني لا يستطيع صناعة حتى أبريق من طين. كانت هذه نظرة الساسة ومدراء الأمور في الجامعات يومذاك. الكثير من الساسة في ذلك العهد كانوا شخصيات جامعية. وأسماؤهم معروفة. كانوا يقولون الإيراني لا يستطيع! كلا، الإيراني يستطيع. بمقدور الإيراني تحطيم حدود العلم – التي اتسعت اليوم اتساعاً كبيراً وانتشرت في آفاق رحيبة جداً – وأن يتقدم إلی الأمام ويطرح حدوداً جديدة.
آفة الشاب المسلم
الاستكبار لا يرغب في جيل شاب يسعی ويثابر بإرادة وعزيمة راسخة وطهارة وعصمة – سواء الفتيان أو الفتيات – في الخط المستقيم وطريق المعنوية والدين والعالم الإسلامي.
إنهم يريدون جيلاً شاباً فاسداً. هذا ما يرغبون فيه. وعلی الشباب المسلم أن يقاوم إرادة الأعداء. مسؤولو البلدان الإسلامية عليهم أولاً أن يقوّوا قلوبهم بالاعتماد علی هذا الجيل الشاب وعلی الشعوب. لا يخاف المسؤولون من أحد أو من شيء ولا يفزعهم ضجيج الأعداء. هذا الخندق الوطني العظيم تحت تصرفهم فليستفيدوا منه بشكل جيد. جميع أبناء الشعب وخصوصاً الشباب ينبغي أن يعرفوا قدر أنفسهم ويعكفوا علی بناء الذات.
محاربة المعاصي
الفطرة الإنسانية والإلهية السليمة من الذخائر الإلهية. لينتفع الشباب من هذه الفطرة وتخذوا قرارهم حيال الذنوب. البعض يتصورون أن الإنسان غير قادر علی المقاومة أمام المعاصي. كلا، ليس هذا مستحيلاً. إنما يحتاج إلی تمرين. طبعاً الصيام في الإسلام – كفريضة مشرّعة – تعدّ تمريناً عاماً للجميع في هذا السبيل. ينجرف الإنسان أحياناً إلی ذنب معين، ولكن حينما توسوس نفس الإنسان له وتغريه بالذنب فهل يفقد اختياره؟ وهل لا يوجد أي مفرّ من التخبط في مستنقع المعاصي؟ في غالبية الأحيان يستطيع الإنسان فرض إرادته واتخاذ قراره لكن الشهوات والوساوس النفسية تحول دون أن يتخذ قراره. في بعض الحالات يقضي الإنسان عمره كله غير قادر علی اتخاذ القرار حيال هذه الوساوس ولا يستطيع في فترة الشيخوخة اتخاذ القرار أي إن ذلك سيكون عليه صعباً جداً، لكن الشاب يستطيع ذلك. البعض يتوهمون أن اجتناب المعاصي شيء خاص بكبار السن، والحال أن كبار السن كما تضعف قواهم الجسمية تضعف أيضاً قواهم الروحية. القدرة علی اتخاذ القرار والمقاومة والصمود أكبر لدی الشباب.
سرّ تقدم الشباب الرصيد اللامتناهي
الشباب والأحداث الذين يتعلمون القرآن ليعلموا أنهم إنما يوفرون لأنفسهم رصيداً للتفكير إلی نهاية أعمارهم. هذا شيء قيم جداً. قد لا يستطيعون في سني الشباب استنباط معان ومعارف عميقة من آيات القرآن الكريم ولا يستطيعون أن يفهموا المعاني بشكل صحيح، إنما يدركون أشياء سطحية وقليلة من هذه المعارف، ولكن بموازاة ارتفاع مستوی معلوماتهم وتقدمهم العلمي سيزداد انتفاعهم من الآيات القرآنية التي يحفظونها. حضور القرآن في ذهن الإنسان وذاكرته نعمة كبيرة جداً. ثمة فرق بين شخص يبحث مرات في الآيات القرآنية وفهارس القرآن ليری هل توجد آية حول الموضوع الذي يشغل باله أم لا، وبين شخص تعيش الآيات في ذهنه وقلبه وأمام عينيه فينظر إليها ويستخرج ويستنبط من القرآن ما يحتاج إليه في كل جانب من جوانب المعارف الإسلامية ويفكر فيه ويتأمله ويتدبره ويستفيد منه. الاندكاك بالقرآن خلال فترة الطفولة والصبی وإلی فترة الشباب نعمة كبيرة جداً.
التوكل علی الله
ليتوكل الشباب علی الله وليطلبوا منه العون وليرسخوا الإيمان الديني في قلوبهم – وهذه النجاحات علی جانب كبير من الأهمية وهي نجاحات للشاب نفسه ونجاحات وطنية عامة – ولا يسمحوا لعوامل اللاإيمان أن تنخر إيمانهم كالأرضة وتقضي عليه.
قضية التوكل علی الله تعالی والتوجه له هي من أجل تقوية وتعزيز بواطنكم وقلوبكم. إذا كانت بنيتنا الداخلية والنفسية متينة حقاً فلن تستطيع أية مشكلة خارجية التغلب علينا. يجب تقوية القلب والباطن بحيث يقدر علی الانتصار علی جميع النواقص والتحديات الظاهرية والجسمانية والبيئية. وهذا ما يتحقق بالتوكل علی الله تعالی والتوجه إليه.
تعزيز روح الاعتماد علی الذات
ليعزز الشباب روح البحث والأمل والاعتماد علی الذات وفكرة « أننا نستطيع » بين جيلهم. يقول العرب: « أدلّ دليل علی إمكان الشيء وقوعه ». أفضل دليل وبرهان علی أن الجيل الإيراني الشاب يستطيع التجديد في مضامير التقنية والعلم وتحطيم حدود العلم والتقدم إلی الأمام هو أن هذا الشيء آخذ بالحصول.
السعي العلمي
لا يقصّر الشباب أبداً في طريق التحصيل العلمي والإضافة إلی قدراتهم العلمية. لا يقنعوا أبداً بالشيء الذي أنجزوه وليعتبروه خطوة أولی. الشباب أشبه بمتسلقي جبال ينبغي لهم أن يصعدوا إلی القمة. أحياناً يتصبّب الإنسان عرقاً في بداية الطريق. ولكن يجب أن لا يقنع بالنجاحات الأولية التي يحققها في بداية الطريق، لينظر أين هي القمة. علی الشباب أن يجدوا ويجهدوا ويصبروا علی الصعاب ليستطيعوا الوصول إلی القمة.
الاستفادة من الوقت
لينتفع الشباب والأحداث الأعزاء من الوقت – من الحال – إلی أقصی حدّ ممكن. وطبعاً هذا غير ممكن من دون برمجة. عليهم أن ينظروا ويتدبروا ويضعوا البرامج. والبرمجة ليس لها نموذج عام حتى يقال علی الجميع البرمجة بهذا الشكل، لا، قد يبرمج كل شخص حسب سنه ووضعه العائلي والحياتي وحسب إمكاناته وحسب المدينة والعائلة التي يعيش فيها. علی الجميع أن يبرمجوا ويستفيدوا من أوقاتهم إلی أقصی حد ممكن.
أسئلة وإجابات من السيد القائد
من هي الشخصيات التي مثلت نماذجك المفضلة في الحياة خلال فترة الشباب؟
الشخص الذي ترك فيّ أعمق الأثر خلال فترة شبابي هو بالدرجة الأولی المرحوم « نواب صفوي ». يوم جاء إلی مشهد كنت في حدود الخامسة عشرة من عمري. وقد تأثرت تأثراً شديداً بشخصيته، ثم حينما غادر مشهد قتلوه بعد عدة أشهر بشكل سيئ جداً. فزاد ذلك من تأثيره فينا. ثم أثر فيّ الإمام الخميني. كنت قد سمعت باسم الإمام الخميني قبل أن آتي إلی قم وقبل بدأ مرحلة النضال والكفاح، وكنت قد أحببته وأعجبت به قبل أن أراه. والسبب هو أن جميع الشباب في الحوزة العلمية في قم كانوا يرغبون في حضور دروسه. كانت دروسه شيقة للشباب. وحينما وفدت علی مدينة قم لم أتردد في الالتحاق بدروسه. كنت أحضر دروسه منذ البداية واستمررت في حضور أحد دروسه. هو أيضاً ترك فيّ تأثيراً كبيراً. وطبعاً أثر فيّ أبي أيضاً وأثرت فيّ أمي. أمي من الشخصيات التي تركت فيّ تأثيراً عميقاً. كانت سيدة مؤثرة جداً.
كيف قضيت فترة شبابك؟
لم تكن الظروف في ذلك الحين كما هي اليوم. الحق أن الوضع كان سيئاً جداً. البيئة الشبابية لم تكن بيئة جذابة، لا لأنني كنت حينها طالب علم ديني – كنت طالب علم ديني منذ كنت طفلاً في الابتدائية – وإنما بالنسبة لكل الشباب. لم يكن ثمة اهتمام بالشباب. الكثير من المواهب كانت تموت في داخل الشباب. كنا نشاهد هذا الشيء أمام أنظارنا. أنا نفسي كنت أشاهد هذا الشيء في بيئتي الحوزوية. وبعد ذلك حينما ارتبطت بالبيئات الأخرى خارج الحوزة أي البيئة الجامعية وطلبة الجامعات – كانت لي طوال سنوات متمادية علاقاتي الودية بالطلبة الجامعيين – كنت أشاهد فيهم نفس الحالة. كانت هناك مواهب متألقة كثيرة، وكان ثمة العديد من الأشخاص يمكن أن لا يكونوا موهوبين في الفرع الدراسي الذي يدرسونه ولكن ربما كانت لديهم موهبة أخری لم يعلم بها ولم يفهمها أحد.
كل فترة شبابي قبل الثورة انقضت مع الشباب غالباً. وحينما انتصرت الثورة كنت تقريباً في التاسعة والثلاثين. قضيت كل تلك الفترة منذ السابعة عشرة أو الثامنة عشرة حتى ذلك التاريخ مع الشباب، سواء شباب الحوزة العلمية والدراسة الدينية أو الشباب خارج الحوزة. الشيء الذي شعرت به هو أن نظام محمد رضا بهلوي فعل ما من شأنه أن يتجه الشباب نحو الإبتذال. والابتذال هنا ليس فقط الابتذال الأخلاقي بل ابتذال الهوية وابتذال الشخصية أيضاً.
طبعاً أنا لا أستطيع الادعاء أن ذلك النظام نفسه كان قد برمج لجرّ الشباب نحو الابتذال – قد يكون الأمر كذلك وقد لا يكون – لكن ما أستطيع أن أقوله علی نحو القطع أنهم كانوا قد أعدوا برامج وخططاً وكانوا يديرون البلاد بشكل يقتضي ذلك. أي يقتضي الابتعاد عن الشؤون السياسية وعن قضايا الحياة.
في ذلك العهد كانت جميع الشرائح – ومنها الشباب – بعيدة تماماً عن الشؤون السياسية. كان الانشغال الغالب للشباب هو بالشؤون اليومية. البعض مشغولون برزقهم ولقمة عيشهم والبعض مشغولين بالكدّ والعمل الصعب من أجل أن يحصلوا علی لقمة يأكلونها، وكان قسم من عائداتهم لا ينفق علی الأكل بل علی أمور هامشية.
لو قرأتم الكتب التي كتبت خلال فترة شبابي عن أمريكا اللاتينية وأفريقيا – مثل كتب فرانتس فانون وغيره ممن ألفوا الكتب حينها ولا تزال كتبهم ذات اعتبار وقيمة إلی اليوم – لأدركتم أن الوضع في ذلك الحين كان علی هذه الشاكلة. لم يكن أحد يجرأ علی الكتابة عن إيران. لكنهم كانوا يكتبون بسهولة عن أفريقيا أو تشيلي أو المكسيك مثلاً. كنت حين أقرأ هذه الكتب أری أن واقعنا علی نفس المنوال تماماً. أي أن ذلك العامل الشاب بعد أن يعمل ويكسب قليلاً من المال كان ينفق نصف هذا القليل علی اللهو والتسكع والابتذال وما إلی ذلك. هذا ما كنت أقرؤه في تلك الكتب وأجد أن الواقع في إيران أيضاً علی نفس المنوال. الحق أن الوضع كان سيئاً جداً. البيئة الشبابية لم تكن بيئة جيدة. طبعاً كان الوضع مختلفاً داخل قلوب الشباب وفي البيئة الشابة، لأن الشاب بذاته من أهل النشاط والأمل والهياج.
أنا شخصياً كنت شاباً نشيطاً جداً وعشت فترة شباب مليئة بالهياج. كان ثمة في حياتي هياج وإثارة سواء قبل الثورة، بسبب الأنشطة الأدبية والفنية وما إلی ذلك، أو بعد أن بدأت فترة الكفاح والنضال في سنة 1341 حينما كنت في الثالثة والعشرين. وعندها أصبحنا طبعاً في قلب الهياج الأساسي للبلاد وقد سجنت سنة 42 مرتين .. الاحتجاز والسجن والتحقيق. تعلمون أن هذه أحوال تمنح الإنسان هياجاً شديداً. وبعد ذلك حينما كان الإنسان يخرج ويری حشود الناس الهائلة المنشدة إلی هذه القيم ويری قائداً كالإمام الخميني (رضوان الله عليه) يهدي الناس ويصحح الممارسات والأفكار والاتجاهات، كان هياجه يزداد أضعافاً. وهكذا كانت الحياة بالنسبة لأمثالي ممن يعيشون ويفكرون داخل هذه الأطر مليئة بالحماس والإثارة والهياج. لكن الجميع لم يكونوا هكذا.
في ذلك الحين كنت أنا وأمثالي ممن نفكر بجدّ وعمق في قضايا النضال والكفاح قد ركزنا هممنا علی إخراج الشباب من دائرة النفوذ الثقافية للنظام الحاكم ما استطعنا إلی ذلك سبيلاً.
أنا مثلاً كنت أذهب للمسجد وأعطي دروساً في التفسير وألقي محاضرات بعد الصلاة، وأقصد المدن الأخرى أحياناً وألقي المحاضرات والكلمات. كانت النقطة الرئيسية التي أهتم بها هي إخراج الشباب من ربقة ثقافة النظام. أنا شخصياً كنت في ذلك الحين أسمي هذا الشيء بـ «الشباك غير المرئية». كنت أقول إنه توجد شباك غير مرئية أو خفية تجرّ الجميع نحو جهة معينة! وأنا أريد ما أمكنني تمزيق هذه الشباك الخفية وتخليص الشباب ما استطعت من هذه الشباك والفخاخ. كل من كان يخرج من تلك الربقة الفكرية – وسمة ذلك أنه كان يميل أولاً للتدين وثانياً لأفكار الإمام الخميني (رضوان الله عليه) – كان يكتسب نوعاً من المناعة. هكذا كان الوضع يومذاك. وأصبح ذلك الجيل بعدها الأركان الرئيسية للثورة.
ما هي المتع والتسليات التي انشغلت بها في فترة شبابك؟
للأسف كان لي القليل جداً من المتع والتسليات. لم تكن التسليات كثيرة آنذاك. طبعاً كانت هناك المتنزهات، لكنها قليلة ومحدودة جداً. مثلاً في مدينة مشهد كان هناك متنزه واحد فقط داخل المدينة وكانت أجواؤه سيئة جداً. كنت ابن عائلة آباؤها وأمهاتها من الملتزمين، ولم يكن بوسعي أبداً الذهاب إلی هناك. لم يكن بالنسبة لأمثالي في فترة الشباب أمكانية الاستفادة من هذه المراكز الترفيهية العامة والسبب هو أنها لم تكن مراكز جيدة صالحة. كانت في الغالب مراكز ملوثة. والأجهزة المسؤولة آنذاك كانت تحاول بعض الشيء أن تجعل المراكز الترفيهية العامة ملوثة بالشهوات والمفاسد! كانت هذه الأمور تجري تعمداً وبشكل مبرمج. كنت أحدس هذا في ذلك الحين ولكن بعد ذلك حينما وقفت علی قرائن ومعلومات أكثر تبيّن أن الأمر كان كذلك فعلاً أي أنهم كانوا يفسدون البيئات العامة وفق برمجة مسبقة! لذلك لم أكن أستطع الذهاب. وبهذا لم تكن تسلياتنا آنذاك من هذا القبيل.
كانت تسليتي في بيئتي الحوزوية أيام شبابي هو التواجد بين باقي الطلبة. كنت أذهب إلی مدرستنا – كان لنا مدرسة اسمها مدرسة نواب – وكانت أجواء الطلبة الحوزويين حلوة وممتعة بالنسبة لي. كان الطلبة يجتمعون حول بعضهم ويتحدثون ويتحاورون ويتبادلون المعلومات. كانت بيئة المدرسة بالنسبة للطلبة أنفسهم أشبه بالنادي الذي يجتمعون فيه أوقات الفراغ. أضف إلی ذلك أنه كان ثمة تجمع جيد جداً في مسجد گوهرشاد في مشهد. هناك أيضاً كان المتدينون وطلبة الحوزة ورجال الدين والعلماء يجتمعون ويتباحثون علمياً. والبعض يتحدثون أحاديث ودّية. هذه كانت تسلياتي.
طبعاً، كنت في ذلك الحين أمارس الرياضة، وأمارسها الآن أيضاً. للأسف يتقاعس الشباب عن الرياضة وهذا خطأ كبير. كنت في ذلك الحين أصعد إلی الجبل وأتمشى طويلاً. ذهبت عدة مرات مع أصدقائي إلی الجبال المحيطة بمشهد في سفرات تستغرق عدة أيام وليال نسير فيها من جبل إلی جبل ومن قرية إلی قرية.
ما هي في رأيك خصائص الشاب المسلم؟ كيف يستطيع الشاب المضي في مسيرة الحياة والوصول إلی أهدافه؟
إذا أراد الإنسان الوصول إلی شيء له قيمته فعليه بذل مقدار من الجهد والسعي، فهذا مما لا بد منه، ولكن من بين هذه الخصوصيات المهمة التي يتمتع بها الشباب أری أن هناك ثلاث خصوصيات بارزة ومهمة جداً، وإذا تم تشخيص هذه الخصائص وتوجيهها في الاتجاه الصحيح اعتقد أنه يمكن الإجابة عن سؤالكم هذا. والخصائص الثلاث هي: الطاقة والأمل والإبداع. هذه ثلاث خصائص بارزة في الشاب.
طبعاً ثمة في القرآن نقطة أساسية جداً هي الاهتمام بالتقوى. حينما يريد الأفراد أن يرسموا لأنفسهم صورة للتقوى تتبادر إلی أذهانهم أمور مثل الصلاة والصيام والعبادة وذكر الله والدعاء. قد تكون كل هذه الأمور موجودة في التقوى لكن أياً منها لا تعني التقوى.
التقوى معناها صيانة الذات ومراقبتها. التقوى معناها أن يعلم الإنسان ماذا يفعل، وأن يختار كل خطوة وحركة من حركاته بإرادته وفكره وتصميمه. كشخص راكب علی حصان وزمام الحصان في يده ويدري أين يريد أن يذهب. الإنسان عديم التقوى لا يمتلك حركاته وقراراته ومستقبله. وعلی حد تعبير الخطبة في نهج البلاغة: شخص ألقوا به علی فرس جموح لا أنه ركب بنفسه ذلك الفرس، وحتى لو كان قد ركب بنفسه فهو لا يجيد ركوب الخيل أساساً. الزمام في يده لكنه لا يدري كيف يجب أن يركب الفرس ويقوده. ولا يدري أين يريد الذهاب فهو مضطر للذهاب إلی أي مكان يأخذه إليه الفرس ولا شك أن النجاة ليست بانتظاره. والفرس جموح.
كيف يستطيع الشاب إشباع رغبته في الهياج واستثمار هذه الرغبة؟
الهياج متوفر في دوائر معينة. ثمة أشياء يكون الهياج فيها واضحاً. الرياضة مثلاً – خصوصاً بعض الرياضات ككرة القدم – تعد ممارسة مثيرة ومهيجة. هذه هي طبيعة كرة القدم وهي مختلفة عن رياضات أخری مثل كرة الطائرة والتنس، فالنسيج المتوفر في هذه اللعبة تكثر فيه المنافسة والهياج وما إلی ذلك. الرياضة عموماً شيء مهيج. والممارسات الفنية أيضاً شيء مهيج. لكن هذه أموراً هياجها واضح وبارز للعيان.
الهياج لا يختزل بهذه الأمور. إذا استطاع الشاب العثور علی الحيز الذي يرغب فيه – مهما كان هذا الحيز – فسيستطيع إشباع الهياج داخل نفسه بسهولة. مثلاً حينما كنت شاباً ارتدي العمامة كانت هناك قيود زي رجال الدين وقيود البيئة لكنني كنت في الوقت ذاته أشعر بالهياج وكنت أشبع ذلك الهياج. كيف؟ كنت محباً للشعر. قد يكون تصديق ذلك صعباً بالنسبة لكم. كانت هناك جلسة شعر يجتمع فيها أربعة أشخاص أو خمسة أشخاص من محبّي الشعر والأدب لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات يتحدثون عن الشعر ويقرأونه. هذا الشيء بالنسبة لمن يحب الشعر يمكن أن يشبع نزوعه للهياج بمقدار ما تفعل كرة القدم في الساحة أو بالنسبة لمحبّ كرة القدم حينما يشاهد هذه اللعبة. إذن ميادين الهياج ليست محدودة.
مثال آخر.. حينما يذكر الإنسان اسم الدرس يتصور أن الدرس لا هياج فيه. صحيح أن صف الدرس لا هياج فيه، ولكن لو افترضنا وجود ورشة عمل مجهزة إلی جانب صف الدرس في الجامعة أو خارج الجامعة – كما هو الدارج اليوم حيث يذهب الشباب خلال فترة معينة من دراسة الهندسة إلی المعامل ليتواصلوا معها – سيشعر الشاب أن ثمة في هذه الورشة إمكانية لأن يبتكر ما يريده وتحقيق ومتابعة ما يعتمل في ذهنه في هذه الأجواء. هل تظنون أن هياج هذه الأمور أقل؟ إن فيها الكثير من الهياج والإثارة. العمل البحثي يجب أن يجري بدافع الحب والشوق. العمل البحثي الذي يجبرون الإنسان عليه سيكون طبعاً حالة جافة لا هياج فيها ولا فائدة ترتجی من ورائها.
ما هو الشعور الذي تبعثه فيكم مشاهدة الشباب وما هو أول شيء تقولونه لهم؟
حينما أكون مع الشباب وفي بيئة شبابية يكون شعوري كشعور شخص يتنفس في الهواء الصباحي. شعور بالطراوة والجدة والإيناع. والشيء الذي يخطر ببالي عادة لأول وهلة عند اللقاء بالشباب وقد فكرت فيه مراراً هو: هل هؤلاء أنفسهم يعلمون أية نجمة تتلألأ في جبينهم؟ إنني أری هذه النجمة ولكن هل يرونها هم أيضاً؟ نجمة الشباب نجمة جد متألقة وحسنة الطالع. إذا شعر الشباب بهذه الجوهرة الثمينة النادرة في وجودهم أتصور أنهم سيستخدمونها بشكل جيد إن شاء الله.
ما هي توجيهاتكم للشباب في مواقفهم الاجتماعية والسياسية المختلفة؟
ينبغي عدم الفزع كثيراً من اختلاف الأذواق. اختلاف الأذواق ليس بالشيء السيئ ولا إشكال فيه. كأن يكون هناك ذوقان سياسيان يميل شاب لهذا الذوق ويميل شاب آخر لذوق آخر. المضرّ هو المبادرة غير المستندة للتفكير والدراسة، والقرارات السريعة، والممارسات غير المدروسة. إنني أحذر الشباب الأعزاء من هذه الحالة. الشباب لا يعني بالضرورة سرعة اتخاذ القرار. الشباب طبعاً يعني عدم التهيّب في الأعمال والمبادرات وبمعنی أن لا يتقيد الإنسان كثيراً بالتعقيدات والمعرقلات، لكنه لا يعني العمل دون تريث أو نظر. بوسع الشاب أن يعمل أعمالاً غير مدروسة وبوسعه أن يعمل أعمالاً مدروسة أي أن يعمل بعد تفكير وتأمل دقيق. إذا توفرت هذه السمة أي سمة التأمل والتفكير والدراسة وطلب الحق – وهذه كلها سمات يمكن أن تتوفر في الشاب وبعضها نظير طلب الحق من السمات الأصيلة في الشباب – فلن يكون ثمة أي مانع من اختلاف الأذواق ولن يؤدي إلی الضلال والضياع، أو لن تكون له علی الأقل أضرار أساسية.
حالة إقصاء الآخرين – أن يتخذ الإنسان في القضايا الاجتماعية موقفاً ويقول هذا هو الصحيح مائة بالمائة وليس سوی هذا – حالة غير صحيحة، إنها حالة غير جيدة. طبعاً في بعض الأصول العقيدية يجب أن يكون هذا هو الحال، أي يجب البحث بتفكير ومن ثم الوقوف بثبات وقوة في نقطة معينة والقول: هذا هو الصحيح ولا غير. هنا لن يكون من السيئ القول: « هذا ولا غير » بل سيكون قولاً حسناً. اعتقد أن الإنسان يجب أن يتحمل آراء الطرف المقابل وأن يجعل الممارسات المدروسة معياره وملاكه في ترتيب الآثار علی أفكاره وآرائه. إذا كان هذا فلا اعتقد أن هنالك مشكلة.
هل يمكن ملأ الهوة بين إيران والبلدان المتقدمة؟
اعتقد أنه: نعم، يمكن ملأ الهوة تماماً. لقد قلت مراراً لمفكرينا إن الغرب متقدم علينا كثيراً وهذه حقيقة. إذا أراد بلد السير في نفس الطريق الذي سار فيه الغرب ليصل إلی ما وصل إليه الغرب اليوم فستطول المسألة سنيناً وقروناً، ولن يصل إلی شيء. البلدان بحاجة إلی طرق مختصرة. جميع هذه الاكتشافات الحالية إنما هي طرق مختزلة. الطرق المختصرة موجودة في العالم بكثرة. طبيعة الخلقة التي أوجدها الله لم نعرفها نحن بصورة صحيحة. ثمة الآلاف من الطرق. أحد الطرق هو هذا الطريق الذي سارت فيه الحضارة الصناعية الحالية واقتضی خطوة لاحقة بعد كل خطوة سابقة، فلماذا نكون قانطين من انفتاح كوّة جديدة وظهور اكتشاف جديد في العالم؟ ذات يوم لم يكن الكهرباء مكتشفاً أي أنه كان موجوداً في العالم لكن الإنسان لم يكن يعرفه وفجأة عرفه الإنسان وحصل عليه. نعم، وعرف قوة البخار. وقبل ذلك لم يكن يعرف الإنسان النار لكنه عرفها بعد ذلك. فلماذا نيأس من اكتشاف شيء غير مكتشف في هذا العالم وفي كل يوم تكتشف أشياء جديدة لم تكن معروفة سابقاً. علينا أن نعمل ونصل إلی الطريق الذي يجعلنا مستعدين تماماً لتقدم علمي سريع. والعلاج يكمن فقط في أن يعكف الشباب – خصوصاً الشباب ممن هم أهل علم ودراسة وبحث علمي – علی العمل الدؤوب والمثابرة. كل ما تريدون أن تفعلوه ممكن في فترة الشباب. أي إنكم في كل واحد من المجالات الثلاثة – المجال العلمي ومجال تهذيب النفس ومجال الرياضة – يجب أن تعملوا خلال فترة الشباب.
تعليقات الزوار