كيف نسعى إلى الهدف الأسمى؟
سوف نُسأل جميعاً يوم القيامة عن كلّ يوم من أيّام حياتنا وعن المسؤوليات الملقاة على عاتقنا. ومن لا يحمل على عاتقه عبئاً ثقيلاً فهو كالّذي ليس لديه مال كثير. أمّا الّذي يمتلك المال الكثير والمدخرات والمداخيل المتعدّدة، فبالطبع إنّ حسابه لن ينتهي بكلمة أو كلمتين. كذلك فإنّ المحاسب إذا كان دقيقاً، فإنّه سوف يتشدّد ويعامل بعدل. عندها سوف يكون الأمر أصعب، وعلى المرء حينها أن يجيب عن الأمور واحدة واحدة. سوف يُسأل عن ماله كيف حصل عليه؟ وكيف أنفقه؟ سوف يُسأل عن مسؤولياته أيضاً، وثقل المسؤولية أكبر من ثقل المال، كيف أدى هذه المسؤولية؟ ولماذا غفل عن هذا الأمر؟ وسيطول الأمر حتى يشرح المرء ويبيّن ويقدّم العذر.
كلّنا مرتهنون، كل البشر ومخلوقات هذا العالم رهائن الحساب الإلهي. فلا يوجد أي إنسان يمكنه القول: إنّ ميزان أعمالي قد امتلأ بالقدر المطلوب! حتّى الأنبياء والأولياء لا يمكنهم أن يقولوا ذلك، ولهذا وإلى آخر لحظة هم يستغفرون.
الإمام الحسين (عليه السلام) يقول في الدعاء: «وعدلك مهلكي»؛ لذلك نقول «عاملنا بفضلك». فلو وضع ميزان العدالة وأريدَ فصل الشعر من العجين والتدقيق في أعمالنا فوا ويلاه. ولذا ينبغي أن نطلب من الله التفضّل والإغماض والتجاوز.
نستطيع القول في محضر الله تعالى: اللهمّ إنّي قد سعيت بقدر طاقتي، وبمقدار ما علمت، فاعفُ عمّا فرط منّا وما نقُص. ولا شكّ أن لكلّ إنسان ضعفه ومشاكله ونقصه، وعلينا أن نوكل هذه الأمور إلى الله، ولكن أن نسعى سعينا ولا نقصّر. من هنا نستطيع الحديث عن الهمّة المضاعفة والعمل المضاعف الّذي ينبغي لكلّ واحد منّا أن يهتمّ به. والمضاعفة هنا لا تعني الضعفين بل الحديث عن الهمة المضاعفة ممكن أن يصل إلى عشرة أضعاف. والمهم هو الاستعدادات الموجودة في المجتمع، فإذا أسرع الإنسان في حركته وجدّ أكثر وأصرّ سوف يرى فجأةً هذه الورود التي تتفتح في هذا البستان والشتول التي تنمو في هذه الحديقة والتي ما كانت تخطر على باله أو فكره؛ لكننا نرى أنها تحققت وتتحقق.
* علينا أن ننظر إلى القمة
هذه الاستعدادات وضعت بيدي وأيديكم. فإذا لم نتعرّف إليها نكون قد قصّرنا؛ وإذا تعرّفنا إليها ولم نفعّلها نكون قد قصّرنا أيضاً؛ وإذا قنعنا بالحد المتوسط نكون قد قصّرنا أيضاً. فينبغي أن نتحرّك نحو القمّة، تماماً مثل الرياضي الذي يمتلك استعداداً رياضياً وبنيةً مناسبةً ويوجد أمامه الإمكانات والوسائل الرياضية، فلا يحق له أن يقول إنّني سأعطي كلّ يوم نصف ساعة أو عشرين دقيقة لليّونة؛ يجب عليه أن يتحرك نحو البطولة؛ عليه أن ينظر إلى القمة.
وفي الأعمال الأخروية الأمر كذلك. وهكذا في الأعمال المعنوية والحركة التوحيدية؛ في طلب الثواب الإلهي الأمر على هذا المنوال، لا ينبغي أن نقنع بالقليل. حسناً فإننا إذا لم نُعمِل هذه الهمّة العالية نكون قد ظلمنا وقصّرنا. وتقصيرنا ظلمٌ، ظلمٌ لأنفسنا – لأننا سنقع في مورد العقاب الإلهي- وكذلك ظلمٌ لأولئك الذين لديهم هذا الاستحقاق الذي يؤهلهم للاستفادة من هذه الاستعدادات والانتفاع بها. فلو لم يصلهم نفعها نكون قد قصّرنا. قول هذه الكلمات سهل. لكن العمل والتحرّك صعبٌ؛ يحتاج إلى الهمّة.
فلنعلم أن الله تعالى سيعيننا أيضاً. فكلّ من سعى نحو هدفٍ وأعمل قدراته يعينه الله. حتّى في الأعمال الدنيوية فإن الله يعين ﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء﴾ (الإسراء: 20). فالذين يسعون نحو الدنيا فإن الله تعالى يقول إنّه سيمدهم، وإن كانوا إذا خرجوا من الدنيا فلا نصيب لهم من الآخرة. وأولئك الذين يطلبون الآخرة يمدّهم الله مثلما يمدّ طلاب الدنيا. والآخرة ليست مجرّد صلاة ليل ودعاء وذكر وتوسّل وأمثالها. نعم، لا شكّ بأنّ هذه وسائل، لكن خدمة الناس والحضور حيث ينبغي هي أيضاً أعمال إلهية.
* مُدحوا لمواقفهم وجهادهم
أنتم ترون في صدر الإسلام أولئك الذين مُدحوا –بحسب ثقافتنا وطبق عقيدتنا- فإنّما كان ذلك بسبب مواقفهم السياسيّة والاجتماعيّة وجهادهم أكثر ممّا كان من صلاتهم وعباداتهم. فنحن قليلاً ما نمدح أبا ذر أو عمّاراً أو المقداد أو ميثم التمّار أو مالك الأشتر بسبب عباداتهم. فالتاريخ عرف هؤلاء بمواقفهم التي كانت مواقف مصيرية؛ وبالحركة العامّة التي تمكّنت من هداية المجتمع وتشكيله والمساهمة في تطوره. وأولئك الذين ذُمّوا إنّما كان ذلك لهذا السبب أيضاً. فالكثير من الكبار الذين ذُمّوا لم يكن الأمر بسبب شربهم للخمر أو عدم صلاتهم، بل بسبب عدم وجودهم حيث كان ينبغي. هكذا سجّل التاريخ؛ انظروا وسترون. فالعمل الإلهيّ والمعنويّ والتوحيديّ لا ينحصر في الصلاة، وإن كان أمر الصلاة ليس قليلاً. فالصلاة هي الداعم لكل هذه الأمور، تلاوة القرآن والتدبر في القرآن والتضرّع إلى الله تعالى وقراءة الأدعية المأثورة – الصحيفة السجّادية، دعاء الإمام الحسين (عليه السلام) ودعاء كميل وبقية الأدعية الموجودة – فهذه كلّها من الأمور المعنوية. فلو كان لكم أنسٌ بالله وأصلحتم ما بينكم وبين الله فيمكنكم أن تقوموا بهذه الأعمال بشكل أسهل ورغبةٍ أكثر وشوق أزيد. لهذا فإن الذي يريد أن يقوم بالأعمال الإلهية فإن الله يعينه، مثل الذي يريد أن يقوم بالأعمال الدنيوية. أولئك الذين جعلوا الدنيا أو مقاماتها أو مالها أو عيشها أو لذّاتها الجنسية وأمثالها هدفاً لأنفسهم ومآلاً لهم -حيث نشاهد اليوم الكثير من أمثال هؤلاء- فإنهم عندما يتحركون على طريق هذا الهدف فإنّ الله يمدّهم. والمدد الإلهيّ يكون بجعل الوسائل في أيديهم؛ يعزمون ويتحرّكون على هذا الطريق وليس هدفهم سوى الهدف المادّيّ لهذا فإنّهم يصلون إلى ذلك الهدف. ولا شكّ بأنّهم لمّا أهملوا هذا الجانب الأساس الذي هو البعد المعنويّ والإلهيّ والأخرويّ فإنّهم هناك خاسرون؛ ولكنّهم يتقدّمون في الجانب الذي جعلوه هدفاً.
* الهدف هو الفَلاح
فلنلتفت إلى أين نحن نسير؟ وماذا نفعل؟ وما هو هدفنا؟ فالهدف ليس قرشاً من أموال الدنيا بحيث ننسى بسببه تكليفنا الكبير وندوس على أهدافنا السّامية. الهدف هو الفلاح ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (المؤمنون:1). النجاح يجب أن يكون هدفاً. يجب التفكير في الحياة الحقيقية حتى تبدأ هذه الحياة الحقيقية. وها نحن عاجلاً أم آجلاً، بعد أيام أو ساعات أو سنوات سنبدأ حياةً حقيقية بالموت المادي والجسماني. والهدف هو أن نعمّرها؛ وكل هذه الأشياء أمامنا مقدّمات.
فينبغي السعي في المجالات الأخروية وفي المجالات الدنيوية. وعلى الإخوة أن يضاعفوا في المجالات الفردية وفيما يتعلّق بارتباطهم بالله قدر الإمكان من هممهم وعملهم؛ فلا ينبغي إغفال هذا الأمر ونسيانه. فالقضايا الشخصية والفردية –أي كلّ ما يكون بين الإنسان وربّه- لها أهميّة فائقة. فلو بدأنا بذلك واستأنسنا به، فبمشيئة الله تعالى سيعيننا أكثر؛ مثلما أنّه تعالى ولحدّ الآن قد أمدّنا بالكثير من العون.
إنّ القضايا الثقافية مهمّة جدّاً. الثقافة العامّة مهمّة للغاية. والمظهر الديني في الحياة العامّة للناس في غاية الأهمية. المظاهر الدينية –التي لا شكّ أنّها تكشف عن الباطن إن شاء الله- تحوز على أهميّة كبيرة.
فاسعوا جهدكم لنشر وترويج ثقافة العمل والسعي والحضور في ساحات العمل وخنادقه، فإنّ هذا أمرٌ حسنٌ جدّاً؛ فإنّ هذا يساهم في حركة المجتمع ونشاطه.
أملنا إن شاء الله أن يوفِّق الله تعالى الجميع فتنالوا تأييده وعونه.
تعليقات الزوار