العاشر من ذي الحجة في كلمات الإمام الخامنئي

((لقد أقبل شهر ذي الحجة بكل ما يحمله من عطاء أبدي ثر للأُمة الإسلامية))[1]. إنّ حرمة الأشهر الحُرُم أي شهر ذي القعدة وشهر ذي الحجة وشهر محرم إنما تحكي عن معنى عظمة هذه الأشهر وما تتميّز به هذه الأيام والليالي والساعات من جلالة كبيرة في التكوين والمشيئة الإلهية، فإنّ أيام الحج تمثّل ذروة هذه الكرامة والعظمة، وحضور الحجيج في المناسك ومركز التوحيد في العالم الإسلامي ـ أي مكة المكرمة ـ لَهوَ من أعظم بركات الأشهر الحرم.

ليس عَبثاً أن يُقرَّ الإسلام حرمة الأشهر الحرم من بين الأحكام التي كانت سائدة قبل الإسلام، فلم تكن مجاراة من النبي لعرب الجاهلية يومذاك أن اعتبر الإسلام هذه الأشهر حُرُماً؛ لأنهم كانوا قد حّرموها.

كلا, بل بمعنى أنّ لهذه الأشهر الأربعة ﴿منها أربعة حرم﴾[2] ميزة حقيقية. مثلما تمتاز أيام وليالي وأسابيع وعشريات معيّنة على مدى العام، فهذه الأشهر لها ميزتها وعلينا جميعاً أن نعرف قدرها، لاسيّما حجاج بيت الله الحرام.[3]

من أبرز الأيام:

هذه الأيام هي أيام العشرة الأُولى من شهر ذي الحجة وهي من أبرز الأيام على طول السنة بلحاظ المناسبات والذكريات القيّمة للأئمة الأطهار(عليهم السلام) التي تصادف هذه الأيام من جهة، وبلحاظ المسائل المرتبطة بعيد الأضحى المبارك وهو عيد المسلمين العظيم، والذي له معنىً رمزياً مهمّاً وهو مسألة الأُضحية في هذا اليوم العظيم من جهة أُخرى، وما يتعلّق بيوم عرفة وهو يوم الدعاء والتضرّع والتوسّل إلى الله سبحانه وتعالى من جهة ثالثة.

ورغم إنّ اقتران يوم عرفة بيوم استشهاد مسلم بن عقيل(عليه السلام) قد أضفى عليه طابعاً من الحزن والأسى، إلا أنّ العطاء المبارك لهذا اليوم جعل منه ـ في الحقيقة ـ يوم عيد وبركة ورحمة.[4]

استغلال هذه الفرصة:

أوصيكم باستغلال فرصة الأيام العشرة المباركة من شهر ذي الحجة, وخاصّةً يوم عرفة الشريف..

يجب استغلال مثل هذه المناسبات الكبرى كأسباب لتوطيد علاقتنا القلبية والمعنوية بالخالق الرؤوف الرحيم العزيز الحكيم المقتدر.

إنّ مصدر القدرة في كل ذرّة من ذرّات وجود الإنسان هي الإرادة الإلهية؛ فيجب علينا أن نتقرّب بهذه العلاقة المعنوية إلى ذلك المركز العظيم للقدرة والعزّة والحكمة أكثر فأكثر[5].

آمل من الله أن يوفّقكم لاستثمار يوم عرفة على أحسن وجه من أجل التقرّب إلى الله بقلوبكم أكثر فأكثر.

إنّ مسألة تهذيب النفس وجلائها هي مسألة أساسية ومهمّة لكلّ واحد منّا في أيّ مكان وأيّة مسؤوليةٍ كان، فلا تستصغروا هذه الفرص ولا تحطّوا من قيمتها.

إنّ التضرّع والتوسّل إلى الله، والعلاقة الوطيدة مع الله، هي أُمور لها دورها الأساسي والفعّال في الحركة العظيمة التي قام بها الشعب الإيراني، وفي عملية إعمار البلاد، والانتصار على الأعداء، والصمود بوجه القوى الإستكبارية، وفي الوصول إلى الأهداف الإسلامية المتسامية.

أمّا الوقت المناسب لهذا الدعاء والتضرّع والتوسّل فهو هذه الأيام المباركة والتي من أهمّها يوم عرفة[6].

يوم عرفة يوم الدعاء والاعتراف بالذنب:

إنّ يوم عرفة هو أحد الأيام التي يمكن للإنسان أن يوطّد فيها علاقته مع الله سبحانه من خلال الدعاء والتوسّل، ولهذا فلابدّ من معرفة القيمة الحقيقية لهذا اليوم العظيم.

لقد رأيت في رواية[7] أنّ عرفات سُمِّيت عرفات لأنّ هذا المكان وهذا اليوم هما فرصة للإنسان كي يعترف بذنوبه بين يدي الباري عزّ وجلّ.

فالإسلام لا يجيز للإنسان الاعتراف بالذنوب والخطايا أمام الآخرين، أمّا بين يديّ الله سبحانه وفي خلواتنا مع أنفسنا فلا بدّ لنا من الاعتراف بقصورنا وتقصيرنا وأخطائنا وذنوبنا التي تكبِّلنا وتعوّقنا من التحرّك، وتكون سبباً لإسوداد وجوهنا أمام الله. وإذا ما أراد الإنسان أن يسير في طريق الخير والصلاح فلا بدّ له من الاعتراف ـ بينه وبين ربّه ـ بذنوبه وعيوبه، أمّا الذين يتصوّرون أنّهم مبرّؤون من كلّ عيب ونقص فلن يتمكّنوا من السير في هذا الطريق أبداً.

وهذا الأمر لا يقتصر على الفرد فقط بل ينطبق على المجتمع أيضاً، فإذا أراد المجتمع أن يسير في طريق الرشاد لابدّ له من معرفة مواضع أخطائه وانحرافاته، ومعرفة ما هي تلك الأخطاء التي ارتكبها؟ و يعترف بذنوبه بين يدي الله.

ولذا يجب على الاُمّة الإسلامية اليوم أن تعترف بتهاونها في أداء مسؤولياتها تجاه الإسلام العظيم، وعلى المسلمين في العالم أن يعترفوا بأنّ متابعة القوى المعادية للإسلام والقبول بالثقافة الغربية الفاسدة والمبتذلة هو انحراف عن الطريق السوي، وإذا ما اعترفت الشعوب الإسلامية بهذه الاُمور فإن الطريق سيفتح أمامها وتكون قادرة على إصلاح نفسها.

فالإعلام العالمي يريد أن يشغل الشعوب حتّى لا تستطيع أن تميّز الخطأ والصواب، وهذا ما تشاهدونه في وسائل الإعلام العالمية من صحف وإذاعات، وفي مختلف المجالات السياسية والاقتصادية وفي مجال الاستهلاك وغيرها من المجالات.

أمّا السرّ الأساسي الذي حدا بالشعب الإيراني أن يقوم بهذه الثورة العملاقة ـ التي أيقظت الشعوب من نومها، وأوجدت هذا التحوّل العميق ـ فهو رجوعه عن الطريق الخاطئ الذي سار عليه مدّة من الزمن، فقد عرف هذا الشعب أنّ متابعة السلاطين والظلمة والسكوت عمّا يرتكبونه من ظلم وإجحاف هو سلوك خاطئ لابدّ من تغييره، فأبدل هذا الطريق المنحرف بآخر سليم، الأمر الذي جعله ينال الموفقية والسعادة.[8]

ـــــــــــــــــ

[1]  الموضوع: بيان الحج - المناسبة : موسم الحج - الزمان والمكان: 6 ذو الحجة 1414 ﻫ ـ طهران.

[2] سورة التوبة: الآية 36.

[3]  المناسبة: ميلاد الإمام الرضا (ع)  - الحضور: القائمين على شؤون الحج - الزمان والمكان: 11 ذي القعدة 1423هـ ـ طهران.

[4]  المناسبة: لقاؤه بجمع من عوائل الشهداء والأهالي - الزمان والمكان:  7 ذو الحجة  1414 ﻫـ ق ـ طهران - الحضور: مجموعة من عوائل الشهداء والأهالي.

[5]  المناسبة: رأس السنة الهجرية الشمسية الجديدة 1378 - الزمان والمكان: 3 ذي الحجة 1419 هـ ـ ق مشهد المقدسة - الحضور: جموع غفيرة من أهالي مشهد, وزوّار الإمام الرضا (عليه السلام).

[6]  المناسبة: لقاؤه بجمع من عوائل الشهداء والأهالي - الزمان والمكان:  7 ذو الحجة  1414 ﻫـ ق ـ طهران - الحضور: مجموعة من عوائل الشهداء والأهالي.

[7]  عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن عرفات لم سميت عرفات؟ فقال: "إنَّ جبرئيل عليه السلام خرج بإبراهيم عليه السلام يوم عرفة، فما زالت الشمس قال له جبرئيل: يا إبراهيم اعترف بذنبك واعرف مناسكك، فسميت عرفات لقول جبرئيل عليه السلام له: اعترف، فاعترف". (بحار الأنوار: ج12، ص108).

[8]  المناسبة: لقاؤه بجمع من عوائل الشهداء والأهالي - الزمان والمكان:  7 ذو الحجة  1414 ﻫـ ق ـ طهران - الحضور: مجموعة من عوائل الشهداء والأهالي.