الامتحان خطوة نحو الهدف

مبارَكٌ يوم عيد الأضحى لجميع المسلمين في العالم. ولهذا اليوم المبارك حكمة لو جرى التنبّه لها لانفتحت لنا الكثير من السُبل والطرق.‏

أعظم من التضحية بالروح‏

في عيد الأضحى ثمة تقدير وتثمين من الله عزّ وجلّ لرسول مختار هو النبي إبراهيم (ع) الذي ضحى في ذلك اليوم. والتضحية بالأحبّاء هي أحياناً فوق التضحية بالروح. كان يجب على النبي إبراهيم (ع) أن يضحي بيديه بحبيبه وعزيزه في سبيل الله. وهذا الحبيب هو ابنه الشاب الذي منحه الله له على كبر سنه بعد عمر طويل من الانتظار، حيث يقول تعالى على لسان نبيه إبراهيم (ع): ﴿الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾ (إبراهيم: 39). لقد وهب الله تعالى هذين الولدين لهذا الأب وهو في سن كبيرة، وبعد عمر من الانتظار والشوق حسب الظاهر. ولم يكن له أمل في أن يرزق ذرية بعد ذلك.‏

يذكر سيد شهداء العالم كله الإمام أبو عبد الله الحسين (ع) ـ وهو مظهر الإيثار والشهادة ـ هذه الحادثة في دعاء عرفة الشريف فيقول: «وممسك يدي إبراهيم عن ذبح ابنه بعد كبر سنّه وفناء عمره».‏

الامتحان اجتياز للمحنة‏

هذا الإيثار وهذا التجاوز هو رمز للمؤمنين الذين يرومون السير في طريق الحقيقة والتعالي والعروج إلى المدارج العليا. الأمر غير ممكن من دون تضحية. هذه هي في الواقع النقطة الرئيسة في كل الامتحانات التي نمرّ بها.. القضية قضية إيثار وتضحية. والتضحية تكون أحياناً بالروح وأحياناً بالمال وقد تكون أحياناً تراجعاً عن كلام تفوّه به شخص ويريد أن يبقى عليه بكل إصرار ولجاجة. والتضحية في بعض الأحيان هي تضحية بالأعزاء والأحبة والأبناء والأقارب. الامتحان معناه اجتياز وادي المحنة. تعرض محنة أو شدّة أمام الإنسان أو الشعب ويكون اجتيازها وعبورها هو الامتحان. إذا استطاع ذلك الممتحَن عبورها فسيصل إلى هدفه ومقصده. وإن لم يستطع ـ إي لم يستطع تفجير المواهب الكامنة في وجوده والتغلب على هوى نفسه ـ فسوف يبقى يراوح مكانه، هذا هو الامتحان. ليس الامتحان الإلهي من أجل أن يعرفنا الله ويرى ما هي أوزاننا وحدود قدراتنا. إنما الامتحان نفسه خطوة نحو الهدف والغاية. حينما نمتحن فمعنى ذلك أننا إذا استطعنا اجتياز الشدة والمحنة فسوف نعيش واقعاً جديداً وحياةً جديدةً ومرحلةً جديدةً. ولا فرق بين الفرد والأمة في هذا المجال.‏

حياة الإنسان مليئة في كل خطوة بالامتحانات. إذا استطعنا الانتصار على هوى أنفسنا، واستخدام بصيرتنا، ومعرفة الظروف، وإدراك ما هو العمل الواجب أو اللازم القيام به، فسوف يوفر هذا لنا مرتبة جديدة من مراتب الحياة، فهو إذاً سموّ ورقيّ.‏

إبراهيم العصر‏

وأرى لزاماً عليَّ أن أتحدَّث في هذا المجال عن عوائل الشهداء هؤلاء الذين صبروا وفخروا بشهدائهم. ثمة عوائل قدمت ثلاثة شهداء. وهناك عوائل كان لها ولد واحد فقدمته شهيداً. هؤلاء هم إبراهيم العصر الذين يصنعون هوية الشعب ويمنحونه العزة والكرامة.‏

ما من شعب يصل إلى غاياته بالقعود والأكل والنوم والاعتماد على الأجانب وتحكيم الأهواء والنزوات في الحياة. الذين يطلقون الكلام والآراء السلبية عند الحديث عن الدفاع المقدس، ويغمزون ويلمزون عند الحديث عن الشهادة، ويقطبون وجوههم إذا جرى الكلام عن المعاقين والمضحين، ويبتسمون استهزاءً عند الحديث عن التقدم العلمي وتحطيم حدود العلم، هؤلاء لا يدركون شيئاً عن تأثير الإيمان والتحرك والجهاد.‏

حينما يؤمن الشعب بالجهاد فسوف يتقدم على كافة الأصعدة. وليس الجهاد مجرد حمل البنادق، إنما الجهاد هو أن يرى الإنسان نفسه دوماً في ساحة النشاط والحركة والكفاح ضد العقبات والموانع والعراقيل، ويشعر بالواجب والالتزام. هذا هو الجهاد الإسلامي. الجهاد أحياناً بالنفس وأحياناً بالمال وأحياناً بالفكر وأحياناً برفع الشعارات وأحياناً بالنزول إلى الشوارع وأحياناً بالحضور عند صناديق الاقتراع.. هذا هو الجهاد في سبيل الله وهو ما يحقق الرشد والنمو للشعب، ويمنحه الطراوة والتوثب والحركية والأمل، ويتقدم به إلى الأمام.‏

هكذا يواجهون الشعوب‏

الجبهة المعادية للإسلام والثورة الإسلامية والنظام الإسلامي التي تكونت في العالم تريد العمل ضد هذه الظاهرة العظيمة وأمثالها. فكيف تستطيع العمل ضدها؟‏

من أجل مجابهة مثل هذا الشعب فإنهم يركزون على خلق التصدعات والتباعد بين أبنائه وزرع الشقاق والصراع بينهم، وكذلك بث سوء الظن بين أبناء الشعب، وبين الشعب والمسؤولين، ونشر اليأس في الأجواء والنفوس إنما هو من تلك السبل والأدوات.‏

ومن السبل الأخرى نشر الفساد الأخلاقي في المجتمع. وعلى الجميع وخصوصاً الشباب الحذر. الفساد والانحطاط الأخلاقي يُستخدم للأسف كأداة لخدمة الأهداف السياسية الاستكبارية. وفي العديد من مناطق العالم يستخدمون المخدرات كوسيلة لخدمة الأهداف السياسية ـ ومن أجل ملء الجيوب أيضاً ـ في سبيل تحطيم الشعوب والقضاء عليها وتدميرها.‏

حينما يتحلى الشعب بالإيمان فسيشعر أنه لن يضيع له أي عمل ولن يذهب سدى. كل أعمال الإنسان تكتسب المعاني بفضل الإيمان، ويتوجب الحفاظ على هذا الإيمان.‏

•مقتطف من خطبة الإمام الخامنئي (دام ظلّه) في عيد الأضحى المبارك في 17/ 11/ 2010م‏