الشرط الخامس: أن يكون إمامياً اثني عشريّاً

 

والاستدلال لاعتباره من طريقين:

 

أحدهما: أن يستدلّ بخبر مسعدة بن صدقة وخبر تفسير النعماني ورسالة سعد ابن عبد الله الماضيين ذيل الطائفة الثانية من الآيات ـ أعني الآيات الناهية عن اتّخاذ الكفّار أولياء ـ فإنّ الإمام الصادق (عليه السلام) على ما في خبر مسعدة عدّ مَن دخل من الشيعة في أعمال ولاة الجور في زمرة أولئك الولاة وجعلهم مشمولين للنهي عن اتّخاذ الكفّار أولياء الوارد في الآيات المزبورة. كما أنّه في الخبر الثاني نهى أمير المؤمنين (عليه السلام) أن لا يدين أحد في الباطن بما يظهره المخالفون المستولون على الأمّة مستشهداً له بآية النهي عن اتّخاذ الكفّار أولياء، واستثنى منه مورد التقية كما ورد في نفس الآية المباركة أيضاً حيث يقول: «إلاّ أن تتّقوا منهم تقاة»ً فلا محالة يدلّ هذان الخبران على عدم جواز تولّي أهل الخلاف وعلى عدم جواز الدخول في أعمالهم إلاّ لضرورة التقية.

 

لكن لقائل أن يقول: إنّ المذكور في الخبرين هو النهي عن اتّباع ولاة الجور المستولين على الأمّة، والظاهر أنّ المراد منهم مَن غصب حقّ أئمّة الحقّ الهداة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، فهم الغاصبون لمقامهم زمن حضورهم وظهورهم، ومن المعلوم أنّ مثلّ ذاك الزمان خارج عن مفروض بحثنا، وذلك أنّ موضوع البحث إنّما هو مَن يتصدّى لولاية أمر الأمّة في زمن الغَيبة. وبعبارة أخرى: مفروض الكلام أن يقوم أتباع أهل البيت من الشيعة الاثني عشرية بصدد تأسيس حكومة إسلامية يكون وليّ أمرها مَن لا يخرج عن محدودة اختيارهم، فإن كان مَن ينتخبون لتصدّيها من أهل الخلاف ممّن يرضى أتباع أهل البيت ولايته لوجدانهم له أهلاُ وواجداً لجميع الشرائط اللازمة فموضوع هذين الخبرين غير شامل لمثله، فليس في الخبرين حجّة على اعتبار أن يكون وليّ الأمر من الشيعة الإمامية الاثني عشرية. هذا مضافاًٍ إلى ما مرّ من عدم اعتبار سنديهما.

 

الطريق الثاني للاستدلال على أنّ التشيّع شرط: أنّه سيأتي إن شاء الله تعالى أنّ العدالة شرط في ولي الأمر، ومفهوم العدالة هو أن لا يرتكب الإنسان معصية كبيرة، وقد دلّت أدلّة معتبرة على أنّ معرفة الأئمّة المعصومين الاثني عشر واجبة وأنّ إطاعتهم أيضاً واجبة، وكلا الواجبين من أكبر الفرائض، فمن كان غير اثني عشري فقد ارتكب معصيتين كبيرتين ويصرّ دائماً على كلتا المعصيتين، فهو لا محالة فاسق فاقد لشرط العدالة.

 

أمّا الدليل على أنّ معرفة الأئمّة جميعهم واجبة من أوجب الواجبات ـ بعد الإغماض عن أن ّالاعتقاد بإمامتهم من أصول المذهب ـ فهو روايات عديدة نذكر طرقاً منها:

 

1ـ فمنها ما رواه في الكافي بسنده الصحيح عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال: إنّ الله عَزّ وجَلّ بعث محمّداً صلّى الله عليه وآله إلى الناس أجمعين رسولاً وحجّةً لله على جميع خلقه في أرضه فمن آمن بالله وبمحمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واتّبعه وصدّقه فإنّ معرفة الإمام منّا واجبة عليه، ومَن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتّبعه ولم يصدّقه ويعرف حقّهما فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقّهما؟! قال: قلت: فما تقول في مَن يؤمن بالله ورسوله ويصدّق رسوله في جميع ما أنـزل الله يجب على أولئك حقّ معرفتكم؟ قال (عليه السلام): نعم، أليس هؤلاء يعرفون فلاناً وفلاناً؟ قلت: بلى، قال: أترى أنّ الله هو الّذي أوقع في قلوبهم معرفة هؤلاء؟ والله ما أوقع ذلك في قلوبهم إلاّ الشيطان، لا والله ما ألهم المؤمنين حقنا إلاّ الله عَزّ وجَلّ[1].

 

ودلالة الصحيحة على وجوب معرفة الإمام منهم (عليهم السلام) وأنها عِدل لوجوب معرفة الله ومعرفة رسوله واضحة، وتدلّ على أنّ مَن لم يعرف الله والرسول فربما لم يكن له مجال أن يقال فيه بوجوب معرفة الإمام، وهو بخلاف مَن أسلم وآمن بالله والرسول. وقد أفاد في ذيله أنّ اتّباع الشيطان يوجب أن يعتقد الإنسان بإمامة غيرهم وإن لم يعص الله، فالله تعالى يلهم في قلوب المؤمنين معرفة أئمّة الحقّ، فلكلّ أحدٍ مسير إلى معرفتهم ولا ينحرف عنها إلاّ مَن عصى الله واتّبع الشيطان فالصحيحة دليلٌ تامٌ على المطلوب.

 

2ـ ومنها ما رواه فيه عن ذريح بن يزيد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام): مَن الأئمّة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إماماً، ثُمّ كان الحسن (عليه السلام) إماماً، ثُمّ كان الحسين (عليه السلام) إماماً، ثُمّ كان علي بن الحسين (عليه السلام) إماماً، ثُمّ كان محمّد بن علي (عليهما السلام) إماماً، مَن أنكر ذلك كان كمن أنكر معرفة الله تبارك وتعالى ومعرفة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم). ثُمّ قال: فقلت: ثُمّ أنت جعلت فداك؟ ـ فأعدتها عليه ثلاث مرّات ـ فقال لي: إنّي إنّما حدّثتك لتكون من شهداء الله تبارك وتعالى في أرضه[2].

 

فالحديث كما ترى يدلّ على أنّ معرفة الأئمة الحق واجبة، وأنّ إنكارهم بمنـزلة إنكار الله والرسول، فلا محالة تكون من أكبر الفرائض. ومن المعلوم أنّ وجوب المعرفة ليس بالنسبة إلى خصوص الخمسة أو الستّة المذكورين منهم (عليه السلام) بل إنّ حكم كلّ منهم حكم الآخر فيجب معرفة جميعهم وجوباً، وهي من أعظم الوظائف.

 

3ـ ومنها ما رواه عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إنّما يعرف الله عَزّ وجَلّ ويعبده مَن عرف الله وعرف إمامه منّا أهل البيت، ومَن لا يعرف الله عَزّ وجَلّ و (لا) يعرف الإمام منّا أهل البيت فإنّما يعرف ويعبد غير الله، هكذا والله ضلالاًٍ[3].

 

فقد جعل معرفة الإمام عِدلاً لمعرفة الله، وحكم بأنّ مَن لم يعرف الإمام فقد عبد غير الله، فلا محالة تكون معرفة الإمام من أكبر الفرائض.

 

4ـ ومنها ما رواه أيضاً بسنده الصحيح عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كلّ مَن دان الله عَزّ وجَلّ بعبادة يُجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضالٌ متحيّر، والله شانئ لأعماله، ومثله كمثل شاة ضلّت عن راعيها وقطيعها فهجمت ذاهبة وجائية يومها، فلمّا جنّها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها فحنّت إليها واغترّت بها فباتت معها في مربضها، فلما أن ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها، فهجمت متحيّرة تطلب راعيها وقطيعها فبصرت بغنمٍ من راعيها فحنّت إليها واغترّت بها فصاح بها الراعي: إلحقي براعيك وقطيعك فأتت تائهة متحيّرة عن راعيك وقطيعك، فهجمت ذعرة متحيّرة تائهة لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردّها، فبينا هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها، وكذلك والله يا محمّد من أصبح من هذه الأمّة لا إمام له من الله عَزّ وجَلّ ظاهر عادل أصبح ضالاً تائهاً، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق. واعلم يا محمّد أنّ أئمّة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله، قد ضلّوا وأضلّوا، فأعمالهم الّتي يعملونها ﴿كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيد﴾[4].

 

ودلالتها على وجوب أن يكون لكلّ مسلم إمام من الله تعالى وأنّ مَن لا إمام له فإنّ الله تعالى شانئ ومبغض لأعماله لا يقبلها وغاية أمره أن يفترسه الذئب الّذي هو الشيطان فيأكله وأنّه ضالٌ تائه إن مات على تلك الحالة مات ميتة كفر ونفاق واضحة. فمعرفة الإمام الحقّ من أكبر الواجبات، يكون تركها بمنـزلة الكفر والنفاق.

 

ثُمّ إنّ المراد من وصف الظاهر أن يكون الإمام واضحاً لا تردّد فيه لا أن لا يكون غائباً كما هو واضح.

 

إلى غير ذلك من روايات كثيرة ربما يأتي ذٍكر بعضها في الروايات الدالّة على وجوب طاعة الإمام.

 

وأمّا الدليل على أنّ إطاعة كلّ من الأئمّة الاثني عشر واجبة وأنّها من أكبر الفرائض فروايات عديدة:

 

1ـ منها ما رواه في الكافي بسنده الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ذُروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى الطاعة للإمام بعد معرفته، إنّ الله تبارك وتعالى يقول: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾[5]. وزاد عليه في باب دعائم الإسلام منه: أمّا لو أنّ رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدّق بجميع ماله وحجّ جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على الله جلّ وعزّ حقّ في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان[6].

 

وهذه الصحيحة كما ترى دالّة على وجوب معرفة الإمام ووجوب إطاعته بعد معرفته، فقد جعلهما أعلى درجات الأمر الّذي هو الحقّ ومفتاحاً وحيداًَ له وباب جميع الأشياء الّتي هي طلباته تعالى ورضاً لله الرحمن. وقراءة آية «من يطع الرسول فقد أطاع الله» هنا فيها دلالة على أنّ إطاعة الإمام (عليه السلام) أيضاً في حدّ إطاعة الله تعالى، وقد زاد على هذه المعاني في ما زاد أنّ مَن لم يعرف الإمام الّذي هو وليّ الله فلم يطعه فما كان له على الله حقّ الثواب ولا كان من أهل الإيمان. وبالجملة: فدلالة الصحيحة على وجوب معرفة الإمام ووجوب طاعته واضحة كوضوح دلالتها على أنّهما من أكبر الفرائض الإلهية.

 

2ـ ومنها ما رواه فيه بسنده الصحيح عن عيسى بن السري قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): حدّثني عمّا بُنيت عليه دعائم الإسلام إذا أنا أخذت بها زكي عملي ولم يضرّني جهل ما جهلت بعده، فقال (عليه السلام): شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والإقرار بما جاء به من عند الله، وحقّ في الأموال من الزكاة، والولاية الّتي أمر الله عَزّ وجَلّ بها ولاية آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «مَن مات ولا يعرف إمامه مات ميتةً جاهلية»، قال الله عَزّ وجَلّ: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾[7] فكان علي (عليه السلام)، ثُمّ صار من بعده حسن، ثُمّ من بعده حسين، ثُمّ من بعده عليّ بن الحسين، ثُمّ من بعده محمّد ابن علي (عليهم السلام)، ثُمّ هكذا يكون الأمر. إنّ الأرض لا تصلح إلاّ بإمام، ومَن مات لا يعرف إمامه مات ميتةًٍ جاهلية، وأحوج ما يكون أحدكم إلى معرفته إذا بلغت نفسه هاهناـ قال: وأهوى بيده إلى صدره ـ يقول حينئذٍ: لقد كنت على أمرٍ حسَن[8].

 

فهذه الصحيحة جعلت ولاية آل محمّد صلوات الله عليه وعليهم الّذين عرفتهم بالأئمّة المعصومين من دعائم الإسلام وعبّر عنها ثانيةً بإمامتهم وحكى عن النبيّ ثُمّ أنشأ هو نفسه أنّ «مَن مات ولا يعرف إمامه مات ميتةً جاهلية» فلا محالة يكون معرفة الإمام من أكبر الفرائض ويكون تركها عِدلاً للشرك بالله عَزّ وجَلّ. ثُمّ بعد ذِكر وجوب معرفتهم تلا قوله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ وتلاوته كما ترى بمعنى تطبيق أولي الأمر المذكور، في الآية المباركة على هؤلاء الأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، فيكون بحكم الآية الشريفة إطاعتهم واجبة وعِدلاً في المرتبة لإطاعة الله والرسول، فتكون من أكبر الفرائض.

 

2ـ ومنها ما رواه أيضاً بسنده الصحيح إلى أبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): نحن قوم فرض الله عَزّ وجَلّ طاعتنا، لنا الأنفال، ولنا صفو المال، ونحن الراسخون في العلم... الحديث[9].

 

ودلالة هذه الصحيحة أيضاً على وجوب إطاعة الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) واضحة لا تخفى.

 

4ـ ومنها ما رواه أيضاً بسندٍ معتبر عن إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أعرض عليك ديني الّذي أدين الله عَزّ وجَلّ به. قال: فقال: هات، قال: فقلت: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وأنّ علياً كان إماماً فرض الله طاعته، ثُمّ كان بعده الحسن إماماً فرض الله طاعته، ثُمّ كان بعده الحسين إماماً فرض الله طاعته، ثُمّ كان بعده علي بن الحسين إماماً فرض الله طاعته حتّى انتهى الأمر إليه، ثُمّ قلت: أنت يرحمك الله؟ فقال: هذا دين الله ودين ملائكته[10].

 

ودلالة هذه المعتبرة على أنّ كلّ واحدٍ من الأئمّة المعصومين (عليه السلام) فرضٌ من الله تعالى وأنّه من دين الله ودين ملائكته واضحة، فكون فرض طاعتهم من دين الله ودين الملائكة دليلٌ على عظم وجوبها.

 

وهناك روايات كثيرة أخرى تدلّ على فرض طاعة الأئمّة كصحيح منصور بن حازم ومعتبر الحسين بن أبي العلاء[11] وغيرهما من روايات عديدة لا نرى حاجة بِذكرها لا سيّما ولا معارض لشيءٍ منها.

 

ولا بأس بِذكر خبرٍ واحد يدلّ على أنّ جميع الأئمّة حكمهم في وجوب طاعتهم واحد، وهو ما رواه الكليني بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الأئمّة (عليهم السلام) هل يجرون في الأمر والطاعة مجرىً واحد؟ قال: نعم[12].

 

والإنصاف أنّ الروايات الدالّة على وجوب معرفتهم ووجوب طاعتهم (عليه السلام) كثيراً جداً توجب لنا العلم بوجوبها، وفيها أخبار معتبرة عديدة تدلّ على أنّ كلا الوجوبين من أعظم التكاليف، وقد مرّت عدّة منها وعليه، فمن لم يعرف إمامتهم أو إمامة واحدٍ منهم أو لم ير على نفسه وجوب الإطاعة عنهم (عليهم السلام) فقد ارتكب معصيةً كبيرة وخرج من العدالة وكان من الفاسقين، بل مع غض العين عن كونها معصية كبيرة فالإصرار على كلّ واحدةٍ من المعصيتين طول العمر ـ كما في أهل الخلاف أو في مَن لا يعتقد إمامة بعض الأئمّة (عليه السلام) ـ يوجب أن يكون المصرّ عليها من الفسّاق، ولا محالة كانت فاقدة لشرط العدالة، ولذلك فالتشيّع الإثنى عشريّ شرط في وليّ الأمر بلا ريب ولا أشكال.

 

الشرط السادس:  أن يكون عادلاً

 

والمراد بالعدالة أن يكون الإنسان بحيث لا يرتكب كبيرة ولا يصرّ على صغيرة وقد فسّرها الفقهاء به عندما تعرّضوا لاعتبارها في بعض الأشخاص كما في البحث عن اعتبار العدالة في أمام الجماعة أو في الشاهد، وذكروا أنّ الشارع الأقدس قد جعل حُسن الظاهر ـ بمعنى أن لا يرى مَن يعيش مدّة معه منه ارتكاب كبيرة ولا إصرار على صغيرة ـ أمارة لها. والكلام عن هذه المطالب موكول إلى محلّه، والذي يجب التنبّه له هنا أنّ وليّ الأمر يجب عليه تكاليف كثيرة يقتضيها سعة ولاية أمره ـ كما مرّ البحث عنها عند التعرّض لاختيارات ووظائف وليّ الأمر ـ فهو كأحد الأفراد من الرعايا يكلّف مثلهم بتكاليفهم من الواجبات والمحرّمات، ويزيد عليهم بتكاليف أخرى تقتضيها ولاية أمره كوجوب أمر الناس بالجهاد الابتدائي والدفاع ووجوب نصب القضاة الواجدين للشرائط لحلّ المخاصمات وإجراء الحدود والتعزيرات ووجوب صرف الأموال في الموارد اللازمة، إلى غير ذلك من تكاليف عديدة كثير منها يكون ترك العمل بها من الكبائر.

 

ولا محالة يكون تحقّق العدالة فيه بأن لا يرتكب كبيرة من الكبائر الّتي يتصوّر إثباتها من عامّة الناس, وبأن لا يرتكب أيضاً المعصية الكبيرة المتحقّقة بالنسبة إلى شخصه من جهة الوظائف الّتي يوظّف بها من حيث إنّه وليّ الأمر.

 

وبعد ذلك نقول: قد استدلّ أو يمكن أن يستدلّ لاشتراط العدالة في وليّ الأمر بوجوه:

 

الأوّل: ما في الدراسات من حكم العقل باعتباره فيه ومراده ـ كما ذكره في الفصل الثاني من الباب الرابع من الكتاب ـ أنّ العقلاء يعتبرون في مَن يفوّضون أمراً إليه أن يكون أميناً يُعتمد عليه، وإلاّ لجاز أن يخون في أصل العمل أو في كيفيّته، وإدارة شؤون الأمّة من أهمّ الأمور فلا محالة يشترط في الوالي بحكم العقل والفطرة أن يكون أميناً يُعتمد عليه[13].

 

أقول: وأنت خبير بأنّ اعتبار العدالة بمعنى الأمانة المذكورة في كلامه إنّما يقتضي اعتبار عدالته بالنسبة للتكاليف المتوجّهة إلى وليّ الأمر من جهة أنّه وليّ الأمر، وإلاّ فمن كان فاسقاً من جهة بعض التكاليف المتعلّقة به من حيث إنّه أحد أفراد الناس وكان أميناً في الأمور المحوّلة إليه بما أنّه وليّ الأمر فاعتبار الأمانة المزبورة لا يقتضي عدم جواز الاعتماد عليه كما هو واضح، فهذا الاستدلال من هذه الجهة عليل.

 

الوجه الثاني: أن يستدلّ بآيات متعدّدة من القرآن الكريم:

 

1ـ فمن هذه الآيات قوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾[14].

 

والاستدلال به بملاحظة أنّه تعالى قد جعل لإبراهيم على نبيّنا وآله وعليه السلام مرتبة الإمامية، والإمامية مساوقة لولاية الأمر على الناس، وهو (عليه السلام) استدعاها لذريّته فأجابه تعالى بأنّه لا ينال عهدي ـ يعني الإمامة ـ الظالمين، والظلم عبارة أخرى عن العصيان، فالآية المباركة تجعل العصيان مانعاً عن التشرّف بعهد الإمامة والولاية، وهو المطلوب.

 

وتمامية الاستدلال بها كما ترى متوقّفة على أمرين: كون الإمامة مرادفة أو مساوقة للولاية، وكون الظلم بمعنى العصيان.

 

أمّا مساوقة الإمامة للولاية فربما تستشكل بأنّ الإمامة تصدق عليه مثل مجرد مرجعية أحد لبيان أحكام الله تعالى، وعلى مثل أن يُقتدي بأحدٍ في صلاة الجماعة مثلاً، وعلى أمثال هذه المعاني فأيّ ملزم لأنّ يراد بها المرجعية لإدارة أمور الناس؟ فمع احتمال غير هذا الأخير لا حجّة في الآية الشريفة.

 

وتبيينا لهذا الاستشكال أقول: إن «الأمّ» الّذي هو مبدأ لفظ «الإمام» ـ كما في مفردات الراغب ـ بمعنى القصد المستقيم وهو التوجّه نحو مقصوده ـوعلى ذلك ﴿آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾[15]. وعليه فالإمام فعال بمعنى المفعول يعني المقصود. قال الراغب أيضاً: «الإمام المؤتمّ به إنساناً كأن يقتدى بقوله أو فعله، أو كتاباً أو غير ذلك، محقّاً كان أو مبطلاً، وجمعهُ أئمّة». وقد استعمل في القرآن الكريم في المحقّ والمبطل وفي غير مَن له الولاية:

 

فقد قال تعالى في مشركي مكّة الناكثين لعهدهم مع المسلمين: ﴿وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ﴾[16].

 

فقد أطلق الإمام على هؤلاء المشركين المبطلين، وواضح أنّهم لم يكونوا أولياء الأمر للكفر ولا لجميع الكفّار.

 

وقال تعالى في سورة الإسراء: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً * وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾[17].

 

وقال تعالى في سورة القصص في فرعون وجنده: ﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ﴾[18].

 

ففي آيتي الإسراء أطلق «الإمام» على المبطل وعلى المحقّ. وفي آية القصص على المبطلين. ومن المعلوم أنّ عدّ فرعون نفسه وليّ أمر الفسقة وإن كان ممكناً إلاّ أنّ جنوده لم يكونوا كذلك.

 

وفي سورة الأنبياء قال تعالى: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾[19].

 

فقد أطلق «الإمام» على الأربعة المذكورين مع أنّه لو يعلم ولاية جميعهم بل كان إبراهيم إماماً للوط على ما في بعض الأخبار[20].

 

وقال تعالى في أوصاف عباد الرحمن المذكورين في الآيات الأواخر من سورة الفرقان: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾[21].

 

فهؤلاء العباد الموصوفون بأوصاف عالية استدعوا الله أن يجعلهم إمام المتّقين. وفي أخبار عديدة رواها صاحب تفسير البرهان أريد من هؤلاء العباد أئمّة أهل البيت (عليه السلام) وأنّ الإمام المذكور في هذه الآية هو أمير المؤمنين (عليه السلام). والظاهر أنّه من المصاديق الجلية. وكيف كان، فيمكن إرادة ما يساوق وليّ الأمر من الإمام المذكور في هذه الآية.

 

فبالتأمّل في هذه الآيات المباركة يُعلم أنّ الإمام ربما يُطلق على مَن ليس له ولاية فيتمّ الاستشكال.

 

إلاّ أنّه يمكن الجواب عنه بأنّ الآيات ليست قرينة على أنّ الإمام لا يمكن أن يُطلق على مَن كان وليّ أمر الناس كما كان كذلك في إبراهيم وفرعون، وحينئذٍ فانّ لنا قرينة على إرادة هذا المعنى من الآية الّتي تكون محلّ الاستدلال.

 

أ ـ فقد روى الكليني بسنده الصحيح عن هشام بن سالم قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): الأنبياء والمرسلون على أربع طبقات: فنبيٌّ منبّأ في نفسه لا يعدو غيرها، ونبيٌّ يرى في النوم ويسمع الصوت ولا يعاينه في اليقظة ولم يُبعث إلى أحد وعليه إمامٌ مثل ما كان إبراهيم على لوط (عليهما السلام)، ونبيٌّ يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك وقد أرسل إلى طائفة قلّوا أو كثروا كيونس، قال الله ليونس ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾[22] قال: يزيدون ثلاثين ألفاً وعليه إمام والذي يرى في نومه ويسمع الصوت ويعاين في اليقظة وهو إمام مثل أولي العزم، وقد كان إبراهيم نبيّاً وليس بإمام حتّى قال الله: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ﴾ الله ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾[23] مَن عبد صنماً أو وثناً لا يكون إماماً[24].

 

فوجه قرينية هذه الصحيحة أنّ قوله (عليه السلام) ذيل الآية المباركة مفرّعاًٍ عليها: «مَن عبد صنماً أو وثناً لا يكون إماماً» ظاهره إرادة إبطال إمامة عمر وأبي بكر بأنّهما عبدا الأصنام فلا يصلحان للإمامة، ومن المعلوم أنّ الإمامة لهما لم تكن إلاّ في قالب ولاية أمر الأمّة فبالنتيجة تكون الصحيحة شاهدة على رادة المعنى المساوق لوليّ الأمر من الإمام المذكور في الآية، بل إن ادّعى أحدٌ أنّ لفظ «الإمام» المذكور فيها ظاهر بنفسه في المعنى المزبور فلم يدّع ادّعاءً بعيداً، وذلك أنّ ظاهر ذِكر هذا الذيل أنّه معنى مستفاد من الآية بالارتكاز العرفي لا أنّ التعبّد أوجب إرادة هذا المعنى، فتأمّل جيّداً.

 

ثُمّ إنّ صحيحة هشام قد رواها الشيخ المفيد في الاختصاص بسنده الصحيح عن الكليني، والعبارة المنقولة بعد ذيل الآية هكذا: «مَن عبد صنماً أو وثناً أو مثالاً لا يكون إماماً»[25] وهو ـ كما ترى ـ مثل ما في الكافي في الدلالة.

 

ب ـ وفي صحيحة عيسى بن السري ـ المنقولة في الكافي، وقد مرّت بتمام عبارتها في عداد الأخبار الدالّة على أنّ وجوب طاعة الإمام من أكبر الفرائض[26] ـ عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنّه قال في عداد دعائم الإسلام: ... والولاية الّتي أمر الله عَزّ وجَلّ بها ولاية آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: مَن مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية... الحديث[27] فإنّ الاستدلال بكلام الرسول لأنّ ولايتهم من دعائم الدين إنّما يتمّ إذا كان الإمام في ارتكاز عرف ذاك الزمان مساوقاً لوليّ الأمر، إذ المذكور في النبيّ الإمامة لا الولاية، وحمل الاستدلال به على إعمال التعبّد خلاف الظاهر. إلى غير ذلك من القرائن.

 

وكيف كان، فمساوقة الإمام المذكور في الآية المباركة لوليّ الأمر لا شبهة فيها.

 

وأمّا أنّ كلّ مَن عصى الله فهو ظالم فيدلّ عليه قوله تعالى: ﴿الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[28].

 

بيان الدلالة: أنّ المذكور في الآية المباركة من أحكام الله تعالى أنّ في مرّتين من الطلاق هما الطلاق الأوّل الرجعي والثاني يكون المطلّق مختاراً بعده في إمساك زوجته المطلّقة أو تسريحها بوجهٍ مشروع وأنّه لا يحلّ أخذ شيءٍ من مهر الزوجة المطلّقة إلاّ الفدية المذكورة بالشرط المذكور، فبعد ذكر هذه الأحكام قال تعالى: «تلك حدود الله فلا تعتدوها» والإشارة لعلّها إشارة إلى خصوص الأحكام المزبورة فقط أو إلى بعض أحكام أخر مذكورة في الآية الّتي قبل هذه الآية أيضاً. وكيف كان، فإطلاق الحدود على الأحكام المزبورة إنّما هو لأجل أنّ كلّ حرمة أو إيجاب حدّ على المكلّف يجعل عليه أن لا يتجاوزه، فلا يرتكب الحرام ولا يترك الواجب، فالمكلف في حدّ قانوني، وقد صرّح تبارك وتعالى بقوله: «ومن يتعدّ حدود الله فأولئك هم الظالمون» وهو تبيين لأنّ كلّ من ارتكب الحرام أو ترك الواجب فهو ظالم، فلا محالة يدخل الآثم الفاسق في عموم قوله تعالى: «لا ينال عهدي الظالمين» وهو المطلوب. فكلا الأمرين اللذين يتوقّف عليهما الاستدلال بالآية على مانعية الفسق حاصل، ومعه فالاستدلال بها تامّ.

 

2ـ ومن الآيات الّتي استدلّ بها لاعتبار العدالة في وليّ الأمر قوله تعالى في سورة هود: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾[29].

 

استدلّ بها العلاّمة في التذكرة[30]. وموضع الاستلال الجملة الأولى من الآية المباركة حيث نهى عن الركون إلى الّذين ظلموا وصرّح بأنّ الركون إليهم يوجب مسّ النار، فلا محالة يكون معصية كبيرة. والركون إلى الشيء أن يجعل ركناً يستند إليه، فجعلُ أحدٍ وليّ أمر القوم لا محالة يلزمه أن يستند إليه في جميع الأمور والمهامّ العامّة الّتي أمرها بيده، الّتي قد مرّ أنّ ولايته تستلزم وجوب طاعته في تلك الموارد ويكون أمر جميع الأمّة في تلك الموارد بيده وتحت اختياره، فالأمّة كلّهم يستندون إليه وإلى عزمه واختياره فيها، فلا ريب في أنّ ولاية أحد يلزمها الركون إليه. هذا من ناحية.

 

ثُمّ قد عرفت ممّا قدمناه ذيل الآية الأولى أنّ كلّ مَن كان فاسقاً ـ بعناية أنّه تعدّى حدود الله وأحكامه الإلزامية ـ فهو من الظالمين، فالفاسق داخل في عموم «الّذين ظلموا» فولايته ركون إلى الّذين ظلموا فتكون منهيّاً ومعصيةً كبيرة بحكم الآية المباركة. فدلالة الآية الكريمة على المطلوب تامّة.

 

وممّا يشهد لأنّ تولّي الفاسق داخل في الآية الشريفة ومنهيّ عنه محرّم ما رواه الكليني عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عَزّ وجَلّ: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ قال (عليه السلام): هو الرجل يأتي السلطان فيحبّ بقاءه إلى أن يُدخل يده إلى كيسه فيعطيه[31].

 

فإنّ الرواية عدّت مجرّد حبّ بقاء السلطان غير الأهل بهذا المقدار القليل مصداقاً للركون إليه، فتدلّ على أنّ الاستناد إليه لتمشية أمور الأمة من مصاديقه بطريق أوضح. هذان إلاّ أنّ الرواية ضعيفة السند بالمرفوعية.

 

3ـ ومن هذه الآيات قوله تعالى خطاباً للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿إِنَّا نَحْنُ نـزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنـزيلًا * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾[32].

 

فموضع الاستدلال هو الفقرة الأخيرة من الآية الثانية، حيث نهى الله تعالى نبيّه عن إطاعة الآثم، والنهي دليل المنع البتّي والتحريم، والآثم هو متحمّل الإثم والآتي به، والإثم وإن فسّره الراغب في المفردات بأنّه اسمٌ للأفعال المبطئة عن الثواب فربما يتوهّم عدم اختصاصه بالمحرّمات إلاّ أنّه مع ذلك شامل للمحرّمات أيضاً، فإنّها موجبة للعقاب، وإيجاب العقاب مرحلة أعلى من الإبطاء عن الثواب. على أنّ قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنـزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾[33] يدلّ بوضوح على أنّ الإثم من جملة ما حرّمه الله تعالى، فالآثم مرتكب للحرام وتحرم إطاعته. وتوهّم اختصاصه بالحرام فلا يدلّ على أنّ ترك الواجب إثمٌ مندفع بإلغاء الخصوصية عنه إلى كلّ ما كان مخالفة لتكليف إلزامي.

 

هذا، وقد روى الكليني بسنده عن عليّ بن يقطين قال: سأل المهديّ أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمر هل هي محرّمة في كتاب الله عَزّ وجَلّ؟ فإنّ الناس إنّما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها. فقال أبو الحسن (عليه السلام): بل هي محرّمة في كتاب الله عَزّ وجَلّ يا أمير المؤمنين، فقال: في أيّ موضع هي محرّمة في كتاب الله جلّ اسمه يا أبا الحسن؟ فقال: قول الله عَزّ وجَلّ: «قل إنّما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ». فأمّا قوله: «ما ظهر منها» يعني الزنا المعلَن ونصب الرايات الّتي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية. وأمّا قوله عَزّ وجَلّ: «وما بطن» يعني ما نكح من الآباء، لأنّ الناس كانوا قبل أن يبعث النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا كان للرجل زوجة ومات عنها تزوجها ابنه من بعده إذا لم تكن أمّه، فحرّم الله عَزّ وجَلّ ذلك. وأما الإثم فإنّها الخمرة بعينها، وقد قال الله عَزّ وجَلّ في موضعٍ آخر: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾[34] فأمّا الإثم في كتاب الله فهي الخمرة والميسر، وإثمهما أكبر، كما قال الله تعالى... الحديث[35].

 

فالرواية أيضاً قد صرّحت بدلالة الآية المباركة على تحريم الإثم وهو المطلوب وما فيها من تطبيق الإثم على خصوص الخمرة والميسر فهو من باب مجرّد التطبيق المدلول عليه بآيات آخر من القرآن الشريف، ولا ينافيه إطلاقه وشموله لكلّ شيءٍ آخر كان مبغوضاً عند الله تعالى، كما ورد في بعض المراسيل ذيل الآية «فخبّر الله عَزّ وجَلّ أن الإثم في الخمر وغيرها، وأنه حرام»[36]. هذا، إلاّ أنّ الروايتين غير معتبرة السند لضعف عليّ ين أبي حمزة وأبيه في سند الأولى وإرسال الثانية. فالإثم بإطلاقه حرام كما هو مفاد الآية المباركة.

 

وبالجملة: فالإثم حرام، والآثم هو مرتكب الحرام ـ بل ـ أو تارك الواجب كما عرفت، وقد نهى الله نبيّه عن إطاعته، وبما أنّه في أنّ النهي عن إطاعته إنّما هو لمكان أنّه آثم مذنب فلذلك لا يختصّ تحريم الطاعة بخصوص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل المذنب غير صالح لأن يطاع، ولذلك يستفاد حرمة طاعته على كلّ أحد بإلغاء الخصوصية العرفية، وحيث إنّ ولاية الأمر يلزمها وجوب طاعة وليّ الأمر فلا محالة لا يصلح المذنب أن يكون وليّ أمر الأمة، وهو المطلوب من اعتبار وصف العدالة في وليّ الأمر.

 

4ـ ومن هذه الآيات قوله تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾[37].

 

تقرير الدلالة: أنّه تعالى نهى نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن إطاعة مَن أغفل الله تعالى قلبه عن ذٍِكره واتّبع هواه، وهو شامل لكلّ مَن يعصي الله جل وعلا، فأنّ الله سبحانه إذا كان حاضراً وملتفتاً إليه بجلاله وجماله في قلب العبد فلا يعصيه العبد، والمعصية حصيلة غفلة القلب عنه عزّ شأنه، وهي لا محالة متحقّقة في كلّ واحدةٍ واحدة من المعاصي، لكنّه إذا كان إنسان يستمرّ على الذنب ولا يبالي ولا يترك أيّ ذنب فرضناه فكانت غفلته دائمة مستمرة، وإلاّ فإن عصى الله في موردٍ واحد أو موردين مثلاً فغفلته عن الله تعالى حين ارتكاب الذنب هي الّتي أوجبت وقوعه في الذنب. وحينئذ فموضوع الآية شامل لكل مذنب، وتدل على حرمة إطاعة المذنب. وقد عرفت أن اختصاص الخطاب بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يوجب اختصاص حكم الحرمة به، بل تحريمه إنّما هو بلحاظ انه أذنب واتّبع هواه فيكون لوجود العلّة في الأفراد الأخر أيضاً إطاعته محرّمة عليهم، وهو كما بيّنّاه يؤول إلى اعتبار العدالة في وليّ أمر الأمة.

 

5ـ وقد يستدلّ بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾[38].

 

وموضع الاستدلال الآيتان الأخريتان، حيث استدعى فيهما الكفّار الخالدون في النار أن يعذّب الله تعالى سادتهم وكبراءهم بملاحظة أنّهم أضلوا على الناس الأدنين سبيلهم وأطاعوهم الناس ووقعوا في الضلال، ولا ريب في أنّه يستفاد من الآيتين مبغوضية فعل هؤلاء السادة الكبراء ومبغوضية الإطاعة عنهم، ويكون إطاعته أيضاً محرّمة، فتكون إطاعة وليّ الأمر العامل بالذنب والداعي إليه حراماً، وهو ما نحن بصدده من اشتراط العدالة في وليّ الأمر.

 

إلاّ أنّك خبير بأنّ غاية مدلول الآيات المباركة اعتبار أن لا يكون وليّ الأمر عاملاً بالمعاصي داعياً إليه، وقد مرّ أنّ المدّعى أوسع من ذلك، فأنّ مطلوبنا أنّ وليّ الأمر يجب أن يكون عادلاً بمعنى أن لا يرتكب أي ذنب، فإذا كان بينه وبين الله مذنباً بالنسبة لتكاليف نفسه بما أنّه مسلم أو بالنسبة لتكاليفة بما أنّه وليّ الأمر إلاّ أنّه كان لا يدعو الناس إلى العصيان فمثله ليس داخلاً في مفاد الآية المباركة. فالحقّ أنّ هذه الآيات لا دلالة لها على تمام المطلوب.

 

6ـ كما قد يُستدلّ أيضاً بقوله تعالى حكايةً عن قول صالح لقومه: ﴿وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾[39].

 

تقريب الدلالة: أن الآيتين وإن كانتا حكايةً عن قول صالح على نبيّنا وآله وعليه السلام إلاّ أنّه لا ينبغي الريب في أنّ مفادهما مورد قبول الله تعالى، ويكون ما فيهما مبغوضاً في الإسلام أيضاً، وقد نهتا عن إطاعة أمر الّذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون. وهذا المعنى عبارة أخرى عن الفسق والعصيان فتدلاّن على عدم جواز إطاعة مَن كان فاسقاً، فلا تجوز إطاعة وليّ الأمر إذا كان فاسقاً. وهو كما مرّ عبارة أخرى عن اعتبار العدالة فيه. إلاّ أنّك عارف بضعف الاستدلال، فإنّه إنّما نهى عن إطاعة المفسدين، فمن كان فاسقاً لكنّه كان يريد الإصلاح في أمر الأمّة ويدعوهم إلى طاعة الله ويكون في مقام إعمال ولايته مثل العادل فلا دلالة في الآيتين على المنع عن ولايته وهكذا الأمر في غيره من الفسّاق الّذين لا يفسدون. فهذه الآيات أيضاً لا تثبت تمام المطلوب كما هو واضح.

 

وكفى بالآيات الأربعة الأخر دلالة من الكتاب الكريم.

 

الوجه الثالث: أن يستدلّ لاعتبار العدالة في وليّ الأمر بالأخبار وهي عديدة:

 

1ـ فمنها صحيحة محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كلّ مَن دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول وهو ضالّ متحيّر، والله شانئ لأعماله، ومثله كمثل شاة ضلّت عن راعيها وقطيعها فهجمت ذاهبة وجائية يومها، فلمّا جنّها الليل بصرت بقطيع مع غير راعيها فحنّت إليها واغترّت بها فباتت معها في مربضها، فلما أن ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها، فهجمت متحيّرة تطلب راعيها وقطيعها فبصرت بغنمٍ مع راعبها فحنّت إليها واغترّ بها فصاح بها الراعي: إلحقي براعيك وقطيعك فأنك تائهة متحيّرة عن راعيك وقطيعك، فهجمت ذعرة متحيّرة نادّة[40] لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردّها، فبينا هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها، وكذلك والله يا محمّد مَن أصبح من هذه الأمّة لا إمام له من الله جَلّ وعزّ ظاهراً عادلاً أصبح ضالاً تائهاً، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق. واعلم يا محمّد أنّ أئمّة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله، قد ضلّوا وأضلّوا، فأعمالهم الّتي يعملونها ﴿كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيد﴾[41].

 

فالإمام (عليه السلام) أفاد في صدر الحديث وجوب أن يكون لكلّ أحدٍ إمام من الله حتّى يخرج من الضلال ولا يبغضه الله، وأكّد هذا الوجوب بما حاصله: أنّ مَن لم يكن له إمام من الله انتهى أمره إلى أن يفترسه الذئب وهو إبليس اللعين، وأكّد ثالثاً بالأقسام على أنّ مَن لم يكن له إمام عادل فقد أصبح ضالاًً تائهاً وكان موته ميتة كفر ونفاق. فلا محالة يكون تقييد الإمام الواجب أخذه بأن يكون عادلاًَ دليلاً واضحاً على اعتبار وصف العدالة فيه، وحينئذٍ فأئمّة الجور هم مَن لم يجعلهم الله أئمّة المسلمين وكانوا غير متّصفين بوصف العدالة بل بوصف الجور، باعتبار أصل تصدّيهم لمقام الإمامة الّذي جعله الله تعالى لغيرهم، وباعتبار عدم رعاية الوظائف الإسلامية الّتي يجب رعايتها سواء في ذلك ما كان وظيفة عليهم بما أنّهم من آحاد الناس وما كان وظيفتهم بما أنّهم تصدّوا إدارة أمر المسلمين. فالحاصل: أنّ التصريح باعتبار وصف العدالة في الإمام دليلٌ على أنّ غير العادل إمام الجور وهو ضالٌ مضلٌ.

 

2ـ ومنها معتبر حبيب السجستاني عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال الله تبارك وتعالى: لأعذّبنّ كلّ رعية في الإسلام دانت بولاية كلّ إمام جائر ليس من الله وإن كانت الرعية في أعمالها برّة تقية، ولأعفوّن عن كلّ رعية في الإسلام دانت بولاية كلّ إمام عادل من الله وإن كانت الرعية في أنفسها ظالمة مسيئة[42].

 

فهي أيضاً تدلّ على اعتبار وصف العدالة في الإمام، وأنّ اعتبارها بمرتبة من الأهمّية توجب رعايتها أن يعفو الله تعالى عن ظلم المؤتمّين به، وعدم رعايتها يوجب أن يعذّب الله تعالى من لا يرعاها في إمامه. وهنا أيضاً بقرينة اعتبار العدالة يراد من الجور المقابل لها المعنى العامّ كما مرّ ذيل الصحيحة. وكيف كان، فلا ريب في أنّ المراد بالإمام المذكور فيه هو وليّ الأمر، فإنّه الّذي تكون له رعية. فدلالة هذه المعتبرة أيضا تامّة.

 

3ـ ومنها ما رواه عبد الله بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّي أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولّونكم ويتولّون فلاناً وفلاناً لهم أمانة وصدق ووفاء! وأقوام يتولّونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء والصدق! قال: فاستوى أبو عبد الله (عليه السلام) جالساً فأقبل عليّ كالغضبان ثُمّ قال: لا دين لمن دان الله بولاية إمام جائرٍ ليس من الله، ولا عتب على مَن دان بولاية إمام عادل من الله، قلت: لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء؟! قال: نعم لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء. ثُمّ قال: ألا تسمع لقول الله عَزّ وجَلّ: ﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ﴾ يعني (من) ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة لولايتهم كلّ إمام عادلٍ من الله، وقال ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ إنّما عنى بهذا أنّهم كانوا على نور الإسلام، فلمّا أن تولّوا كلّ إمام جائر ليس من الله عَزّ وجَلّ خرجوا بولايتهم (إيّاه) من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر فأوجب الله لهم النار مع الكفّار، فـ ﴿أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[43].

 

وواضح أنّ المراد بالإمام في الرواية هو مَن كان وليّ أمر المسلمين، فإنّ فلاناً وفلاناً اللذين كان الناس يتولّونهما إنّما كانوا يتولّونهما بمعنى أنّهم يرونهما وليّ أمرهم، فالإمام الوارد فيها هو وليّ الأمر وقد صرّحت الرواية باعتبار وصف العدالة في الإمام الّذي يراه الله تعالى إماماً، وأنّه بمرتبة يوجب رعايته أن يكفّر الله ذنوب المؤتمّين به. وفي قباله مَن لم يرعاها فقد تولّى الطاغوت الّذي يخرجونهم من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر ويوجب خلودهم في نار السعير. فدلالتها أيضاً على المدّعى تامّة، إلاّ أنّ سندها ضعيف بضعف عبد العزيز العبدي الواقع فيه.

 

4ـ  ومنها معتبر سدير بن حكيم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تصلح الإمامة إلاّ لرجل فيه ثلاث خصال: ورعٌ يحجزه عن معاصي الله، وحلمٌ يملك به غضبه، وحسن الولاية على مَن يلي حتّى يكون لهم كالوالد الرحيم. قال الكليني: وفي رواية أخرى: حتّى يكون للرعية كالأب الرحيم[44].

 

فقد نفى صلاحية الإمامة عن رجل ليس له ورع يحجزه عن معاصي الله، فلابدّ أن يكون الإمام عادلاً ذا ورعٍ يحجزه عن معاصي الله. ومعلوم أنّ الإمام فيه هو وليّ الأمر، فإنّه الّذي يكون له من يلي أمره والرعية. فدلالة الحديث على اشتراط العدالة في وليّ الأمر تامّة، كما أنّ سنده معتبر.

 

5ـ ومنها ما رواه في إثبات الهداة عن الصدوق في كتاب صفات الشيعة قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رفعه عن هشام بن سالم عن حبيب السجستاني عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قال الله عَزّ وجَلّ: لأعذبنّ كلّ رعية في الإسلام دانت بولاية إمام جائر ليس من الله وإن كانت الرعية عند الله بارّة تقية، ولأعفونّ عن كلّ رعية في الإسلام دانت بولاية كلّ إمام عادل من الله وإن كانت الرعية في أعمالها ظالمة مسيئة[45].

 

ودلالة الرواية بهذا المتن على اعتبار العدالة في وليّ الأمر واضحة، كما مرّ بيانه ذيل رواية أخرى لحبيب، واستعمال لفظه «الرعية» وإثبات أنّ للإمام رعية دليل على إرادة وليّ الأمر من الإمام، إلاّ أنّه مع ذلك ففيها نقاش من وجهين: أحدهما من حيث السند، فإنها كما ترى مرفوعة لم يذكر رواتها الوسائط بين هشام وابن المتوكّل، فهي كالمرسلة. وثانيهما من حيث أنّ نفس الرواية رواها الصدوق في عقاب الأعمال بسندِ صحيح، إلاّ أنّ عبارتها الأخيرة هكذا: «لأعفونّ عن كلّ رعية في الإسلام أطاعت إماماَ هادياَ من الله عَزّ وجَلّ»[46].

 

فوصف الإمام بأن يكون هادياً وكونه هادياً لا يقتضي أزيد من أن يكون في ولايته صحيح العمل ويجتمع مع أن يكون بينه وبين الله في تكاليفه الشخصية غير عادلة قد يعصي الله تعالى، وإذا اختلفت النسخ فغاية مدلولها ما اشترك فيه كلتا النسختين ـ أعني اعتبار العدالة في خصوص إعمال الولاية ـ مع أنّ المدعى والمطلوب هو الأعمّ.

 

6ـ ومنها ما رواه الصدوق في الخصال في باب الستّة بسنده الصحيح عن عمّار بن مروان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): السحت أنواع كثيرة منها ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة، ومنها أجور القضاة وأجور الفواجر... الحديث[47].

 

ورواه الوسائل بسنده الصحيح عن معاني الأخبار أيضاً نحوه[48]. وأخرجه العيّاشي في تفسيره مرسلاً عن عمّار بن مروان مثل ما عن المعاني[49].

 

فهذه الصحيحة تدلّ على حرمة ما أصاب الإنسان قبالاً للأعمال الّتي يعملها للولاة الظلمة، وتحريم هذه الأعمال إنّما هو لمكان أنّ أعمال الولاة الظلمة والعمل لهم حرام، ولذلك أوجب حرمة أجر أعمالهم، وحرمة أعمالهم إنّما هي لمكان عدم ثبوت الولاية لهم في الشريعة، وهو لمكان ظلمهم، والظلم مصداق من الكبائر، فتدلّ الصحيحة على أنّ مَن ارتكب كبيرة ولم يكن عادلاً فلا يصلح لأن يكون وليّ أمر.

 

لكنّك خبير بأنّ غاية مدلولها عدم اعتبار ولاية مَن كان ظالماً في إعمال الولاية، وإسراؤه إلى مَن ارتكب معصية أخرى أيضاً لا دليل له فلعلّ الحرمة إنّما هي لمكان اعتبار أن لا يظلم وليّ الأمر رعيّته. وقد عرفت أنّ المدّعى اعتبار العدالة بمعنى أعمّ في وليّ الأمر، والصحيحة لا تدلّ على أزيد من ذاك الخاصّ.

 

7ـ ومنها ما في نهج البلاغة في كتابه (عليه السلام) الّذي كتبه إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لمّا ولاّه إمارتها ـ وجعله في تمام نهج البلاغة من كتابه الطويل الّذي أمر أن يُقرأ على الناس كلّ يوم جمعة ـ: إني والله لو لقيتهم واحداً وهم طلاع الأرض كلها ما باليت ولا استوحشت، وإنّي من ضلالهم الّذي هم فيه والهدى الّذي أنا عليه لعلى بصيرةٍ من نفسي ويقين من ربّي، وإني إلى لقاء الله لمشتاق وحُسن ثوابه لمنتظر راج، ولكننّي آسى أن يلي أمر هذه الأمّة سفهاؤها وفجّارها، فيتخذوا مال الله دُولاً وعباده خَولاً والصالحين حرباً والفاسقين حزباً، فإنّ منهم الّذي قد شرب فيكم الحرام وجُلد حدّاً في الإسلام، وإنّ منهم مَن لم يسلم حتّى رُضخت له على الإسلام الرضائخ، فلولا ذلك ما أكثرتُ تأليبكم وتأنيبكم وجمعكم وتحريضكم، ولتركتكم إذ أبيتم وونيتم[50].

 

فلا ريب في أنّ ضمائر الغَيبة المذكورة فيه راجع إلى أولياء الشيطان ممّن خالفوا عليّاً (عليه السلام) ولم يبايعوه بل قاموا في وجهه بالقتال مثل معاوية، فهو (عليه السلام) يصرّح بتهيُّوئه وحده لقتالهم  مشتاقاً إلى لقاء الله متيقّناً لكونه على الهدى وكونهم على الضلال، ويعلن بالصراحة بأنّه على حزنٍ من أن يلي أمر أمّة الإسلام فجّارها فيصرفوا بيت المال بأيدي مَن يحبّون غير مراعين لمصارفه الإسلامية ويفرّقوا عباد الله فيحاربوا الصالحين ويجعلوا الفاسقين حزباً لأنفسهم. وعلّل ذلك بأنهم على سابقة من ارتكاب المعاصي، بل إنّهم لم يسلموا إلاّ بعد أن جعلت لهم أجور على أن يسلموا، فهو (عليه السلام) كان على حزنٍِ أكيد من أن يلي أمر الأمّة فجّارها، ويرى ترتّب هذه المصائب الجليلة الّتي لا يرضى الله ولا أولياؤه بوقوعها، فلا محالة تكون ولاية الفجّار غير جائزة، ويشترط في وليّ الأمر أن يكون عادلاً غير فاجر. فهذه القطعة من عبارات الكتاب تدلّ على المطلوب، وعلى اعتبار أن لا يعصي الله وليّ الأمر في التكاليف المتوجّهة إليه بما أنّه أحد الناس وبما أنّه وليّ الأمر.

 

8ـ ومنها ما في نهج البلاغة في كلام له يصف الإمام الحقّ ـ وجعله في تمام نهج البلاغة من خطبة طويلة خطبها قبل أيّام من استشهاده، وفيه زيادة قبل ما في نهج البلاغة تقدّمها ـ فقال (عليه السلام): أيّها الناس، إنّ مثل معاوية لا يجوز أن يكون أميناً على الدماء والأحكام والفروج والمغانم والصدقة، فهو المتّهم في نفسه ودينه المجرّب بالخيانة للأمانة الناقض للسنّة المستأصل للذمّة التارك للكتاب، اللعين ابن اللعين لعنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في عشرة مواطن، ولعن أباه وأخاه[51]. وقد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين (وأمور المؤمنين ـ التمام) البخيل فتكون في أموالهم نُهمتُه، ولا الجاهل فيضلّهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتّخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطّل للسنّة فيُهلك الأمة. وزاد عليه في تمام نهج البلاغة: ولا الباغي فيدحض الحقّ، ولا الفاسق فيشين الشرع[52].

 

ودلالته على اعتبار وصف العدالة بمعناها الأعمّ في الوالي واضحة، فإنّه (عليه السلام) أوّلاً صرّح بانّ مثل معاوية لا يجوز أن يكون ولي الأمر فيكون أميناً على ما يكون ولي الأمر أميناً عليه، وعلّل عدم جوازه بكون مثله متّهماً في نفسه ودينه وناقضاً للسنّة. ثُمّ بعد ذلك أكّد هذا المنع بقوله (عليه السلام) بأنّكم المخاطبين تعلمون بأنّه لا ينبغي أن يكون وليّ الأمر خالياً عن الصفات الّتي ذكرها (عليه السلام) ويجمعها أن يكون خالياَ عن الفسق، كما صرّح باعتبار خلوه عنه في نسخة تمام نهج البلاغة، فعلى هذه المقدّمة الزائدة المذكورة في نسخة تمام نهج البلاغة لا ريب في أن المراد بعدم الابتغاء هو عدم صلوح الفاسق لتولّي أمور المسلمين لا عدم الابتغاء المجتمع مع الجواز.

 

9ـ ومنها ما في نهج البلاغة في كلام له لعثمان بن حسين ـ اجتمع الناس لديه وسألوه استعتابه لعثمان، فقال له بعد تنبيهه على أنّه سفير للناس وبعد تذكيره بأنّه أيضاً عالمٌ بما ينبغي أن يعمل ـ قال (عليه السلام) له: فالله الله في نفسك فإنك والله لا تُبصّر من عمىً ولا تُعلَّم من جهل، وإنّ الطريق لواضحة وإن أعلام الدين لقائمة، فاعلم أن أفضل عباد الله عند الله إمامٌ عادل، هُدي وهَدى، فأقام سنّةً معلومة وأمات بدعةً مجهولة، وإنّ السنن لنيّرة لها أعلام، وإنّ البدع لظاهرة لها أعلام، وأنّ شرّ الناس عند الله إمام جائر، ضلَّ وضُلَّ به، فأمات سنّة مأخوذة، وأحيا بدعةً متروكة، وإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيُلقى في نار جهنّم، فيدور فيها كما تدور الرحى، ثُمّ يرتبط في قعرها»[53].

 

والاستدلال به من جهة أنّه (عليه السلام) عدّ ممّا ينبغي على الإمام أن يكون عادلاً وحكم بأنّ شرّ الناس عند الله إمامٌ جائر يدلّ كلام النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) على أنّه يلقى في نار جهنّم ويرتبط في قعرها، فكون الإمام جائراً يوجب عليه النار فلا محالة تكون عدالته أمراً واجباً لا محيص عنه، وهو المطلوب.

 

إلاّ أنّه مع ذلك فلأحد أن يناقش في إطلاق مدلوله ويقول: إنّه (عليه السلام) وإن ذكر وصف العدالة صفة للإمام بها يصير أفضل عباد الله والعدالة هي أن لا يرتكب معصية كبيرة أصلاً إلاّ أن تعقيبه وتوضيحه بقوله: «هُدي وهَدى، فأقام سنّةً معلومة وأمات بدعةً مجهولة» وهكذا تأكيده في الإمام الجائر بأن  «أمات سنّة مأخوذة» وأحيا بدعةً متروكة» فيه دلالة على أنّ هدفه الأصيل من العدالة أن يكون عاملاً بالتكاليف الموجّهة عليه من حيث إنّه وليّ الأمر فلا إطلاق لمدلوله، فتدبّر جيّداً فأنّ عنوان العدالة ربما كان كافياُ لإثبات الدعوى.

 

10ـ وقد يستدلّ للمطلوب بما في نهج البلاغة في قسم حِكمة (عليه السلام) من قوله: من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، ولكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلّم نفسه ومؤدّيها أحقّ بالإجلال من معلّم الناس ومؤدّبهم[54].

 

وبيانه: أنّه (عليه السلام) أمر الإمامَ بأن يؤدّب نفسه ويعلّمها في الظاهر والباطن قبل تعليم الناس، والأمر دليل الوجوب، وهذا التأديب تأدّب بكلّ مطلوب إلزامي من الله بل وغير إلزامي، فهو عبارة أخرى عن العدالة بل فوقها، فتكون العدالة واجباً وشرطاً.

 

لكنّك خبير بأنّ غاية مدلوله إيجاب أن يجعل الإمام نفسه عادلاً في مطلق وظائفه، وأمّا أنّ إمامته مشروطة بالعدالة فلا دلالة عليه.

 

11ـ ومنها ما عن الصادق (عليه السلام) في تفسير القسم الحلال من الولاية والقسم الحرام منها على ما رواه صاحب تحف العقول، فقال (عليه السلام): فإحدى الجهتين من الولاية ولاية ولاة العدل الّذين أمر الله بولايتهم وتوليتهم على الناس وولاية ولاته وولاة ولاته إلى أدناهم باباً من أبواب الولاية على مَن هو والٍِ عليه. والجهة الأخرى من الولاية ولاية ولاة الجور وولاة ولاته إلى أدناهم باباً من الأبواب الّتي هو والٍ عليه. فوجه الحلال من الولاية ولاية الوالي العادل الذي أمر الله بمعرفته وولايته والعمل له في ولايته وولاية ولاته بجهة ما أمر الله به الوالي العادل بلا زيادة في ما أنـزل الله به ولا نقصان منه ولا تحريف لقوله ولا تعدُّ لأمره إلى غيره، فإذا صار الوالي والي عدل بهذه الجهة فالولاية له والعمل معه ومعونته في ولايته وتقويته حلال محلّل وحلال الكسب معهم، وذلك أنّ في ولاية والي العدل وولاته إحياء كلّ حقّ وكلّ عدل وإماتة كلّ ظلم وجور وفساد، فلذلك كان الساعي في تقوية سلطانه والمعين له على ولايته ساعياً إلى طاعة الله مقوّياً لدينه.

 

وأمّا وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر وولاية ولاته، الرئيس منهم وأتباع الوالي فمن دونه من ولاة الولاة إلى أدناهم باباً من أبواب الولاية على مَن هو والٍ عليه، والعمل لهم والكسب معهم بجهة الولاية لهم حرام محرّم معذّب مَن فعل ذلك على قليل من فعله أو كثير، لأنّ كلّ شيءٍ من جهة المعونة له معصية كبيرة من الكبائر، وذلك أنّ في ولاية الوالي الجائر دروس الحقّ وإحياء الباطل كلّه وإظهار الظلم والجور والفساد وإبطال الكتب وقتل الأنبياء والمؤمنين وهدم المساجد وتبديل سنّة الله وشرايعه، فلذلك حرّم العمل معهم ومعونتهم والكسب معهم إلاّ بجهة الضرورة نظير الضرورة إلى الدم والميتة[55].

 

ودلالته على اشتراط الولاية في الشرع بأن يكون وليّ الأمر عادلاً وعدم مشروعية ولاية الفاسق الجائر واضحة. والعدالة المذكورة المشروطية في وليّ الأمر ـ كما ترى ـ مطلقة من جهة مراعاة الوظائف الموظّفة بما أنّه أحد أفراد الناس وبما أنّه من الولاة، فالرواية تامّة الدلالة على المطلوب وإن كان في سندها محلّ كلام، فإنّها كسائر روايات التحف مرسلة، إلاّ أن يجعل متانة متنها دليلاً على أنّها لا تصدر عن غير المعصوم. وهو بعدة مدّعية.

 

12ـ وقد يستدلّ لإثبات المطلوب بما رواه الكليني في الصحيح عن هشام ابن سالم وحفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قالا: قيل له: بأيّ شيءٍ يُعرف الإمام؟ قال: بالوصية الظاهرة وبالفضل، إنّ الإمام لا يستطيع أحد أن يطعن عليه في فمٍِ ولا بطنٍ ولا فرج فيقال: كذّاب ويأكل أموال الناس وما أشبه هذا[56].

 

وبيان دلالته: أنّ قوله (عليه السلام): «إن الإمام لا يستطيع أحد... إلى آخر الحديث» عبارة أخرى واضحة عن أنّه عادل فلا يستطيع أحد أن يطعن عليه بمعصية أصلاً، فيدل على مفروضية واشتراط العدالة فيه.

 

إلاّ أنّك تعرف بالدقة أنّه لا دلالة له لموضوع كلامنا أصلاً، وذلك أنّ موضوع البحث هو الوليّ غير المعصوم الّذي يتولّى إدارة أمر الأمّة زمن الغَيبة، وما ورد في الصحيح مختصّ بالمعصوم (عليه السلام)، فإنّ الوصية الظاهرة الّتي جعلت وسيلة لمعرفته إنّما هي للإمام المعصوم (عليه السلام) فيوصي الإمام السابق باللاحق ويكون وصيّه بعده الإمام، فلا ارتباط للصحيح بما نحن فيه.

 

فقد ظهرت دلالة أخبار كثيرة معتبرة الإسناد على اعتبار العدالة في وليّ الأمر بالنسبة إلى التكاليف المكلّف بها بما أنّه أحد الناس وبالتكاليف الموجّهة عليها بما أنّه وليّ الأمّة. والمتتبّع المتأمّل يظفر بروايات أخر، إلاّ أنّه لا حاجة إليها لا سيّما بعد عدم وجدان خبر يتوهّم دلالته على الخلاف. والحمد لله رب العالمين.

 

 ــــــــــــــــــ

 

[1] الكافي: ج1 ص180 الحديث3.

 

[2] الكافي: ج1 ص181 الحديث 5و4.

 

[3] الكافي: ج1 ص181 الحديث 5و4.

 

[4] الكافي: ج1 ص183 الحديث8، وص375 الحديث2 نحوه، والآية: 18 من سورة إبراهيم.

 

[5] الكافي: ج1 ص185 الحديث1. والآية 80 من سورة النساء.

 

[6] الكافي: ج2 ص19 الحديث5.

 

[7] النساء: 59.

 

[8] الكافي: ج2 ص21 الحديث 9.

 

[9] الكافي: ج1 ص188 الحديث6.

 

[10] الكافي: ج1 ص188 الحديث13.

 

[11] المصدر السابق: ج1 ص188 و187 الحديث15 و7 و9.

 

[12] المصدر السابق: ج1 ص188 و187 الحديث15 و7 و9.

 

[13] الدراسات:ج1 ص289 و275.

 

[14] البقرة: 124.

 

[15] المائدة: 2.

 

[16] التوبة: 12.

 

[17] الإسراء: 71و72.

 

[18] القصص: 39ـ 41.

 

[19] الأنبياء: 71 ـ 73.

 

[20] راجع الكافي: ج1 ص174 الحديث1.

 

[21] الفرقان: 74.

 

[22] الصافات: 147.

 

[23] البقرة: 124.

 

[24] الكافي: ج1 ص174 الحديث1.

 

[25] الاختصاص: ص23.

 

[26] راجع ص143.

 

[27] الكافي: ج2 ص21 الحديث9.

 

[28] البقرة: 229.

 

[29] هود: 113.

 

[30] التذكرة: كتاب الجهاد ج9 ص393.

 

[31] الكافي: ج5 ص108 الحديث 12.

 

[32] الإنسان: 23 و24.

 

[33] الأعراف: 33.

 

[34] البقرة: 219.

 

[35] الكافي: ج6 ص406 الحديث1.

 

[36] الكافي: ج6 ص407 الحديث2.

 

[37] الكهف: 98.

 

[38] الأحزاب: 64ـ 68.

 

[39] الشعراء: 151 و152.

 

[40] ذعِرة: خائفة مرعوبة، ندّ البعير: شرد ونفر.

 

[41] الكافي: ج1 ص375 الحديث2، وص183 الحديث8 نحوه، والآية 18 من سورة إبراهيم.

 

[42] الكافي: ج1 ص376 الحديث4.

 

[43] الكافي: ج1 ص375 الحديث3. والآية 257 من سورة البقرة.

 

[44] الكافي: ج1 ص407 الحديث8.

 

[45] إثبات الهداة: ج1 ص123.

 

[46] عقاب الأعمال: ص246.

 

[47] الخصال: ص329.

 

[48] الوسائل: الباب5 من أبواب ما يكتسب به ج12 ص64.

 

[49] نفسير العياشي: ج1 ص321 الحديث115.

 

[50] نهج البلاغة: الكتاب 62 ص452، تمام نهج البلاغة، الكتاب 75 ص895. وليس في نسخته من قوله: «فإنّ منهم» إلى «الرضائخ» كما أن فيها تقديماًَ وتأخيراً وزيادة لا يضرّ شيء منها بالمدلول، فراجع.

 

[51] تمام نهج البلاغة: 61 ص508.

 

[52] نهج البلاغة: الخطبة 131 ص189، تمام نهج البلاغة: الخطبة 61 ص508.

 

[53] نهج البلاغة: الخطبة 164 ص234.

 

[54] نهج البلاغة: الحكمة73 ص480.

 

[55] تحف العقول: ص322، عنه الوسائل: الباب 2 من أبواب ما يكتسب به ج12 ص54ـ 57. الحديث1 وذيله.

 

[56] الكافي: ج1 ص284 الحديث3.