بسم الله الرحمن الرحيم

 

في الصباح الباكر المشرق البديع تهيئ الموظف الجديد وخرج..

 

خرج بكل نشاط متوجهاً لعملهِ في الجبيل، ولكن

 

هل ودّع محمد والدته قبل الخروج؟

 

ولماذا يودعها!! وهو يعود بعد النهار وكعادته

 

مسكينة هذه الأم لم تكن تدري بأن محمداً لن يعود بعد اليوم!!

 

وصل عمله مع رفاقه وبدأ الدوام

 

داوَم الموظفون، وبعد قليل دخل رجال الشر وفوراً أخذوا محمداً

 

أخذوه؟ نعم أخذوه!!

 

ولماذا؟؟ وما جُرمه؟؟

 

كلّ صامت ولا أحد يُجيب

 

وإلى أين يأخذوه؟

 

أيضاً كلٌ صامت ولا أحد يجيب

 

فجأةً جاء رجال الشر إلى منزله!!

 

وماذا يريدون من المنزل

 

يُريدون أن يبحثوا لعلهم يجدوا وثيقةً يُدينوا بها ضحيتهم!!

 

وفي هذه اللحظة عَرِف مَنْ في الدار باعتقال محمد

 

دلوا وبحثوا واستفزوا... وماذا وجدوا؟

 

وجدوا السراب وماذا عساهم أن يجدوا في هذا البيت المتواضع..

 

كانوا يعلموا جيداً أنهم لن يجدوا شيئاً

 

ولكن جاؤوا لإدخال الرعب والخوف في النفوس!!

 

مرت الأيام والشهور ومحمد خلف قضبان الحديد وتحت سياط التعذيب

 

يتجرع بكل صبرِ وثبات حق الحاقدين

 

وهو يقول: لا أمل لي إلاّ الشهادة.. لا أمل لي إلاّ الشهادة

 

فسقط بين أيديهم شهيداً!!

 

وبعد مرور سنة وأشهر جاء الخبر المفجع فجأةً

 

مات محمد خلف قضبان الحديد ودفن في مكان مجهول!!

 

وهل غُسِِّل وكُفّن وصُلي عليه؟؟؟

 

أيضاً كلُ صامت ولا أحد يجيب..

 

نبذة سريعة

 

{ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بماء آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.

 

الشهيد هو الذي يُنير الدروب ويُضيء القلوب، فما زالت شهادة إمامنا الحسين (ع) تحيي الإسلام من جديد وتزيح الظلمات وتفضح الظالمين، ومن هذا المنطلق ووفاءً للأخ الشهيد محمد الحايك الذي قدّم نفسه رخيصةً للعقيدة والشعائر المقدسة حتى انتقل بقلبٍ مطمئن من هذا العالم المظلم إلى عالم النور، أبيت إلاّ أن أكتب بهذا القلم المتواضع هذه الأسطر المحدودة عن الشهيد وأنا في أشد الحزن والألم على هذه الروح الطاهرة، ولا أدري ماذا أقول لأخواني السائرين على هذا النهج ملتمساً منهم العذر، والعذر عند كرام الناس مقبول، كما وأتقدم بأحر التعازي لأسرة الحايك وبالخصوص والدة الشهيد المفجوعة..

 

وأسأل الله أن يلهمهم الصبر والسلوان

 

ـ ولد الشهيد السعيد محمد حسن الحايك في 9/4/1390هـ في مدينة القطيف (حي الجراري)، وبها نشأ وتربى في أسرة طيبة ضعيفة الحال تعيش الصفاء والمودة فيما بينها، وتغذى من أمِِ ولائية فشبّ على ولاء آل محمد (ص).

 

ـ حصل على الثانوية العامة والتحق بالجامعة في الرياض ودرس العلوم الإدارية وحصل على شهادة الباكلوريوس في المحاسبة سنة 1416هـ.

 

ـ حصل على الوظيفة بعد عدة شهور من تخرجه من الهيئة الملكية بالجبيل.

 

ـ اعتقل في عمله بالجبيل سنة 1417هـ على يد المباحث العامة.

 

ـ واستشهد في سجون الرياض سنة 1418هـ وعمره 28 عاماً.

 

ـ ولم تُسلم جثته بل ولم يعلم خبر استشهاده إلا بعد مرور عام ونصف.

 

قبسات مضيئة من حياة الشهيد

 

نداء الحق

 

انفجرت الثورة الإسلامية وانتصر روح الله فانتصر الإسلام بانتصاره وارتفعت راياته خفاقة، فاستيقظ العالم الإسلامي من سباته الطويل والكل وجد آماله في كيان هذه الثورة المباركة، وشهيدنا في طليعة السائرين على نهج قائدنا العظيم غير مكترث بالأشواك والعراقيل التي وضعها الأعداء.

 

نور الإيمان

 

في بيت الإيمان وعلى حب الله ورسوله وأهل بيته (ع) تربى شهيدنا فشب على عقيدةِ صلبة وقلبِ مطمئن يُحسن الظن بالله، معتقداً بأن الله يعفو عن الخاطئين ويقبل توبة التائبين، فلم تغره الدنيا بغرورها بل ولم يُعطها أي اعتبار متوجهاً نحو السعادة الأبدية، باذلاً وقته ونفسه في سبيل نصرة العقيدة المحمدية ونصرة المؤمنين، طالباً بذلك وجه الله مخلصا ًنيته إلى الله، صريحاً لا تأخذه في الله لومة لائم، لا يقول ما إلا يعمل ولا يعمل ما لا يعتقد، فلمّا نجد إنساناً في هذا الزمان متصف بهذه الصفات جميعاً.

 

نور العقيدة

 

كان شهيدنا مرتبطاً ارتباطاً كبيراً بالمسجد لأنه كان يعلم أن المسجد حصن الإسلام المنيع، ويعلم ما للمسجد من دور وفاعلية في رعاية الشباب والحفاظ عليهم من الانحرافات الأخلاقية والأفكار الغربية المنحلة، فمارس تدريس العقيدة الإسلامية لأمل المستقبل (النشئ القادم).

 

وكان رحمه الله شديد التعلّق بولاية أهل البيت (ع) مما جعل له الدور البارز في إقامة واستمرار الشعائر المقدسة وبالخصوص المواكب الحسينية، ولا أنساه أبداً وهو يلوج بالراية الحسينية هاتفاً هتاف الإمام الحسين (ع) "هيهات منا الذلة".

 

وكذلك كانت له مشاركات في تهيئة الاحتفالات سواءً في مواليد أهل البيت (ع) أم في الأعياد الإسلامية.

 

أخلاق الشهيد

 

كان يتمتع بأخلاق عالية يشهد له البعيد بها فضلاً عن القريب، وذلك لأنه لم يغفل عن مراقبة الله ومحاسبة النفس؛ فنزّه نفسه عن الغيبة والبهتان واتهام بالباطل، وكان من أخلاقه أن يعفو عن حقه ويصفح عمن أساء إليه.

 

وكان رحمه الله يحترم العلماء الربانيين ويوقرهم، وكلما سنحت الفرصة للحضور إلى مجالسهم يحضر ويتزوّد من عملهم ويطلب النصح والإرشاد منهم.

 

صلة الرحم

 

كان شهيدنا يحسن معاملة والدته لدرجة أنه في كثير من الأحيان يضطر للرجوع إلى البيت كي لا تحس والدته بالوحدة مع ما كان عنده من مشاغل، وكان دائماً وكما عرفت منه يطلب الدعاء منها لعلمه أن دعاء الأمهات في حق أبنائهن مستجاب.

 

تواضعه

 

إن التزام وتواضع الشهيد كان له الأثر الكبير الذي جعل قلوب المؤمنين تتعلق به أكثر من غيره، حيث كان يعامل صغيرهم وكبيرهم معاملة الأخ؛ فيحترم أفكارم ويشاورهم ويؤثرهم على نفسهم كما هو الحاصل في أيام دراسته في الجامعة حيث كان يستضيف في غرفته الطلاب الذي لم يحصلوا على سكن ويقدم لهم فراشه ويكتفي بالنوم بدون فراش.

 

وكان له موقف مع المتكبرين الذين يروا أنفسهم أعلى من الآخرين حيث كان من تواضعه التكبر على هؤلاء.

 

مع المؤمنين

 

كان الصاحب المخلص الأمين الذي لا يُسلم صاحبه في النكبات فتجده في الشدة عوناً وفي الرخاء عوناً، يعايشك همومك ويشاركك أفراحك، فنعم والله الصاحب، فقر كان مصداقاً لأنصر أخاك ظالماً ومظلوماً.

 

بل كان يكن الاحترام والحب لأبناء بلده ويعيش مشاكلهم ويزور مرضاهم ويحضر جنائزهم ويحضر في مسراتهم وأفراحهم، وذلك لما كان يتمتع به من صفاء النفس وحسن الظن بالآخرين.

 

ولا أنسى دوره في النشاطات الاجتماعية سواءً في مهرجانات الزواج الجماعي أم في مشاركته في تنظيم الرحلات التعارفية والتي كان يقضي فيها معظم أوقاته في خدمة المؤمنين مؤثراً على نفسه راحة الآخرين.

 

ثقافة الشهيد

 

كان شهيدنا على اطلاع بالمسائل الفقهية والابتلائية والعقائدية وقد حصّن نفسه بالثقافة الإسلامية، وكانت له النظرة والقدرة على تحليل القضايا التي تقع في الساحة الإسلامية، لأنه كان يتابع وعن كتب أوضاع المسلمين في العالم من خلال الإذاعات، وبهذا كان مصداقاً لما جاء في الرواية عن رسول الله (ص): "من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم". 

 

شعار الشهيد

 

حمل الشهيد وبكل شجاعة راية "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" غير مبال بالضغوطات التي تمارسها السلطات وبعض الغافلين (سامحهم الله). كان قدوةً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث وقف وبكل جرأة في وجه المنحرفين الذي أرادوا أن يجروا البلاد للخراب والهلاك، وكان دائماً يشجع المؤمنين على الالتزام بهذا الواجب الشرعي المقدس، وكأني به يعمل بمضمون الرواية التي وردت عن رسول الله (ص) إنه قال: "لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر، فإذا ما فعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء".

 

وعنه (ص) قال: "كيف بكم إذا فسدت نساؤكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟

 

فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟

 

فقال: نعم وشر من ذلك، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟

 

فقيل له: يا رسول الله، ويكون ذلك؟

 

قال: نعم وشر من ذلك، كيف بكل إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً.

 

أسأل الله أن لا تصل بلدنا إلى هذه الحد من الانحراف عن الإسلام الأصيل، وأذكركم ونفسي بهذا الواجب الشرعي الخطير، وأخيراً لا يسعني إلاّ أن أقول رحم الله شهيدنا الغالي وأسكنه فسيح جناته وحشره مع سيده ومولاه الحسين بن علي(ع). {وسيعلم الذي ظلموا أيّ منقلب ينقلبون}.

 

ذكرياتي مع الشهيد

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

{ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون} سورة البقرة آية 145

 

وها هي تعود الذكرى والألم يتجدد ويشتد الشوق والحسرة سيدي الشهيد ها نحن في ذكرى رحيلك المفجع نعود بالذاكرة لذلك اليوم الذي جاء غراب البين ينعى رحيلك ويفجع بذلك الخبر قلب أمك الطاهرة وقلوب من أحبوك

 

عاد الجرح وعاد معه لوعة الاشتياق للثم جثمانك الطاهر الذي عانا التعذيب وسياط الظالمين

 

عاد وفي القلب حسرة لا يستطيع من هو مثلي بالتعبير عنها وما في كنهها

 

عاد ونحن نشتاق لرفع جسدك الطاهر على الأكف ونعلن استنكارنا على من قام بهذا العمل الجبان

 

ألا لعنة الله على الظالمين وسيعلم الذين ظلموا أي منقلباً سينقلبون والعاقبة للمتقين .

 

أهي حسرة ....

 

وأية حسرة تلك التي أتحدث عنها ؟

 

لو أعدد لا استطيع تصور الجرح الذي تركه رحيلك على من كنت له أخاً ومعلماً وصديقاً

 

سيدي الشهيد

 

خنقتني العبرة عندما عدة بالذاكرة لقبل ثمان سنين أو يزيد ونحن نستلهم من شخصيتك الدروس

 

أخواني ليسمح لي الجميع وفي كل عام من مثل هذا اليوم عندما يستعرض أحد سيرة هذا الفذ فوراً تمر علي هذه الحادثة المعبرة ليسمح لي الجميع ويتمعنون فيها .

 

في إحدى ليالي شهر رمضان المبارك وفي وقت السحر تأخرت في موعدي على شهيدنا العزيز

 

فقام بالاتصال بي وقال لي أنا في انتظارك في المجلس لماذا لحد الآن لم تحضر للسحور ؟

 

قلت له بعض الوقت وسأكون عندك

 

قال لي حسناً لكن لا تتأخر لم يبقى على الإمساك شيئاً

 

قلت له على خير وأغلقت السماعة

 

ذهبت إليه ودخلت ذلك المجلس وبعد السلام والتحايا

 

وبدأت استعد للأكل ومعي بعض الأخوة الأعزاء لازالوا أحياء

 

اكتملت المائدة وبقي فقط أن يحضر الشهيد ويسمي ونبدأ

 

انتظرته لم يأت

 

ناديته يا محمد حسن أخلص

 

قال خد راحتك عزيزي وأبدأ, لم أحبذ الأكل ولكن من معي قالوا ستطلع الشمس ونحن ننتظره سنأكل

 

بدأ الإخوة بالأكل ولكن لم استطيع الأكل وانتظرته

 

وكان في الداخل مع والدته يتحدث معها ويمازحها وكنت استمع إليه واستأنست بحديثهما حتى عاد إلينا في المجلس

 

عاد وكان في يده صحن صغير وعليه غطاء

 

وقال لماذا لم تتسحر :

 

قلت له انتظر سماحتكم يا شيخ

 

قال كل ولا تنتظرني قلت له لا يا حبيبي سآكل معك من صحنك

 

ضحك وقال لي كل من سحوركم أنت مع الشباب فأصريت على أن أعرف ما في الصحن؟

 

وعندما  أصريت فتح الصحن ولكني تفاجأت بما رأيت ؟؟؟

 

وجدت صحن مأكول منه وفيه قطعة سمك لم يبق منها إلا قطعة صغيرة فيها عندما وجدني شبه انزعجت من موقفه وبإصرار وتأثر في وجهه اضطر البوح بما يحمل هذا الصحن من سر

 

قال لي عزيزي فلان هذا ليس صحني وأنا لم أكل منه شيء لحد الآن وأحضرته كما هو

 

قلت له ماذا تقول؟

 

قال بالفعل عندما قلت لكم تفضلوا وتسحروا عني

 

كانت والدتي في الداخل لوحدها وكانت تستعد للسحور

 

لم أتمالك نفسي ولم استطع تركها وحيده في السحور وفضلت الجلوس معها حتى تنتهي من سحورها

 

وعندما انتهت وجدتها تهم للقيام فقلت لها أماه الى أين قالت لغسل الصحن

 

فسبقتها إليه وأخذته من يدها وجئت به الى هنا حتى أكل ما تبقى من أكلها

 

يا الله ما أروعك يا شهيد

 

تأتي بفضيل أمك وتأكله

 

ما هذه الأخلاق الإسلامية التي تمتلكها ؟

 

من بعد كلمته التي قالها اهتز بدني وتوقفت أتمعن في وجهه الطاهر ولكن دون أن ألفت نظره لي أكلت معه لأنه كسر شعور التكبر الذي كنت أحمله بلا تعمد وصرت استصغر نفسي وأقول سيظل الجرح يوماً بعد يوم يكبر ويظل المطلب ألا شلت اليد التي حرمتنا منك وتجرأت بضربك تلك الضربة المميتة في رأسك الشريف وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين

 

بردة العز

 

صـعَدتْ ورافـقها الخلود صعودا        وتـألَّقتْ تَـهَبُ الـوجودَ وجودا
ثـمتْ عـلى صـدر الحياة يزيدها        وهـجُ الـشهادة روعـة و مرودا
مـراءُ عـانقتِ الشموخ، ولم تكن        قـد  عـانقتْ قبل الشموخ الغيدا
ردتْ حـياض الـخالدين كظاميءٍ        سـبق الـممات إلى الخلود وُرودا
صـلتْ هـناك لـمنتهى أمل الأُباةِ        وعـانقت أمـل الإبـا الـمنشودا
َذلاء  طـافـتْ  جـنة الـشهداء        أَوْسَـعَتِ  الفرادسَ  والجنان نشيدا
مـاستقرتْ  عـند  رابـية الحسين        تــرى لـديه مـحلَّها الـموعودا

قـرِّي وطيبي واسلكي سبل السلام        وبـاشري عـيشاً هـناك رغـيدا
ورِدِي  الهنا يا روح من كسر القيود        وطــار  يـهزءُ بـالعتاة بـعيدا
سـحق  الشهيدُ  قيوده السود التي        شـربتْ  دمـاً مـن كفِّه وصديدا
وانـساب  يـفضح  بالدماء جريمةً        كـشفتْ  وجـوه الظالمين السودا
لا تـحسبوا فُـقِد الـشهيدُ بقتْلِه،        مَـنْ  مـثلُه حـاشا يـكون فقيدا
مـا مـات حـائكُ بردةِ العزِّ التي        وهَـبـتْه حـين أتـمَّها الـتخليدا
مـا مات مظلومٌ سلوا -إن شئتمُ-        مـولاكمُ  يـا  قـاتليه "يـزيدا"
هل مات من سُحقتْ بأجراد الخيول        عـظـامُه وعـن الـحياة أُبـيدا
هـل  مـات فـي الطفِّ الحسين؟        ورأسه  طافُوا  به فوق الرماح البِيدا
هـل مـات ؟ أقسم أنه سيجيبكم        مـتـشدِّقاً حَـنَقاً يـشدُّ وريـدا
مـا  مـات والله الحسين وما انتهى        أَمَـا والـذي جـعل الأنام شهودا
لَـشرارةٌ كـانتْ لـها بعض الدِما        مِـن خـنصر السبط القطيع وقودا
تـكفي  لإحـراق  الـوجود لبغيه        وعِـداه حـتى لا تـخالُ وُجـودا

يـا  من  يسائلني المزيد عن الشهيد        ألا اغـترفْ مـما يـليك مـزيدا
مِـن  نـفسِه العذراء مالكة الصفا        اسـتقتِ  السماء صفاءها الموجودا
وإذا أردت سـلِ الـمغرِّد لـلصفا        مـن  أيـن ذاك اسـتلهم التغريدا
والـبدر سلْهُ عن الضيا من أين ذا؟        سـيجبْك مـن وجه الشهيد أكيدا
وجــهٌ  تَـراهُ كـأنَّما قَـسَماتهُ        جُـبلتْ  عـليه لكي يكونَ شهيدا
والـحقّ إنْ حـدَّقتَ فـي أجفانِه        تـستشعرُ الـتقديس والـتمجيدا
وإذا نـظرتَ إلـى شـموخ جبينه        تـجدِ الـبطولة جُـسِّدتْ تجسيدا

وتـرى  أمـانيَّ الـشهادةِ والفداء        تـمـثلتْ فـي مـقلتيه شُـرودا
وتـرى بِـوجْنتهِ دِمـا الـشهداء        يـا  لـلنُّسكِ تلهج ركَّعاً وسجودا
وتـرى الـسماحة والندى في ثغره        الـبسَّام صـيغتْ لـؤلؤاً منضودا
وتُـريك  هَـدْأة  صوته، للصحب        أنـفاس الـطيور ولـلطغاة رعودا
وعـلى الـشِّفاه الحالمات من الفتى        تـستعذبُ الـتسبيح والـتحميدا
وتـخـال أن هـناك شـيئاً بـينها        يـدعـو  قـياماً  تـارةً وقـعودا
نـفد الـمِداد ولـيس ينفد وصفُه        أَوَ  يـنفد  الـبحر الغطمطم جودا
يـكـفيه أن دمــاءَه الـحمراء        أمـستْ  مـشعلاً فذَّ السناء فريدا
يـهدي الـسراة الـمُدلجين بليلهم        ويـضيء فـجراً لـلأباة جـديدا

يـا  مـن تـسير وحـيدةً حيرى        ويـعثر خـطوها بين القبور عديدا
مـحنيَّةً تُـخفي الـنحيب وعـينُها        الـملأى تـحدِّق في الجذوع مديدا
فـي كـفِّها الـيُمنى البخورُ وشمعةٌ        صـفراء تـلهب في القلوب وقودا
مـثلُ  الـتي تُـهدى لـشبَّانٍ هُنا        لِـك  زوجـوا بدل الحسان لحودا
وأظـنُّـه الـريـحان فـي يـدها        فـقد قَـطفتْ لـها مما تورَّد عودا
ويـكاد  مـاءُ الـورد في اليسرى        يُـراق  كـدمعها  حتى يبلَّ صعيدا
أحـرقتِ  يـا  أم الـشهيد قلوبنا        وأذاب وجـدُك صـبرنا الـمجهودا
لا تـبحثي، يـكفي، هنا لن تعثري        مـا  هـاهنا  عـزم الشهيد رقودا
يُـهْنيكِ أنَّ ولـيدك الـمحمود قد        أضـحى  غـريباً  كالحسين وحيدا
وقـضى  كـمثل إمـامنا المسموم        فـي قـعر السجون مكبَّلاً مصفودا
ويُـقرُّ  عـينَكِ  عند فاطمة البتول        غـداً ويُـثلج صـدرك الـموقودا
أنَّ ابـنكِ الـمظلوم أُعـفِي رمسه        عـمداً  فـشابه  رمـسها المفقودا
ولـربما  كـسروا  هـنالك ضلعه        حـتى يـماثل ضـلعها الـمشهودا

لا تـحزني يـا أُمَّـه ودعي النَّحيب        ألا  انـثري  بـدل الدموع ورودا
واسـتقبلي أغـلى التهاني بالشهيد        وصـيِّري  ذكـرى  الشهادة عيدا
وضـعي بـها الـحناء فـي كـلتا        يـديك  وزيِّـني بـالياسمينِ الجيدا
الـموتُ خُـطَّ عـلى جباه العالمين        فـلا  حـياةَ  بـلا فناء ولا خلودا
نـأْسى  إذا  مِتْنا على غير الصراط،        نـذيـب أجـفاناً لـها وخـدودا
أمَّـا  الـشهادةُ فـهي أكرم رحلةٍ        أقـصى  الـكرامةِ أن تموت شهيدا

مـنذ  سـبعٍ،  وأنـا أسقي فسيلَه        لـم أزلْ أحـرسُ بـالموت نـخيلَه
ذلـك الـخَطُّ الـذي خـطَ على        جـبهةِ الـرفضِ خـطاهُ المستحيله
أنــا  مَـنْ أنـبأَ عـن أطـوالِهِ        حـينَ لـم تـكتشفِ الأدهرُ طوله
وانـغـرسنا (يـومها) فـي تـربةٍ        فـنمى،  والويل  لي إذ صرتُ ويله
عـذقي اسَّـاقطَ نـزفاً..، كدمةً..        سكتةً ..، من جذع رفضي والبطوله
ثــم جـزوا سـعفات الـجسدِ        خـصـفوا  مـنيَ وعـيا وفـتيله
وحــمـامٌ أبـيـضٌ طـيّـرتُهُ        مـن كُـوى قـلبيَ فاحتزوا هديله
وشـبـابٌ  خَـيْـلُهُ  مـزهـوةٌ        بـأماني الـسبقِ هـا أخفوا صهيله
كُـنْتُ  مـوتاً واحـداً حـتى إذا        فـاضَ عـني ألـفُ موتٍ وفضيله
بـعضُ مـوتي لـم يَكُنْ إلا خُطىً        تـتمشى فـي ثـرى الـخَطِّ نبيله
بـعضُ  مـوتي كـان ما كان وقد        نـسِيتْ جُـلَّ حـكاياهُ الـمهوله
بـعـضُ مـوتي كـنبيٍّ أهـدروا        دمَـهُ  إذ ضـاعَ فـي كـلِّ قبيله
بـعـضُ  مـوتي كـيتيمٍ قُـتلتْ        أهـلُهُ وانـتحرتْ فـيه الـطفوله
بـعضُ  مـوتي كـمرايا فـاجئت        بـالحقيقات  ضـميرا هـزَّ ذيـله
بـعضُ مـوتي أسـفا حـتى ولـم        يـكُ  في  نجوى القداسات الجليله!
بـعـضُ مـوتـي تـهمة أحـملها        كـأبـي ذرَ ومَـنْ يـحذو قـبيله
بـعضُ  مـوتي  حـينما مـرَّ على        أوجـهِ  الـقومِ تنحوا في رجوله!!
بـعضُ  مـوتي  نـطفةٌ لم يكتشفْ        رحـمُ الـخَطِّ بـها سـرَّ الفحوله
بـعـضُ مـوتـي أحـمرٌ مـختبيءٌ        صـارخٌ  بـين  (الخراطيم) الذليله
بـعـضُ مـوتي أنـةٌ أو صـرخةٌ        أو دمٌ أُفـرغَ مـن حـلقيَ غِـيله
بـعضُ مـوتي لـم يـزلْ يلحقهم        كـلَّ  لـيلٍ بـالكوابيسِ الـثقيله
بـعضُ مـوتي لـم يُـطقْ أخفاءَهُ        سـاعةَ الـدفنِ فـلم يـتركْ قتيله
بـعضُ  مـوتي  ظـلَّ مدفونا معي        ســرُه لـم تـكتشفْهُ أيُّ حـيله
صـرتُ آلافـاً مـن الـموتِ وها        أنـا لـملمت ووحـدت شـموله
كــلُّ مـوتـي ألــمٌ مـعتصرٌ        لـم يـفارقْ جـفنَ أمـي كلَّ ليله
كـلُّ  مـوتي كـان يـعقوباً على        عـينها إذ عـميت تـلك الكحيله
كــلُّ مـوتـي كـلُهُ أسـلمتُهُ        وحـدَهُ،  واللهُ  مـن يـبقى كفيله
كــلُّ مـوتي هـاهو الآن إلـى        صـاحبِ  الـعصرِ دماً أرجو قبوله
كــلُّ  مـوتي  اْخـتصرتهُ لـيلةٌ        حـينما  أُخْـفِيَ دفـنيْ كـالبتوله