أن تكون ولائياً يعني أن تستشعر كل مرارات المظلومية وتحوي في داخلك كل آلامها ومعاناتها لأنك تنطلق من واقع المسؤولية الملقاة على عاتقك مسؤولية خط الأنبياء وورثة الأنبياء فبحجم المسؤولية تكون المعاناة فالمعاناة على نوعان معاناة الإحساس والتي تنبع من حس مرهف وشعور بالمسؤولية ومعاناة الواقع وهذه المعاناة يفرضها موقع وحركة الإنسان تجاه مسؤولياته فتارة تكون معاناة انتماء طائفي أو عرقي إلى أخره من التمايزات أو قد تكون من خلال إيمان يرافقه فعل بوجوب الإصلاح والسعي نحوه وهذه أهم ركيزة يستند عليها الخلق الولائي فهو خلق المسؤولية وخلق الإحساس المرهف.

 

وكما قال سعدي الشيرازي: الشعور بالألم راحة عندما يسمو المقصد.

 

ولعل هذا الأمر إشارة إلى سر جواب أمير المؤمنين لأحد المحبين حيث قال: يا علي إني أحبك، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): استعد للبلاء وفي رواية للفقير. فمقولة المحب إشارة إلى معاناة الإحساس ومقولة أمير المؤمنين إشارة إلى معاناة الواقع وبهذا يتضح أن خط الولاية هو خط العرفاء وخط الثوريين فهذه السماة هي سماة رائدة هذا الخط الإمام (قدس سره) حيث كان عارفاً ومجاهداً في نفس الوقت فهو لم يجعل الزهد غاية سلوكه بل جعله وسيلة يتحرر بها من اسر الطبيعة فالغاية عنده هي تحكيم صفاة الحق وبسط العدل الإلهي بعد أن تتجلى في نفس العارف إنّ ما فاض على الإمام روح الله وبالتالي على الجمهورية الإسلامية في إيران هو ذلك العارف الذي مزج الواقع المادي بالروح (عالم الغيب وعالم الشهادة) فانتشلها من تلك المصيدة الخبيثة مصيدة حب الدنيا واللهو بما وهذا هو الزهد الذي قال به الأئمة (عليهم السلام): وهو أن لا تتملكك الأشياء وأن تملك الأشياء. أي أن لا يستعبدك أي شيء في هذه الدنيا وأن تعيش حراً كما خلقك الله وهذا يتحقق بالعبودية الحقة لله والتي هي عين التجرد والتحقق بالصفاة الإلهية وكما جاء في الحديث عن الصادق (عليه السلام): العبودية جوهرة كنهها الربوبية.

 

فالأخلاق الولائية ليست أخلاق الانزواء والابتعاد عن الساحة الحركية بل هي مشروع شامل يهدف إلى إعادة صياغة البعد الباطني للإنسان ليجعل منه فاعلاً في بناء الحياة والحضارة فإعمار الدنيا والآخرة عنده في ميزان واحد لا تطغي أحدى الكتفين على الأخرى وإن ميدان الصراع عنده يستوعب النفس والآفاق.

 

إنّ سعة الرؤية وشموليتها لك جوانب الحياة هو ما يميز الثقافة الولائية والتي تنعكس بالتأكيد على الأخلاق الولائية فنحن نعيش في حياة متنوعة وهي بالتالي تعكس تنوعها هذا علينا في علاقة جدلية، جدلية التأثير أو التأثر، فإما أن يستوعب الإنسان تلك المساحة الوجودية وإما أن يتقوقع في عنوان ضيق يندرج تحته في مسماً أضيق ومثال ذلك أنواع أجهزة الاستقبال (الراديو والتلفزيون) حيث يوجد جهاز يستقبل موجة واحدة وأخر موجتان وهكذا وأفضلهم هو من يستوعب أكثر فأفضل المؤمنين هو صاحب الرؤية الشمولية والواسعة وعليه يمكن أن نلخص ما عليه صاحب الأخلاق الولائية:

 

* إحساس مرهف وصادق ووجدان حي يستشعر معاناة المظلومين.

 

* المسؤولية واستشعارها عنده تنبع من إيمان واعي وحقيقي.

 

* شمولية النظرة وانفتاحها أهم ما يميز الخلق الولائي.

 

* حركة الولائي في طرح مشروعه تعتمد المنهجية العرفانية أي ارتباط الوجود وحركته بالإرادة الإلهية وبعبارة أخرى لا مؤثر في الوجود إلا الله أي أنه ينطلق من أداء التكليف ويترك التوفيق وتحويل معادلة الاستضعاف إلى النصر على الله. وأخيراً نريد أن نقول أن كلمة الولاية تعني كما في المفردات: أن يحصل شيئان فصاعداً حصولاً ليس بينهما ما ليس منهما، وأما في الميزان فإن اسم الولي يُطلق على كل من طرفي النسبة والإضافة، أي البينونة والغيرية قد ارتفعت بشكل تام.

 

وهذا هو القرب الحقيقي والذي هو مراد العارفين والسالكين وبه يتخلق المرء بأخلاق الله ويصل إلى مقام قاب قوسين أو أدنى دنوا واقترابا من العلي الأعلى هذا هو التأسيس النظري لأخلاق الولائيين.