أقام معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينيّة والفلسفيّة يومي (6 و 7 حزيران) أعمال مؤتمره الدوليّ الذي نظّمه في فندق غاليريا " بيروت" بعنوان "مؤتمر التجديد والاجتهاد الفكري عند الإمام الخامنئي – قراءة في المشروع النهضوي الإسلامي المعاصر".

 

" أمام شخصية استثنائية حكيمة، دقيقة، تحاصرها الأعداء وتحجب حقيقتها، ولا يؤدي حقها الأصدقاء، نعرف القليل ولا نقول ما نعرف الكثير" هكذا تحدّث الأمين العام سماحة السيد حسن نصر الله حفظه الله عن الإمام الخامنئي.

 

وسنحاول في هذه المقررات معالجة الأفكار الأساسيّة التي طُرحت في هذا المؤتمر:

 

- إنّ المواضيع التي شرّعها الإمام الخامنائي أمام النهوض الإسلامي المعاصر كانت بعقل اجتهادي ثاقب، فقد عاين الوقائع والعلوم، واجترح لها الرؤى بحيث أهّلته إمكاناته ليكون قائداً.

 

- إنّ الإسلام يركّز على إقامة الدولة وإشاعة العقل وأنّ الدول لا تبنى من فوق، والسياسة فنّ المراعاة وفن الحكم.

 

- إنّ توسيع حركة الصحوة الإسلاميّة في العالم اليوم تحتاج إلى قراءة التجربة الإسلاميّة في إيران".

 

- إنّ دراسة تجربة الإمام الخامنئي سهلة وممتنعة في آن. إذ إنّ كلّ باحث يمكنه ملاحظتها، لكنّها تفتقد إلى قلّة المصادر حول الموضوع وجوهر الحضارة الإسلاميّة نابعة من الداخل من دون إنكار التفاعل مع الآخرين.

 

- إنّ نظريّة ولاية الفقيه في الفقه الإسلامي وهي ليست خاصة بفقه الإمام الخميني، وإنّما اتفق عليها فقهاء المسلمين من شافعيين وحنابلة وأيضاً ولاية الشعب على أساس ديني وإسلاميّ، وفي شرائط الفقيه الصالح للولاية ورقابة الخبراء على الوليّ الفقيه، إذ لا بدّ من وجود رقابة تضمن استمراره على شرائط الولاية، وولاية الفقيه هي الركن الأساس للمجتمع المدني الإسلاميّ، وهي ليست بديلاً عن مؤسسات المجتمع المدني الإسلامي.

 

- إنّ البحث في النظريّة الاجتهاديّة الفقهيّة المتمحورة حول المدرسة السياسيّة والاجتماعيّة المسمّاة بولاية الفقيه من خلال الممارسة العمليّة عند الإمام السيد عليّ الخامنئي هي أمر سهل وممتنع في نفس الوقت، لأنّ إراءة النظريّة وسيرته العمليّة خلال العقود الأخيرة في المسائل السياسيّة والاجتماعية والثقافيّة واضحة مكشوفة أمامنا وكلّ باحث يتمكّن من ملاحظتها. وقد نقل عنه فلسفته في الديمقراطيّة الدينيّة والتي تنبع من داخل الدين الإسلاميّ وإحدى مصادرها ولاية الفقيه.

 

- لدى الإمام الخامنئي رؤية قيميّة رائعة، بحيث تطرأ في دراساته وبحوثه القيّمة حول الإسلام وسيرة النبيّ الأعظم بطريقة تحليلية سياسيّة وثقافيّة كقيادة فكريّة واجتماعيّة هادفة إلى بناء مجتمع دينيّ وحضاريّ متقدّم.

 

- إنّ جوهر الحضارة الإسلاميّة كان ناشئاً من معارف القرآن الكريم وتعاليمه القيّمة، وأنّ الازدهار الماديّ والمعنويّ الاستخدام والتوظيف لكل الطاقات البشريّة من إثارة العقول وتوليد العلوم والفنون ضمن ثقافة حيّة وبنّاءة ليس إلا نتيجة التعاليم الإسلاميّة والمعارف القرآنيّة.

 

- إنّ للإمام الخامنئي رؤية حضاريّة لمراحل حركة المجتمع الثوريّ الإسلاميّ:

 

1- مرحلة الثورة الإسلاميّة وهي مرحلة التغيير الشامل للمجتمع في كلّ أجهزته الحاكمة وقيمه السائدة.

 

2- مرحلة التخطيط لإقامة النظام الإسلامي التي يراد بها مشروع هندسي كامل شامل يطبّق من خلال الدستور الذي يصوّت عليه الشعب بأجمعه.

 

3- إقامة الدولة الإسلاميّة لكلّ ما تتطلبه الدولة من تنظيم أجهزة الحكم وفق المشروع الإسلامي للجمع بين الأصالة والمعاصرة.

 

4- مرحلة إقامة المجتمع الإسلامي وبنائه أو تجديد بنائه كاملاً على أسس إسلاميّة.

 

5- مرحلة إقامة الحضارة الإسلاميّة أو الحركة العالميّة الإسلاميّة.

 

والإنسان عند الإمام الخامنئي هو المحور في النظرة الإسلاميّة لكنّ هذه المحوريّة تختلف تمام الاختلاف عن محوريّة الإنسان في النظرة الأومانية (عبادة الإنسان).

 

- يرى حفظه الله أنّ الإيمان باستمرار الحياة بعد الموت له تأثير عظيم في تنظيم العلاقات الاجتماعيّة وتنظيم أسس الحقوق الإسلاميّة وإدارة المجتمع من خلال قدرته على التكامل اللانهائي. ودعا إلى الدراسة العلميّة لهذا الفكر الذي ليس هو مجرد إنّما هو فكر عملي واقعي.

 

- إنّ العلاقات الدوليّة في فكر الإمام الخامنئي من أهمّ المواضيع التي يجب التركيز عليها هذه الأيام. وموضوع الفكر السياسي عنده متعدد ومتنوّع. والعزّة في السياسة عنده هي التي تساعد في تطوير كفايات البلد الماديّة، وبها كان إصراره وصلابته على تطوير البرنامج النووي.

 

- يقوم الإمام الخامنئي بالدور المركزيّ من موقع الولاية لاستكمال بناء الرؤية المعاصرة للقيادة والدولة على أساس الإسلام المحمّديّ الأصيل، منطلقاً من الأعمدة التي أسّسها الإمام الخميني، متابعاً ترسيخها وتفصيلها وإعطاء الإجابات العمليّة المستجدة في هذا العصر المليء بالتطوّرات والتحدّيات، والذي يقوم على التطوير في إطار العدالة مع تفعيل دور الشعب.

 

- إنّ الفيلسوف السياسي في نظره هو الإنسان المسؤول، ولن يكون متفرّجاً عديم المسؤوليّة وأنّه لا يفكّر من فراغ، بل يجب أن يكون على صلة بالحراك الاجتماعي وأن تتبلور الفلسفة السياسيّة وفقاً لمبادئ الحرية، وأن يكون منتجاً، وأن يحمل في جعبته ذاكرة تاريخيّة وثقافيّة.

 

- إنّ حركة الإصلاح ليست حركة آليّة إنّما تحتاج إلى عقول، والخامنئيّ هو من عقول هذه الحركة.

 

- كما يؤكّد كثيراً على مسألة الثقافة والتعليم في جميع المستويات والأنواع، ويؤكّد سماحته أنّه للحصول على التمدّن والتطوّر الإسلاميّ يجب أن نقوم بالإصلاحات في الثقافة. إنّ سماحته يذكّر دائماً ويؤكّد على ضرورة التحوّل والتطوّر الجذري في مجال التربية والتعليم العام، ويؤكّد أيضاً على التحوّل والتطوّر في الحوزات العلميّة الدينيّة من خلال النظام التعليميّ والنظام الدراسيّ، ومحتوى الكتب الدراسيّة، وأساليب التدريس والاهتمام لأحوال وأوضاع العالم المعاصر. وقد نقل عن الخامنئي مصطلح "توطين العلوم" وهو منهج للوصول إلى سبيل الحل الاستراتيجي أي الإبداع والاجتهاد والإنتاج.

 

- إن ولاية الفقيه تعني أن العلماء يراقبون سير الحياة السياسية وهي موجودة عند أهل السنة، وقد حصلت في فترة قتال التتار. وهي في حقيقتها أوضح أشكال نظرية ولاية الأمر، التي يعتقد ويؤمن بها المسلمون جميعاً من السنة والشيعة. لقد أجمع كلمات فقهاء أهل السنّة والجماعة على أنه لو تصدّى للحكم والسلطة في أي بلد من البلدان الإسلامية من كان فقيهاً عالماً بالدين قادراً متمكّناً، وكان إلى جانب ذلك كلّه ذا إلمام وخبرة بالإدارة والتنظيم والعمل السياسي. فإنّ هذا الشخص المتصدّي يمثّل حتماً آمال المسلمين ويجسّد طموحاتهم÷، وأن الحكومة التي يرأسها هو من وجهة نظر إسلامية من أفضل الحكومات.

 

- وقد حافظ الإمام في إيران على التعدّدية الدينية في المجتمع الإيراني بعد الثورة. كما ساعد الأديان الأخرى في ترميم أماكنها الدينية. وحافظ على الجوار الحياتي اليومي بين أبناء الأديان المختلفة. وفتح الثورة الإسلامية لتاريخ جديد في عالمنا المعاصر.

 

- إنّ دور إيران الاقتصادي في فكر الإمام الخامنئي في مسألة التنمية كان رائداً للثورات. كما امتازت آراء سماحته في مجال العدالة بعدم اكتفائها بالجانب النظري فقط، إذ تتعداه للحديث عن الاستقرار العملي للعدالة في واقع المجتمع الإسلامي.

 

- إنّ حُسنَ العدالة، والرغبة الوافرة في تحقيقها، والحديث الفلسفي عن ذلك لا يُعَدّ كافياً، بل ينبغي أن ينصبّ الهمّ الرئيسي على إقامة المناسبات الاجتماعية في المجالات المختلفة للحياة الاجتماعية.  

 

- إن الإمام الخامنئي يدعو إلى التفكيك بين الغايات والكمالات الاجتماعية من جانب، والكمالات الفردية من جانب آخر لينطلق من خلال ذلك إلى مقارنة بين العدالة والفضائل والخيرات الاجتماعية، جازماً بأنّ العدالة في مرحلة أعلى من تلك الفضائل.

 

- ويعتبر الإمام الخامنئي أنّه من أهم مسؤوليات الدولة الإسلامية الدفاع عن المحرومين والمستضعفين وإزالة الفقر وتسكين آلام الفئات البائسة في المجتمع. مؤكّداً على وجود ميزان واضح للحكم في مسألة تحقيق العدالة وإلى ضرورة التوفيق بين العدالة والمعنويّة والعقلانيّة.

 

- وضع سماحة الإمام الخامنئي على رأس هرم الرؤية والبناء النهضوي مبدأ التوحيد كأصل أوحدي وعنه تصدر الأصول والمرتكزات. هو أصل منبع الاقتدار الإسلامي وسر ديمومته، وكل سيطرة لغير الله على الناس هي نحو من العبودية الممقوتة، والتوحيد يرفض هذا الشكل من الحياة، ويعتبر الإنسان عبداً لله فقط، ويحرّره من العبودية.

 

- ينطلق الإمام الخامنئي في حديثه عن المشروع الإسلامي من الأسس والركائز التي وضعها الإمام الخميني (قده)، ويعتبر نفسه في مقام ولايته أنه المستأمن على تلك الأسس والركائز.

 

- إنّ أهمية الثورة الإسلامية في إيران لا تكمن في قوّة حدثها العالمي أو إنجازاتها العلمية فحسب، بل تكمن أساساً في روحانيتها وطموح أبنائها وإحساسهم بأن ثمة الكثير مما وجب النهوض به على صعيد الإصلاح والتنمية.

 

- إنّ إيران جعلت الممانعة الثقافية الجهاد الأكبر بالنسبة إلى عموم الثورات المنجزة باعتباره فعلاً مستداماً لا يتوقف قليلاً أو كثيراً. يهدف إلى غاية مركزية هي سد المنافذ الذي يتسلل من خلالها الغرب إلى الثقافة الإسلامية من منافذ التربية والتكوين، ومجال الفنون الجميلة، ومجال المرأة لحفظ الأمن التربوي [إنماء التعليم وتحصينه] والأمن الاجتماعي [تحصين وتطوير وضعية المرأة والأسرة] والأمن الثقافي [تنمية وتحصين الفنّ ومفهوم الجمال].

 

- إنّ الإمام الخامنئي عيّنة نادرة من القادة الذين تتمتع بهم الديّار ويزدهر بهم التّاريخ؛ مثالاً في الوطنية والدّين والفكر والثّورة. ويستحقّ وصف الإمام الخميني له ذات مرّة ، "بأنّه رجل الحرب والمحراب".

 

   من هنا، كان لا بدّ من فتح خيار جديد ينطلق من التفكّر والتأمّل والتدقيق باتجاه إحداث تغيير فكري جديد ينقل الفكرة من عالم التذهّن؛ والتذهّن عند الإمام الخامنئي يساوي تسطّح الأفكار والحقائق إلى عالم ممتلئ بالحياة يضجّ بالمعنى لا يعرف الموت، لأنّ فكرةً هي توأم للحياة حكمها الوحيد الموت.

 

  على معلّم كلّ عربي نهج الإمام الخميني والخامنئي- حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصر الله- أن يتبنّى رعاية جائزة سنويّة عنوانها: جائزة الإمام الخامنئي للإبداع الفكري والمبادرة الشبابيّة، ذلك لأنّ الإمام الخامنئي إمام إبداع وفكر ومعلّم أجيال.