في جمعة حاشدة وبشعارات "الشعب يريد إسقاط النظام" اعتبر آية الله الشيخ قاسم أنّ المجزرة وما بعدها كشفت بكل جلاء للقريب والبعيد قيمة هذا الشعب عند حكومته ومدى استخفافها بدمه وكرامته.

 

ابتدأ آية الله الشيخ عيسى قاسم خطبة الجمعة بمسجد الإمام الصادق(عليه السلام) بالدراز بالحديث عن الساحة المشتعلة والمجزرة الرهيبة في دوار اللؤلؤة، حيث دعى للشهداء والجرحى وعزّى الأمة بالقول: أسكن الله شهدائنا الأبرار جناة النعيم، وعظم الله أجر ذويهم وأجرنا برحيلهم المفجع. والتعازي لكل الشعوب العربية المقهورة والأمة الإسلامية العريضة بهذه الشهادة التي لم تكن إلا استنكاراً لظلم الأمة وإذلالها وقهرها، ولم تكن إلا انتصاراً للإنسانية وكرامتها. اللهم مُن على الجرحى والمعلولين بالشفاء العاجل الكامل وأنت أرحم الراحمين.

 

وبنبرة فيها من شحنات الغضب والاستنكار ما فيها تساءل آية الله الشيخ قاسم بأي ذنبٍ قُتلت؟، قبل أن يستطرد: بريئون، مسالمون، آمنون، يفترشون الأرض، في ساعة من ساعات النوم، أواخر الليل، تحت السماء المكشوفة، رجالاً، ونساءً، وشباباً، وشيباً، وأطفالا، ورضعا، يباغتهم سلاحٌ غادر فتاك، وبكثافة، مع محاصرة الساحة التي يفترشونها، بحيث لا يسهل الفرار بالنفس، لتكون مجزرة رهيبة يقتل فيها من قتل، ويجرح من يجرح، لتنصبغ الساحة بالدماء البريئة وتسيل أنهارا.

 

ويتساءل بألم: ممن هذا؟ من حكومة مسؤولة عن رعاية المواطن، والحفاظ على آمنه وحراسته ورفاهيته.

 

ولماذا؟ لأنه قال وا ظلماه، ونادى وا ويلاه، وصرخ واستغاث، وطالب بالحق والكرامة.

 

ثم يقول: إنها مجزرةٌ ظالمةٌ مقصودة، تم تنفيذها عن عمدٍ وتصميم، وكل ظروفها وأسلوبها تدل على أنها ليست لتفريق المعتصمين، وإنما للفتك والسحق والتصفية الجسدية الشرسة، ولإعطاء درس بليغ في القسوة.

 

ورأى سماحته أنّ المجزرة وما بعدها من قتل وفتك، وسقوط ضحايا بصورة مبكرة في عملية الاحتجاج، وبالعدد الذي تم، وبلحاظ حجم البلد الضيق، وعدد السكان الصغير، تبرهن على أن الوضع الرسمي في البحرين أقسى نظام، والأشد إرهابيةً من بين الأنظمة العربية التي واجهت تحركاتٍ تغييرية وإحتجاجاتٍ مطلبية في هذه الآونة لحد الآن. وأضاف: المجزرة وما بعدها كشفت بكل جلاء للقريب والبعيد قيمة هذا الشعب عند حكومته، ومدى استخفافها بدمه وكرامته، وقسوتها الوحشية في التعامل معه.

 

ثم شرع آية الله الشيخ قاسم في تعرية نظام آل خليفة بالقول: حكومةٌ تصم مسامعها عن دعوات الحوار، وتدير ظهرها لنداءاته وطلباته، وتهزء بها عمليا، ومجلسٌ نيابيٌ صمم تصميماً دقيقاً لحماية الوضعية السياسية المتخلفة، وتأمينها من النقد، والحفاظ عليها من أن يطرأ عليها تطوير، ومن أن يلامس الدستور المفروض بالقوة شيءٌ من التعديل، وقوانين مررها المجلس عبر الموالاة توصد كل بابٍ للاحتجاج السلمي -لا تلتقي معه رغبة الحكم- في تكميم الأفواه، ثم إذا ضاق الناس وقالوا كلمةً وأعلنوا رأيا بشأن مأساتهم انصب عليهم عذاب السلطة وجحيمها، وارتفعت أصوات الموالاة بتخطئتهم وتعذير البطش الحكومي، وأنّ هناك قنواتٍ تشريعية تقوم بدور التطوير والمراقبة والمحاسبة.

 

وتوجه سماحته بالنقد لما يسمى بفريق الموالاة: كثيراً ما ترتفع أصوات الموالاة بنصائحها التخديرية الكاذبة بالصبر على التغيير التدريجي نحو الأفضل، في الوقت الذي تسير فيه الأوضاع السياسية ووضع حرية التعبير والمشاركة الشعبية والعدالة الاجتماعية إلى الوراء بصورةٍ متواصلة، وتخدرنا أصوات الموالاة بأن التغيير ماشٍ على الخط الصحيح وبصورة تدريجية. فاصبروا!!. وفي الوقت الذي تنهب فيه الثروة، وتقضم الأرض الصغيرة لهذا البلد الضيق.

 

وعاد سماحته وتحت تأثير هول ما حصل إلى التساؤل: لماذا هذا القتل الظالم العدواني الذي لا يحمل ذرةً من الاحترام للدين والإنسانية والوطن والذوق الإنساني والغيرة؟ هذا البطش الجنوني المتوحش لإسكات الشعب إلى الأبد لترتجف النفوس فيغيب الصوت المطالب بالحق، ويقدم إنسان هذا الوطن الحياة وإن ذلة على الحرية والكرامة، وأن يستساغ الظلم وتنسجم النفوس مع حياة الخسة والهوان.

 

وفي تسفيه الخيار القمعي للسلطة قال سماحته: لو كان أسلوب العنف مسكتاً لهذا الشعب، لكفّ العنف الذي مارسته الحكومة في حقه لسنوات طويلة لإسكاته، فأسلوب العنف أسلوب يائس إذا كان المطلوب لهذا الأسلوب أن يُسكت الشعب.

 

وأضاف سماحته: الحركة المطلبية في البحرين استمرت في ظل القهر والإرهاب الرسمي لسنواتٍ عديدة، ما كان فيها هذا التحرك الشعبي العام في المنطقة العربية، فكيف وقد علت الكلمة من شعوب كثيرة في الأمة بضرورة التغيير والتصحيح، وكان ما كان مما تشهد الساحة العربية العامة من حركاتٍ وتحولات.

 

وحذّر آية الله الشيخ قاسم: إن هذا التهور في القتل، والوغول في الدماء، والتعطش للفتك من شأنه أن يخلق قطيعة تامة بين الحكومة والشعب، وهو لن يبقي أي إمكانية لأي صوتٍ يهدف لتهدئة الأوضاع ومداواة الجروح.

 

ونبّه الشيخ قاسم من جريمة أخرى لا تقل شناعة عن البطش بالنفس البريئة، وهي هذا الشحن الإعلامي المركز المستمر، لخلق حالة عداءٍ طائفي يقسم هذا الشعب إلى الأبد إلى شطرين لا يلتقيان، ويرى كل منهما في الثاني أنه عدوه الأول، والذي يتنافى معه في الوجود. وأنه ليطلب من الشعب بأكمله ولمصلحته كله، أن يكون أذكى من الإستجابة لهذا الشحن الخبيث، وهدفه القاتل.

 

وبلهجة حازمة رفع قاسم الصوت بالقول: نعلن للعالم كله ـ من الأمم المتحدة وغيرها ـ وللضمير الإنساني، وكل المؤسسات المهتمة بحقوق الإنسان، أن أمننا بات مهدداً من الحكومة المسؤولة عنه، وصرنا مخيرين بين الاستسلام الكامل لما تشتهي أن تفعله بنا والاعتراف لها بالرق التام، وبين أن تحدث فينا التصفيات التي ترى والمجزرة بعد الأخرى. وعلى العالم أن يتحمل مسؤوليته، بعد أن يكون هذا الشعب هو المتحمل الأول لمسؤولية نفسه.

 

وفي ختام الخطبة توّجه الشيخ عيسى قاسم إلى المؤمنين بالقول: أيها المؤمنون لا تقتلوا أنفسكم بالفرقة، واستعينوا في أموركم بالوحدة، واعتصموا بحبل الله المتين، فإن الوحدة النافعة إنما هي في الاعتصام بحبل الله لا غير.