القرآن الناطق:

 

علي (عليه السلام) مع القرآن، وما كانت له كلمة ولا موقف غير ناطق بفهم القرآن وعلمه وصدقه ووعيه وخُلقه وهداه، فكان (عليه السلام) القرآن في نطقه وسيرته، ورضاه وغضبه، وحربه وسلمه.

 

وكان تجسيده للإسلام تجسيداً كاملاً، فكان حجّتَه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعالمه، والمرجع فيه، وحاميه الأوّل، ونوره الأتمّ، وممثّله الأحقّ.

 

وما سجّل التاريخ - بما في التاريخ من مراقبين وما لعلي (عليه السلام) من أعداء - مخالفة واحدة موثقة له عن الإسلام في فهم أو عمل، ولا تخلّفاً عنه في كثير أو قليل، أو تلكّؤاً في تكليف من تكاليفه، أو تقاعساً أو تباطؤاً عن مهمة من مهماته أو مسؤولية من مسؤولياته.

 

وهذا ما تدلّ عليه النصوص المتواترة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في شأن علي (عليه السلام) ومنها ما عن أم سلمة عنه (صلّى الله عليه وآله): «علي مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض».

 

وبقي علي (عليه السلام) يهدي الأجيال تلو الأجيال من أبناء الأمّة والإنسانية، ويقود حركة العقل والروح والقلب والنفس والحياة إلى الله سبحانه، وسيظلّ كذلك ما دام على الأرض إنسان يعشق الكمال.

 

زينب بنت أمير المؤمنين (عليه السلام):

 

بنت من صناعة الإسلام في محضره الأوّل الأمين، وشخصية صانعة للقوة. فلا غرو أن تتميّز الزينبيات بالقّوة في الوعي والإيمان والإرادة والصمود، ويسابقنا الرجال في خُلُق القوّة، وساحات الجهاد، ومواقف البطولة والصمود بما يليق بالمرأة في الإسلام ويتمشّى مع السيرة الزينبية العطرة.

 

ظاهرة مشتركة:

 

تَمثّلَ الربيع العربي في عدد من الحركات والانتفاضات والثورات في طول الساحة العربية وعرضها، وعلى مستوى الكثير من دولها، واشترك كل هذا في ظاهرة بيّنة ثالثة، تلك هي أن المطالبات الشعبية تبدأ بأسلوب سلميّ وبسقف متواضع، فتقابل بقمع السلطة وإرهابها، وإسالة دم أبناء الشعب، والجرح والقتل، فلا يلبث سقف المطالبة أن يرتفع، وتتّسع رقعة الاحتجاجات وتعمّ المظاهرات والمسيرات، وتحدث التمركزات الشعبية الكبيرة، ويزداد قمع السلطة ويغزر سيل الدماء، وتعمل قوّة الأمن الحكومية والجيوش على دفع جماهير الشعب إلى فقد الصبر والخروج عن دائرة الأسلوب السلميّ دفاعاً عن النفس، لتتّخذ الجهة الأخرى من ردّة الفعل الشعبية مبرّراً للاستباحة العامة على حدّ ما ينقله التاريخ من استباحة مدينة الرسول (صلّى الله عليه وآله) في حكم يزيد بن معاوية.

 

إلاّ أن الزمن في تجارب بعض الأنظمة العربية هذه الأيام يمتدّ لشهور طويلة في تنكّر تامّ لقيم الدين، وضوابط الشريعة والقانون، والعرف المحلّي والعالمي، وكل المواضعات الإنسانية.

 

وفي النهاية قد يُصرع النظام كما في التجربتين التونسية والمصرية، وقد تطول المنازلة بين الطرفين لتزيد خسائر الأوطان، وتطول محنة الجميع، وتتكبّد البنى التحتية في البلاد ما تتكبّده من تصدّعات وشروخ خطيرة.

 

من الشعوب من لا يخرجه عنف السلطة عن خياره السلميّ، وقليل هو هذا النوع.

 

وفي الثبات على الخيار السلمي رحمة بالأوطان، وحجّة تدين الأنظمة وإن تطلّب ذلك صبراً كبيراً، وتحمّلاً للمعاناة المُرّة.

 

وقد سجّل شعب البحرين تفوّقاً ملحوظاً في هذا المجال، وبرهن على درجة عالية من الانضباط النفسيّ حقّ له أن يفخر بها وينال الإعجاب، وإن كان قلب الحقائق من الإعلام الرسمي يعكس عن هذا الشعب الكريم صورة أخرى مغايرة لا صلة لها بالواقع.

 

ولقد خدمت كلمات المخلصين من مثل سماحة الشيخ علي سلمان وكل العلماء والرموز الأوفياء المدافعين عن الشعب التوجّه السلميّ عند الشارع في مطالباته واحتجاجاته ومسيراته واعتصاماته، وذلك بما أكّدت عليه كلمات الموجّهين من الأخذ بالمنحى السلميّ وترك العنف.

 

وإلى اليوم وغداً لا أجد شخصياً نصيحة أقدّمها لأبناء هذا الشعب الكريم قبل الالتزام بالأسلوب السلميّ في كل مسيرتهم[1].

 

وبالنسبة لسقف المطالب عند الشعوب، لا يوجد ما هو أقلّ من سقف إصلاح النظام السياسي، وما يبتني عليه من تصحيح لمجمل الأوضاع التي طالها الفساد من فساد السياسة. ولم يأتِ تحرّك الشعوب للإصلاح الشكليّ، ولا يملك هذا النوع من الإصلاح المزعوم قبولاً عند أيّ شعب من الشعوب. ومن المستسخف جدّاً والممجوج أن ينزل سقف الإصـلاح بعد الدمـاء والتضحيـات عمـا هو مطروح قبل ذلك، إنه ليس شـيئاً عـقلائياً بالمرّة[2].

 

وهل يُقدم عاقل على تقديم المزيد من الجهد والتضحيات والمتاعب من أجل المزيد من التنازل عن المكاسب؟[3].

 

لا يُتعقّل من الشعب اليوم ولا يدخل في الوهم أن يقبل بعد التعب والنصب، والبذل الكثير، والعذابات الموجعة، وعزيز التضحيات، ومُرّ المعاناة أن يرجع بخفّي حنين أو بما يُفرح الصبي المغرّر به.

 

إنه يريد إصلاحاً مجزياً مقنعاً يمكن أن يستريح الوطن في ظلّه، وتُحفظ حقوق المواطنين الدينية والدنيوية، السياسية وغيرها، وتصان في هذا الوطن الكرامة، وأن يجد هذا الإصلاح أساسه القويّ وقاعدته المتينة التي تحفظ له سلامته وديمومته.

 

أما الإعلام وتضخيماته، والخطابات الواعلة، والوعود المعسولة فلا تعني شيئاً عند الناس، وإنما ينصبّ نظرهم على الواقع ومنجازاته.

 

ولا إصلاح والسجون ملأى رجالاً ونساءً، وأرزاق أبناء الشعب محاربة، والأعداد المفصولة من الموظفين والعمال والطلاّب بالألوف، والشعائر الدينية محاصرة، والإعلام التحريضي الكاذب مستمر.

 

أردنا ونريد لحياة البلد أن تكون حياة عدل، وأرادوا ويريدون لها أن تكون ظلمة.

 

أردنا ونريد للمجتمع أن يكون مجتمع أخوّة، وأرادوه ويريدونه أن يكون مجتمع تمزّق وعداوة.

 

أردنا ونريد للوطن أن يكون وطن سلم، وأرادوه ويريدونه أن يكون وطن حرب، ولكن الله لا يخذل من أخلص عملاً.

 

اللّهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين، وأخرج أمّة القرآن من سوء الحال إلى أحسن الأحوال، ومن الظلمات إلى النور، واكشف عنها الغمّة، وفرّج الكرب، وعجّل لها النصر، يا قويّ يا عزيز، يا رحمن يا رحيم..

 

اللّهم ارحم شهدائنا وشهداء الإسلام في كل مكان وزمان، واشفِ المرضى والمعلولين، وأطلق سراح المسجونين، يا من هو على كلّ شيء قدير.

 

ــــــــــــــــــــــــ

 

[1] هتاف جموع المصلّين: معكم معكم يا علماء.

 

[2] هتاف جموع المصلّين: هيهات منّا الذلّة.

 

[3] هتاف جموع المصلّين: لن نركع إلاّ لله.