لا محاصصة:

 

تنادي كل من الحكومة والموالاة والمعارضة بشعار لا محاصصة، ولكن الاختلاف واسع في التفسير، تفسير يقسم المجتمع قسمين، يعطي قسماً كل الحصص وكل شيء، وإذا كان للطرف الآخر شيء فله الفتات أو ما قد يُستغنى عنه أو ما تحكم به الضرورة، وكأن المجتمع مالك ومملوك ولا حصة لمملوك في ملك مالكه، أو ضيف ومضيّف ولا شرط لضيف على مضيفه.

 

وإذا تنزّل هذا التفسير عن هذا المستوى فهو يذهب إلى التأكيد على قسمة المجتمع إلى قسمين بهذه الصورة، بأن لو كان مجموعهم سبعة مثلاً، فلثلاثة منهم أضعاف ما للأربعة، لقسم الوزارات والوظائف والخدمات والبعثات والشورى والنواب إلخ، ولقسم الاتهامات والمطاردات والتنكيل والتعذيب والفقر والتجهيل والتضييق الديني، وأن عليه أن يصبر على الفتات.

 

تفسير آخر لعدم المحاصصة يذهب إلى مساواة المواطن للمواطن في الحقوق والواجبات، إلاّ ما قضت به خصائص الأفراد وتفاوتاتهم في القدرة الأصلية والكفاءة المكتسبة، والتوفّر على الشروط العادلة المعتبرة في التقديم والتأخير في تولّي المهمّات والمواقع وتحمّل مسؤولياتها من غير مجاملة. ويرى هذا التفسير في المسألة السياسية أن المواطن كفؤ المواطن، وأن أصوات المواطنين في الانتخاب ذات قيمة واحدة بحيث يتساوى صوت أيّ مواطن مع صوت المواطن الآخر.

 

وليحكّم كل واحد دينه وضميره وعقله ووطنيته فيقول أيّ التفسيرين مطابق للعدل دون الآخر، أليس التفسير الأوّل في صورته الأقلّ غلوّاً وتطرّفاً هو عين المحاصصة، وأنها محاصصة مجحفة ممزّقة، وتقوم على إلغاء المساواة في الإسلام والإنسانية والمواطنة، وتعتمد ميزاناً ما أنزل الله به من سلطان؟! أليس الطرح الثاني هو الذي يلغي المحاصصة حقيقة، ويلتزم بقضية أن المسلم أخو المسلم، ويوحّد الناس في القيمة الإنسانية والقيمة الوطنية، ويتعامل معهم بميزان واحد؟! مبدأ لا محاصصة بمفهومه الصحيح، وتطبيقه الأمين، ولا مفاضلة إلاّ على أساس الكفاءة، قادرٌ على أن ينهي كثيراً من مشكلات الوطن، والعديد من تعقيداته، ويداوي من جروحه، ويساعد على لملمة أطرافه وجمع كلمته، والقضاء على تصدّعاته، ويخفّف من الحساسيات المتفاقمة فيه.

 

أما مبدأ لا محاصصة بتفسيره الذي يركّز المحاصصة الجائرة، ويلغي طرفاً من الحساب، ويريد منه التسليم والإيمان والرضا بالتهميش والإهمال والدونية، فهو يختار أن يبقي واقع الظلم ومنبع المشكلة ومصدر التصدّع والتشرذمات.

 

مبدأ لا محاصصة بمعنى: ارضَ بلا شيء أو بالفتات وكن من الشاكرين للحكومة، منطق غير ناهض عقلاً ولا شرعاً ولا عقلائياً ولا عرفاً على مستوى العالم، ولا إنسانياً وأخلاقياً، وإذا كانت له بيئة - ولا بيئة له اليوم - فهي ليست بيئة الأحياء الواعين الأحرار[1].

 

دعونا أن نكون أخوة كما أرادنا الله سبحانه، يحكمنا العدل ونأخذ به، ونعمل بالحق وننادي به، ونتعاون في الخير وندعوا إليه، ونعيش الصدق والإخلاص والوفاء، ونشيع المحبّة والمودّة في كل الصفوف والفئات لهذا المجتمع الكريم، ولا سبيل إلى ذلك إلاّ العدل والإصلاح والاحترام.

 

حوار التوافق الوطني:

 

هذا هو الاسم، والنتيجة توافق الموالاة مع نفسها الذي يساوي توافق الحكومة مع نفسها، فبعد استبعاد مرئيات المعارضة وتبرّئها من نتائج الحوار، إما أن نقول بفشله أو بأن المعارضة من خارج هذا الوطن. فاستبعاد مرئياتها وتبرّؤها من نتائج الحوار على هذا لا يضرّ بصدق التوافق الوطني[2]، وحينما يقال تمّ التوافق الوطني ويؤكّد على صدقيته، فهذا التأكيد يعني تماماً اعتبار المعارضة من خارج جسم الوطن، ولا عبرة بها في موافقتها وعدم موافقتها[3]، ولكن إذا كان الأمر كذلك، فلماذا تمّت دعوة المعارضة للحوار، وإن كان بحجم أقلّ من حجمها بدرجات ودرجات؟! إلاّ أن تكون دعوتها هذه على حدّ دعوة المقيمين أو بدرجة ثانوية أبعد، هذا من جهة.

 

ومن جهة أخرى، إذا كان الهدف البعيد للحوار أن يخرج الوطن من أزماته في عافية وسلام، فكيف توصل إلى هذه الغاية نتائج لم يحصل عليها التوافق بين الحكومة والمعارضة أو الشعب وهو الطرف الحقيقي الثاني في النزاع؟!

 

ما ينهي المشكل هو التوافق بين الطرفين المتنازعين، وليس بين طرف ونفسه. رجعنا بعد الحوار إلى المربع الأول، وبقيت المشكلة بلا حلّ، والخوف على هذا الوطن من هذا التلكؤّ والتسويف بعد التسويف لقضية الإصلاح.

 

ــــــــــــــــــــ

 

[1] هتاف جموع المصلّين: هيهات منّا الذلّة.

 

[2] إذا اعتبرنا المعارضة وجوداً من خارج الوطن، كان التوافق الحاصل هو توافق وطني.

 

[3] هتاف جموع المصلّين: بالروح بالدم نفديك يا بحرين.