خطبة الجمعة، 15 ذو القعدة 1432ﻫ.ق 14 أكتوبر سبتمبر 2011م

 

اظلم الظالمين للدين:

 

من انتسب إلى دين أو مذهب أساء إليه بإساءته للناس، وشوهه بممارسته للظلم أو مساندته له، وإذا جاءت الإساءة أو الظلم أو المساندة له من عالم دين عظمة بذلك الإساءة إلى الدين، أما أن يحدث ذلك من عالم دين وباسم الدين أو المذهب فهو من اظلم الظلم للدين والمذهب.

 

وليس هناك ما هو أشد عداوة على دين أو مذهب من عالم يسيء لخلق الله أو يمارس ظلماً في حقهم، أو يعين على الظلم والجور والفساد بما يفهم منه أن هذا بإذنهما لما يلتمس لذلك من مبررات ينسبها للدين والمذهب النذين ينتسب لهما، أو يرى الناس فيه أنه يمثلهما في قوله وسلوكه.

 

حين يرى الناس أن فلاناً يمثل الدين أو المذهب في قوله وسلوكه، فيأتي منه ما فيه ظلم للعباد أو إعانة على الظلم، ماذا يفهمون؟ يفهمون أن هذا بإذن الدين أو المذهب، وأن هذا الدين والمذهب يبرران له ما يرتكبه من ظلم.

 

وما أكثر العلماء اليوم ممن يصدرون فتاوى تحرم المظاهرات والمسيرات والاعتصامات ومختلف أنواع الاحتجاج السلمي ضد السياسات الظالمة والتي تطالب بالحقوق و الإصلاح في صالح الإسلام والمسلمين. ولا يخلوا بلد من بلاد المسلمين اليوم من علماء تعتمدهم الحكومات الجائرة لمحاربة الشعوب بفتاوى التحريم والتكفير لمن يعلنون الإنكار على السياسات الظالمة ويطالبون جهراً بالإصلاح بطرق الاحتجاج السلمي.

 

وهذا من أسوء ما يواجه الدين من مسخ وتشويه وزيف، وعمل مسقط لقيمة الدين، ملوث لنزاهته، وهو من أحدِ أدوات الفتك به وأشدها فاعلية وأثراً قاتلاً له.

 

لغتان تتصارعان:

 

لغة حكومات لشعوبها أن تموت هذه الشعوب أو تنحني، أن تموت جسداً أو تموت فكراً وإرادةً وإنسانية وتتنازل عن حريتها، أن تقبل الهوان والذل والفقر والجهل والمرض وتخسر دينها . . وذراع هذه اللغة ما بنته ثروات الأوطان التي هي ملك الشعوب من قوة عساكر، ومؤسسات استخباراتية، وسجون، وقوى تسلحية، وصحافة موالية، وقنوات إعلامية تحت التصرف، وإمكانات هائلة، ومرتزقة وكل ما يستعان به لقهر الآخر وإذلاله.

 

أما اللغة الأخرى، فهي لغة شعوب أفاقت من غفوة طالت، ونفضت عنها غبار المسكنة، وتخلصت من عقدة الخوف، وكسرت طوق رعبها، ولسان هذه اللغة يعلو مجلجلاً الموت لا الإنحناء، الحرية وإلا فالمنية، الموت أولى من الذل والعار.

 

وأخذت كلمة الإمام الحسين (عليه السلام) التي انطلقت من روحه الأبية، وقطعت مسافة القرون المتوالية لتملئ الساحة الثورية العربية والإسلامية الواسعة الملتهبة كلها، وتنطلق مدوية على ألسن الملايين ـ نصا أو معنى ـ لتملئ مسمع الدنيا كلها بشعار هيهات منا الذلة، كلمة قالها الإسلام من أول يوم، وبقية على لسان الرسول (صل الله عليه وآله وسلم) وفي سلوكه، وعلى لسان كل إمام بمعناها وبمؤداها، وهي باقية على لسان المسلم الحق إلى الأبد.

 

هذه اللغة سلاحها الإيمان بقيمة الإنسان وكرامته، وأن الله عز وجل يأبى للمؤمن أن يذل نفسه، وأن يطأطئ لإرادة العبيد المخالفة لإرادة ربه، وأن يسلم للعبودية لغير خالقه، وسلاحها الصبر على مواجهة الموت، وبذل الروح في سبيل الله وما أذن الله عز وجل أن يبذل الدم من اجله.

 

ولغة الشعوب هذه أخذت تتحول إلى لغة عامة ومفهومة ومستذوقة بل معشوقة في العالم العربي والإسلامي، وأخذت في التعمق والتجذر يوماً بعد يوم في ظل ظاهرة الاستشهاد المتتابع، وبحور شهداء هذه اللغة في الأرض العربية. هذه اللغة بدأت تفرض نفسها على الأجيال الجديدة بقوة بعيداً عن العدوانية، وإنما هو عشق الحرية والكرامة، ورفض العبودية إلا لله سبحانه الذي لا يستكثر عليه أي ثمنٍ في سبيل رضاه، وما قيمة الموت من ثمنٍ في سبيل الله؟.

 

وما تجلى عنه الصراع بين اللغتين لحد الآن، هو انتصار لغة الدم على السيف، والحق على البطش، والحرية على رغبة الاستعباد، والشعوب المطالبة بالإصلاح على الحكومات المضطهدة للشعوب وذلك في أكثر من تجربة.

 

ولولا الروح الاستبدادية والطاغوتية عند الحكومات، ولولا عملها على قمع الشعوب وإذلالها، والاستئثار بثروات الأوطان ونهبها والتلاعب بها، ومعاداتها لوعي الأمة ونهضتها لاجتمعت القوة التي تضع هذه الحكومات يدها المتسلطة عليها ووعي الشعوب وصلابة إرادتها واعتزازها بحريتها لحماية الأمة واسترداد كرامتها، وموقفها الريادي بين الأمم، وفرض إرادة الخير في الأرض، والعمل على تعزيز مبدأ الأخوة الإنسانية في كل العالم، مكان كل التناقضات التي تهز الأمن العالمي هزا، وتسبب انتشار الرعب في كل المجتمعات.

 

كان من الممكن جداً، والمطلوب بالضرورة أن تجتمع القوة بيد الحكومات والإرادة الإيمانية الصلبة التي تتمتع بها الشعوب على إحقاق الحق في الأرض، وإبطال الباطل، والتقدم بمستوى هذه الأمة ولكن!.

 

الوضع المقلق للمجاهد المشيمع:

 

الوضع للأستاذ المجاهد مشيمع مقلق من الناحية الصحية كما آتت بذلك الأخبار، والأستاذ عزيزٌ على هذا الشعب الذي يشكر له جهاده ودفاعه عن حقوقه وعزته وكرامته.

 

والأستاذ وكل السجناء الأعزاء الذين تحت يد الحكومة تتحمل الحكومة مسئوليتهم، وهي المتهم الوحيد لو أصيب أيٌ منهم بضررٍ أو مكروهٍ ـ لا سمح الله ـ قد يسببه إيقاع الأذى بهم أو الإهمال الغذائي أو المنع عن العلاج أو الدواء الذي تتوقف عليه الصحة أو الحياة، وهذه المسئولية ثابتة ما ثبت الأذى أو الإهمال والمنع، وثابتة كذلك في حين يكتنف الموضوع الغموض، ولا ترتفع هذه المسؤولية إلا بقيام دليلٍ قطعي على انتفاء كل هذه الأسباب ما اتخذ منها صفة ايجابية أو سلبية.

 

والوضع الصحي للأستاذ بالخصوص محتاجٌ إلى عناية صحية دائمة ومتابعة ومراقبة، ويضر به الإهمال ضرراً بالغا، فحرمانه من هذه المتابعة والرعاية يعني تسبباً واضحاً لأي مضاعفاتٍ في مرضه، ويحمل الحكومة المحتجزة له والمصادرة لحريته المسئولية المباشرة عما قد يتعرض له من مكروهٍ حماه الله وجميع سجنائنا المظلومين من كل سوء.

 

وفي ضوء التدهور الصحي للأستاذ المجاهد، يكفي بقاءه في السجن ولو ليوم واحد لتحمل الحكومة كامل المسئولية بشأن مصيره، والله الواقي وهو خير معين.