لا تحرقوا البحرين:

 

من له شيءٌ من عقل، شيءٌ من دين، شيءٌ من ضمير، شيءٌ من إنسانية، شيءٌ من غيرة، شيءٌ من حياة لا يُحرق وطنه، أهل وطنه، ثروة وطنه، أخوة مواطنيه، دينه، أخلاقه، إنسانيته، أمنه، حاضره، مستقبله.. وكل ذلك تحرقه الفتنة الطائفية التي يضيع فيها العقل، ويغيب الدين والضمير، وتعطل الكوابح، وتقفز على الحواجز وتتجاوز الحواجز.

 

فلا ريب أن من يسعى لإشعال الفتنة الطائفية، فإنما يريد إشعال حريق شامل يجد منه مخرجاً للتحكم في الأوضاع، غير مبالٍ في نفوس الناس ومالهم من أرضٍ ومال.

 

إنها جريمة السياسة القذرة في حق الوطن والمواطنين أن يعمد أحدٌ إلى إحداث فتنة طائفية، إنها عملية استهتار، وسحق للدين والقيم والإنسانية وكل حرمة من الحرمات.

 

هناك من يريد احتراق الوطن، من يريد لكم يا أبناء الشعب سنة وشيعة أن تقتتلوا، أن تسفكوا دماءكم، أن تدخلوا في حربٍ مفتوحةٍ لا حدود لها ولا تستثني مالاً ولا عرضاً ولا دما، ولا ترعى حرمةً من الحرمات، ولا تحترم أخوّة ولا تاريخاً ولا ديناً ولا خلقا.

 

أما أنتم، فلا تُحرقوا البحرين، ولا تقتتلوا، ولا تدخلوا حرباً جاهليةً لا يرضاها الله ورسوله ولا المؤمنون، ولا تلقوا بأنفسكم إلى تهلكة دنيا وآخرة. كونوا عقلاء أذكياء كآبائكم وأجدادكم الذين افشلوا مثل هذه المحاولات من قبل، واثبتوا وعياً سياسياً متقدما، وإخوة دينيةً ووطنيةً قوية، واجتمعت كلمتهم على مطالب سياسيةٍ موحدة.

 

أيها الواعون، أيها الشرفاء، يا أبناء هذا الشعب الكريم، أمامكم مصر، ليبيا، اليمن، سوريا أنظروا كم حصدت السياسة الدنيوية المقاومة لمطالب الشعوب وحركات الإصلاح، وإصرار السلطات على كل مكاسبها الظالمة من أرواح هذه الشعوب.

 

لم يُحصد الليبيون على يد القذافي السني لأنهم شيعة، ولم يُحصد المصريون على يد حسني مبارك السني لأنهم شيعة، ولم يُحصد أهل صنعاء وعدن على يد صالح السني لأنهم شيعة، حُصد كل أولئك وهم سنة من الحاكم السني بذنبٍ واحدٍ مشترك هو المطالبة بالحقوق والإصلاح والحرية والكرامة، ولم تشفع لهم أخوةٌ دينيةٌ ولا مذهبيةٌ ولا وطنيةٌ يشترك الحاكم معهم فيها. إن السياسة الدنيوية لا تعرف وزناً لدين ولا مذهب ولا قيم ولا أعارف، كل القيمة عندها للكرسي والسلطة والدنيا.

 

ألف شيعي معارض لا يساوي سنياً موالياً عند حاكم شيعي معبوده الدنيا، وألف سني معارض لا يساوي شيعياً موالياً عند حاكم سني مقدسه الدنيا، يمكن لهذا أو ذاك أن يفاوت أحياناً بين مواليين أو معارضين لسنية هذا وشيعية ذاك، لنصرانية هذا وإسلام ذاك، ولكنه لا يمكن إلا أن يقدم الموالي على المعارض من أي دينٍ أو مذهبٍ أو قوميةٍ كان هذا وكان ذاك.

 

ولا تفتقر السياسة الدنيوية الحيلة والمكر الذي يوقع أبناء الشعب الواحد في الاقتتال حفاظاً على السلطة بل على كل ما تغتصبه من الشعوب وتصادره من ثروة وحرية وكرامة الأوطان ظلما، والمداخل لهذا المكر متوفرة دائماً والفرص ميسورة.

 

هناك التعدد الديني، التعدد المذهبي، التعدد القومي، التعدد اللوني، التعدد القبلي، التعدد المناطقي، التعدد الطبقي، التعدد اللغوي، كل هذه التعددات وكثير منها يتواجد في الوطن الواحد والشعب الواحد، أي شعب يخلوا من هذه التعددات ومن غيرها حتى لا تجد السياسة الظالمة مدخلاً تلجه للفرقة وتفتيت الشعب الذي تحكمه واحتراب أبنائه؟

 

في مصر استخدمت ورقة التعدد الديني، وفي ليبيا استخدمت ورقة التعدد القبلي والمناطقي وكذلك في اليمن. أما ورقة الاتهام والورقة الرابحة في البحرين هي ورقة الطائفية التي تجيد السلطة لعبة استخدامها. أما ورقة الاتهام بتأمر والعمالة للأجنبي والخيانة، فهي ورقة مشتركة استخدمها المصري والليبي واليماني، وهي مستعملة في سوريا وفي كل مكان.

 

والسياسة التي لا تقدّس إلا الدنيا، لا تستثني أي أسلوبٍ دنيء إجرامي في سبيل الحفاظ على مصالحها، ومن أبشع هذه الأساليب دناءةً وإجراما تمزيق الشعب الواحد، وزرع روح الكراهة بين أبنائه، وإثارة الأحقاد والريبة والبغضاء بين صفوفه، والانتهاء به إلى حربٍ داخليةٍ طاحنة لا تلتفت إلى دينٍ ولا قيم ولا مصلحة وطن.

 

وأي شعبٍ يكون ممتحناً امتحاناً قاسياً في دينه وعقله وبصيرته وخبرته أمام مثل هذه المحاولات، وأنتم اليوم ممتحنون أمام فتنةٍ يراد لكم أن تلجوا بابها الخطير، وتدخلوا نفقها المظلم الذي لا ينتهي إلا بنهايةٍ مأساوية،، وعلى هذا الشعب الكريم بسنته وشيعته أن يبرهن على تفوقٍ في الذكاء والدين والنباهة والبصيرة وهو يتعرض لهذا الاختبار، وأن يسجل الفشل على كل محاولة تستهدف تفتيته، وإثارة الفتنة تلو الفتنة بين صفوفه، وتستثير أسباب الحرب الجاهلية المشؤومة قولاً وعملاً بين المواطنين وتؤجج الروح الطائفية.

 

إذا كان كل هذا من أجل التراجع عن المطالب الشعبية، فإن هذه التجارب قد باءت بالفشل في الأقطار الأخرى، وقد سجلت فشلها بوضوحٍ في هذا الوطن، ونرجوا أن لا تقوم للفتنة الطائفية قائمة.

 

إنه لا علاج إلا بالاستجابة لإرادة الشعب وتحقيق مطالبه العادلة، والتراجع عن ذلك أصبح من المستحيل وهو ضارٌ بالوطن بصورةٍ فضيعةٍ مرعبة، لا تراجع ولا حلول سطحيةً تعود بعدها الحرائر والأحرار ثانيةً للسجون، وتصبغ الشوارع من دم أبناء الشعب، وتفتت اللحمة الوطنية، ويُحرم الناس من لقمة العيش، وتجيش الجيوش، ويسلب النوم من جفون الآمنين.

 

7 ذو الحجة 1432هـ 4 نوفمبر 2011م