أمة تعود إلى ماضيها:

 

أمة الإسلام اليوم تعود لماضيها لتحيى لا لتموت، لتتحرك للأمام لا لتجمد، ولا تتراجع إلى الخلف، لتتجدد لا لتتقادم.

 

أمة الإسلام تعود لماضيها عودة حياة لا موت، حركة لا جمود، تقدم لا تراجع، تجدد لا تقادم، ذلك لأنها عودة لقيادة الإسلام، قيادة القرآن، قيادة الرسول (صل الله عليه وآله) وهي قيادة لإنماء الحياة ولإثرائها، لتدفقها، لتقدمها، للارتقاء بها، لتخليص حركة الإنسان في إنسانيته الكريمة، وفي انجازاته المثمرة، وإبداعاته واكتشافاته وإضافاته النافعة من كل معوقاتها، والدفع بها إلى الأمام على الخط القويم. وإن عودة الأمة إلى هذه القيادة فيها صحوتها، وحياة عقلها وإرادتها، وفيها حيويتها ونشاطها، وعزتها وثقتها بنفسها، وقوة عزيمتها، وحريتها واستقلالها وإباءها ورشدها وهداها.

 

وشعبنا وهو من أشد الشعوب هذه الأمة ارتباطا بالإسلام، وانشداداً إلى رؤيته، واعتزازاً به، يعود اليوم بقوة إلى إسلامه، وعزة الإسلام وقيم الإسلام وأحكام شريعته، وهدى القرآن العظيم، وقيادة الرسول الكريم (صل الله عليه وآله)، ألستم تعودون إلى كل هذا؟

 

وبهذه العودة المباركة صار لا يستثقل في سبيل حريته وكرامته، واسترداد حقوقه المسلوبة، ورد اعتباره إليه، من البذل والتضحية ما ثقل، ولا يأن من التعب الذي تأن منه النفوس القوية، ولا يستبطئ النصر وإن أبطأ، ولا ييأس من الظفر وإن تأخر، ولا يشكو من قلة الناصر وإن عز، ولا يفكر في التراجع وإن طال المدى، ولا يتنازل عن شيء من مطالبه وإن قست الظروف، ولا يغير من قناعته أن تتنكر لحقه كل الدنيا.

 

هذا هو شعب البحرين كما برهنت الأحداث والضغط والتحدي، والصبر والتحمل والإصرار والصمود، إن شعباً بهذا المستوى من الوعي والإيمان والعزيمة والمضاء لا يقهر، فلابد أن ينتصر له الله فينتصر.

 

العودة للإسلام لا توجد معها هزيمة، ولا يوجد معها كلل ولا بطر ولا فساد ولا إفساد ... هي القوة، وهي الاستقامة، وهي الرشد، وهي الصلاح والإصلاح.

 

ما بقيتم على خط الإسلام لن تضعفوا ولن تستضعفوا[1]، ولن تضلوا ولن يضل بكم، ولن تتراجعوا أو تقهروا، ولن تذلوا، ولن تبطروا أو تستكبروا، ولابد لكم من النصر وتستحيل عليكم الهزيمة.

 

حاولوا معكم ما استطاعوا أن تذلوا فلم تذلوا، أن تخافوا فلم تخافوا، أن تيأسوا فلم تيأسوا، أن تضعفوا فلم تضعفوا، أن يتراجع بكم السجن والتعذيب، واقتحام المنازل والمناطق بشراسة وقسوة ووحشية، والإمعان في القتل والإهانة، حاولوا معكم بكل ذلك أن تتراجعوا عن مطالبكم فلم تتراجعوا، أن تستغفلوا عن حقكم فلم تستغفلوا، أن يعدلوا بكم عن أساليبكم السلمية والحضارية والشرعية فلم يفلحوا.

 

فكونوا اليوم أكثر وعياً، ونباهةً، وإصرارا، وصموداً، وصبراً، وتحملاً، وتمسكاً بمطالبكم العادلة، وإيمانا بالأسلوب السلمي، والمقاومة الحضارية، ومراعاة الحكم الشرعي، كونوا كذلك على كل خط التحرك، وهذا هو طريق نصركم الحتمي ـ إن شاء الله ـ وتحقيق ما تطمحون إليه من عدل وإنصاف واعتراف بموقعكم السياسي الأصل.

 

إن لكم موقعاً سياسياً أصل، وهو أن إرادة الشعب قبل إرادة الحكومة.

 

لماذا هذه التحرشات الأمنية المتكررة؟

 

يتكرر التحرش بأمن سماحة الشيخ علي سلمان ومنزله وسيارته، فلماذا هذا التحرش المتكرر، وخاصةً في هذه المرة؟

 

* هل هو لإظهار القوة والقدرة المطلقة؟

 

قوة البطش معلومة، ولكن الذين اختاروا أن يدافعوا عن حقوق الشعب يعلمون بهذه القوة وبهذا البطش، ورأوا مدى البطش وإسرافه رأي العين، وصمموا على مواصلة الطريق انتصاراً للحق واسترخاصاً للنفس في سبيله، وسماحة الشيخ من أبرز من أختار هذا الطريق وأصر عليه، وهو ليس غافلاً عن كلفته ومخاطره.

 

وكسر إرادة الناس في هذا البلد وفي هذا الشعب لابد أن يصاب مريده باليأس.

 

وأما القدرة المطلقة فليست إلا لله وحده لا يشركه فيها سواه.

 

• هل هو لاختبار حضور الشعب؟

 

ظني أن ذلك لم يعد محلاً للاختبار، فقد برهن هذا الحضور على نفسه بما فيه الكفاية، وفي كل المواقف الصعبة الحرجة. وهل يظن أحدٌ أن وزن الشيخ في نفوس أبناء الشعب مُحتاجٌ للاختبار؟ الظان بذلك غارق ـ فيما أراه ـ في سبات.

 

• هل هو لاستفزاز الشعب وإغرائه بالعنف لشدة التحديات؟

 

الشعب اختار أمرين مجتمعين، السلمية وأكبر استعداد للبذل والتضحية، واختياره عن وعي ورؤية وتصميم، وليس هو الذي يُعدل به عن خطه بالمكر والاحتيال.

 

• للقبول بتخفيض سقف المطالب، وتسويةٍ غير مجزية؟

 

صار هذا مستحيلا، ومثل هذه التصرفات تزيد من استحكام هذه الاستحالة، وتحتم التمسك بحلٍ جذري يقطع طريق العودة لهذا الظلم والانتهاك والاستخفاف.

 

عينٌ ترى، وعينٌ لا ترى:

 

وضع الجامعة العربية بالنسبة لظلم الأنظمة العربية ومأساة شعوبها وضع من له عينٌ ترى وعينٌ لا ترى، أذنٌ تسمع وأذنٌ لا تسمع.

 

العين التي ترى والأذن التي تسمع متوجهةٌ لأنظمةٍ وشعوبٍ بعينها. والعين التي لا ترى والأذن التي لا تسمع متوجهةٌ لأنظمةٍ وشعوبٍ أخرى.

 

بل الأمر أكبر[2]، فإن عين الجامعة العربية ترى ظلم بعض أنظمتها عدلا، وخطأها صوابا، وتنكيلها بشعوبها حقا، ومعارضة حكمها جورا، ومطالبة شعوبها بحقوقها ذنبا وحرصها على حريتها وكرامتها إثما، والمقابلة لصوتٍ شعبيٍ يطالب بالحقوق والحرية والكرامة بكل أنواع القمع والتنكيل والسحق حق طبيعي لهذه الأنظمة، تباركه الجامعة العربية وتقف معه وتسانده بكل قوة.

 

وترى الجامعة العربية أن تترفع عن مقابلة من يمثل المعارضة لظلم هذه الأنظمة المختارة، أو تسمع له وجهة نظر ينقل فيها معاناة شعبه وما تصب عليه حكومته من ألوان العذاب والمهانة صبا.

 

آبو أن يقابلوا وفد المعارضة، أن يسمعوا منه كلمة، مال شعب البحرين ومطالبه المشروعة من الجامعة العربية هي هذه العين التي ترى حق هذا الشعب باطلا، ومطالبته بحريته وكرامته تعديا، وتطلعه لتقرير مصيره غرورا، وترى في سلميته حربا.

 

وليس لها عين ترى من ظلم الحكومة لهذا الشعب شيء، لا من ظلم قتل الأبرياء تحت التعذيب، ولا الاغتيالات للآمنين العاديين، ولا انتهاك حرمة النساء والمساجد والقرآن الكريم، ولا سجن المئات بسبب التفوه بكلمة ناقدة أو مشاركة في مسيرة سلمية، ولا حرمان الألوف من أبناء هذا الشعب القليل العدد ومن يعيلونه من سبب الرزق الشريف، ولا سلب طعم الأمن ليلاً ونهاراً للكبار والصغار من أبناء هذا الوطن، وتحويل مناطق كثيرةٍ من مناطقه إلى ساحة حربٍ من طرف واحد. هذا إلى جانب التمييز والتهميش والاضطهاد الديني والثقافي وإنسانية الإنسان الذي تمارسه هذه الحكومة، كل ذلك والجامعة العربية لا ترى.

 

كل ذلك لا تراه عين الجامعة العربية، وأذنها صماء عن كل صراخ وتوجع وأنين طفل أو ثكلى أو معذب من أبناء هذا الشعب.

 

نحن نعرف أن النصر إنما هو من عند الله، وأنه لا يستجدا إلا منه، ولا يملكه غيره، وليس بيد غيره، ولا يجد من سواه سبيلاً إلى منعه وتأجيله، فنحن لا نستجدي النصر من المخلوقين وإنما نسأله ونستجديه من الخالق، وعلينا أن لا نتوكل إلا عليه، مع الأخذ بما أمر به من بذل المظلوم لما يجد من جهد في سبيل النصر والخلاص من الظلم، ولكن هذا لا يتنافى مع إنكار ما عليه موقف الجامعة العربية من هذا الشعب المظلوم، وتذكيرها بأنها تتحمل مسئولية ثقيلة بين يدي الله عز وجل لهذا الموقف غير العادل وغير الأخلاقي والبعيد كل البعد عن الحق والدين، وما النصر إلا من عند الله، والله خير الناصرين.

 

خطبة الجمعة: 11 نوفمبر 2011م

 

_________________________

 

 [3] أي لن يصل بكم أحدٌ إلى حد الضعف والتسليم إلى عملية الاستضعاف.

 

 [6] ليت عين الجامعة العربية لا ترى مثل شعب البحرين فقط، لا، أكبر من ذلك.