خطبة الجمعة: 17 ربيع الأول 1433هـ 10 فبراير 2012م
يوم الهدى والنور:
في مثل هذا اليوم أشرقت الأرض بنورين من أنوار الفيض الإلهي لا يخبوان، ليضلا هاديين للسائرين إلى الله عز وجل ما دام في الأرض إنسان يعشق الهدى ويتجه إليه، فهنيئاً للمهتدين بهما، إنهما نور الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله) وحفيده الإمام جعفر الصادق (عليه السلام).
يوم الهدى والنور والوحدة الإيمانية الكبرى يوم مولد النبي المصطفى الخاتم محمد بن عبد الله (صل الله عليه وآله) زادهم الله مع كل شرف شرف، ومع كل زلفة زلفة، ورفعهم مع كل منزلة منزلة.
يوم كان لموت الجاهلية وحياة الإسلام، وبعث الإنسان وكلمة الإيمان، يوم لانعطافة هائلة في تاريخ البشرية من خط انحراف طال في الأرض، وكاد يأتي على ميراث الأنبياء، ويطمس نور الفطرة إلى خط الاستقامة على صراط الله، يوم لإنقاذ الإنسان من قطيعته مع السماء على القطيعة التي لم تكد تبقي له من روح ولا قابلية لخير، إلى صلة حميمة تعود عليه بالرواء والضياء وتمده بالهدى والحياة، وتغير ما به من سوء، ترفع نظرته، وتزكي روحه، وتحيي قلبه، وتصحح إرادته، وتنير عقله، وتنشط تفكيره، وتستثير نبيل مكنونه، وتصنعه الخليفة الصالح في الأرض يعمرها ولا يخربها، ويسودها بفكره وإيمانه وهداه ورشده وطهره ولا تسوده، ويتحرك بها في تجاه الغاية السامية، ولا تتجمد به عند هموم الطين ومشكلاته.
في هذا اليوم نحن أمام شخصية لا ينطفئ نورها، ولا تنقطع، ولا تسبك، ولا تلحق في عظمة ومجد، ولا غنى للأرض عنها، وسيضل هداها وشريعتها وكل دينها ومنهجها محل حاجة الإنسان وان طالت القرون وامتدت بالإنسان على الأرض الحياة. أمام نور سماوي متألق، ما ضيعه مضيع أو أعرض عنه معرض من فرد أو جماعة أو أمة إلا وضل طريق السماء وانحرف به السبيل ووقع في المأساة وشط عن الغاية. أمام منهج لإعمار الحياة، وبناء الإنسان، وكسب الآخرة، لا تمتلك الأرض بديلاً عنها أو ما يحل محله، وفي إهماله وإغفاله والتمرد عليه والإعراض عنه أو التباطئ بالأخذ به شقاء هذا العالم. أمام أخلاق هي أخلاق القوة الصالحة المهتدية الشاملة التي لا تترك ثغرة لضعف الإنسان يأتيه منها الشر والسوء والشقاء والذل والعبودية والضجر والسأم، أو يأتي منه بها غيره بغي أو ظلم. أمام مسئولية عظمى تفرض علينا العودة الجادة الشاملة القوية لهدى رسول الله (صل الله عليه وآله) والإسلام الذي اوحاه الله إليه، بلا تسويف ولا تراجع ولا تردد ولا فتور، وأن نصر على رفض أي بديل حضاري عن الإسلام، وأي تغرب أو هجرة كلية أو جزئية عن دين الله ورسالته الخاتمة.
وأنتم يا حكام الشعوب الإسلامية، ممن تنطقون بالشهادتين وتعلنها إذاعاتكم وقنواتكم التلفازية ووسائل إعلامكم، وتبنون المساجد، وتبثون برامج دينية، ألا قستم سياستكم وممارساتكم إلى ما يراه رسول الله (صل الله عليه وآله) وما لا يراه، إلى ما يرضاه وإلى ما لا يرضاه، إلى ما توافق عليه شريعته وما تأباه، إلى ما يسره وما يرضيه؟، ألا استفتيتموه عن الاستبدال عن أحكام دينه بأحكام الملتقطة تستوردونها من وضع الإنسان، وعن أخلاقه بأخلاق جاهلية، عن الكيد بالشعوب الإسلامية ووحدة الأمة وتماسكها وإخوتها بالتعامل مع أعدى أعدائها من مثل الصهاينة، وعن بيع أرض الأمة وثروتها على أعدائها تثبيتاً لكراسي الحكم والاطمئنان عليها، عن حفلات الرقص والخمر والفحشاء مما تضج به الفنادق التي تشيدونها لفساد الأمة وسرقة ثرواتها، وإرضاء من يريد لهذه الأمة أن تخدع عن دينها، وعن الطاغوتية التي تمارسونها على الأمة حتى لا تبقو لها صوتاً ولا رأيا ولا إرادةً في شانٍ من شئونها، وعن سفك الدم الحرام والإسراف في القتل والتعذيب وملئ السجون والأقبية المظلمة من أحرار وحرائر هذه الأمة، وعن التعدي على أعراض المسلمين بألوانٍ من التعديات القذرة المحرمة في السجون وخارجها، ومما يتم تحت علمكم وأنتم تشهدون؟.
أترضى شريعة الله، أيرضى رسول الله (صل الله عليه وآله) ببقاء حرة مسلمة في السجن ليوم واحد وما هو أقل من ذلك لأنها أنكرت منكراً وأمرت بمعروف وطالبت بحق؟، وبزج بالمئات والآلاف ومئات الألوف في السجون والطوامير، واضطهادهم تحت العذاب إسكاتا لصوت الحق، وإجهاضا للمطالبة بالحرية وانسياقاً وراء شهوة الحكم؟.
إنكم لتعرفون رأي رسول الله (صل الله عليه وآله) وشريعته، وتعرفون أنكم على غضب من الله مما تفعلون، ولكنها الدنيا التي تعبدون، ولا ينفع مع حب الدنيا وعبادتها فهم ولا علم ولا آيات ولا بينات.
ستبقى المطالبة:
الرابع عشر من فبراير للعام الحادي عشر بعد الألفين بالتاريخ الميلادي خصوصية في الحراك الشعبي السياسي في البحرين، ولكن تاريخ هذا الحراك له ماضيه الطويل، وتجد ذاته المتكررة، والفاصل بين هذه المرة وبين سابقتها لم يطل، بل قد لا يصدق وجود فاصل بينهما كما هو واضح.
وستبقى المطالبة بالحقوق المشروعة لهذا الشعب وتتواصل، ولن تقف عند يوم أو موعد معين، وستزيد وتيرتها وتتصاعد كلما أبطأت الاستجابة لها، توقفها مستحيل، تراجعها مستحيل، إغماض الطرف عنها مستحيل، هبوط سقفها مستحيل، التحايل والالتفاف عليها مستحيل[1].
الإعلام المضاد الذي يستهدف ثني عزم الشعب عنها فاشل، السياسة الإرهابية لتعطيلها فاشلة، المراوغة السياسية لقصد تضييعها فاشلة، كل الوسائل الأخرى للصرف عنها فاشلة.
من يختار لهذه المطالب أن تتعطل فهو يختار للوضع الفاسد أن يبقى وأن يمتد، ويختار لهذا البلد أن يكون بلد طوارئ وعدم استقرار وهذه خيانة.
من أحب هذا الوطن واخلص له وأراد به خيراً، وبهذا المجتمع الصلاح وله الرفعة والتقدم، فليعمل جاهداً على تحقيق مطالب الشعب والاستجابة السريعة لها من غير تباطؤٍ وتسويف.
والمظاهرات والمسيرات والإعتصامات وكل الأساليب الاحتجاجية ليست هواية ولا مسألة ترفيهية، خاصة مع ثمنها المكلف وضريبتها الثقيلة على مستوى الأمن الشخصي للمواطن وماله وحياته، كل هذه الأساليب الاحتجاجية السلمية التي تواجه بعنف مبالغ من السلطة إنما دفعت لها الضرورة، وستبقى الاحتجاجات السلمية وإن كلفت إضعاف ما كلفت ما دامت تفرضها الضرورة، والضرورة قائمة ما دام الظلم والفساد والمصادرة لحرية المواطن وامتهان كرامته والاستخفاف بقيمته والإصرار على سلبه حقوقه وتهميشه والتنكر لإرادته[2].
لابد أن يستجيب القدر:
مضمون شعر شاعر[3]. الشعب الذي يريد الحياة حياة العدل والعز والكرامة والفعل المجيد والدور التاريخي الرائد، ويريد صناعة حاضره ومستقبله صناعة يرضاها عقله وضميره ودينه وشرفه لابد أن يسعى لذلك سعيه، ويبذل في سعيه هذا كل دنياه وما عز عليه من حياته[4].
أما استجابة القدر فليس لأن قدر الله يكتبه غيره أو يجبره عليه أحد أو يشاركه فيه مشارك، وإنما استجابة القدر لما تدل عليه آيات الكتاب الحكيم من أنه تبارك وتعالى يهدي أهل الجهاد الحق إلى سبيله، وأنه ينصر من نصره، وأنه لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى، {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين}[5] {يا أيها الذين امنوا أن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}[6] {فاستجاب لهم ربهم إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى}[7].
وهذا الشعب أراد الحياة، وتحرك على خط هذه الإرادة، وقد بذل في سبيلها ما بذل، وهو ماضٍ على خطها، وموفٍ لما يقتضيه مضيه هذا من بذلٍ وصبر، فلابد أن يستجيب القدر[8].
أيها الشعب المجاهد الصابر، مواصلة وصبر، وحسن نية وسلامة قصد، واجتماع صفوف ووحدة كلمة، والتزام أحكام الشريعة وعدم مغادرتها، وسلمية وعقلانية، ووفاء للوطن وأهله، وصدق مع الله وعبودية خالصة له، لا يعقب ذلك إلا نصراً مبينا، وعزاً رفيعة، وسلامة وبركة ومحبة.
__________________
[1] هتاف جموع المصلين : هيهات منا الذلة.
[2] هتاف جموع المصلين : فلتسقط الحكومة.
[3] عدم قراءة الشعر كاملاً لكراهة زمان القول وهو يوم الجمعة كما جاء في الروايات الشريفة. (نقلاً عن اللجنة الفنية لمكتب البيان للمراجعات الدينية).
[4] هتاف جموع المصلين : بالروح بالدم نفديك يا بحرين.
[5] سورة العنكبوت - سورة 29 - آية 69.
[6] سورة محمد - سورة 47 - آية 7.
[7] سورة آل عمران - سورة 3 - آية 195.
[8] هتاف جموع المصلين : الله أكبر، النصر للإسلام
تعليقات الزوار