شباب ثورة 14 فبراير البحرينية وعدوا وصدقوا، لامسوا الميدان، سلميين، عراة الصدور الحاملة لأشجع قلوب وأشوقها للحرية، توجهوا نحو مركز احتجاجات الثورة ميدان الشهداء حيث كان ينتصب أجمل معالم البلاد، نصب اللؤلؤة.

 

مرآة البحرين رصدت أدق تفاصيل العملية الكبرى التي أطلقها ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير في البحرين، لحظة الصفر لم يتوقعها لا الضابطان الأميركي والبريطاني اللذان تم جلبهما لتدشين مرحلة قمع جديدة، لم تتوقعها عيون النظام وآذانه، الساعة السادسة وأربعين دقيقة من صباح يوم الرابع عشر من فبراير 2012، انطلقت عملية الشهيد القائد عبد الرضا بوحميد، نفذها ما يقارب  ألف شاب من أربعة محاور هي: السنابس، البرهامة، النعيم، البلاد القديم، الزنج.

 

انطلقوا نحو هدف واحد: ميدان الشهداء، هناك حيث تعسكر ثلاثة أجهزة أمنية هي: وزارة الداخلية، والحرس الوطني، والجيش المتخفي بلباس الجهازين الأمنيين السابقين. وفي الشوارع المحاذية للميدان انتشرت الدوريات والمخابرات والكاميرات، كأن ثمة مفاعل نووي يسكن في أرض الميدان.

 

لم تكن الليلة التي سبقت الزحف، سوى   لحظات جميلة جمعت أنبل شباب البحرين، لم ينكص أحد منهم بوعده، كانوا يعرفون نتيجة التقدم هي الإصابة أو الاعتقال، أو الاثنين معاً، وربما الموت الذي لا يحسبه أحد منهم خسارة بل فوزاً وفخراً.

 

لم ينكصوا تقدموا، لذا كانت الحصيلة في الساعة الأولى 30 شاباً ثورياً معتقلاً، من اضطر للتراجع قليلاً كان سببه الاختناق من الغازات السامة التي تطلقها قوات المرتزقة من الأجهزة الثلاثة. أعاد الثوار ترتيب صفوفهم وأعادوا محاولة التقدم، كان زحفاً حقيقياً، يشي بلوحة سيرالية تتقدم فيها الفراشات العاشقة للضوء لتحترق بمجرد ملامسته.

 

من جهة الشارع المحاذي لمجمع سيتي سنتر، تقدم أميرا الدوار اللذان سبق ودخلا للميدان بطريقة مفاجئة وتمّ اعتقالهما والإفراج عنهما لاحقا، محمد الحايكي من بلدة سماهيج ومحمد جعفر من جزيرة سترة عاصمة ثورة 14 فبراير، تقدما أمام المدرعات والجنود ذوي البدلات المُرقطة. حمل البطلان في يد كل منهما علم البحرين، لم يقوما سوى بالمشي والتقدم الواثق، تم اعتقالهما مباشرة.

 

فوق الكوبري المطل على الدوار، توقفت سيارة من نوع (التيما) ترجل منها شابان آخران حاولا النزول عبر المدرج العشبي الذي تلفه الأسلاك الشائكة، هاجمهما الجنود، تلقى أحدهما ضربة حاقدة بهراوة غليظة فوق رأسه سقط على الأرض، وتم اعتقاله مع صاحبه.

 

بعد دقائق، تقدمت المناضلة معصومة السيد بخطى واثقة من جهة أخرى هي منطقة القفول وهو الطريق الذي سار فيه الشهيد القائد عبد الرضا بوحميد ليتلقى رصاص جيش المشير الخائب، توجهت نحو مدرعات الحرس الوطني، حاصرها الجنود لكنها لم تأبه كعادتها، ظلت تحاول الدخول دون أن تهرب أو تقلق، كان الجنود حولها قلقون أعصابهم متوترة،   فترة بسيطة من الزمن مرت، ليتم اعتقال معصومة.

 

المفاجأة الكبرى تمثلت في تقدم 14 بطلا من أبطال الثورة اقتلعوا الأسلاك الشائكة، تجاوزوها دخلوا للساحة المحاذية للميدان يحملون راية العز التي انطلقت من بلدة النويدرات، دخل الأبطال تناوشهم الجنود المملوؤون حقداً، تم اعتقالهم وعلى مقربة أمتار قليلة من ميدان الشهداء.

 

تواصل الزحف بعد ان رتب الثوار صفوفهم، هجمت قوات المرتزقة داخل المناطق، في النعيم، البرهامة، السنابس، وحدثت اعتقالات وانتهاكات كبيرة، لكن الثوار استطاعوا التقدم مجدداً، تقدمت مجموعة من النساء والفتيات إلى قرب مجمع الدانة التجاري في الطريق المباشر المودي للميدان، تم اعتقال خمس منهن، وبعد دقائق تقدمت امرأة أخرى   تتشح بعلم البحرين من منطقة القفول حيث اعتقلت معصومة السيد، وتم اعتقال هذه المرأة أيضاً.

 

التلفزيون الرسمي لبحرين أخذ يبث صوراً لعدد من الشوارع الرئيسية البعيدة عن موقع الحدث، ليقول للعالم أن الأوضاع عادية، وهذا ما أكده نبيل الحمر المستشار الإعلامي للملك، في مداخلة تلفزيونية قال فيها إنه أخذ جولة بسيارته وأن الأوضاع مستتبة،   لكن التناقض الكبير ظهر بعد أقل من ساعة، فقد انطلقت عشرات المدرعات التابعة للحرس الوطني للتوجه عبر شارع خليفة بن سلمان أو كما يسميه الثوار شارع 14 فبراير متجهة نحو المنامة، واتجه بعضها الآخر لشارع البديع حيث عشرات البلدات ذات الغالبية المعارضة للسلطة. أيضا تم نشر المدرعات بالقرب من جدحفص، السنابس، الديه. وعلى الفور علق ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير بأن هذه المدرعات لن تخيف أحداً.

 

انطلقت المسيرات والتظاهرات في عشرات البلدات، وتعرضت هذه المسيرات والتظاهرات السلمية للقمع الشديد، وتساقط الجرحى. وقد أظهرت مواقع التواصل الاجتماعي على موقعي الفيس بوك وتويتر، صوراً لعشرات الشبان والشابات المرتدين الأكفان في دلالة على الاستعداد للتضحية، يتقمون نحو الميدان، كما تم بث مقاطع فيديو لعملية التقدم الشبابي نحو الميدان وهم يرددون الهتافات.

 

استمر الكر والفر لمدة ساعات، دقت الساعة الحادية عشرة والربع صباحاً، أعلن ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير انتهاء عملية الشهيد القائد عبد الرضا بوحميد، وذلك بعد مرور أربع ساعات ونصف على بدئها، وأكد الائتلاف أن هذه العملية هي المرحلة الأولى للزحف نحو مركز ثورة 14 فبراير ميدان الشهداء.

 

نجحت المرحلة الأولى بامتياز، إذ كسر الثوار هيبة العساكر المدججين بالبنادق والرصاص الحي والآليات المدرعة، وكأن شيئاً لم يكن موجوداً أمام أعينهم.