رحل أمام ناظري والديه وهو يختنق بسلاح الغدر الذي كتم أنفاسه

 

الوفاق تنشر أول بورتريه لشهداء ثورة اللؤلؤ.. الشهيد علي مشيمع

 

هذا التقرير يمثل ملخص ما وثقته الوفاق من معلومات عن حادثة استشهاد الشهيد علي مشيمع، وهي اليوم تعيد نشرها في يوم ذكر شهادتها، تعبيراً منها عن اعتزازها بدمائه الطاهرة، ولتأكد لأسرته بأنها وكل الأحرار معهم لم ينسوا الشهيد ودمائه التي فجّرت الثورة، ولازال حاضراً بروحه مع كل أطياف الحراك، في كل خطوة من خطوات هذا الطريق الشاق.

 

الشهيد علي عبد الهادي صالح مشيمع، يبلغ من العمر 22 ومن سكنة قرية الديه، وقد تم استهدافه يوم 14 فبراير 2011م برصاص انشطاري (خرطوش / شوزن).

 

مساء يوم 14/2/2011م داهمت قوات مكافحة الشغب قرية الديه منطقة سكن الشهيد، بعد أن خرجت مسيرات سلمية على مقربة منها، وبدأت تتحرك في مجموعات في الطرق الداخلية للقرية وأزقتها الضيقة البعيدة عن مكان خروج المسيرات، لمنع أي شخص من الخروج من منزله، وقد شاهد أحد أفراد أسرته في وقت متزامن مع أذان المغرب، إحدى هذه المجموعات وهي مدججة بأسلحتها بنحو يثير الرعب تمر في الطريق الذي يؤدي إليه الممر غير النافذ الذي يطلّ عليه منزل الشهيد، دون أن يكون ذلك مسبوق بسماعه لأصوات تدل على مرور أي مسيرة أو حدوث تجمع جماهيري سلمي أو غير سلمي في هذه المنطقة الخلفية من القرية.

 

حوالي الساعة 7 مساءً كان الشهيد في منزله يتناول وجبة العشاء مع والديه، ونزل الشهيد من الطابق العلوي الذي يقيم فيه مع والديه، والتقى ببعض أفراد أسرته وهو كان يهمّ بالخروج من باب المنزل فتحدّث معهم بحديث عابر، ولم يكن الشهيد يحمل أي شيء في يديه ولا يوجد أي مظهر يدلّ على أنه يخفي شيء.

 

خرج الشهيد أمام هؤلاء، وخرج خلفه أحد أفراد أسرته على نحو اعتيادي، وقطع الشهيد الممر الذي يمتد من باب منزله إلى الزقاق الموجود في الطرف الثاني للممر أمام هذا الشخص، والتف الشهيد عند وصوله لهذا الزقاق لجهة الغرب، فإذا بصوت إطلاق قريب، فرجع هذا الشخص الذي كان خلفه مرعوباً ولمح الشهيد يركض خلفه ليصل إلى باب منزلهم بطريقة غير طبيعية ويقع في الطريق.

 

دخل الشهيد المنزل وهو يواجه صعوبة شديدة في التنفس، وجلس على الأرض، فتبين لأفراد الأسرة وجود دم ينزف من ظهره، وتمّ على الفور إخراجه من أفراد أسرته باتجاه سيارة أحدهم لنقله للمستشفى، وأثناء نقل الشهيد في السيارة شاهدت الأسرة مجموعة قوات الأمن وقد تمركزت في إحدى الأزقة التي تمتد من الزقاق الذي يؤدي له الممر الذي يطل عليه منزلهم.

 

أظهرت التقارير الطبية ومشاهدة الشهود والصور التي التقطت لجثة الشهيد بأن الإصابة القاتلة التي لحقته كانت في منطقة الظهر، وأنها ناتجة عن كرات طلقة انشطارية (طلقات سلاح الشوزن) خرقت ظهره بثقوب متقاربة جداً وتجمعت على شكل دائرة صغيرة جداً عند رئة الشهيد من الخلف.

 

صدرت شهادة الوفاة وقد ذكر سبب الوفاة بأنه إصابة في الصدر ناتجة عن طلق ناري، وقد أضيفت الإشارة إلى (الطلق الناري) بعد أن أصرّت العائلة على تدوين ذلك بوضوح ورفض محاولات الجهات الرسمية المعنيّة بإصدار الشهادة التي أرادت الإشارة لإصابته بمقذوف دون ذكر نوعه، واستغرق هذا الأمر عدة أسابيع.

 

وعدت السلطات بفتح تحقيق في القضية في خطاب ألقاه الملك يوم 15 فبراير 2011م، وكلفت لجنة رسمية بذلك، ولكن حتى الآن لم يعلن ما وصلت له اللجنة.

 

تفاصيل الحادثة تكشف بوضوح عن أن الشهيد لم يكن يشارك في أي تجمع تعرضت لقوات الأمن بالاعتداء أو امتنع منظميها عن التفرّق بعد دعوتهم من قوات الأمن لذلك، وبالتالي لم يكن إطلاق النار على الشهيد في إطار تطبيق أحكام المادة (180) من قانون العقوبات البحريني الخاصة بالمسيرات والتجمهرات.

 

كذلك تكشف أن الضحية كان أعزل ولم يكن يحمل أي شيء بيده، وكذلك لم يكن ملثم ليشتبه فيه ويبرّر إطلاق النار عليه بأنه بسبب وضعه المريب.

 

كذلك تكشف أيضاً عن أن من أطلق النار على الشهيد لم يكن في حالة دفاع عن النفس بأي حال من الأحوال وإنما كان متعمداً إصابته، إذ أنه أطلق النار عليه بعد أن كان قد استدار بكامل جسده إلى الخلف في وضع يمنع من القول بوجود أي خطورة على حياة المطلق أو أفراد المجموعة التي معه، فلو لم يكن قد استدار بكامل جسده وكان في مواجهته لكانت الكرات الرصاصة الانشطارية (الشوزن) قد اخترقت جسده من الأمام، ولو كان في مواجهة وبدأ يستدير عندما رأى رجال الأمن تطلق النار عليه لكانت الإصابة ستكون في جانب جسده مع ميل إلى الجانب الأمامي من جسده، إذ أن الإطلاق كان من مكان قريب جداً، وبموجب ذلك إصابته للجسد تكون بشكل فوري بعد إطلاقه.

 

كما تكشف عن أن من أطلق النار كان هدفه إصابة الشهيد في مقتل؛ إذ أنه أطلق النار من مسافة قريبة جداً لا تتجاوز أمتاراً وفقاً لما تحدّده طبيعة انتشار كرات الطلق الانشطاري على جسد الشهيد، إذ أن قواعد الطب الشرعي بيّنة في التأكيد على أن كل ما قرب الجسد الذي أصابته هذه الكرات من موقع الإطلاق كل ما تقاربت آثارها في الجسد، وكذلك وفقاً لما يحدّده العمق الذي وصلت إليه في جسد الشهيد، إذ كلما قرب الجسد الذي أصابته هذه الكرات من موقع الإطلاق كلما تمكنت هذه الكرات الصغيرة من الدخول عميقاً في الجسد اعتماداً على قوة الدفع التي لم تخف بعد، وهو كرجل أمن مدرك لخطورة هذا السلاح وطبيعته كونه فرد من أفراد قوات الأمن المدربين على هذا السلاح وما الذي سينتج عنه، وقربه من الشهيد سمح له بالتحكم في اتجاه الرصاصة التي أطلقها والنقطة التي كان يوجّه لها إطلاقه، وقرّر بكل إرادته استهداف الشهيد في مقتل.

 

رحل الشهيد أمام ناظري والديه وأسرته، رأوه يختنق بأنفاسه التي كتمها سلاح الغدر عندما جاءهم فاراً من ظلم البشر ليلقي بنفسه في أحضانهم وقد غسلت الدماء جسده لتجهزه لملقاة ربّه بعزّة الشهداء..