خطبة الجمعة: 8 ربيع الثاني 1433هـ - 2 مارس 2012م

 

حراكنا الشعبي

 

الحراك الشعبي العارم بمضمونه السياسي الواعي الذي تعيشه البحرين لم يكن وليد حالة انفعالية أو لحظة ارتجال، ولم يأت بصورة رد فعل متأثر إيجاباً بالربيع العربي وإن كان هناك تعاط متبادل بين ساحات هذا الربيع الذي غطى مساحة واسعة من المنطقة العربية، وما كان عن حالة انفعال وبدايته انفعالية يمكن أن ينهيه الانفعال، وما كان عن رد فعل ممكن أن يتوقف عند أي لحظة من لحظات الزمن.

 

حراكنا الشعبي ليس حادثاً اليوم، ولم ينتظر يوم وُلد فيه الربيع العربي. إنه سابق على هذا اليوم بزمن طويل، ومنذ بدأ لم يتوقف، وخلفيته شعور عميق بكرامة الإنسان بناه الإسلام وغذاه ولا يزال يغذيه، ورفضٌ قاطع من هذا الدين القويم الذي يتمسك به شعبنا لكل أنواع الظلم والقهر والعسف والاذلال بغير حق يمارسه إنسان في حق أخيه الإنسان.

 

خلفيته تحريم واضح من شريعة الله عز وجل لطاعة مخلوق في معصية الخالق، وأن تُذَل جبهة من عبد لغير الله.

 

خلفيته ظلم طال واستشرى وتجذّر، وتعامل مهين من الحكم مع هذا الشعب، ويأسٌ من الإصلاح والتغيير من دون هبّة عامة وتضحيات.

 

وهذه الخلفية ليست الخلفية المهتزّة التي تتأثر سلباً وتسقط في الضربات والمفاجآت ليسقط ويتوقف كل ما ينطلق منها. إنها خلفية تضمن الاستمرار للحراك مهما كانت التقلبات. إن وعيك بأن قيمتك في عزّك وكرامتك وحرّيتك يمنع عليك أن تقبل البقاء الذي يأخذ منك العزّة والحرّية والكرامة فضلاً عن أن تجد له عوضاً آخر مما في أيدي الناس.

 

والإسلام لا يرى الحياة في الذلّ حياة، ولا الموت في عزّ بموت[1]. وليس أكبر من ذلٍّ أن يحرم امرؤ أو شعب من النظر في أمر نفسه، واختيار خطّ حياته، وأن تقوم إرادة غيره مكان إرادته في تقريره مصيره وتحديد وجهة نظره مع بلوغه ورشده وحكمته.

 

شعبٌ منتصرٌ

 

نقول: شعبنا منتصرٌ. نسأل: أمنتصر والسجون ملأى من رجاله وشبابه؟ أمنتصر وشهداؤه في تلاحق غير منقطع؟ كفاءاته تُذلّ وتُساوم على لقمة العيش؟ أحياؤه السكنية ترش بالغازات الخانقة والسامة كما ترش بالمبيدات مستنقعات الحشرات؟ رجالاته وشرفاؤه يُتطاول عليهم بلا حق ولا أدب كما يُتطاول من غير ذي خلق على من لا قدر له ولا اعتبار؟ شبابه الغيارى ينتظرهم التعذيب والموت على كل طريق وفي كل لحظة لصرخة في وجه الظلم يطلقها الضمير؟!

 

بلى شعبنا منتصر رغم كل ذلك[2].

 

شعبٌ وعى ذاته، أدرك قيمته، آمن بحقه وحريته، انتفضت إرادته، هزّت نفسه، تنبّهت غيرته، وانتصر على الخوف هو شعب منتصر.

 

شعب قام لا ليقعد، وركب طريق النصر ويرفض نهائياً أن يُغادره، وتخسر كل الضربات التي تريد أن تنال منه تراجعاً عن هدفه، وقد عرف الكُلفة على هذا الطريق هو شعبٌ منتصر.

 

شعبٌ وعى ألاعيب السياسة الظالمة وعياً يحميه من السقوط في شبكها، ويُدخل اليأس على مخادعيه من أن ينالوا من وعيه وعزمه وتصميمه وإصراره على تحقيق أهدافه هو شعب منتصر.

 

شعبٌ أدرك قيمة وحدته، واستعصى على أساليب الفرقة أن تنال من تلاحم صفوف معارضته هو شعب منتصر.

 

أما الأهداف لحراك الشعب وثورته فلا بدّ من تحققها نتيجة للنصر الذي تحقّق له، وهي أهداف من أجل استمرار هذا النصر وتركّزه وحمايتها[3].

 

حراك الشعب من أجل الإنسان الحر القوي المنتصر على نفسه، وهو اليوم موجود على هذه الأرض بكثافة ودرجات عالية. وتحقيق الأهداف الأخيرة واستثمارها استثماراً صحيحاً وتوظيفها من أجل بناء الإنسان سيوسّع من وجود الإنسان المطلوب وسيزيد من رقيّه وتقدّمه.

 

هل يريد الحكم الإصلاح؟

 

قد تبقى الأقوال في حدّ نفسها قابلة للحمل على الجدّ والهزل ولزمنٍ ما، حتى تأتي الأفعال فتكشف عن جدّها أو هزلها بلا تردّد.

 

والقول بالإصلاح متكرّر على لسان الحكم بما لا مزيد عليه، والدعوة بالرغبة فيه مكثفة، أما ما على الأرض فشيء آخر، من قتل وتعذيب لازال يتصاعد، ومحكومين ظلماً لازالوا يرزحون في السجن، ومحاكمات سياسية لازالت مستمرة، ومداهمات ليلية وغير ليلية، وإغارة على مناطق سكنية لا تتوقف، وإهمال كامل للمطالب السياسية، ومفصولين من وظائفهم وأعمالهم يُتلاعب بقضيتهم بنحو من حرق الأعصاب والإذلال، وتوصيات إصلاحية لا تعني الكثير أوصت بها لجنة تقصي الحقائق يؤخذ بها من تسويف إلى تسويف، ومن تزييف إلى تزييف، ومن تسطيح إلى تسطيح.

 

في ظل هذا الواقع العملي السيئ، تفتقد دعوة الرغبة في الإصلاح كل قيمتها، ولا يكون لها محمل على الجدّ.

 

مسيرة الجمعة في التاسع من مارس

 

توجد مسيرة سياسية في يوم الجمعة التاسع من مارس الحالي تصل إلى ساحة الحرية، يطلب لهذه المسيرة من الناحية العملية أن لا تكون مسيرة جمعيات سياسية فحسب، وإنما مسيرة شعب عامة، وأوسع ما يمكن أن تكون عليه، شاملة لكل الأطياف وجماهير الشعب الطموحة للإصلاح والتغيير[4].

 

ذلك لا للمبارزة والاستفزاز، وإنما للتأكيد على أن المطالب السياسية ليست خاصة بشرذمة قليلة كما قد يروّج له الإعلام، وأنتم قد أكّدتم زيف هذه الدعوى بما لا يدع شكاً في كثيرٍ من المرات ولزمنٍ طويل، وخاصة في العام المنصرم وهذا العام، ولكن المطلوب هذه المرة ألا يتخلّف عن المشاركة في الحضور أيّ قادر من رجل أو امرأة[5]، من شيخ أو شاب، من كل الأعمار ردّاً عملياً منكم أكبر إفحاماً لتلك الدعاوى الزائفة التي تقوم على التضليل وتزوير الحقائق.

 

أتمنّى من جماهير الشعب من كل الأعمار، من كل قادر على الحركة رجلاً كان أو امرأة من كل الأطياف، من كل فصائل المعارضة، والحراك الشعبي كله، ومن كل المناطق أن تكون لهم مشاركتهم في المسيرة المذكورة، وفي الوقت المبكر، لإقناع من يقنعه الحق والواقع بأنكم مع مطالبكم السياسية والحقوقية العادلة، وأنكم لستم الشرذمة القليلة المعزولة التي لا يُعبأ بها[6].

 

أتمنّى من أصحاب السماحة العلماء وأخوتي طلاّب العلوم الدينية الأعزّاء، أن يكون لهم حضورهم القويّ البارز، وأن لا يتخلّف منهم متخلّف. وسيكون على هذا المتكلّم أن يتشرّف بالحضور مع إخوانه وأبنائه من أبناء الشعب وبناته الشرفاء، طلباً للأجر من الله سبحانه[7].

 

وإني لأطمع من الأخوة المنظمين والمشرفين على المسيرة، والمشاركين فيها من جماهيرنا الغيورة، العمل على أن تكون الأرقى والأكثر انضباطاً ودقة على مستوى القول والفعل، وأن تبتعد كل البعد عن أيّ مظهر من مظاهر التي قد تسجّل علينا في الإعلام العالمي أي مؤاخذة، وأن نكون أرشد وأوعى من أن نُصرَف بأمور أخرى عن هدفنا الرئيس[8].

 

نريد للمسيرة أن تتميّز في كل ما ذكرت من بين المسيرات المنضبطة السابقة، لتؤدّي رسالتها المقصودة في التركيز على أن المطالب السياسية والحقوقية العادلة مطالب شعب لا شرذمة قليلة غير معتبرة، وهي رسالة من الضرورة أن تصل العالم كلّه ويفهمها.

 

ـــــــــــــ

 

 [1] هتاف جموع المصلّين: هيهات منّا الذلّة.

 

[2] هتاف جموع المصلّين: الله أكبر، النصر للإسلام، لن نركع إلا لله.

 

[3] النصر الأكبر قد حصل، هو نصر ثورة النفوس على ضعفها، على بعدها عن الله (عزّ وجلّ)، على ذُلّها.

 

[4] هتاف جموع المصلّين: لبّيك يا فقيه.

 

[5] هتاف جموع المصلّين: معكم معكم يا علماء.

 

[6] هتاف جموع المصلّين: لبّيك يا فقيه.

 

[7] هتاف جموع المصلّين: هل من ناصر مقاوم.. لبيك عيسى قاسم.

 

[8] وبالخصوص هدف هذه المسيرة، وهو التركيز على هذه النقطة أننا لسنا شرذمة قليلة، وأن هذه المطالب ليست مطالب شريحة صغيرة، وإنما هي مطالب شعب، نريد أن نوصل هذه الرسالة بالخصوص ولا شيء آخر.

 

هتاف جموع المصلّين: الله أكبر، النصر للإسلام، لن نركع إلا لله.