خطبة الجمعة: 15 ربيع الثاني 1433هـ - 9 مارس 2012م

 

حكم البحرين ليس حكم طائفة

 

كون الحكم في البحرين يستخدم الورقة الطائفية بأكثر من أسلوب لتثبيت نفسه، وتمرير مشاريعه المطلوبة له، وإضعافاً للشعب وتفتيتاً لكلمته، لا يعني أن طائفة تحكم طائفة أخرى.

 

الطائفتان محكومتان ومقهورتان ومظلومتان، وغير معترف بإرادتهما، ومصادرة الكلمة تشملهما، والثروة المنهوبة هي ثروتهما، والسياسة الفوقية المفروضة سارية عليهما، والكلمة الدينية الحرّة الصادقة مضيّق عليها بما يعمّهما، مسجد من مساجد الأخوة السنة يوقف أذانه من أجل حفل غنائي وقت الصلاة[1].

 

الطائفة السنية الكريمة لا ترسم سياسة البلد، ولم تضع دستوره، ولم تختر بصورة حرّة مجلسه النيابي، وليست هي التي تشكّل مجلس الشورى، ولا تقوم بتعيين السلطة القضائية ولا التنفيذية، كل ذلك خارج عن يدها، مفروض عليها كما هو مفروض على الطائفة الشيعية على حد سواء[2].

 

الحكم في البحرين اليوم كما هو ليس من حكم الشعب بالشعب، فكذلك ليس من حكم طائفة لطائفة أخرى.

 

ولا يصح أن يفكر أحد أن تحكم طائفة من الطائفتين الكريمتين الأخرى مستقبلاً، ففي حكم أي طائفة لطائفة أخرى هو الجور والظلم والشقاق والفتنة والاحتراب، والخسارة المشتركة، والقضاء على مصلحة الوطن، هذا مما يجب ألاّ يدخل في تفكير أحد، وكل ذلك مما لا يقدم عليه عاقل يحبّ دينه أو وطنه أو يحمل شيء من احترام الإنسان للإنسان.

 

وكذلك لا يمكن فرض مذهب على مذهب في سياسة أو غيرها في بلد مشترك يجب على أهله أن يحترم بعضهم بعضًا، ويقدر له مكانة رأيه المذهبي في نفسه واعتزازه به وتعبّده في ضوئه، ولا تستقيم حياة مشتركة بين أهل مذهبين يراد لها أن تقوم على الودّ والتعاون ورعاية مصلحة الإسلام العامة أن يفرض هذا المذهب أو ذاك نفسه على الآخر اليوم أو في أيّ يوم من الأيام.

 

وكما لا مورد لأن يفكر أحد في أن تحكم طائفة أخرى مستقبلاً، لا مورد كذلك للاستئثار مطاقًا، لأنه قريب في جوره وفيما يؤدي إليه من هدم العلائق من حكم طائفة لأخرى[3].

 

ليس أمام هذا الشعب بكل مكوناته، إلاّ أن ينظر إلى كل أبنائه بعين واحدة هي عين المواطنة المتساوية، وأن يصرّ على مرجعيته في الحكم وكونه مصدر السلطات الثلاث، متحمّلاً مسؤوليته أمام ربّه سبحانه فيما يختار في هذه المسألة المصيرية الكبرى التي تأثّر تأثيرًا هائلاً جدًا على دينه ودنياه وآخرته.

 

وخيارنا الثابت هو هذا الخيار، خيار المساواة بين كل المواطنين، خيار النظر إلى كل المواطنين بنظرة مواطنية واحدة. وخيارنا الثابت هو هذا الخيار ولا نجد بديلاً مناسبًا عنه، ولا يوجد ما يوفق بين المواطنين ويمكن أن يجمعوا عليه ما يتقدم على هذا الخيار أو يكون بمستواه.

 

مسيرة اليوم

 

أكرّر من جديد أن مسيرة اليوم مسيرة الشعب، لا مسيرة جمعية ولا جمعيات معدودة من جمعياته فحسب، ولا مسيرة توجّه من توجّهاته السياسية، ولا طائفة دون أخرى.

 

مشاركتي في هذه المسيرة ودعوتي إليها لا تجعل لي خصوصية فيها، ولا تجعل رأيي الخاص هو منطلقها، أنا واحد من هذا الشعب الذي يشارك في مسيرتكم الجماهيرية الواسعة اليوم، وعلى حدّ أيّ مشارك آخر حتى الطفل.

 

مسيرة اليوم مسيرة شعب لا بدّ أن ينخر فيها أكبر إجماع ممكن من الشعب، ذودًا عن مطالبه السياسية والحقوقية، معلنًا دفاعه عنها، وإصراره عليها، وعدم تخلّيه عنها أو مغادرته للساحات دون تحقيقها[4].

 

كل ذلك في سلمية أخذ الشعب على نفسه الالتزام بها، بعيدًا عن كل العصبيات الجاهلية، وما يضرّ بوحدة الأمة والمجتمع، وما يسيء لمصلحة الوطن، وما يؤثّر سلبًا على حق هذا الشعب ووجاهة مطالبه.

 

مسيرة إما أن تبرهن على أن قلة معزولة هي التي تقف وراء المطالب السياسية والحقوقية التي نادى بها، أو تبرهن على أن هذه المطالب مطالب شعبية تتظاهر جماهير عريضة واسعة وغالبية عظمى من أبناء الوطن من أجلها[5].

 

تبرهنون اليوم - إن شاء الله - على أن مسيرتكم مسيرة شعب، وجماهير هذا الشعب على اختلاف انتماءاتهم وتوجّهاتهم وقياداتهم وشرائحهم، لتقول كل هذه الجماهير بأنه لا تراجع عن المطالب، ولا مساومة عليها، ولا تفريط بها، ولن نغادر الساحات بدون تحقيقها.

 

المسيرة اليوم وحدوية تتسامى على كل النزعات الفئوية والحزبية والطبقية والطائفية، وكل عصبية أخرى تمت إلى الجاهلية بأيّ سبب من الأسباب.

 

تحتشد جماهير الشعب اليوم من أجل قضية وطن، قضية شعب، قضية حاضر ومستقبل، من أجل معالجة سياسية وحقوقية منقذة تعترف للشعب بمكانته، وتنتشل الوطن من محنته، وتجنب المجتمع من خطر التفتّت والاحتراب.

 

تحتشدون اليوم من أجل السجون المليئة بأحراركم، من أجل المفصولين، من أجل المعذّبين، من أجل كل الظلامات التي تعانون منها، من أجل مخرج سياسي كفيل بإعطائكم مكانتكم ومرجعيتكم المغتصبة منكم.

 

تحتشد جماهير شعبنا اليوم إحقاقًا للحق، وانتصارًا للعدل، وتشديدًا على المساواة، وتمسّكًا بالحرّية والعزة والكرامة.

 

تحتشدون اليوم لإبلاغ رسالة شعب أخذ على نفسه ألاّ يردّه عن مطالبه العادلة شيء، ولا يزحزحه عن حقّه شيء، وأن له إرادة على هذا الطريق لا تنكسر، ووعيًا لا يستغفل، وتلاحمًا لا يفلّ، وتضامنًا لا يقبل الالتفاف عليه.

 

تحتشدون اليوم مسارعين لإنجاح احتشادكم المبارك الكبير، لتقولوا للعالم كله نحن هنا من أجل مطالبنا العادلة التي لا تنازل عنها، وسنبقى معها، ونذود عنها، ونلحّ عليها، وقد ضحّينا من أجلها كثيرًا، واستعدادنا قائم ودائم للتضحية من أجلها[6].

 

أرى من المهم جدًا أن نحتشد من أجل مطالبنا، بأكبر صورة وأوسع صورة وأكثر صورة تمثيلاً لشرائح الشعب وأطيافه وتلوّناته واتّجاهاته، لنؤكّد بقوة وأشدّ من كل مرة، بأن مطالبنا مطالب شعب وليست مطالب شرذمة قليلة، ليقتنع بذلك كل من كان قابلاً للاقتناع إذا تجلّت الحقيقة صارخة وارتفعت شمس نهارها إلى كبد السماء وتعامدت على الرؤوس.

 

تحتشدون اليوم محقّين غير مبطلين، مصلحين غير مفسدين، انتصارًا للحق والعدل، وتقويمًا للمعوج، وتصحيحًا للوضع، وإنقاذًا للوطن، وحمايةً لوحدة المجتمع، وإبقاءً على أخوّة أبنائه، وطلبًا لمرضاة الله الذي لا يرضى بالجور ولا السكوت عليه ولا بالفساد والتغاضي عنه.

 

أنتم تحتشدون اليوم في مسيرة "لبيك يا بحرين"، وكل تلبية من المسلم إنما هي تلبية من وحي تلبيته لنداء الله سبحانه وتعالى، فالبحرين التي تنادي حاجتها للعدل، وبالمساواة، وباحترام الدين، وباحترام الإنسان هي البحرين التي نقول لها "لبيك يا بحرين" استجابة لنداء الله[7].

 

ونحن نقول "لبيك يا بحرين" استجابة لنداء الله سبحانه وتعالى بالعدل والحق وبتركيز الإسلام على كرامة الإنسان، إنما نقول مع على مع ذلك لا نركع إلا لله[8].

 

علّمنا الإسلام من أوّل يوم فهمناه، وعلمنا إمام الإسلام حسين كربلاء، أن نرفع عقيرتنا بالقول هيهات منّا الذلّة[9].

 

وعلّمنا فهمنا الإسلامي الأصيل، ومدرسة الإسلام الحقّة أن يحمل المسلم هم المسلم، وأن يعيش المسلم الأخوّة الصادقة للمسلم، ومن هنا ننطلق لنقول "إخوان سنة وشيعة"[10].

 

ـــــــــــــ

 

[1] هتاف جموع المصلّين: هيهات منّا الذلّة.

 

[2] هتاف جموع المصلّين: إخوان سنة وشيعة..هذا الوطن ما نبيعه.

 

[3] هذا قريب من ذاك.

 

[4] هتاف جموع المصلّين: لبيك يا بحرين.

 

[5] ماذا ستقولون؟ ماذا ستقول مسيرتكم، هل ستقول مسيرتكم أنها مسيرة قلة معزولة، أم ستقول مسيرتكم أنها مسيرة جماهير عريضة تمثل غالبية الشعب؟

 

هتاف جموع المصلّين: الله أكبر، النصر للإسلام، هيهات منّا الذلّة.

 

[6] هتاف جموع المصلّين: هيهات منّا الذلّة.

 

[7] هتاف جموع المصلّين: لبيك يا بحرين.

 

[8] هتاف جموع المصلّين: لن نركع إلا لله.

 

[9] هتاف جموع المصلّين: هيهات منّا الذلّة.

 

[10] هتاف جموع المصلّين: إخوان سنة وشيعة..هذا الوطن ما نبيعه.