55

لم يكتف أعداء أهل البيت بمحاولتهم إطفاء نور الله بقتل أنوار الله وخلفاء رسوله صلى الله عليه وآله أو بعقوبة من يتحدث عنه بحديث أو بقتل من يتحدث بفضيلة من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أو بتحريفهم لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله أو بهدم قبر الإمام الحسين (عليه السلام) عدة مرات، فبعد أن رأوا هذا النور يزداد توهجا بالرغم مما بذلوا من جهد للقضاء عليه اتخذوا طريقة أخرى للقضاء على هذا النور بتهديمهم لقبور بُناة الإسلام وأئمة الهداية الموجودة في البقيع، وانتهاك حرمتها وقدسيتها وها هم اليوم يتسللون إلى العراق لينفذوا ما فشلوا به سابقا من تهديم قبور الأئمة فيه لكنهم لم يفلحوا بذلك .

ولم تكن ظلامة الأئمة عليهم السلام المدفونين في البقيع في حياتهم فقط، وإنما مستمرة إلى وقتنا الحاضر، من خلال هدم قبورهم وحرمان شيعتهم من زيارتهم وهو ظلم واضح جلي، فيجب علينا أن نطالب ببناء قبور البقيع، بجميع الوسائل السلمية، ومنها المظاهرات والندوات.

بدأت الحادثة الفاجعة حينما اتفق كل من محمد بن مسعود أمير الدرعية ومحمد بن عبد الوهاب (مؤسس مذهب الوهابية الذي خطط له البريطانيون) في عام 1185 للهجرة على العمل معا على توسعة بلادهم ونشر الوهابية باحتلال المدن المجاورة شريطة أن تكون القيادة السياسية لمحمد بن سعود والدينية لمحمد بن عبد الوهاب واحتلوا بعض المناطق المجاورة لهم وتوجهوا إلى العراق ودخلوا حدود العراق وبعد مناوشات بين جيش آل سعود وأهالي المناطق الريفية العراقية اشرف الجيش على مدينة كربلاء المقدسة فهدموا القبة الموجودة على قبر الحسين عليه السلام وقيل أجزاء من بناء الضريح المقدس ونهبوا المجوهرات الثمينة وحرقوا الكتب والمصاحف وبعدها توجهوا إلى النجف الاشرف لهدم ضريح الإمام علي عليه السلام ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك فرجعوا إلى الدرعية وتوجهوا إلى احتلال المناطق الحجازية فدخلوا مكة المكرمة وتوجهوا إلى مقبرة المعلى وقاموا بتهديم أثارها يقول صاحب خلاصة الكلام (فلما أصبح الصباح الا وهم سارحون بالمساحي والفؤوس لهدم القبب فبادر الوهابيون لهدم المساجد ومآثر الصالحين فهدموا ما في مقبرة المعلى من القبب ثم هدموا قبة مولد النبي صلى الله عليه وآله (وهو اثأر للبيت الذي ولد به نبي الرحمة) وبالغوا في شتم القبور التي هدموها وفي سنة (1220 هـ 1805 م) دخل الوهابيون المدينة المنورة بعد حصار طال سنة ونصف ويروي صاحب لمع الشهاب يقول (فلما قرب إلى المدينة أرسل إلى أهلها بدخوله فأبوا وامتنعوا من ذلك فحمل عليهم مرارا حتى دخلها فقتل منها بعض أهلها حيث سمى أهلها بالناكثين ويوم الحادي عشر جاء هو وبعض أولاده فطلب الخدم السودان الذين يخدمون حرم النبي فقال أريد منكم الدلالة على خزائن النبي فقالوا لا نوليك عليها ولا نسلطك فأمر بضربهم وحبسهم حتى اضطروا إلى الإجابة فدلوه إلى بعض من ذلك فاخذ كل ما فيها من الأموال وفيها تاج كسرى ( انوشروان ) الذي حصل عليه المسلمون عند فتح المدائن وفيها سيف هارون الرشيد وعقد كان لزبيدة واخذ القناديل الذهبية وجواهر عديدة وخرج إلى البقيع فأمر بتهديم كل قبة كانت هناك ومن ضمنها قبة فاطمة الزهراء عليها السلام والظاهر من قبة الزهراء ليس لقبرها لان قبرها مجهول, ولكن مقام الزهراء الذي بناه أمير المؤمنين عليه السلام لها بعد وفاة أبيها وسماه بيت الأحزان وقيل أن القبة تسمى قبة الحزن وقبة الإمام الحسن عليه السلام والظاهر قبة الإمام الحسن عليه السلام كانت اكبر وأعلى القبب الموجودة في البقيع بحسب وصف الرحالة بن جبرين (قبة مرتفعة في الهواء يقصد بها قبة الإمام الحسن عليه السلام ) وقال ابن بطوطة ((ولقبر الحسن بن علي قبة ذاهبة في الهواء بديعة الإحكام . وقبة لعلي بن الحسين عليه السلام وقبة لمحمد الباقر وقبة لجعفر الصادق عليه السلام) وقبة لعثمان بن مضعون وتركوا حطام التهديم على تلك القبور المقدسة يصفها الرحالة عبد الله بور خارت يقول (( فليس فيه متر واحد حسن البناء ... إنما هي أكوام من تراب أحيطت بأحجار غير ثابتة)).

وبقيت على هذا الحال ما دام آل سعود في الحكم حتى سقطت دولة آل سعود على يد دولة العثمانيين وعندما استعادت الدولة العثمانية المدينة المنورة أعادت عليها عمارتها وقامت ببناء الآثار الإسلامية التي هدمها الوهابيون وقد أعادوا بناء الكثير من القباب على صورة من الفن تتفق مع ذوق العصر وساعدهم في ذلك العلماء بالإضافة إلى التبرعات السخية والأضرحة الجاهزة التي كانت تأتي من كافة أنحاء العالم الإسلامي . لكن هذا البناء لم يدم طويلا سوى مئة عام تقريبا إذ قام ابن سعود وبالتعاون مع بريطانيا بالقضاء على الدولة العثمانية والسيطرة عليها، وفي الخامس عشر من شهر جمادى الأولى 1344هـ -1925م دخل المدينة المنورة وقام بمجزرة دموية قتل فيها النساء والرجال والأطفال وعدد كبير من رجال الدين وفي الثامن من شهر شوال عام (1344هـ) توجهوا مرةً أخرى إلى قبور البقيع فهدموا قبابها والأضرحة والمساجد بصورة كاملة وبالوقت نفسه توجهوا إلى قبر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله محاولين هدمه لولا ردود الأفعال التي حصلت من خلال المظاهرات والاستنكارات في الدول الإسلامية والعربية .

فقبور البقيع تعرضت للهدم مرتين الأولى 1220 للهجرة والثانية 1344 هجرية وبقيت إلى يومنا هذا .

يقينا إن لم تكن هناك أدلة أو مبررات شرعية على هذا العمل تكون الأسباب والدوافع سياسية وعدائية .... ولو فتشنا في جميع الأديان السماوية لم نجد دليلا أو تبريرا لهدم الآثار التي تدل على حضارة ذلك الدين أو هدم قبور عظمائهم بل على العكس من ذلك فان الأديان السماوية تحترم آثارها وتقدس عظمائها.

قيل قدم ابن رأس الجالوت مع مصعب بن الزبير إلى المدينة من جانبي البقيع ولما رأى مقبرة البقيع قال إنها لهي (كفته) لا أطائها، فقال له مصعب: وما هي قال مقبرة وصفها الله في كتابه (التوراة) فتركها ولم يدخل فيها إجلالا.

ويروى أن رأس الإمام الحسين عليه السلام عند يزيد ويزيد عنده عود من الخيزران وصار يضرب ثنايا الإمام بذلك العود فالتفت سفير الروم (رسول ملك الروم) قائلا ليزيد هذا رأس من ؟ قال يزيد رأس الحسين بن علي، قال أليس هذا ابن بنت نبيكم؟! قال بلى! فقال الرومي أف لك يا يزيد نحن معاشر النصارى عندنا في بعض الجزائر اثر حافر حمار عيسى بن مريم ونحن نحج إليه في كل عام من الأقطار وانتم تقتلون ابن بنت نبيكم، فاشهد أنكم على باطل، فغضب يزيد وأمر بقتل الرومي فتوجه الرومي إلى رأس الإمام الحسين عليه السلام واسلم قبل أن يقتل .

نعم حافر حمار عيسى، يعني اثرٌ في الأرض لقدم الحمار الذي يركبه عيسى، يحجون إليه ويقدسونه، هذا هو احترام الأديان السماوية لآثارها، ومدعوا الإسلام يهدمون قبور سادات الإسلام والبيت الذي ولد فيه نبي الإسلام صلى الله عليه وآله بل تجرؤا على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله، وابن باز لا يزور قبر الرسول قائلا: مادام هذا الصنم موجودا (يعني القبة)!! ولا عجب من هذا القول لأن أسيادهم تجرؤ على شخص الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بتكسيرهم رباعيته في معركة أحد وبقولهم (إن النبي ليهجر ).

 

 وهناك أسباب كثيرة جعلتهم يقومون بالجريمة النكراء لتهديم القبور المطهرة لأئمة البقيع نذكر أهمها :-

1-  القضاء على الإسلام .

لم يكن هذا العمل إلا لأجل القضاء على الإسلام، فلذلك عمدوا على تدمير كل اثر يدل على حضارة الإسلام، وهدموا ذلك الأثر تمهيدا للقضاء على المؤثر، لأنك إن قضيت على مدلول الشيء تكون مهدت للقضاء على الشيء نفسه، وها هم يهدمون آثار الإسلام وقبور عظماء المسلمين لأنها دالة على وجود الإسلام، ولو تساءلنا من المستفيد من القضاء على الإسلام؟ لوجدنا حقيقة واضحة وهم اليهود، فلهم دور كبير توجيهي بهدم آثار الإسلام، فلذلك وكما قيل، أنهم توجهوا إلى الأثر الباقي من باب خيبر فهشموها قطعةً قطعة!!! .

2- العداء لأهل البيت (عليهم السلام)

وهذا واضح جلي لأنه متوارث عندهم، مع العلم إن الذي أفتى بهدم القبور اعتمد بفتواه على ابن تيمية وابن تيمية هذا يقول (إن علي بن أبي طالب لم يصح إسلامه لأنه اسلم صبيا)!!!.

3- القضاء على ذكر أهل البيت (عليهم السلام)

من الأمور التي تكشف عن إنسان وماله من أهمية عند الله أو في المجتمع، هو تقديس الناس واحترامهم له بسبب صلاح سيرته وتقواه، وخير دليل على هذا، القصة التي حصلت مع الإمام السجاد عليه السلام كما جاء في الرواية إن هشاماً بن عبد الملك عندما توجه بخدمه وحراسه لحج بيت الله الحرام أراد الوصول إلى الحجر الأسود فلم يستطع بسبب زخم الحجاج، فجلس في مكان حتى يخف الزخم، وإذا بالإمام السجاد يتوجه نحو الحجر الأسود فانفرج له الحجاج سماطين واخذوا  يتبركون به حتى وصل الحجر الأسود فلما رآه احد الجالسين قال لهشام من هذا فأنكره!! (قال لا اعرف!) فوقف الفرزدق معرفا الإمام بقصيدته الرائعة، التي جاء منها:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته       والبيت يعرفه والحل والحرم

ومن جملة الطرق التي يتخذها الناس لتقديس عظمائهم هي تخليد آثارهم وبناء قبورهم، فوجود قبور العظماء أو الآثار دلالة على مكانة أصحاب تلك القبور، وبما أن مكة والمدينة تأتيها الحجاج من كل بقاع العالم وقبور البقيع مشيدة، فإنها ستثير التساؤل عن أصحاب تلك القباب، وتلفت النظر إليهم، وكيف حصلوا على هذه المكانة، مما يؤدي لإنحياز ذوي العقول إلى مذهبهم، لأن الجواب سيأتي كجواب الفرزدق لهشام( هؤلاء خير الناس كلهم).

 

4-  الحسد

لا يتحمل الحاسد أن يرى النعمة بادية على أخيه المؤمن أو المسلم بل يسعى وبكل الطرق إلى إزالة هذه النعمة، فلذلك أمر الله عز وجل بالاستعاذة منه (ومن شر حاسد إذا حسد)الفلق/5 وبعض آيات القرآن تحدثت عن جرائم القتل التي كان الباعث لها الحسد، كحسد قابيل لأخيه هابيل، وحسد إخوة يوسف ليوسف، ومن قتل أهل البيت عليهم السلام لم يكن إلا حسدا بهم والإمام الباقر عليه السلام يقول في تفسير الآية (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) النساء 54 يجيب (نحن المحسودين)، نعم وهؤلاء هدموا قبور الأئمة حسدا لأنهم وجدوا أهل البيت عليهم السلام وذريتهم امتازوا في الدنيا بتلك الأضرحة والقباب المشيرة والدالة على شرفهم ومكانتهم عند الله عز وجل في الدنيا والآخرة، في الوقت الذي ذهب فيه الحاسدون وأئمتهم إلى مزبلة التاريخ.

 

هذه أسماء القباب الشريفة التي هدموها في الثامن من شوال سنة ( 1344 ) في البقيع خارجه وداخله :

1 : قبة أهل البيت عليهم السلام المحتوية على ضريح سيدة النساء فاطمة الزهراء - على قول - ومراقد الأئمة الأربعة الحسن السبط ، وزين العابدين ، ومحمد الباقر ، وابنه جعفر بن محمد الصادق عليهم الصلاة والسلام ، وقبر العباس ابن عبد المطلب عم النبي ، وبعد هدم هذه القباب درست الضرائح .

2 : قبة سيدنا إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

3 : قبة أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

4 : قبة عمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

5 : قبة حليمة السعدية مرضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

6 : قبة سيدنا إسماعيل ابن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام .

7 : قبة أبي سعيد الخدري .

8 : قبة فاطمة بنت أسد .

9 : قبة عبد الله والد النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

10 : قبة سيدنا حمزة خارج المدينة .

11 : قبة علي العريضي ابن الإمام جعفر بن محمد خارج المدينة .

12 : قبة زكي الدين خارج المدينة .

13 : قبة مالك أبي سعد من شهداء أحد داخل المدينة

14 : موضع الثنايا خارج المدينة .

15 : مصرع سيدنا عقيل بن أبي طالب عليه السلام

16 : بيت الأحزان لفاطمة الزهراء

 

وهذه أسماء المساجد  :

مسجد الكوثر ، ومسجد الجن ، ومسجد أبي القبيس ، ومسجد جبل النور ، ومسجد الكبش . . . إلى ما شاء الله . كهدمهم من المآثر والمقامات وسائر الدور والمزارات المحترمة .

هدموا قباب عبد المطلب جد النبي " ص " وأبي طالب عمه وخديجة أم المؤمنين وخربوا مولد النبي " ص " ومولد  فاطمة الزهراء " ع " في جدة : هدموا قبة حواء وخربوا قبرها كما خربوا قبور من ذكر أيضا وهدموا جميع ما بمكة ونواحيها والطائف ونواحيها وجدة ونواحيها من القباب والمزارات والأمكنة التي يتبرك بها.

محطة للمتأملين

إن خفاء تاريخ البقيع ,والجهل بحاله للناشئة والشباب في هذه العصور المتأخرة , ناشئ من قلة المصادر أولا , والتعتيم الإعلامي السعودي والغربي عليه ، بحيث يقلل من أهميته , أو تزول أهميته بالمرة يُحشر من هذه المقبرة سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب.. في فضل البقيع :

وروى الطبراني في الكبير ومحمد بن سنجر في مسنده وابن شبّة في أخبار المدينة عن أم قيس بنت محصن، وهي أخت عُكاشة ، أنها خرجت مع النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ إلى البقيع، فقال:

((يُحشر من هذه المقبرة سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، وكأن وجوههم القمر ليلة البدر)). فقام رجل فقال: يا رسول الله، وأنا. فقال: ((وأنت))، فقام آخر فقال: يا رسول الله، وأنا. قال: ((سبقك بها عُكَّاشة))، قال: قلت لها: لِمَ لم يقل للآخر ؟ قالت: أراه كان منافق.

وروى ابن شبّة عن أبي موهبة مولى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ قال: أهبَّني رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ من جوف الليل، فقال: ((إني أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي))، فانطلقت

معه، فلما وقف بين أظهرهم قال:

((السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهنَ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلتِ الفتنُ كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الأولى)) ثم استغفر لهم طويلاً.

ثم قال: ((يا أبا موهبة، إني قد أوتيتُ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي ثم الجنة))، قلت: بأبي وأمي خذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، قال: ((لا والله يا أبا موهبة، لقد اخترت لقاء ربي ثم الجنة)).

ثم رجع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ فبدأ به وجعه الذي قبض فيه.