????? ????????? ????? ?????? ????

اجتناب الفتنة

المكان: طهران

الحضور: مسؤولوا نظام الجمهورية الإسلامية

المناسبة: لقاء القائد مع رؤساء ومسؤولي نظام الجمهورية الإسلامية

الزمان: 18/ 7/ 1385هـ .ش، ـ 16/9/1427هـ . ق، ـ 10/10/2006م

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

والحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبّينا أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيّبين الطّاهرين المعصومين وأصحابه المنتجبين، وصلّ على وليّ أمرك وحجّتك على خلقك أجمعين.

أشكر الله تعالى من أعماق قلبي، على ما أنعم به على هذا الشعب من ألطاف متتابعة وغير متناهية، وأسأل الله تعالى مجدداً، أن يجعل هذا الشهر المبارك وهذه الأيام المليئة بالبركة، أكثر خيراً وبركةً لشعبنا كما في السابق.

إنَّ توصياتنا لكم ـ أيَّها الأخوة والأخوات الأعزاء، باعتباركم مسؤولي البلد والمتصدّين لإدارة هذا الشعب العظيم ـ هي: عليكم جميعاً القيام بالمسؤوليات الجسيمة التي كلّفنا الله تعالى بأدائها؛ من أجل أن نكون أكثر عملاً، وأوفى بالعهد الذي قطعناه على أنفسنا قِبال الله تعالى، هذا مجمل ما أريد التحدّث والتذكير به.

لا يمكن أن يتمتع أي فرد أو أي شعب بالعزَّة والسعادة ما لم يحصل على الإمداد الإلهي، والإمداد الإلهي أيضاً يحتاج الى أرضية وموجبات، كما نقرأ بالدعاء: (اللّهم إنّي أسألك موجبات رحمتك).

إنَّ الرحمة الإلهية، هي من جملة أهم هذه الموجبات، التي تتمثّل ـ أيضاً ـ بشعور مسؤولي البلد ومدراء القطاعات المختلفة، أنَّهم ملتزمون بالعهد الذي قطعوه أمام الله تعالى والشعب.

وكلّما تعمّق هذا الشعور، وازدادت المساعي الحثيثة، والحركة الجديّة من أجل انبعاثه، فبالتأكيد سوف تشملنا الرحمة الإلهية أكثر من ذي قبل، فعلينا أن نسعى، وأن يقترن سعينا بنيّة التقرّب لله تعالى، ولو أننا فعلنا ذلك، فسوف نحظى بعون الله وفضائله التي لا تُحصى.

على كل حال، إنَّ شهر رمضان، هو فرصة مناسبة؛ لأنَّ (لعلّكم تتّقون)؛ تعني أنَّ الله تعالى قد شرَّع الصيام لهذا الغرض،  ـ وعلى أقل التقادير ـ إنَّ الهدف من وجوب الصيام في شهر رمضان ـ الذي يعتبر من الدلائل المهمّة لهذا الشهر ـ هو تحصيل التقوى.

ففي الدعاء الذي نقرأه يومياً بعد الصلاة: (وهذا شهر عظّمته وكرّمته وشرّفته وفضّلته على الشّهور)، نجد أنَّ الله تعالى قد فضَّل هذا الشهر على الشهور الأخرى، وأنَّ  إحدى الفضائل التي اختّص بها هذا الشهر هو: (الصيام)، والشيء الآخر هو: (نزول القرآن)، والشيء الآخر هي: (ليلة القدر)، فقد ذُكرت هذه من الأمور باعتبارها دلائل على هذا الشهر.

إنَّ هذا الظرف يساعدنا على التقدّم والنمو، كما يفعل الربيع، فكما يوجد لكل فصل من فصول السنّة، عاملاً يقوم بتحريك عالم الطبيعة، توجد هناك فصول من السنَّة، ومقاطع من الأيام والليالي والأسابيع والشهور، تكون عاملاً للتقدّم والنمو والانبعاث الباطني والمعنوي للإنسان، وتساميهم نحو الرقي، وإنَّ ليلة ويوم الجمعة من هذا القبيل.

وعليكم أن لا تتعجبوا ـ أيضاً ـ من ذلك، فكما توجد للطبيعة خصوصية مادية، فكذلك توجد خصوصية في الطبيعة المعنوية، التي توجد في روح الإنسان، وكمالاته، وفي قبول الأعمال وآثارها العبادية، كما ضربنا مثالاً لذلك بيوم الجمعة، وليلة النصف من شعبان، والأوقات الخاصة التي عينها الشارع المقدّس، (أياماً معدودات) هذه الأيام التي تتعلق بشهر رمضان، أو شهر ذي الحجة ... وأمثالها.

إنَّ اختيار هذه الأيام لم يأتِ عن طريق الصدفة، بحيث يفترض أن يكون شهر رمضان مشابهاً لشهر رجب أو شهر ذي القعدة في الطبيعة والتأثير، كلا، بل له ميزة خاصة، كالخصوصية التي ذكرناها للفصول، فعليكم أن تستفيدوا من هذه الخصوصية.

توجد هناك رواية تُبيّن بأنَّ نبي الإسلام الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عندما كان يُقبل شهر رمضان كان يخاطب النَّاس قائلاً: (سبحان ‏اللَّه! ماذا تستقبلون وماذا يستقبلكم)، هذا هو التكريم لشهر رمضان، بهذا المنطق، فإنَّ العين البصيرة والنافذة للنبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ترى بركات شهر رمضان المبارك.

إنَّ الصوم هو إحدى الفرص، بهذه الآثار والبركات التي سمعتموها وعلمتموها عن الصيام.

توجد رواية عن أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسّلام)، تقسّم الصوم الى: صوم الجسم وصوم الروح، ففي ما يتعلق بصوم الجسم يقول: (صوم الجسد الإمساك عن الأغذية بإرادة واختيار، خوفاً من العقاب و رغبةً في الثواب والأجر )، بهذا الباعث، وهو اجتناب الإنسان عن الطعام.

فهذا هو صوم الجسم، أمّا صوم الروح فيقول عنه: (وصوم النفس إمساك الحواس الخمس عن سائر المآثم، وخلوّ القلب من جميع أسباب الشرّ )، وهذا هو صوم النفس.

إذاً فما هي أسباب الشرّ؟ إنَّ امتناع الإنسان عن اقتراف الذنوب بحواسّه الخمس ـ كامتناع يده وعينه وأذنه ولسانه ـ هو سهل بالنسبة للإنسان الذي يمتلك إرادة الامتناع، إلا أنَّ امتناع القلب عن أسباب الشرّ، عسير جداً، فهو أمرٌ مستصعب ويحتاج الى التمرين والمجاهدة.

أيَّها الأخوة الأعزاء: أنا وأنتم مشمولين بهذا القانون، فهذه المجاهدة تقع على عواتقنا، فإنَّ الآثار التي تتركها الذنوب التي تصدر منَّا، تختلف عن الآثار التي تتركها الذنوب التي تصدر من عموم الناس ـ الذين لم يناطوا بأيّة مسؤولية في المجتمع ـ .

فيجب علينا أن ننتبه؛ لكي لا يصدر منّا أي ذنب سواء كان قلبياً أو شخصياً.

إنَّ المعاصي التي تُعدّ من أسباب الشر هي: (الحسد)، و (الحرص) ـ  الحرص على الدنيا، الحرص على جمع المال، حبّ الدنيا ـ و(الحقد على الآخرين) ـ الضغينة، الغل، سوء الظن ـ (التفاخر والتكبّر) ـ العجب، الاستهانة، الاحتقار ـ

إنَّ جميع الشرور التي تحدث في العالم، هي نتيجة لهذه الأمور، فإنَّ تفاخر بعض الناس، وكبرهم، وحرصهم، وحسدهم، وبخلهم، وملذّاتهم، تُجْبرهم على بعض الأفعال، التي لا تبدوا للمرء آثارها الكبيرة في بادئ الأمر، إلا أنَّها تستفحل شيئاً فشيئاً، الى أن تتحوّل الى كوارث إنسانية وتاريخية، تبقى الى الأبد.

عندما ننظر الى هذه الكوارث التاريخية الكبرى، ونحوم حول حمى المنبع الأساسي لهذه المفاسد، نصل الى هذه النتيجة وهي: إنَّ منشأ جميع أبعاد أي كارثة كبرى، هو وجود مثل هذه الخصائص ـ الجشع، الحرص، البخل، والأهواء الموجودة عند شخص أو مجموعة من الأشخاص ـ

و كذلك (الرياء) و (اللامبالاة والتجاسر)، تعتبر من أسباب الشر، التي ينبغي على الإنسان أن يُفرغ قلبه منها أيضاً.

إنَّ شهر رمضان، هو شهر التربية والتمرين على هذه الأمور، فعلينا أن نضع أقدامنا على هذا الطريق، ونتقدم.

إنَّ هذا التكليف الذي جُعل على عاتق المسؤولين، يعتبر من المسؤوليات الجسيمة، إلا أنَّه مع ذلك، يعتبر مسؤولية باعثة على الافتخار أيضاً.

إنَّ نظام الجمهورية الإسلامية، من الأنظمة التي ترغب أن توفّر السعادة للمجتمع الإنساني، على وفق الرسالة التي جاء بها الأنبياء على امتداد تاريخ النبوَّات، ووضعوها في أيدي البشر، والإقرار برسالة الأنبياء والتصدّي بصورة جدّية الى أراجيف طواغيت العالم، وإنَّ هؤلاء الطواغيت موجودون في هذا العصر أيضاً، ويتأذون من سلوك نظام الجمهورية الإسلامية فيقومون بالتصدّي له ومعارضته، وليس هناك طريق للنصر في هذا الصراع والمواجهة سوى (الثبات المقرون بالإيمان والثقة بالنفس والخط الذي سلكناه)، فعلينا أن نتمسّك ونثق بالخط الذي سلكناه:

( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ)[1]، أي أنَّ جميع المؤمنين تعاضدوا وثبتوا على هذا الطريق، فوضّحوا معنى الثبات، وهذا هو طريق التقدّم والنصر.

ولو أننا سلكنا هذا الطريق، فسوف يحالفنا النصر بالتأكيد، وهذا ما جرّبناه على امتداد هذه السبع والعشرين سنة، حيث تقدَّمنا في ميادين مختلفة؛ بسبب تمسّكنا بمبدأ الثقة بالنفس والوفاء بما قطعناه من عهد، و ثبات على الرأي، وهذا ما تحقق في زمان الدفاع المقدّس، وفي مجال الحفاظ على أركان هذا النظام المقدس أيضاً، وكذلك ما حدث في مجال التقدَّم الذي تحقق على جميع الأصعدة في البلد يوماً بعد آخر، بل ساعة بعد أخرى؛ ولهذا لو أننا قمنا بمقارنة النماذج ـ التي تمثّل التقدّم والتوسّع ـ الموجودة في بلدنا في الوقت الراهن، مع أوائل الثورة، سوف نجدها غير قابلة للقياس، علاوة على أنَّه لم يكن من المتوقّع أن نصل الى هذه المرحلة من التقدَّم، مع كثرة وجود العقبات التي تواجهنا في هذا الطريق، وبالرغم من ذلك فقد حققنا ما نريد.

إنَّ ذلك كان نتيجة للثبات المقرون بالثقة بالنفس، وهذا هو الطريق الموصل لذلك.

إنَّ تقصير المسؤولين، يعتبر من الذنوب التي لا تكون انعكاساتها السلبية على أنفسهم وحسب، بل سوف يكون تأثيرها على الشعب تأثيراً سلبياً أيضاً.

إنَّ هناك مجموعة من الذنوب يختص بها المسؤولون ـ بالإضافة الى ما يختص به أفراد الشعب من ذنوب ـ وأحدها هو: (التقصير) ـ العمل الذي يجب عليهم انجازه، فلم ينجزوه ـ ومن جملة ذنوبنا أيضاً: (التطاول على الأموال العامة))؛ أي أننا نُبتلى بارتكاب هذا الذنب، دون أفراد الشعب.

وإنَّ أثر الذنب الذي يقوم به أحد المسؤولين، هو أعظم بكثير، بالنسبة للسرقة التي يمكن أن يقوم بها أحد أفراد الناس العاديين، ومن الذنوب الأخرى المتعلّقة بنا: (إبطاء النهضة الشاملة التي تجري في البلد، مع إيجاد اليأس في النفوس)، فنقوم بزرع اليأس في نفوس الشعب، وإحباط القوّة الباعثة على الحركة، ونجعل الآفاق مدلهمّة أمام أعين الأشخاص، ممن يجب أن ينطلقوا بشوق وأمل نحو تحقيق أهدافهم.

و من الأمور التي تقلل من حركة البلد أيضاً، التفرقة، والاختلاف، والتنازع، فإنَّ إثارة الخلافات وتأجيجها، يعتبر من الذنوب نبتلي بها نحن ـ طبقة المسؤولين والسياسيين ـ بالخصوص

وكذلك الفساد الاقتصادي ـ سواء كان ذلك بسبب تلوّث الأيدي بالفساد الاقتصادي، أو التغاضي عنه ـ  من الأمور التي تؤدّي الى إبطاء حركة النهضة الشاملة للبلد.

إنَّ الفساد الاقتصادي يعتبر من المثبّطات أيضاً، باعتباره أحد أوجه الفساد التي تؤدّي الى ظهور المشاكل المتعلقة بالقضايا المالية التابعة لعموم الشعب من جهة، ومن جهة أخرى يؤدّي الى نفوذ الفساد في أذهان أفراد الشعب؛ نتيجة لما يبعثه من يأس في نفوسهم؛ ولهذا فإنَّ المشاركة في عملية الفساد ـ  لا سمح الله ـ  سواء كان ذلك بصورة التغاضي عن مسألة الفساد، أو جرّ الشعب الى ذلك، من خلال ممارسة بعض التصرفات، أو التوجيهات والأعمال التي تؤدّي الى تجرّأ وتجاسر أفراد الشعب على القيام ببعض أنواع الفساد ـ سواء كان فساداً مالياً، أو فساداً جنسياً .. وما شاكل ذلك ـ فإنَّ كل واحد من ذلك يؤدي الى إبطاء حركة البلد؛ وهذا هو ما نبتلي به من الذنوب.

لاحظوا: إنَّ قوله تعالى: (لعلّكم تتّقون)؛ معناه أنَّ علينا مراقبة أنفسنا؛ أي الانتباه إليها، والأخذ بعين الاعتبار عدم التفكير بارتكاب الخطأ مطلقاً.

إنَّ أعيننا مفتوحة في أحيان كثيرة تجاه أخطاء الآخرين، حيث نقوم بالبحث عن مواطن الاشتباه عندهم، وما صدر عنهم من خطأ أو شبه خطأ ـ لنحمله على الخطأ أيضاً ـ مع أنَّ عيوننا تغض النظر عن أخطائنا، وهذا أمر قبيح.

يجب على كل واحد منّا باعتباره شخص أو مسؤول أو مدير ـ في أي مجال من المجالات ـ أن يلتفت الى أخطائه، وطبعاً فإنَّ ذلك أمر عسير، فليس من السهل على الإنسان الإقرار بأخطائه، والبحث عنها، وإدانة نفسه.

إنَّ الله تعالى سوف يأخذ بناصيتنا في عرصات يوم القيامة، في تلك المحكمة القاسية والصعبة، ويبدأ بحسابنا، فإذا لم نسع لإيجاد الجواب في الدنيا، سوف نعجز عن الجواب في يوم القيامة.

إنَّ ذكر الأدعية والعبارات المأثورة عن الأئمة (عليهم‏السّلام) في هذه الأيام والليالي، هو نوع من التربية على توثيق ارتباطنا؛ من أجل أن نتمكن من السيطرة على نفوسنا باستمرار، ومن ثمَّ إصلاحها.

ففي دعاء أبو حمزة الثّمالي نقرأ: (اللّهم فارحمني إذا انقطعت حجّتي وكلّ عن جوابك لساني و طاش عند سؤالك إيّاي لبّي)

ـ لماذا فعلت هذا؟ ولم تفعل ذلك؟ فعندما يسألنا أحدهم الآن، ترانا نقوم بإلقاء الحجج عليه الواحدة تلو الأخرى، ونستدلّ على إجابتنا، إلا أنَّه في يوم القيامة سوف نعجز عن الاستدلال؛ لأن الحقائق سوف تكون واضحة، فليس هناك مجال للحيلة والخداع ـ ارحمني في تلك الساعة لأنَّه: ((وكلّ عن جوابك لساني)، فإنَّ لسان الإنسان يُعقد مقابل سؤال الله تعالى ومؤاخذته.

(وطاش عند سؤالك إيّاي لبّي)، يجب أن نفكر بذلك اليوم.

فأنتم تستطيعون ذلك من خلال فرصة الحياة والعيش المتاحة لكم، والسبيل الى ذلك هو هذا ـ المراقبة ـ وإنَّ المراقبة في هذا الشهر هي في متناول اليد، ويمكن تحققها.

إنَّ هذا الكلام هو محور حديثنا.

طبعاً، إنَّني أعتبر نفسي المخاطب الأول في هذه المواعظ؛ لأنَّني بحاجة الى المراقبة أكثر من الجميع.

سوف أتكلّم الآن، وأسأل الله تعالى أن يرتّب على ذلك أثراً، ونكون في معرض ذلك؛ ليترك كلامي أثره في قلوبكم، وفي قلبي كذلك.

وأمَّا عن بعض الوصايا التي أحببت ذكرها فهي:

وصيَّة تتعلّق بمسألة الخلافات، فعلى المسؤولين، والسياسيين، ومدراء الأقسام المختلفة والمتنوّعة ـ في الحكومة، والمجلس، والمؤسسات الإعلامية، والقضائية، والمجاميع المختلفة ـ الانتباه؛ لأنَّ الخلافات تؤدّي الى الإضرار بالبلد.

لقد قاومنا وثبتنا ـ ولحسن الحظ ـ أمام المطارق التي حاولت فكِّ عُرى التلاحم بين المسؤولين على مدى العهود المتمادية.

لقد أنزل الأعداء مطارقهم القاسية على هامة هذا السدّ المنيع؛ من أجل فكّ عُرى الوحدة بين المسؤولين، إلا أنَّ نظامنا أبدى مقاومة شديدة.

ولقد وجدت محاولات لبثّ الفرقة، ونشر الدعايات والأكاذيب في جميع العهود، من أوائل الثورة وحتى الآن ـ سواء كان ذلك في عهد الحياة المباركة للإمام (رضوان الله عليه)، أو بعده، أو في العصر الراهن ـ إلا أنَّه توجد رابطة إعتقادية وإيمانية وثيقة تمنع من ظهور التناحر بين الأطراف، الأمر الذي يؤدّي الى سقوطها.

ولو أردنا في بعض الموارد النادرة والفردية، أن نستثني بعض الأشخاص من هذه القاعدة الكلّية، فسوف يتّضح ـ حقيقةً ـ أنَّ هؤلاء قد ألحقوا بأنفسهم الضرر، ولم يتمكّنوا من إزالة التلاحم الموجود بين مسؤولي النظام.

وحتى السياسة الرسمية للأعداء، أخذت تطرح في وقت من الأوقات, أنَّهم يريدون إحداث فجوة بين المراتب العليا للنظام؛ فلم يحصل ذلك، ولم يتمكّنوا منه.

طبعاً، قاموا بتوجيه ضغوطات كثيرة، إلا أنَّ المسؤولين تصدّوا لذلك ـ بالاستعانة بالله وتوفيقه ـ

وهم الآن يسعون لتحقيق ذلك أيضاً، وبالطبع، فإن التلاحم الذي نشاهده اليوم بين أفراد النظام ، هو أفضل وأكثر من ذي قبل ـ والحمد لله ـ وأصبح الإتحاد والائتلاف والمحبَّة القلبية أعمق من السابق أيضاً، إلا أنَّ ما أريد أن أوصي به ـ هو وصيّة لازمة أيضاً ـ

عليكم أن تنتبهوا الى أنَّ العدو متربّص، ويسعى لإثارة الخلافات وإيجاد الفرقة، وهذه من الأمور التي يجب أن يلتفت إليها الجميع، على ما أعتقد.

على كل حال، يوجد هناك اختلاف في الأذواق، وكذلك يوجد اختلاف في الفكر والمباني المختلفة في بعض الموارد، وهذا لا غبار عليه، فيمكن أن يوجد هناك اختلاف في وجهات النظر على الصعيد الاقتصادي، وكذلك على الصعيد السياسي، فإننا لا نلوم الأفراد على ذلك، فليكن هناك اختلاف في وجهات النظر، إلا أنَّ هذا الاختلاف في وجهات النظر، يجب أن لا يصل الى درجة الشقاق والنفاق والتنازع والصراع.

يجب أن يتّفق الجميع ويتوحّد مقابل العدو، ففي الوقت الذي يتّخذ فيه النظام ـ بأجمعه ـ موقفاً وقراراً فيجب على الجميع دعم هذا الموقف، وإن كانوا يختلفون في عشرة موارد أخرى؛ وهو ما شهدناه حتى الآن ـ بفضل الله ـ وهو ما يجب أن يتحقّق في المستقبل أيضاً.

المسألة الأخرى هي: يجب على الجميع دعم الأجهزة التنفيذية، أي السلطات المتواجدة في الساحة ـ السلطات الثلاثة ـ وعلى رأسها السلطة التنفيذية ـ الحكومة ـ التي يقع على عاتقها أكبر مسؤولية إجرائية في البلد، وتتحمّل أكبر المسؤوليات ـ فينبغي للجميع أن يراعوا ذلك.

إنَّ مساعدة الحكومة من قِبَل أي جهة من الجهات، يعتبر دعماً للبلد.

إنَّكم تتذكّرون ـ وشاهدتم ـ بأنني كنتُ أدعم الحكومات المختلفة التي تعاقبت على تسلّم السلطة، طوال مدَّة مسؤوليتي، وهذا لا يعني أنني أوافق جميع السياسات التي انتهجتها تلك الحكومات، كلا، فقد كنت أصرَّح وأقول: إنني غير موافق على بعض سياساتها في مجالات مختلفة، إلا أنني مع ذلك كنت أقدّم الدعم المستمر لجميع الحكومات.

يجب عليكم أن تنتبهوا؛ لكي لا تضعف الحكومة؛ نتيجة لاختلاف الرأي أو الطبع أو الذوق والاتجاه، بل عليكم أن تحافظوا على الحكومة، وعليكم جميعاً الإشادة برئيس الجمهورية، واعتبار ذلك إحدى المباني الأساسية.

فإنّ قيام بعض الأفراد بالسعي من أجل إظهار الحكومة على أنَّها لا تتصف بالفاعلية، لا يصبّ في خدمة البلد.

وإذا كانوا يعتقدون بذلك ـ أيضاً ـ فيجب إظهار وجهات نظرهم بالطريقة التي يستطيعون من خلالها إيصالها الى مسؤولي الحكومة، أو المسؤولين المؤثّرين في هذا المجال، أمَّا ترويج الدعايات بين أفراد الشعب على أنَّ الحكومة غير فعّالة، فهو مخالف للإنصاف، وأمر خاطئ.

وعلى فرض صحّة ذلك، فلا ينبغي أن يظهر ذلك بصورة دعايات وضجيج يملأ جوانب الأسواق والأزقّة، فكيف إذا كان خاطئاً ومجانباً للإنصاف.

إنَّ الحكومة تقوم بأعمال جسيمة ومدروسة، وعلى فرض أنَّ هناك وجهة نظر بالنسبة لمسألة من المسائل الاقتصادية، لا تنسجم مع وجهة نظر الخبير الفلاني، حسناً، دعها لا تنسجم، فإنَّ ذلك لا يقلل من أهمية وقيمة عمل الحكومة.

 

إنَّ الجميع أخذ يشاهد اليوم، ونحن أيضاً نشاهد ذلك، والآخرون يشاهدون ذلك أيضاً، أنَّ كثافة العمل الذي تقوم به الحكومة جديراً بالمدح والثناء ـ من باب الحقّ والإنصاف ـ فهو عمل رائع، فيجب أن لا توجَّه له انتقادات غير منصفة.

إنَّ التعامل مع السلطات الأخرى يجب أن يكون كذلك أيضاً، فمجلس الشورى ـ مثلاً ـ  يعتبر مركزاً للقرارات التي تتعلق بالخطط الأساسية والشاملة للبلد، فيجب عدم تضعيف هذا المجلس، وكذلك يجب عدم تضعيف السلطة القضائية.

إنَّ الانتقاد البنّاء والعقلائي، لا يعني التحدّث بالشكل الذي يُظهر إحدى السلطات على أنَّها لا تتصف بالفاعلية، أو يصفها بالفشل؛ لأنَّ هذا أمر خاطئ ـ سواء كان صحيحاً أو ليس له أساساً من الصحة ـ

إنَّ على الجميع ـ بالدرجة الأولى ـ تقديم الدعم للحكومة والسلطات الأخرى، واجتناب المعاتبة الزائدة من البعض للبعض الآخر، وبما أنني في موضع المسؤولية ـ ليس هناك أيّ إشكال، من الرجوع إليّ بصورة خاصة ـ فليأتِ الأشخاص والمسؤولون، ويبثّوا ما يجيش في صدورهم من عتاب أو شكوى من بعضهم للبعض الآخر ـ قد تكون أحياناً في محلّها المناسب، وقد تكون في غير محلَّها أحياناً أخرى ـ فإنَّ من الأفضل أن يصل إلينا ذلك بصورة خاصة، إلا أنَّه يجب أن لا تطرح مثل هذه الأمور أمام الرأي العام، فما ذنب الشعب الذي يجبر على أن يتحمّل الأعباء الناجمة عن ذلك.

إنَّ الصراع والتشاجر أمام الشعب، يؤدّي الى إيجاد الآلام في قلوبهم، فلماذا نبعث الآلام في قلوب الشعب؟ الشعب الذي يمتلك هذه الروعة، ويقدَّم مثل هذا الدعم للنظام، والذي وهب أكبر قوَّة لهذا النظام المقدّس؛ ليتمكّن من الثبات كالجبل الشامخ في أصعب الميادين، هذا ما قام به الشعب، فلم نأتِ بشيء من عندنا؛ ولهذا يجب أن لا نجعل هذا الشعب يتألّم.

إنَّ الإنسان ليرى بوضوح من بعض وسائل الإعلام أنَّها تعطي أهمية كبيرة لبعض الأقاويل، بحيث تقوم بتضخيمها الى أضعاف مضاعفة، ثمَّ يقع العبء الأكبر من نتائج ذلك على عاتق الشعب، كالأحاديث المتعلّقة بمسألة وقف الحرب، والقرار الصادر بهذا الشأن.

طبعاً، من الأفضل كان أن لا يقع هذا الكلام، والآن قد وقع، فعلينا تجنّب المغالاة حول تأثيراته، ولا نصوّر ذلك وكأنَّما واقعة عظيمة قد حدثت، كلا، فإنَّ كافة أفراد الشعب وجميع المسؤولين على اطّلاع، بأنَّ كافة مسؤولي النظام ـ ساسة وعسكريين ـ قد جاهدوا وقدّموا خدمات جليلة خلال فترة الحرب.

ـ وهذا ما شاهدناه بأم أعيننا عن قرب ـ والجميع لديهم نقاط ضعف أيضاً، وهذا أمرٌ لا يمكن إنكاره، فالسياسيون والعسكريون كان لديهم نقاط ضعف، ومما لا شك فيه أنَّ ما قدَّموه كان أكثر بكثير مما يمتلكونه من نقاط ضعف، وإنَّ ما قدّموه من خدمات الى جانب نقاط ضعفهم هي التي تمخّضت عن القرار الذي اتّخذه الإمام الراحل (قدس سره) بشأن قرار الأمم المتحدة؛ وهذا ما سنشرحه الى المواطنين في الوقت المناسب وتدريجياً.

إلا أنَّ ما أريد قوله؛ أنَّ ما جاء في النص الذي يتعرّض لهذه المسألة هو أمر واقعي، وسوف يُستدل على ذلك في يوم من الأيام ـ إن شاء الله تعالى ـ

إنَّ ما تمخّض عن جميع نقاط القوَّة والضعف،  والنجاحات والانتصارات والنجاحات والتقصير في بعض الموارد، هو الذي أدّى بالإمام الى اتخاذ مثل هذا القرار، وهذا لا يعني الانكسار أو التسليم مطلقاً، فإنَّ الإمام كان مظهراً للثبات والصمود، والتطلّع للمستقبل، والمضي نحو الأهداف السامية.

فقد كان عمل الإمام (قدس سره) في الحرب على هذا النحو، وعمل بهذا النحو عند قبول القرار أيضاً، وكان يعمل بنفس الطريقة في تصريحاته وبياناته أيضاً، وقد قام بتعليمنا هذا النهج أيضاً، ونحن وضعنا أقدامنا على الطريق المؤدّي إليه، وسوف نمضي قُدُماً عليه، بلا مماطلة وتواطئ ـ بحول الله وقوّته ـ

إنَّ ما يمكن أن نصف به أسلوب ومنطق الثورة ـ الذي يعتبر الإمام الراحل (رضوان الله عليه) المظهر الكامل له ـ  هو أنَّه كان مبنياً على الشجاعة المشفوعة بالحكمة والتدبير، فلم يرم سهم دون هدف في الثورة الإسلامية ـ ولم يحدث مثل ذلك في مخطط الجمهورية الإسلامية من بدايتها وحتى الآن ـ واليوم كذلك، وفي المستقبل سوف لا يحدث مثل ذلك ـ بمشيئة الله تعالى ـ

فلم نكن كالذين يلوّحون بسيوفهم وهم معصوبي الأعين حين القتال، بل إننا اليوم نعمل بعيون مفتوحة، ومن منطلق التدبير والحكمة المشفوعة بالشجاعة والبسالة، والاتّكال على القوّة التي نفثها الله تعالى في جسد هذا الشعب المؤمن والعازم على تحقيق أهدافه، عبر اعتماد التكتيكات الصحيحة والسُبل الواضحة وفقاً لمقتضيات الزمان.

إنَّ الانسحاب في الحرب هو أحد التكتيكات، فالانسحاب لا يعتبر فراراً ـ إنَّ الأشخاص الذين شاركوا في الحرب يعلمون ذلك جيداً، ويفهمونه ـ فكما أنَّ التقدَّم يعتبر تكتيكاً، كذلك الانسحاب يعتبر تكتيكاً أيضاً.

فقد يرى القائد أنَّ عليه الانسحاب في موقف من المواقف؛ من أجل إجراء تكتيكاً معيّناً، وإذا لم يفعل، فإنَّ ذلك يعتبر خيانة، وكذلك في الموقف الذي يتطلّب منه التقدَّم، ولم يتقدَّم، فإنَّ ذلك يعتبر خيانة أيضاً.

فما هو الفرق بين الانسحاب التكتيكي والفرار؟ الفرق هو أنّ الانسحاب التكتيكي يقع بإشراف نظام قيادي، وعمل منظَّم، أما الفرار فهو عمل غير منظّم، ويحصل نتيجة للفراغ والضياع وانقطاع العروة الوثقى التي تعلَّق بها الإنسان من أجل الدفاع عن الوطن.

وإنَّ الله تعالى سوف يساعدنا أيضاً في المواقف التي يجب علينا أن نتقدَّم فيها، أو التي يجب علينا أن نتحرّك فيها بسرعة، أو ببطء، أو خطوة للخلف، أو الأمام؛ وهذا ما حدث في مسألة الملف النووي أيضاً، وما سوف يحدث في المستقبل إن شاء الله.

ولو لم نكن قد انتهجنا هذا السلوك في السنتين، أو السنة والنصف الماضية، لكنَّا قد لُمْنا أنفسنا اليوم، فنقول: لماذا لم نقم بهذه التجربة؟ أما الآن فليس كذلك؛ لأنَّنا نعلم بكلّ ثقة ووضوح ما نقوم به الآن.

ولقد جرَّبنا هذا الطريق ورأيناه، فلم يحتجّ أحدٌ على السلطة أو النظام، فيما يتعلّق بالأسلوب الذي قام بشرحه السيد رئيس الجمهورية بالنسبة لمسألة الملف النووي، وهو النهج الذي سوف يُتخذ فعلاً؛ لأننا خضنا التجربة في هذا المجال، وأثبتنا صحّتها بشكل واضح،  طبعاً  هي كانت واضحةً في ما سبق أيضاً.

على كل حال، سوف تُنشر الوثائق المتعلّقة بذلك في يوم من الأيام ـ إن شاء الله تعالى ـ

لقد دوّنت الأحداث المختلفة المتعلّقة بتلك الأيام، وسوف توضع في متناول الرأي العام ـ إن شاء الله تعالى ـ وسيتّضح حينها ما الذي كان يجري في تلك الفترة.

إنَّ القرار الذي اتخذناه كان واضحاً في تلك الأيام، وكان من اللازم اتخاذه، وما قمنا به من نشاط كان ضرورياً، وقد تمَّ إنجازه، وما يجري اليوم هو عمل صحيح، فسياستنا في مجال الملف النووي، هي سياسة واضحة، وهي تتمثّل بتحقيق التطوّر المشفوع بالتأكيد على حق الشعب الإيراني دون تراجع، مع اعتماد المنطق الواضح والشفّاف، فهدفنا هو هدف إنساني وواضح.

وفي مجال الأقاويل: أذكّركم، بالانتباه الى الأشخاص الذين قد صمّوا أسماعهم، وأخذوا بتتبّع العثرات التي يمكن أن تنال من الثورة والنظام، وشخصية الإمام، ويسعوا من أجل إيجاد الذرائع للقيام بذلك، فعليكم أن لا تفسحوا لهم المجال ليحصلوا على هذه الذرائع، فعلى الجميع أن ينتبه لذلك.

سوف أذكر مسألة أو مسألتين مختصرة وقصيرة فيما يتعلّق بالمسائل الداخلية، وأختم حديثي:

المسألة الأولى: مسألة الانتخابات، إنَّ الانتخابات مهمّة جداً ـ سواء كانت انتخابات مجلس خبراء القيادة، أو انتخابات المجالس البلدية ـ على قدر حدود ومستوى ومكانة كل منهما.

فعلى كافة المواطنين والمسؤولين والتنظيمات السياسية والاجتماعية وناشطي البلاد الإحساس بالمسؤولية تجاه هذه الانتخابات.

إنَّ نزاهة الانتخابات أمر مهم، وهذا ما يدركه مسؤولوا البلاد ـ لحسن الحظ ـ وإنَّني كنت أأكد على ذلك باستمرار، وأُأكد عليه الآن أيضاً، فينبغي صيانة أصوات الشعب بصورة كاملة، بالقدر الذي تُعطى فيه الأهمية للمحافظة على نزاهة أجواء الانتخابات، قبل البدء بها ـ كما يحدث الآن في مسألة تسجيل الأسماء بالتدريج، وتوفير المقدّمات المتعلّقة بالانتخابات الى الوقت الذي تبدأ فيه هذه الانتخابات ـ باعتبار أنَّ من الواجبات الحفاظ على نزاهة أجواء الانتخاب.

إنَّ البعض يقوم بتخريب أجواء الانتخابات، مع أنَّ التخريب والاستهانة والتسقيط لمختلف الأشخاص، كل ذلك يعتبر مخالفاً لمقتضى نزاهة الانتخابات.

وعلى كافة المطبوعات ووسائل الإعلام، والذين يستخدمون الآليات وأساليب الارتباط العامة ـ كالكمبيوترات والوسائل الكمبيوترية ـ وأصحاب المنابر ـ كخطباء الجمعة وممثّلي مجلس الشورى الإسلامي ـ أن ينتبهوا الى أنَّ تسقيط الخصم يؤدّي الى الإساءة الى سلامة مناخ الانتخابات.

فليس هناك مانعاً من الدفاع عن الأشخاص الذين ترغبون بهم، إلا أنَّه لا يجوز التهجّم على المنافس، أو تسقيطه، فلا يوجد مبرّر منطقي لهذا التسقيط والإساءة والاستهانة بالخصم، وهو غير جائز أيضاً؛ باعتباره يؤدّي الى تخريب أجواء الانتخابات.

بناءً على ذلك، فإنَّ مسألة المحافظة على نزاهة الانتخابات وسلامة أجوائها، تعتبر من أهم الأمور.

فعلى الجميع السعي لضمان مشاركة جميع أفراد الشعب، والمساعدة على تحقيق هذا الهدف.

إنَّ أفراد الشعب معنيّون بذلك أيضاً، وسوف أتحدث معهم ـ إن شاء الله تعالى ـ في اللقاءات التي سأجريها مع الشعب أو بعض أفراد الشعب قبل عيد الفطر المبارك، أو عند حلوله ـ إذا كتب الله لنا عمراً ـ وأرغب أن أذكّركم الآن أيضاً، أنَّ عليكم التعاون في هذا المجال بما أوتيتم من قوّة.

لقد جرت على ألسنة بعض السياسيين مسألة تدخّل القوات المسلحة في الانتخابات، وهي عارية عن الصحّة، وظلماً لهذه القوّات، باعتبار أنَّ ذلك يعتبر اتّهاماً باطلاً لهم.

إننا نعلم أنَّ القوات المسلحة، هي الوحيدة التي تُستدعى من قِبَل وزارة الداخلية، في الانتخابات التي عُقدت طوال العهود المتمادية؛ من أجل المساعدة في المحافظة على صناديق الاقتراع، وليس لها أي تدخّل آخر في الانتخابات، إلا أنني أأكد ـ في الوقت نفسه ـ  على ضرروة عدم تدخّل المسؤولين الحكوميين، فضلاً عن العسكريين في الانتخابات، ويتركوا الأمر للشعب والمجاميع الأخرى؛ من أجل تدوين أو تقديم أي قائمة بأسماء المرشّحين للانتخابات، وعدم التدخّل من قِبَل المسؤولين والذين يقومون بأعمال تنفيذية في هذا المجال، فليتركوا الشعب هو الذي يقوم بإنجاز هذا الأمر؛ أي أنَّه يجب أن لا تؤثّر شخصية مسؤولي الحكومة على نتائج الانتخابات، فليتركوا المتنافسين يقوموا بأعمالهم الدعاية الخاصة بالانتخابات، ويقوم الشعب باختيار من يرغب به من المتنافسين.

المسألة الأخرى متعلّقة بالقضايا الدولية.

إنَّ فشل السياسات الأمريكية في المنطقة سيّما في لبنان وفلسطين، وما تُمنى به من خسائر فادحة في العراق بصورة خاصة، تعتبر مؤشّرات على هزيمة هذه السياسات في المنطقة، فإنَّ الهزائم التي تُمنى بها في العراق ـ منذ الوقت الذي بدأت فيه أحداث العراق ـ  بصورة متتالية، الواحدة بعد الأخرى، تعتبر مؤشّرات على هزيمة السياسات الأمريكية.

ومن الهزائم التي مُنيت بها أمريكا أيضاً المسائل المتعلّقة بفلسطين، كفوز حكومة حماس في الانتخابات، وكذلك مسألة انتصار حزب الله في لبنان، التي تمثّل إحدى الحوادث المليئة بالحماس والشجاعة والتضحية للشباب المؤمن.

إنَّ أمريكا تحاول التعويض عن هذه الهزائم، وإنَّ إحدى المحاولات التي تقوم بها في هذا الصدد ـ وهو ما يجب أن تنتبهوا له ـ محاولتها إطفاء المصدر الأساسي لإذكاء هذا الحماس وهذه النهضة، من خلال فرض العزلة على الجمهورية الإسلامية.

ولكنّها ـ إنشاء الله تعالى ـ سوف لن تجني شيئاً هذه المرّة أيضاً كمحاولاتها السابقة.

إلا أنَّه ينبغي لنا ولبلدان وساسة المنطقة الناشطين التحلّي باليقظة حيال طرح مسألة الهلال الشيعي، التي يحاولون من خلالها تخويف أهل السنَّة، أو ما تقوم به أمريكا من تضليل بشأن القوّة الإيرانية التي تتخطّى حدود المنطقة ـ وهو ما تكرره من خلال وسائل إعلامها، كقولها: أنَّ إيران أصبحت إحدى القوى العظمى، وتريد الهيمنة على جميع دول المنطقة ـ   فهي علاوة على أنَّ من الواجب عليها بيان الواقعة بصورة منصفة، تحاول إرعاب دول الخليج الفارسي، والدول العربية و المجاورة الأخرى، من خلال قولها لهم: عليكم أن تحذروا فإنَّ إيران قادمة!

ومما لاشك فيه، أنَّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تتحوّل الى قوّة في المنطقة في الوقت الراهن، وحسب، بل حدث ذلك منذ انتصار الثورة الإسلامية.

إلا أنَّ ما حدث في هذه الأعوام، يعتبر من المؤشّرات التي تدلّ على هذه القوّة التي أخذت بالظهور تدريجياً، ثمَّ أخذت بالظهور أكثر فأكثر، إلا أنَّ هذه القدرة لا تشكّل أي خطر على أي حكومة أو دولة من الدول، فليس هناك تهديداً لأي بلد أو دولة، وليس لنا نيّة للتجاوز على أية حكومة أو بلد من البلدان.

بل إننا من دعاة الحق والعدل، وندافع عن العدالة، ونشمئز من الظلم والتجاوز والطغيان ـ الذي أخذ يستشري في جميع أنحاء العالم ـ ونتصدّى له، ولسنا من هُواة التهديد للشعوب وحكوماتها، فعليكم الالتفات الى ذلك.

إنَّ الجمهورية الإسلامية وحكومتها ونظامها ـ بفضل الله ـ تشكَّل إحدى البلدان المقتدرة، وإنَّ هذا الاقتدار نابع من تمسّكها بالدين والمبادئ الإسلامية واتّكال حكومتها على الشعب، وإنَّ أي بلد وحكومة تعتمد على شعبها، سوف تكون مقتدرة كذلك.

إننا أيضاً نسأل الله تعالى، ونسعى الى أن يزداد تمسّكنا بالإسلام، يوماً بعد آخر، وأن يكون ارتباطنا وتعلّقنا بالشعب أوثق من ذي قبل.

والسّلام عليكم ورحمة اللَّه  وبركاته‏

-----------------------------------

[1]. البقرة: 250.