خامنائي

توجيهات ولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي(دام ظله)

حول التطبير (1) يؤسفني أن أقول أنّ أموراً جرت خلال الأعوام القليلة الماضية وأعتقد أنّ أيادي تقف وراءها، أموراً جرت أثارت الشبهات لدى كلّ من رآها، منذ القدم كان متعارفاً أن يربط الناس أيام العزاء أجسادهم بالأقفال ثمّ تحدَّث العلماء عن ذلك فزالت تلك العادة، واليوم ظهرت هذه العادة مجدّداً، ما هذا العمل الخاطئ الذي يقوم به البعض، و(التطبير) أيضاً من جملة هذه الأمور، ويعتبر عملاً غير مشروع.

أعلم انّ البعض سيقول لم يكن من المناسب أن يتحدّث فلان عن التطبير، وما دخله في الأمر، كان حرياً أن يدعهم يضربون الرؤوس بالقامات (السيوف)، كلاّ لا يصحّ ذلك، لو كانت مسألة (التطبير) التي بدأوا يروّجون لها في السنوات الأربع الماضية سائدة أيام حياة إمامنا الراحل رضوان الله عليه لوقف الإمام بوجهها، إنّه عمل خاطئ، البعض يمسكون بالقامات ويضربون بها رؤوسهم ليغرقوا بدمائهم، علام ذلك؟، وهل يعتبر ذلك عزاء؟، اللطم على الرؤوس هو العزاء، وعفوياً يلطم الذي نزلت به مصيبة، رأسه وصدره، هذا هو العزاء، العزاء الطبيعي، ولكن هل سمعتم انّ أحداً راح يضرب رأسه بالسيف لفقده عزيزاً من أعزّائه؟ هل يعتبر ذلك عزاءاً ؟ كلاّ، إنّه وهم، ولا يمتّ ذلك إلى الدين بصلة، وما من شك بأنّ الله لا يرضى بذلك. ربّما السلف من علمائنا لم يكن يستطيع أن يصرِّح بذلك، ولكنّنا اليوم نعيش حاكمية الإسلام وظهوره، فينبغي أن لا نقوم بعمل يجعل من المجتمع الإسلامي المحب لأهل البيت عليهم السلام والذي يفتخر باسم ولي العصر أرواحنا فداه وباسم الحسين بن علي(عليه السلام) وباسم أمير المؤمنين(عليه السلام) لا ينبغي أن نجعله في نظر باقي مسلمي العالم وغير المسلمين يبدو وكأنّه مجتمع خرافي وغير منطقي. كلّما فكّرت في الأمر رأيت إنّني لا يمكنني السكوت عن هذا العمل الذي هو بالتأكيد عمل غير مشروع وبدعة، فليكفّوا عن هذا العمل، فإنّني غير راض عنه، إنّني غير راض من كلّ قلبي عن كل شخص يريد التظاهر بالتطبير. أحياناً كان يجتمع عدد من الأشخاص في ركن ناءٍ ويقومون بهذا العمل بعيداً عن أعين الناس وعن التظاهر بذلك أمامهم، ولم يكن أحد يتدخّل في شؤونهم مشروعاً كان عملهم أم غير مشروع، كان يتمّ ذلك ضمن نطاق محدود، ولكن إذا تقرر أن يخرج عدّة آلاف من الناس فجأة في أحد شوارع طهران أو قم أو مدن اذربيجان أو خراسان ويضربوا رؤوسهم بالسيوف، فإنّنا لن نقبل بذلك، وهذا أمر غير مشروع لن يرضى به الإمام الحسين(عليه السلام). لا أدري من أين تأتي هذه الأمور لتنتشر في مجتمعاتنا الإسلامية ومجتمعنا الثوري؟ لقد ظهرت مؤخّراً بدعة غريبة غير محبّذة في باب الزيارة، كلّنا يعلم انّ أئمة الهدى عليهم السلام كانوا يزورون المرقد الطاهر للرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، كما انّ إمامنا الصادق عليه السلام والإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) وباقي الأئمة الأطهار عليهم السلام كانوا يزورون المرقد الطاهر للإمام الحسين(عليه السلام)، كذلك أصبحت المراقد الطاهرة لأهل البيت عليهم السلام في العراق وإيران مزارات يؤمّها العلماء والفقهاء والفضلاء، هل سمعتم انّ إماماً أو عالماً كبيراً كان ينبطح أرضاً عند دخوله حرم أحد المراقد ويزحف نحو الضريح؟، لو كان هذا الأمر مستحسنا ومحبّذاً ومقبولاً لأقدم عليه أئمتنا وعلماؤنا، ولكنّهم لم يفعلوا، حتى أنّه يروى أنّ المرحوم آية الله العظمى السيد البروجردي (رضوان الله تعالى عليه) العالم الكبير والمجتهد والمفكّر الفذ، كان يمنع تقبيل عتبات المراقد على رغم انّ ذلك قد يكون مستحبّاً، ويحتمل أن تكون الروايات قد أوردت مسألة تقبيل العتبات، إنّها مسألة تتناولها كتب الأدعية وكذلك الروايات حسبما يتبادر إلى ذهني، رغم انّ ذلك قد يكون مستحبّاً، كان المرحوم البروجردي يمنع الناس عنه لكي لا يفكّر البعض أنّهم يسجدون لها وحتى لا يُشنّع الأعداء بالشيعة. واليوم يقوم البعض في المرقد الطاهر للإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بالانبطاح أرضاً عند دخولهم والزحف نحو مائتي متر حتى يصلوا إلى الضريح المطهّر، إنّه عمل خاطئ، انّه توهين، توهين بالدين وبالزيارة، من الذي ينشر هذه البدع بين الناس؟، ربّما كان ذلك أيضاً من صنع الأعداء، اشرحوا هذه الأمور للناس، أنيروا أذهانهم، الإسلام دين منطقي، وأكثر المفاهيم منطقية في الإسلام هي مفاهيم الشيعة، إنّها مفاهيم راسخة. لقد سطع المتحدّثون الشيعة كالشمس كلّ في عصر وزمان، لم يكن أحد يجرؤ على القول بأنّ منطقهم ضعيف؛ ففي زمن أئمتنا برز رجال أمثال مؤمن الطاق وهشام بن الحكم وغيرهما، وبعد زمن الأئمة برز أمثال الشيخ المفيد وغيره، كما برز فيما بعد الكثير من المتحدّثين أمثال العلاّمة الحلّي وغيره، إنّنا أهل منطق واستدلال، انظروا إلى قوة كتب الاستدلال التي تتناول البحوث المتعلقة بالشيعة، ككتب المرحوم شرف الدين في زماننا، وكتاب الغدير للمرحوم العلاّمة الأميني في زماننا، أينما وجّهت وجهك ثمة استدلالات محكمة، هذا هو التشيّع، لماذا يروّجون لأعمال ليس فقط تفتقر للاستدلال بل إنّها أشبه شيء بالخرافة، هذا هو الخطر الذي يتهدّد عالم الدين ومعارفه، وينبغي على حماة الدين والعقيدة الالتفات له. كما ذكرت هناك عدد من الناس سيسمعون هذا الكلام ويقولون في أنفسهم كان يجدر بفلان أن لا يتحدّث في هذا الأمر، لا! أنا من يجب أن يتحدَّث به، فمسؤوليتي أكبر من مسؤوليات الآخرين، طبعاً يجب على السادة العلماء أن يتحدّثوا بهذا الأمر أيضاً. لقد كان لإمامنا الراحل مواقف حازمة وصارمة، كان أينما رأى مسألة فيها انحراف يتحدِّث بشأنّها بصراحة وحزم ولا يخشى لومة لائم، ولو كانت هذه الأمور سائدة في زمانه أو كانت رائجة كما هي اليوم لكان تحدَّث بشأنها دون شك. ثمّة أشخاص متعلّقون بهذه الأمور سيستاؤون من الطريقة التي تحدَّثت بها عن تلك الأمور المحبّبة لهم، إنّهم في غالبيتهم أفراد مؤمنون وصادقون ولا يرمون لشيء، ولكنّهم خاطئون. هذه هي المسؤولية الكبيرة التي يجب عليكم أيّها السادة العلماء أن تحملوها على عاتقكم أينما كنتم، إنّ مجلس عزاء أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) هو ذلك المجلس الذي يقوم على المعرفة والذي يعتمد على الأركان الثلاثة التي ذكرتها للتو. نأمل أن يوفِّقكم الباري عزّ وجلّ لتبيان ما يرضاه بكلّ قدرة وشجاعة وجد ومثابرة لتكونوا على قدر المسؤولية بإذن الله تعالى.

______

المصدر:

(1)خطاب الإمام القائد الخامنئي(دام ظله)/29 ذي الحجة 1414 هـ ـ ياسوج.

الموضوع: فلسفة عاشوراء. المناسبة: حلول شهر محرم الحرام/الحضور: علماء وفضلاء وطلبة محافظة كهكيلويه وبوير أحمد.

  (2)أريد أن أوضح هنا لجميع الحريصين والمهتمين بنشر الإسلام، أن النقطة المضادّة لهذا الانتصار هي ما يعرضه البعض من خرافات باسم الإسلام. والعداء الأكبر الذي يواجهه الإسلام في هذا المجال هو أن يشيع البعض الخرافات باسم الإسلام، وباسم دين اللّه، وباسم محبة أهل البيت، فتؤدي بمن يطلع عليها إلى رفض الإسلام، وفي هذا ضرر كبير على الدين. عرضت قبل سنتين أو ثلاث رأياً في موضوع التطبير وقد استقبله شعبنا العزيز برحابة صدر والتزم به. وفي الآونة الأخيرة ذكر لي أحد الأشخاص أمراً غريباً ومثيراً للدهشة وهذا الشخص له معرفة بشؤون الاتحاد السوفيتي السابق وبالأقاليم التي يقطنها الشيعة ـ جمهورية أذربيجان ـ ذكر أن الشيوعيين حينما كان زمام الأمور بأيديهم في منطقة أذربيجان أزالوا جميع مظاهر الإسلام هناك؛ فأحالوا المساجد إلى مخازن، والحسينيات والأماكن الدينية الأخرى حولوها إلى استخدامات أخرى، ولم يبقوا أثراً للإسلام والتشيّع، وسمحوا بشيء واحد فقط وهو التطبير! وكانت أوامر الزعماء الشيوعيين إلى المسؤولين تقضي بمنع المسلمين من أداء الصلاة، وصلاة الجماعة، وقراءة القرآن، وإقامة شعائر العزاء، ومنعهم من ممارسة أي نشاط ديني، مع السماح لهم بالتطبير ! ويعود سبب ذلك إلى أن التطبير كان وسيلة دعائية بأيديهم يستخدمونها ضد الإسلام وضد التشيّع، ومعنى هذا أن العدو يستثمر أمثال هذه الممارسات أحياناً ضد الدين. والخرافات حيثما كانت تشوّه الصورة الناصعة للدين. على العلماء، والمبلغين، والمفكرين، والحريصين على نشر الإسلام، ومحبي الإسلام وأهل البيت (عليهم السلام) أن يلتفتوا إلى أن الإسلام والقرآن يتميز بقوة المنطق والبرهان، وأنّ مذهب أهل البيت مذهب الاستدلال ورصانة المنطق. ولو حذف منه البرهان المنطقي وحل محله ـ لا سمح اللّه ـ شيء آخر بعيد عن البرهان المنطقي ويتسم بصبغة خرافية، فسيكون له فعل مضاد تماماً لفعل البرهان المنطقي. إذن فالأداة الأساسية لسيادة الإسلام وغلبته على الأديان والشعوب والبلدان هو عبارة عن البرهان المنطقي، إضافة إلى العدالة الاجتماعية.

____________

المصدر:

خطاب الإمام القائد الخامنئي(دام ظله)/12 ذي القعدة 1417هـ مشهد المقدسة.

الموضوع: سبل حاكمية الإسلام. المناسبة: حلول رأس السنة الهجرية الشمسية 1376 ش.

الحضور: جمع من أهالي مشهد وزوّار الإمام الرضا (عليه السلام).

(3)إنّ فقهاءنا يبذلون دقّة متناهية بشأن المسألة الفقهية حتى وإن كانت في غاية البساطة، فيدققون في وثاقة راويها، ويناقشونها ويمحصونها وينقحونها كي يثبتوا إمكان التعويل عليها أو رفضها، وإذا تمّ التعويل عليها نستنبط منها حكماً فقهياً جزئياً في باب الطهارة أو غيره من الأبواب الفقهية العبادية. فإذا كنا نبذل كل هذه الدقّة في هذه الأبواب، فكيف يَسوُغ لنا في باب المعارف والعقائد الفكرية والعاطفية أن نثق بكل حديث أو رواية أو كلمة نواجهها؟ إنّ هذا لا يمكن قبوله، فمن الضروري أن نتقن ما نريد نقله أو قوله أو بيانه للناس كمادة علمية وعقائدية، فلابد من العمل على ذلك وليس هذا بالأمر الهيّن، بل هو في غاية التعقيد، ولا يتأتّى من خلال عقد اجتماع أو تشكيل لجنة أو مؤسسة، وإنما هو بحاجة إلى همّة وإرادة جادّة من قِبَل النُخب من العلماء والفضلاء، بأن يصرّوا على ذلك ويتمسكوا به ويتابعوه، ولا يخافوا في ذلك لومة لائم. لقد ذكرنا قبل سنوات أموراً حول التطبير الذي هو من الأمور الواضح بطلانها والبَيّن غَيّها وأيَدَنا فيها كبار العلماء واقتنع بها كثير من الناس، ومع ذلك سمعنا مَنْ أثار ضجّة واتهمنا بمخالفة الإمام الحسين (عليه السلام) (إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة)، هل يعني أنْ نأتي بفعل لاشك في أنه مَحَل إشكال من الناحية الشرعية، وَبيّن الحرمة بالعنوان الثانوي؟ علينا بيان هذهِ الأمور، حتى ينجذب جيل شبابنا إلى الإسلام أكثر فأكثر، فها أنتم تشاهدون ميل الشباب إلى الإسلام.

____________

المصدر: خطاب الإمام القائد الخامنئي(دام ظله)/3/شعبان/1426 هـ./طهران. المناسبة: لقاء ولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي مع أعضاء مجلس الخبراء.

الحضور: أعضاء مجلس الخبراء.