رسالة جوابية من سماحة الإمام الخميني قائد الثورة الإسلامية إلى ممثله في الحج الشيخ كروبي وإلى جميع أبنائه المسلمين من حجاج بيت الله الحرام:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾

حضرة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ مهدي الكروبي.

بلغ إلى سمعي نداء استقامتكم وظلامتكم أنتم والحجاج، الذين هم أعز علينا من أنفسنا، من جوار الكعبة المظلومة وحرم الله الدامي.

ابلغوا أخلص سلامي وتحياتي والشعب الإيراني إلى كل الأعزة الذين تعرضوا بجوار بيت الله وحرمه الآمن لهجوم ووقاحة عملاء مأجورين للشيطان الكبير, أعني أمريكا المجرمة.

إنّ هذه الواقعة الكبرى لم تجرح مشاعر وعواطف الشعب الإيراني فحسب بل أدمت في الحقيقة قلوب جميع أحرار العالم والشعوب الإسلامية، لكن هذه الحادثة وأمثالها لم تكن شيئاً غير متوقع أو مثير للدهشة لشعب عظيم وبطل كأبناء بلدنا الأعزاء الذين جربوا سنوات عديدة من الثورة وكشفوا النقاب عن وجوه ومكائد عمال أمريكا من أمثال الشاه وصدام الذين هاجموا مواكب العزاء الحسيني وأحرقوا القرآن والمساجد, إنه ليس من العجب إذ خرجت مرة أخرى يد أمريكا وإسرائيل الخبيثة من أكمام حكام السعودية المرائين والخائنين للحرمين الشريفين واستهدفت قلوب خَيرة المسلمين الأعزة من ضيوف الرحمن حيث سقى من يدعون سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام شوارع مكة وأزقتها بدماء المسلمين.

إننا في حين تأثرنا وحزننا الشديدين حيال هذا القتل الجماعي الفريد من نوعه لأمة محمد(ص) وأتباع إبراهيم الحنيف(ع) والعاملين بالقرآن الكريم, لكننا في نفس الوقت نشكر الله العظيم الذي جعل أعداءَنا والمعارضين لسياستنا الإسلامية من الحمقى، لأن هؤلاء لم يدركوا بأن تخبطهم في مثل هذه الأعمال سيؤدي إلى تعزيز قوة ثورتنا ورسالتها فلو كنا نستخدم مئات الأنواع من وسائل الإعلام أو كنا نرسل الآلاف من الدعاة والروحانيين إلى أقطار العالم لبيان الحد الحقيقي الفاصل بين الإسلام الأصيل والإسلام الأمريكي وبين الحكومة العادلة وحكومة العملاء المتشدقين المدعين للدفاع عن الإسلام لما استطعنا بيانه بهذه الصورة الجلية التي تجلّت من خلال تلك الواقعة الكبرى، كما أننا لو كنا نريد كشف النقاب عن وجوه عملاء أمريكا وإثبات أنه لا فرق بين محمد رضا خان(شاه إيران المقبور) وصدام الأمريكي وحكام الجزيرة العربية الرجعيين في سعيهم لإزالة الإسلام عن الوجود وفي معارضتهم للقرآن. وأن هؤلاء كلهم عبيد لأمريكا وهم مأمورون بهدم المساجد والمحاريب والمسؤولون عن خنق كل صرخة شعبية منادية بالحق لَمَا تيسَّر لنا، كما حصل في تلكم الصورة الجلية، ثم إننا لو أردنا أن نثبت للعالم الإسلامي بأن حَمَلة مفاتيح الكعبة الحاليين ليسوا أهلاً لاستضافة جنود الله وضيوفه وأنه ليس لديهم سوى ضمان مصالح أمريكا وإسرائيل والتضحية بمصالح بلدهم لصالحهما لما تمكنا أن نظهر ذلك كما ظهر في تلكم الصورة الرائعة، وأيضاً فإننا لو كنا نريد أن نقنع العالم بأن حكومة آل سعود , هؤلاء الوهابيين الأراذل, الغافلين عن الله, هم كخنجر مغروز في الخلف في قلب الأمة الإسلامية، لما استطعنا أن نثبت ذلك بقدر ما أثبته عمّال هذه الحكومة المغفّلون المسلوبو الإرادة. وبتلك القسوة والوحشية، حقاً لقد بيّض هؤلاء ورثة أبي سفيان وأبي لهب وأتباع يزيد وجوه أسلافهم. لقد كسبت جمهورية إيران الإسلامية، ولله الحمد، الكثير من الأصدقاء والأنصار من بين حجاج بيت الحق من بين الشعوب والعناصر والبلدان وحتى في نفس الجزيرة العربية، أصدقاء وأنصار صادقين أوفياء يشهدون على أننا ذوو حق، ويبينون ويشرحون أبعاد القتل الجماعي الدموي الذي يتعرض له المسلمون على يد خادم الحرمين، ولنقل الحقائق المرة عن يوم الواقعة إلى شعوب العالم. وكم حسن أن يبادر وفور وقوع هذه الحادثة المروعة مازالت أجساد أعزتنا مرمية على الأرض, ويبادر صدام وحسين الأردني وحسن المراكشي بإعلان تأييدهم ودعمهم لجريمة آل سعود.

وكأن السعودية قد فتحت فتحاً عظيماً أو كأنها وبقتلها المئات من النساء والرجال العزل المسلمين وفتح نيران الرشاشات عليهم والعبور على أجسادهم الطاهرة قد أحرزت نصراً عسكرياً كبيراً.

إذ بدأ هؤلاء بتبادل التهاني في حين ثُكل العالم كله بهذه المصيبة وتصدّع قلب خاتم الأنبياء بها، فمن ذا الذي لا يعلم بأن استخدام القوة والحراب ودفع العساكر لمواجهة زوار بيت الحق, وإعداد كل تلك العدة والتذرع بحجج واهية لخلق اشتباك مع النساء والرجال والمعوقين وأمهات وزوجات الشهداء ما كان إلا بسبب وصول أمريكا إلى ذروة العجز والغضب والضعف ووصول عملائها إلى ذروة اليأس.

لا شك أن أمريكا والسعودية قد استغلتا أسوأ استغلال حالة عدم التسلح التي يلتزم بها المسلمون المؤمنون في مراسم الحج وفي بيت الله الحرام احتراماً لأحكام القرآن وتحاشياً لحدوث الجدال بجوار بيت الله وقامتا بما أعدتاه من وسائل وخطط دقيقة مسبقاً بهجوم جبان غادر ـ كما تفعل الثعالب ـ على صفوف رجالنا الضياغم ونسائنا البواسل هجمة غادرة مباغتة.

فلتثق الحكومة السعودية بأن أمريكا قد صبغتها بوصمة عار أبدية لا تزول ولا تطهر حتى قيام الساعة ولا بماء زمزم أو ماء الكوثر، إن الدمَّ الذي جرى في الحجاز والنابع من أعماق البحر العظيم الهادر من أبناء شعبنا قد أصبح زمزماً يهدي به المتعطشون لسياسة الإسلام الأصيل, وترتوي به الشعوب والأجيال القادمة ويهلك ويغرق فيه الظالمون الجائرون. وإن كل هذه الجرائم نضعها نحن في رصيد أمريكا وإننا بعون الله سنصفي الحساب مع هؤلاء في الوقت المناسب. وسنثأر لأبناء إبراهيم من أبناء نمرود وأتباع الشيطان وأشباه قارون.

إنني أؤكد مرة أخرى بأن كل هذه التضحيات, هي الثمن الغالي لسيادة مبدأ اللاشرقية واللاغربية ولاستقلالنا وحريتنا والتزامنا بالإسلام وإني لأستغل الفرصة السانحة في هذه المناسبة فأشير إلى آية من كتاب الله العزيز والتي يقول فيها عز من قائل: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[1] كأن بهذه الآية وقد نزلت في عصرنا هذا وأنها نزلت في شأن آل سعود ومن شاكلهم، على طول التاريخ. نزلت لشعبنا المجاهد ولحجاج بيت الله الحرام في عصرنا الحاضر وفي كل العصور حيث يخاطب الله سبحانه وتعالى أفراداً عميت بصيرتهم فأخذوا يتفاخرون بسقاية الحجاج وتعمير المسجد الحرام ويقيسون قيمة عملهم هذا بمنزلة أولئك المؤمنين بالله وباليوم الآخر والمجاهدين في سبيل الله فيقول حاشا أن يتساوى هؤلاء المتفاخرون مع أولئك المؤمنين المجاهدين، وأن الله لا يهدي القوم الظالمين.

ألا ترون أن آل سعود اليوم وأمثالهم طوال التاريخ كيف يقيسون عملهم في سقاية الحجاج وتعمير وبناء وزخرفة المسجد الحرام بمنزلة مسلمين آمنوا بالله واليوم الآخر وبذلوا دماءهم في سبيل الله, ولأجل طرد أعداء الله عن حياض الإسلام وحرم الله تعالى, وأن آل سعود اليوم قد ذهبوا أبعد من ذلك إذ بيّضوا وجه أمريكا الناهبة سيادتهم بما ارتكبوه ضد المجاهدين في سبيل الله.

إن الملفت في هذه الآية الكريمة هو أن الله سبحانه وتعالى قد ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر وانتخب من دون سائر القيم الإسلامية الإنسانية, الجهاد في سبيل الله ضد أعدائه وأعداء البشرية وعلم المسلمين في انتخابه هذا بأن قيمة الجهاد هي فوق كل القيم، وفي قوله تعالى: ﴿وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ ألا يريد الله أن يقول بأن آل سعود عصرنا الحاضر ومن شاكلهم من الماضين واللاحقين في التاريخ هم الظالمون الذين لا يستحقون الهداية وأن الله لا يهدي هؤلاء؟

هل هناك ظلم ما تعرض له الحق والخلق ورسول الله (ص) وأمة خاتم الرسل العظيمة أكبر وأعظم مما ارتكبه آل سعود ضد الكعبة, هذا الحرم الإلهي الآمن وضد حجاج هذا البيت من المجاهدين الذين بذلوا النفس والنفيس في سبيل الحق والأهداف الإسلامية، فهل يمكن تصور ظلم أعظم من هذا؟

فهل كان ذنب هؤلاء المجاهدين الذين أعلنوا صرخة البراءة من المشركين تلبية لأمر الله سبحانه وتعالى غير التبرؤ من أرباب آل سعود ومن شاكلهم في هذا العصر من أمثال الشاه حسن والشاه حسين ومبارك اللامبارك وصدام العفلقي؟

ألا يعتبر السكوت على هذا الظلم الذي لم يسبق له مثيل في التاريخ غير الرضا بالجريمة ومشاركة الظلم والجائر في ظلمه وجوره ؟

على كل حال فإن آل سعود لم يكونوا أهلاً لإدارة شؤون الكعبة والحج وعلى العلماء والمسلمين والمفكرين أن يجدوا حلاً لهذا الأمر.

لقد أبلغ الحجاج الإيرانيون الكرام بدمهم هذا العام إلى العالم أجمع والأمة الإسلامية خاصة، براءتهم من المشركين وقدموا في هذا الطريق شهداء عظام إلى مقام الحق المقدس فأصبحوا بذلك من مؤسسي سياسة اللاشرقية واللاغربية لكعبة الحق وبيت الله الحرام.

والشعب الإيراني العظيم أيضاً قد عمل بواجبه الثوري الإلهي في تظاهراته الواسعة التي أقامها تخليداً وتكريماً للشهداء العظام في مسيرات أعلن فيها براءته من الكفر وبالأخص من آل سعود، ويلزمني أن أتقدم لهذا الشعب بكل فصائله وقطاعاته وطبقاته بالشكر لحضورهم الواسع في تلك التظاهرات.

والآن يأتي دور حجاج بيت الله الحرام من سائر البلدان الأخرى وبالأخص العلماء والمفكرين والخطباء منهم في أن يوصلوا نداء مظلومية شعبنا إلى أسماع العالم.

وإني لأرجو الله في أن يوفق الحجاج الإيرانيين المحترمين لأداء ما تبقى من أعمال الحج بكل صلابة واستقامة وصبر وأن يحتفل هؤلاء الأعزة وبخطوات رصينة وقلوب مطمئنة ومليئة بالرضا وبوجوه باسمة بانتصار الدم على السيف ونيل الشهادة في جوار بيت الله.

وعلى الذين يتشرفون منهم بزيارة المدينة المنورة بعد ذلك أن يبلغوا سلام وتحيات الشهداء الذين صافحت خدودهم الثرى بجوار الكعبة, وكذلك الجرحى إلى رسول الله (ص) وأئمة الهدى (ع) وأن يقدموا لهم التهاني لنيل هذا التوفيق العظيم.

وعلى حجاجنا أيضاً أن يديموا السير في طريقهم بكل صلابة واطمئنان وليحتسبوا أمرهم إلى الله وفي سبيل الدفاع عن رسوله (ص) لما لاقوه ويلقونه من مشاكل من جانب أمريكا وآل سعود.

وعلى الحجاج المحترمين أيضاً أن يشكروا الله على تقبل هدايا شعبنا الكبير وقرابينه التي قدمها في سبيل الله وبجوار بيته كهاجر وإسماعيل ونسأله تعالى أن يحشر شهداءنا العظام مع شهداء صدر الإسلام وأن يلهم عوائلهم وذويهم الصبر الجميل والأجر الجزيل وأن يمن على المصابين والجرحى بالشفاء والعافية وأن يرد شر المعتدين إلى نحورهم وأن يجازيهم بعقابه.

وأسأل الله تعالى أيضاً وفي هذا العصر الذي تكالب علينا فيه الكفر والشرك وعقدوا العزم على ضرب الأمة الإسلامية ووجهوا لنا كل ضرباتهم ومكائدهم، أسأله تعالى أن يحرسنا ويحفظنا بدرعه الحصين في ظل لواء رحمته ولطفه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

7 ذي الحجة 1407ﻫ.

 

روح الله الموسوي الخميني