ولاية الفقيه وأثرها في التحولات

2007-08-21

الشيخ علي دعموش

مسؤول الوحدة المركزية الثقافية في حزب الله

يعتبر الإمام الخميني (رضوان الله عليه) أن ولاية الفقيه التي أحيا تجربتها هي حاكمية الفقيه الجامع للشرائط وحقه في ممارسة السلطة على الفرد والمجتمع والطبيعة، بما في ذلك حقه في الأمر والنهي والتصرف في ما يتعلق بشؤون الناس والمجتمع السياسي حسب تشخيصه للمصلحة العامة.

ووفقا لأطروحة ولاية الفقيه فإن الأوامر والنواهي والتصرفات والاجراءات والتدابير التي يتخذها الولي الفقيه نافذة وتجب طاعته وتحرم معصيته، فإذا أمر بشيء أو نهى عن شيء، كان تصرفه نافذا حتى ولو كان على خلاف رغبة المؤمن وميله.

والولاية بمفهومها الإسلامي السياسي هذا، حاجة اجتماعية ضرورية تقتضيها طبيعة الاجتماع الإنساني، وذلك لأن المجتمع الإنساني حاجة نفسية للكائن البشري.

ومن الطبيعي أن الفرد لا يمكن أن ينعتق عن هذه الغريزة، غريزة المجتمع، مهما حاول الانعتاق، وإذا وجد المجتمع الإنساني وجد العلاقات الاجتماعية المعدة ووجد النشاط الاجتماعي المتعدد الوجوه في شتى الميادين، وفي هذه الحال لابد من وجود إشراف ما على المجتمع، ينظم علاقاته تنظيما يحول بينه وبين التفكك بفعل تصادم المصالح بين الأفراد والجماعات، وينظم النشاط الاجتماعي في ميادينه المختلفة، ويشرع من القوانين ما يصون به حقوق الأفراد على المجتمع وواجباتهم نحوه.

ولما كان هذا النشاط ضروريا للمجتمع السياسي فالولاية والقيادة لذلك ضرورية، والأصل الأولي العقلي والنقلي في قضية الولاية والسلطة على الفرد والمجتمع السياسي من قبل أي شخص كان هو عدم المشروعية. فلا ولاية بحسب الأصل لأحد على أحد، ولا ولاية لأحد على جماعة أو مجتمع ولا ولاية لجماعة أو مجتمع على احد.

والولاية الوحيدة الثابثة، بحكم العقل والنقل، هي ولاية الله تعالى وحده دون غيره، وهي ولاية تكوينية وتشريعية، وليس لأحد من البشر والملائكة ولاية على احد في عرض ولايته تعالى أو بصورة موازية لها. وهذا الأصل الأصيل تعبير في الوجود والحياة والزمان عن حقيقة التوحيد الخالص والمطلق في الألوهية والخالقية والحاكمية.

يقول تعالى {إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه} يوسف، 40.

ولا يمكن الخروج عن هذا إلا بدليل قاطع، بمعنى أن ولاية غير الله ولزوم طاعته مشروطة بأن تكون بجعل وتعيين من الله وبإذنه.

وقد ثبت بالدليل القاطع تقييد هذا الأصل الأولي بالنبي (ص) حيث نص القرآن الكريم على أن الله قد جعل النبي (ص) وليا على المؤمنين، بقوله تعالى {النبي أولى بكم من أنفسهم}. كما ثبت بالدليل القاطع ولاية الإمام المعصوم على المؤمنين بعد النبي (ص) بقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} النساء، 29. وأولو الأمر هم الأئمة المعصومون (ع) كما ورد في التفسير الصحيح.

وبقوله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} المائدة، 55. فالرسول (ص) والإمام (ع) ثبتت ولايتهما المطلقة بالدليل المقيد لأصل الأولي، ولا ولاية لأحد غيرهما على أحد إلا إذا ثبت بالدليل القاطع ولاية كلية أو جزئية.

وبرأي الإمام الخميني (قده) فقد ثبت بالدليل العقلي والنقلي القاطع للفقيه الجامع للشروط ولاية كلية عامة على الإنسان والمجتمع السياسي.

واعتبر أن كل ما ثبت للمعصوم في ما يرتبط بإدارة الدولة وسياسة الحكم وإدارة وتنظيم شؤون الناس فهو ثابت للولي الفقيه. وإعطاء هذه الصلاحيات الواسعة للولي الفقيه إنما هو واقعا لمقام الولاية الذي يتم بشروط دقيقة ومواصفات تربوية وعلمية عديدة أمكنت إعطاء الولي الفقيه تلك الصلاحيات والسلطات.

بل إن الأدلة التي تثبت ولاية النبي والإمام في ما يتعلق بمهام الدولة والحياة الاجتماعية تثبت ذلك للفقيه الحاكم في عصر غيبة المعصوم من دون فرق. وإذا كان الأمر كذلك فإن من الطبيعي جدا أن تنتقل كل الصلاحيات والسلطات التي كان يملكها النبي والإمام في ما يتعلق بالولاية والحكم إلى الفقيه الحاكم في عصر الغيبة.

إن أطروحة ولاية الفقيه بهذا المعنى هي أطروحة كاملة وشاملة لنظام الحكم والإدارة، ولم يكن الإمام الخميني رضوان الله عليه، أول من أسس لهذه الفكرة، فإن هذه الفكرة لها جذور ممتدة في عمق التاريخ نظر لها علماء وفقهاء ومفكرون إسلاميون منذ ما بعد عصر الغيبة الكبرى. ولكن الإمام الخميني (قده) استطاع أن يعمق الأطروحة في وجدان الأمة وأن يوضح معالمها وأن يحولها من إطارها الفكري النظري إلى حيز التطبيق والتجربة.

واستطاعت هذه التجربة خلال العقود الماضية أن تستنهض الأمة وأن تصنع ثورة ودولة ومجتمعا وعزا ومجدا في إيران.

في إيران شعب آمن بولاية الفقيه وسار خلف مبدأ الولاية. ونتيجة تولي الشعب لولي أمره الإمام الخميني (قده) والتزامه بأوامره قبل الثورة وبعدها، استطاع هذا الإمام أن يقوم بهذا الإنجاز التاريخي الكبير، وأن يحدث تحولا كبيرا على أكثر من صعيد في العالم الإسلامي وأن يقيم في ظل النظام العالمي القديم والجديد دولة تزداد يوما بعد يوم قوة على المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي والعسكري.

إن مبدأ ولاية الفقيه هو الذي يجعل من إيران اليوم القوة الوحيدة في العالم التي تتحدى الولايات المتحدة، وتجرؤ على تحديها. ولا نعتقد أن هناك رجلا في هذا العالم يجرؤ على أن يقول عن سياسات كلينتون ما يردده الإمام القائد في خطبه وبياناته.

ولو لم تقم الجمهورية الإسلامية على أساس الولاية للفقيه، لما استطاعت أن تصمد حتى أشهرا قليلة. ألم يكن يتوقع أشخاص أمثال بني صدر وآخرين شاركوا بالثورة أن تنهار هذه الثورة بعد أشهر؟ فقط لأنهم لم يستوعبوا أن يلتزم الشعب بولاية الفقيه.

وفي لبنان أحدثت أطروحة ولاية الفقيه تحولا كبيرا، وفي مقدمة آثار هذا المبدأ تأتي المقاومة الإسلامية. فنحن في المقاومة الإسلامية، أطعنا الإمام الخميني منذ العام 1982 في أمر سياسي، هو قتال الصهاينة المحتلين. حيث إن مسؤوليتنا الشرعية هي قتال هذا العدو وتحويل لبنان إلى مقبرة للغزاة الصهاينة.

اليوم، إذا كنا نتحدث عن انتصارات، أو نشهد انتصارات وإنجازات لهذه المقاومة، اليوم إذا أصبح لهذه المقاومة في لبنان، كل هذا الاحترام، في المنطقة وفي العالم، إذا كنا اليوم وصلنا إلى ما وصلنا إليه، فبفضل التزامنا، والتزام أهلنا وشعبنا وإخواننا وأخواتنا وشهدائنا، ومجاهدينا، بخط ونهج ولاية الفقيه والإمام الخميني (قده).

نقول هنا، حتى تكون الأمور واضحة، وحتى لا يحدث أي تزوير للتاريخ، لو أننا لم نلتزم بخط ولاية الفقيه، لانتهت هذه المقاومة منذ سنوات طويلة، ولفقدت هذه المقاومة الكثير من قدرتها على الفعل والنصر واستنزاف العدو واستنهاض الأمة.

إن كل هذه البركات والعطاءات والتحولات التي تركها فينا مبدأ ولاية الفقيه، تدفعنا إلى المزيد من دراسة هذا المبدأ والتعمق فيه وفي آثاره ونتائجه الايجابية.