هكذا تحدثوا عن الخميني.. الإنسان والثائر والمفكر
2007-08-21
أحمد عبد الرحمان
"كنت حينما أشعر بالضعف أذهب إلى الإمام الخميني لأستلهم منه القوة والعزيمة"
آية الله السيد محمود الطالقاني (رحمه الله)
قبل مئة عام بدأت رحلة العمر، وقبل عشرة أعوام توقفت مسيرة الزمن ليبقى تاريخ حافل بالفكر والجهاد والتضحية يشع أنواراً يضيء زوايا العالم المعتمة، ويهدي الثائرين إلى مسار الانتصار، ويمنح المفكرين أفقاً رحباً فسيحاً لعلهم يجدون في ذلك الأفق ما يبحثون عنه هنا وهناك.
كانت رحلة الإمام الخميني (رض) رحلة حافلة بكل المعاني والقيم الإنسانية بشهادة الكثيرين ممن عاصروه، سواء أساتذته أو تلامذته أو أنصاره ومريدوه الذين قالوا وتحدثوا وكتبوا عنه الشيء الكثير.
وإذا كان الإمام الخميني قد تأثر إلى حد كبير بأخيه الأكبر آية الله السيد مرتضى بسنديده الذي تعلم لديه الصرف والنحو وأنهى المقدمات على يديه، وكذلك أستاذه في الحوزة العلمية بمدينة آراك آية الله الحاج عبد الكريم الحائري اليزدي، وآية الله العظمى السيد البروجردي، فإن الذين تأثروا به ونهلوا من أخلاقه وعلمه وفكره بلغوا المئات ـ بل الآلاف ـ بعضهم تتلمذ على يديه، وبعضهم رافقه في مسيرة جهاده وتعلم منه ما لم يتعلمه من آخرين، وبعضهم الآخر كان يتأمل في مآثر ذلك الرجل العظيم تأمل الباحث عن شيء كامن في الأعماق!
الشيخ الأنصاري:
صفات الأنبياء
يقول الشيخ أنصاري كرماني ـ وهو من المقربين للإمام الخميني (رض): خمسون عاماً لم يترك الإمام صلاة الليل، لقد أقامها في مرضه وفي صحته، وقد أقامها في السجن وخارجه وحتى في المنفى، وأقامها كذلك وهو على سريره في مستشفى القلب.
أصيب الإمام بالمرض عندما كان في مدينة قم، وأدى صلاة الليل.
وعندما قدم الإمام من باريس ليلاً، وكان مرافقوه يغطون في نوم عميق استيقظ هو في الليل، ووحده أدى صلاة الليل في الطابق العلوي من الطائرة. وإذا سنحت لكم الفرصة أن تشاهدوا الإمام عن كثب فستجدون آثار الدموع على وجهه المبارك وهي تحكي لكم قصة بكائه في منتصف الليل وأدائه للصلاة.
وينقل كرماني عن بعض أفراد الحرس الثوري أن الإمام عندما كان يقوم لصلاة الليل يشرع أولاً بتفقد هؤلاء الحرس ليطمئن على راحتهم في منامهم.
ويؤكد أنصاري كرماني أن الإمام كان يقرأ آيات القرآن مرات عديدة يومياً وبصوته الملائكي الشجي، وهذه أيضاً من المستحبات المذكورة، مرات عديدة في اليوم نأتي إلى الإمام فنجده يقرأ القرآن، كذلك في بعض أوقات الليل نجده يقرأ دعاء كميل الذي يشتمل على معانٍ وعلوم إلهية وتوحيدية.
لا ندري ماذا يمكن أن تخفي هذه الأدعية من أذكار تعمل على صقل الإنسان؟ وماذا تحمل بين طياتها من أسرار خفية ومعارف عالية قد غفلنا عنها.
وعن فاجعة استشهاد الدكتور محمد حسين بهشتي يقول الشيخ كرماني: في الليلة التي وصلنا فيها خبر شهادة الدكتور بهشتي وأصحابه أصابنا الذهول ولم ندر كيف يتسنى لن أن نخبر الإمام بهذه الفاجعة، حيث إنه أحب بهشتي من صميم قلبه، وقررنا ليلتها أن يقوم كل من الحاج أحمد الخميني والشيخ هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس الشورى الإسلامي حينذاك بإخبار الإمام بالنبأ صباح اليوم التالي، وتم إشعار الإذاعة والتلفزيون بعدم نشر الخبر مساء ذلك اليوم والانتظار حتى صباح اليوم التالي لأن الإمام تعود على سماع أخبار آخر الليل، وتم الاتفاق ـ أيضاً ـ على أن يرفع المذياع من غرفة الإمام لكيلا يستمع إلى أخبار الساعة السابعة أو الثامنة صباحاً. ولكن ما أن همت إحدى النساء برفع المذياع من غرفة الإمام قبل الساعة السابعة من صباح اليوم المذكور حتى قال لها الإمام "اتركي المذياع في مكانه لقد سمعت بالفاجعة من احدى الاذاعات الأجنبية مساء أمس"، وعندما دخل عليه نجله أحمد والشيخ رفسنجاني ليخبراه بالحادثة بادرهما الإمام بالتعزية وأخذ يواسيهما ويقوي من عزائمهما وراح يروي لهما الحادثة!
آية الله صدوقي:
خصوصية العقل والتفكير
سئل أحد المقربين للمرجع الديني الكبير الميرزا الشيرازي عن الكرامات التي لاحظها عليه، فأجاب: أكبر كرامة له عقله، وهذا حق، لأن الذي يميز الإنسان عن الحيوان هو العقل، وأن التكليف يعتمد أساساً على العقل، فعندما نسأل عن معنى النبوة والنبي فالعقل هو الذي يجيب عن ذلك.
هذه الرواية المقتضبة ذكرها شهيد المحراب الثالث آية الله صدوقي وهو يتحدث عن الإمام الخميني، حيث يقول: خلال الفترة التي قضيتها في خدمة الإمام وجدت أن أكبر النعم والألطاف الإلهية التي غمرت الإمام هي الهدوء والتروي والتحلي بالأخلاق الإسلامية. فوجوده منطبق على الخط الإلهي، ووجدت فيه امارات العقل الكامل. أما معرفته بأمور الدين والدنيا فهي بشكل لا يمكن قياسه بما يحمله العلماء والعقلاء في العالم، وهذا القياس بمثابة القطرة إلى البحر، فهو البحر والآخرون القطرة.
لقد كنت دائماً ـ والكلام لآية الله صدوقي ـ قريباً من الإمام، وإن كل ما شاهدته فيه خلال واحد وعشرين عاماً يشير إلى خصوصيات الإنسان الكامل وهو يلتقي الناس والأهل بلطف وترحيب وبأخلاق محبوبة خاصة.
كان الإمام يقوم بتدريس الأخلاق يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع في المدرسة الفيضية، فكنا نجد في أسلوب حديثه نموذجاً خاصاً من أخلاق الأنبياء والأولياء والأئمة الطاهرين. وبعد مدة قصيرة زاد الحاضرون في حلقة درسه بشكل لا يطاق، واحتمل انه ـ أي الإمام ـ قد أحس بعدم إمكانية أن يكون الدرس خالصاً لوجه الله بالشكل المطلوب فعطل الدرس.
إن ما خطه الإمام وما كتبه يعتبر نموذجاً خاصاً به، فلا يمكن أبداً أن نقارن شرحه للأدعية وما قاله في "أسرار الصلاة" وما ترجمه من الأدعية بنظائرها مما فسره أو قاله الآخرون، فقد كانت ومازالت مما لا يمكن أن يتصوره الإنسان.
ويحكي أحد أصدقائه ـ أصدقاء الإمام ـ "أردت أن أقوم بطبع كتاب "أسرار الصلاة" فلم يوافق الإمام، فقلت له إذن اسمحوا لي بطبع كتابكم إلى جانب كتب العلماء الآخرين حول الموضوع نفسه، فوافق لكني عندما قارنت بين هذا الكتاب وغيره لم أجد مجالاً للمقارنة، وبالتالي لم أجد بدّاً من صرف النظر عن طبع الكتاب".
ولم تكن دروس الإمام وبحوثه من الدروس والبحوث العادية التي يمكن قياسها بغيرها، فقد كان قلمه قلماً يختص به وحده، فألف الإمام كتابه "كشف الأسرار" في مدة قصيرة وهي على ما أتصور ثمانية وأربعون يوماً، ولو أراد غيره أن يكتب هذا الكتاب لما تيسر له ذلك إلا خلال سنة أو سنتين، إنه كتاب نافع وقيم ويثير حيرة كل من يطالعه، ويجب توصية كل الشعوب الإسلامية وخاصة أهل العلم بمطالعته".
السيد أحمد الخميني:
نظرات في الأفق البعيد
أما نجله المرحوم السيد أحمد الخميني، فإنه يؤكد أن للإمام حساسية خاصة بالنسبة للشرق والغرب بشكل عام، وهو يكرر عادة كلمته أن حسناتهم سيئات، إذ يجب علينا أن نسعى في جميع المرافق إلى أن نقف على أرجلنا بأنفسنا، وذلك لأنهم عندما يصدرون حسناتهم أو أعمالهم الحسنة فإنهم يقيمون الدعاية لأنفسهم بقدرها. نحن نعترف بضعفنا في مجالات معينة بحيث لا يمكن أن نلحق بهم فيها، ولكن علينا أن نغير هذه النظرة وهي عدم الاعتراف بقدرتنا لأنها تسبب لنا الشلل التام، وعلينا أن نفهم هذا الأمر، وهو اننا قادرون على الوقوف على أرجلنا والاعتماد على أنفسنا في كل الحالات، والمسألة مسألة وقت ثم نلحق بهم، وإذا لم نستطع أن نعلن هذا لإخواننا فهو يعني نهايتنا. ويصر الإمام باستمرار على قوله "لنعلم أن لا شيء ينقصنا وعلينا أن نعتمد على أنفسنا ونقف على أرجلنا أي أن نعتمد على قدراتنا، وشيئاً فشيئاً يمكن أن نحول ضعفنا إلى قوة، وحينها لن نكون بحاجة إلى شخص أو دولة أخرى إن شاء الله".
وقريباً من ذلك يقول حجة الإسلام والمسلمين توسلي: تعرفت على شخصية الإمام الملكوتية ولما أبلغ الحلم بعد، إذ ما زالت آثار محاضراته مطبوعة في قلبي وقلب كل من سمعه، ويؤكد ان خطاب الإمام يمتاز بطابع خاص ويترك أثراً كبيراً في نفوس المستعمرين، ففي مدينة قم المقدسة كان الإمام يلقي دروساً في الأخلاق في المدرسة الفيضية، وكان يشترك في هذا الدرس اضافة إلى الطلبة، بعض الكسبة وغيرهم، ولشدة تأثر هؤلاء بكلمات الإمام تسيل دموعهم ويشتد البكاء ويعلو النحيب.
الشهيد مطهري:
نضال المستضعفين
وفي كتابه القيم "الحركات الإسلامية في المئة سنة الماضية" يقول آية الله الشهيد مرتضى مطهري الذي يُعد من أبرز تلامذة الإمام الخميني: ان اسمه وذكراه وسماع أقواله، وإن نفسه الثائرة والمتأججة وإرادته وعزيمته الفولاذيتين وصموده وشجاعته ونظرته الثاقبة وإيمانه القوي كلها أمور يرددها العام والخاص، أي أنه روح الأرواح وبطل الأبطال.. لقد أنعم الله به علينا في قرننا وزماننا هذا، وإنه لمصداق بارز وبين للقول بأن لله في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف المبطلين، فقيادة الإمام الخميني مثلما يقول الشهيد المطهري نفخت الروح الثورية في الشعب الإيراني المسلم، وإن ملامح زعامته نادراً ما توجد في الزعامات التاريخية للعالم.
وقليلون هم القادة الذين تركوا بصماتهم على مختلف جوانب المجتمع. وإن تعبئة الجماهير هي من المنجزات النادرة التي يمكن القول فيها إنه باستثناء الإمام الخميني يتعذر وجود زعيم آخر بمقدوره أن يعبئ الشعب إلى هذا المستوى ويوجهه على تحقيق هدف خاص.
ولقد عرف سماحته الإسلام بوصفه نظاماً ينطوي على كل جوانب المجتمع، ذلك الإسلام الذي ينبع من الوحي، أي يقوم على أساس سيادة الله على نظام الكون، ويعرف الأمة بأنها مجموعة أفراد يسيرون على طريق الله، أفراد تحرروا من القيود ليلتحقوا بذات الباري عز وجل.
ومن جملة المزايا التي يتحلى بها هي عدم التبعية الفكرية التي أوجدت في نفسه استقلالاً روحياً وعقائدياً بحيث يمكن القول إن نهجه الفكري هو ثورة ثقافية في حد ذاته، وإن المعايير التي يزن ويقيم بها الوقائع هي مبتكرة وفريدة من نوعها حتى الآن، وهي كلها لمصلحة المستضعفين في العالم، ونضال الإمام الخميني هو نضال المستضعفين في العالم، وهو نضال يخوضه كل فرد رازح تحت نير الاستغلال والاستعمار.
تعليقات الزوار