مقاطع من الوصية

2007-08-21

قبل أن يطوي الإمام الخميني كتاب السفر وفي اللحظات التي كان يوطن فيها نفسه على الرحيل عن هذا العالم، كان قد أعد كلماته الأخيرة، وصيته التي أعدت في 26 بهمن 1361هـ.ش والمصادف 1 جمادى الأول 1403هـ، أن تقرأ بعد وفاته كي تكون كلمة خالصة مما يخالط نفوس الفانين في دنياهم وتنزه عن كل شبهة من هوى أو رياء أو تملق.

وجاءت وصية الإمام شاملة مستوعبة لمشاكل التطبيق الإسلامي في إيران وعامة في مداليلها للعالم الإسلامي بأكمله، ترشد شعوبه التي ما زالت تعاني من الطغيان إلى طريق الخلاص بالإسلام. ونظرا لطول الوصية وقصر مساحة هذا الملحق فقد اقتصرنا على ذكر فقرات منتخبة منها:

 إنّ الثورة الإسلامية المجيدة، التي تمثل ثمرة جهاد الملايين من الشرفاء والآلاف من الشهداء الخالدين والمعوقين الأعزاء ـ الشهداء الأحياء ـ والأمل لملايين المسلمين والمستضعفين في العالم، تقف على درجة من الأهمية تفوق قدرة القلم والبيان.

وإني روح الله الموسوي الخميني، الآمل ـ رغم كل خطاياي ـ بكرم الله العظيم تعالى، والمتزود للطريق المحفوفة بالمخاطر بذلك الأمل بكرم الكريم المطلق لي، واثق الرجاء ـ بصفتي أحد طلبة العلوم الدينية البسطاء ـ وكسائر إخواني في الإيمان بهذه الثورة ودوام منجزاتها وتحقق المزيد من أهدافها، أعرض بعض الأمور كوصية للجيل الحاضر والأجيال القادمة العزيزة ـ وان كانت مكررة ـ سائلاً الله الرحمن أن يمنّ عليّ بإخلاص النيّة في ذلك.

1 ـ كلنا يعلم أن هذه الثورة المجيدة، إنما تمكنت من قطع أيادي المستغلين والظالمين الدوليين عن إيران العزيزة وتحقيق الانتصار بالتأييد الإلهي الغيبي، فلولا قدرة الله القادرة لما أمكن لستة وثلاثين مليوناً أن ينهضوا ومن أدنى البلاد إلى أقصاها، صفاً واحداً وبنهج واحد ونداء "الله أكبر" ليقدّموا تلك التضحيات الاعجازية المحيّرة ويزيحوا كابوس جميع القوى الداخلية والخارجية ويتسلموا هم مقاليد الأمور في بلادهم....

...، لذا وجب أن لا يُشك أبداً في أن الثورة الإسلامية في إيران تختلف عن جميع الثورات الأخرى من حيث النشأة، ومن حيث أسلوب المواجهة، ومن حيث الدوافع التي فجرت الثورة والنهضة، ولا ريب أبداً في أنها هدية إلهية غيبية تلطف بها المنّان على هذا الشعب المنكوب المظلوم.

2 ـ إنّ (الإسلام والحكومة الإسلامية) ظاهرة إلهيّة يؤدي العمل بها إلى تحقيق السعادة للمسلمين في الدنيا والآخرة وعلى الوجه الأكمل، كما أنّ العمل بها سيؤدي إلى إلغاء كافة أنواع الظلم والنهب والفساد والتعدّي وإيصال الإنسان إلى الكمال المطلوب له.

و(الإسلام) عقيدة تشتمل ـ وخلافاً للعقائد الإلحادية الأخرى ـ على جميع ما يُصلح الشؤون الفردية والاجتماعية والمادية والمعنوية والثقافية والسياسية والعسكرية والاقتصادية، كما أنّها تلعب دور النظارة على جميع ذلك، فهي لا تغفل أيّة قضية ـ مهما صغرت ـ مما له صلة في تربية الإنسان والمجتمع وتحقيق التقدم المادي والمعنوي لهما، كذا فإنها تُشخص العوائق والمشكلات التي تعترض طريق التكامل الاجتماعي والفردي وتعمل على رفعها.

والآن، وحيث أُقيمت الجمهورية الإسلامية بتوفيق الله وتأييده وبقدرة الشعب المتدين، ولمّا كان ما تطرحه هذه الحكومة الإسلامية هو الإسلام وأحكامه السامية، فإن على الشعب الإيراني المجيد أن يسعى لتحقيق محتوى الإسلام وعلى جميع الصُعُد والعمل على حفظه وحراسته، فإن حفظ الإسلام يتصدر جميع الواجبات، وجميع الأنبياء العظام ـ من آدم (ع) حتى خاتم النبيين (ص) ـ قد قدموا في هذا السبيل أجلّ المساعي وأسمى التضحيات، لم يصرفهم عن أداء هذه الفريضة الجليلة أيّ مانع. وهكذا كان الحال مع أصحابهم الملتزمين وأئمة الإسلام (عليهم السلام) بعدهم؛ فقد بذل أولئك جهوداً مضنية بلغت حد التضحية بالأنفس من أجل حفظ الإسلام.

واليوم وبالإعلان رسمياً عن قيام الجمهورية الإسلامية واستقرار هذه الأمانة الإلهية في إيران وتحقق النتائج العظيمة خلال مدة قصيرة، فإن من الواجب على الشعب الإيراني خصوصاً، والمسلمين عموماً، استفراغ الجهد في حفظها والسعي لإيجاد عوامل بقائها وإزالة الموانع والعوائق من طريقها. والمؤمل أن يسطع سنا نورها على جميع الدول الإسلامية ويتحقق الانسجام بين جميع الدول والشعوب على هذا الأمر المصيري فيكفّوا ـ والى الأبد ـ أيدي القوى الكبرى والمستغلين ومجرمي التاريخ عن المظلومين والمضطهدين.

إنّي ـ وإذ أعيش اللحظات الأخيرة من عمري ـ أستعرض للجيل الحاضر هاهنا ـ وأداءً مني للتكليف ـ شطراً من الأمور التي تساهم في حفظ هذه الوديعة الإلهية واستمرار بقائها، وشطراً من الموانع والأخطار التي تتهددها، سائلاً الله رب العالمين التوفيق والتأييد للجميع.

 * لاشك أن السر واحد في بقاء الثورة الإسلامية وانتصارها، والشعب يدرك والأجيال القادمة ستقرأ في التاريخ، أنّ سرّ النصر يعتمد على ركنين أساسيين هما: الدافع الإلهي والهدف السامي في إقامة الحكومة الإسلامية من جهة، واتحاد كلمة الجماهير في جميع أنحاء البلاد من أجل ذلك الدافع والهدف من جهة أخرى.

لذا فإني أوصي جميع الأجيال ـ الحاضرة منها والآتية ـ أن يحرصوا ـ إذا رغبوا في إقامة الإسلام وحكومة الله، وقطع أيدي المستعمرين والمستغلين المحليين منهم والأجانب عن بلدهم ـ بعدم التفريط بهذا الدافع الإلهي الذي أوصى به الله تعالى في القرآن الكريم. وليعلموا أنّ ما يقابل هذا الدافع ـ الذي يمثل سرّ النصر والبقاء ـ هو نسيان الهدف والوقوع في التفرّق والاختلاف.

* من المؤامرات الخطيرة التي ظهرت بوضوح في القرن الأخير ـ خصوصاً في العقود الأخيرة منه وبالأخص بعد انتصار الثورة الإسلامية ـ الحركة الإعلامية الواسعة النطاق وذات الأبعاد المختلفة الهادفة لإشاعة اليأس والقنوط من الإسلام في أوساط الشعوب، خاصة الشعب الإيراني المضحي، فتارة يصرّح هؤلاء بسذاجة بأنّ أحكام الإسلام التي وضعت قبل ألف وأربعمائة عام لا يمكنها إدارة الدول في العصر الحاضر، أو أن الإسلام دين رجعي يعارض كل معطيات التقدم والتمدن، أو أنه لا يمكن للدول في العصر الحاضر اعتزال الحضارة العالمية القائمة ومظاهرها، إلى غير ذلك من أمثال هذه الدعايات البلهاء.

إنهم إما أن يكونوا جاهلين بالحكومة والقانون والسياسة، أو أنهم يتجاهلون ذلك مغرضين، فتطبيق القوانين على أساس القسط والعدل، والوقوف بوجه الظالمين والحكومات الجائرة، وبسط العدالة الفردية والاجتماعية، ومحاربة الفساد والفحشاء وأنواع الانحرافات، وتحقيق الحرية على أساس العقل والعدل، والسعي للاستقلال والاكتفاء الذاتي، وقطع الطريق على الاستعمار والاستغلال والاستبعاد، وإقامة الحدود وإيقاع القصاص والتعزيزات طبقاً لميزان العدل للحيلولة دون فساد المجتمع وانهياره، وسياسة المجتمع وهدايته بموازين العقل والعدل والإنصاف ومئات القضايا من هذا القبيل لا تصبح قديمة بمرور الزمان عليها، وهي قاعدة سارية المفعول على مدى التاريخ البشري والحياة الاجتماعية.

إنّ هذا الادعاء بمثابة القول بضرورة تغيير القواعد العلمية والرياضية وإحلال قواعد أخرى محلها في العصر الحاضر.

 * من نفس سنخ هذه المؤامرات ـ بل لعله الأكثر إيذاءً ـ الشائعات التي تنطلق على نطاق واسع ليشمل كافة أنحاء البلاد ويشتدّ في غير العاصمة من المدن الأخرى، من القول بأنّ الجمهورية الإسلامية أيضاً لم تفعل للناس شيئاً، وان الناس مساكين قدموا التضحيات بشوق ولهفة من أجل التحرر من نظام طاغوتي ظالم، ثُمّ أصبحوا ضحية نظام أسوأ، فالمستكبرون أصبحوا أشدُّ استكباراً والمستضعفون أشد استضعافاً، وأن السجون مليئة بالشبّان ـ الذين يمثلون الأمل والمستقبل للبلاد ـ وأساليب التعذيب تنوعت واشتدّت عما كانت عليه في النظام السابق، وان عدداً من الناس يُعدم كل يوم باسم الإسلام. ويا ليت أن اسم الإسلام لم يطلق على هذه الجمهورية، فهذا العهد أسوأ من عهد رضاخان وابنه، فالناس يتخبطون في العذاب والمشقة ويعانون من غلاء الأسعار المضني، وان المسؤولين يقودون البلاد نحو نظام شيوعي، فأموال الناس تُصادَر والشعب يُسلب الحرية في كل المجالات … وكثيراً من أشباه تلك الأمور التي يبدو أنها تُنفذ ضمن خطة مدروسة والدليل على وجود خطة وراء الأمر، هو أن الألسن تتناقل كل مدة أمراً واحداً بالتحديد في كل زاوية وجانب وفي كل محلة ومنطقة وفي سيارات النقل الخاص والعام، بل حتى في التجمعات الصغيرة المحدودة، الحديث واحد دوماً، وإذا استهلك طُرح أمر آخر بدلاً منه.

ومع بالغ الأسف فإن بعض علماء الدين الجاهلين بالحيل الشيطانية يظنون أن الحق في ذلك، وما أن يتصل بهم شخص أو شخصان من أدوات المؤامرة حتى يعتقدوا أنّ أساس القضية هو هذا.

إنّ العديد ممن يسمعون هذه الأمور ويصدقون بها لا اطلاع لديهم على وضع الدنيا ووضع الثورات في العالم وأحداث مرحلة ما بعد الثورة ومشكلاتها الجسيمة التي لا محيص عنها. وهم لا يمتلكون الاطلاع الصحيح على التحولات التي تقع لتنتهي لصالح الإسلام، فيستمعون لأمثال هذه الأمور ثم يقتنعون بها دون تحليل ويلتحقون بأدوات المؤامرة عن غفلة أو عمد.

* أوصي الشعب الإيراني العزيز أن يعتبر النعمة ـ التي حصل عليها بجهاده العظيم ودماء شبانه الراشدين ـ كأعز ما لديه وان يسعى للمحافظة عليها وحراستها وبذل الوسع في سبيل هذه النعمة الإلهية العظيمة والأمانة الربانية الكبيرة، وعلى أبنائه أن لا يخافوا من المشكلات التي تواجههم في هذا الصراط المستقيم {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}.

كونوا أعواناً لحكومة الجمهورية الإسلامية في مواجهة المشكلات، ابذلوا غاية وسعكم لتجاوز العقبات واعتبروا الحكومة والمجلس منكم وحافظوا عليهما كما تحافظون على محبوب عزيز.

كما أوصي المجلس والحكومة وكل المعنيين أن يقدروا هذا الشعب حق قدره، وأن لا يقصروا في خدمته خصوصاً المستضعفين والمحرومين والمظلومين، الذين هم بمثابة النور لعيوننا والأولياء لنعمتنا، فالجمهورية الإسلامية تحققت على أيديهم ونتيجة لتضحياتهم وبقاؤها ومرهون بخدماتهم.

اعتبروا أنفسكم من الناس واعتبروا الناس منكم وارفضوا دوماً الحكومات الطاغوتية، التي لا عقل ولا ثقافة ولا منطق لديها سوى البطش … وطبيعي أن كل ذلك لا يكون إلا بالممارسات الإنسانية التي تليق بحكومة إسلامية.

* أما وصيتي إلى الشعوب الإسلامية، فهي أن يجعلوا حكومة الجمهورية الإسلامية وشعب إيران المجاهد قدوة لهم، وإذا لم تستجب حكوماتهم الجائرة لإرادتهم ـ المماثلة لارادة الشعب الإيراني ـ فليهبّوا بكل قوة لإيقافها عند حدّها، ذلك لأن أساس شقاء المسلمين هو الحكومات العميلة للشرق أو الغرب.

كما أوصيهم ـ مؤكداً ـ أن لا يستمعوا إلى الأبواق الإعلامية لأعداء الإسلام والجمهورية الإسلامية، فجميع أولئك جاهدون لإخراج الإسلام من الواقع حفاظاً على مصالح القوى الكبرى.

* من المخططات الشيطانية التي عملت القوى الاستعمارية الناهبة الكبرى منذ سنوات متمادية على تنفيذها مخطط ازواء العلماء.

والآن وبعد أن تحطمت الأغلال وكُسر طوق سلطة القوى الكبرى وأُنقذت البلاد من أيديهم وأيدي عملائهم ـ بارادة الله وجهاد الشعب بكل فئاته من طلبة علوم دينية إلى طلبة جامعات والى كسبة وعمال وفلاحين ـ فإني أُوصي هذا الجيل والأجيال القادمة باليقظة، كما أوصي الجامعيين والشبّان الراشدين الأعزاء أن يبذلوا غاية وسعهم لجعل عقد المحبة والانسجام مع علماء الدين وطلاب العلوم الإسلامية أكثر استحكاماً، وأن لا يغفلوا عن مخططات ومؤامرات العدو الغادر،

 * من الأمور الضرورية أيضاً، تدين نواب مجلس الشورى الاسلامي، فقد رأينا جميعاً أيٌة أضرار مؤلمة لحقت بالإسلام وبإيران نتيجة عدم صلاحية مجلس الشورى وانحرافه منذ الفترة التي تلت النهضة الدستورية وحتى عهد النظام البهلوي المجرم، والتي كان سواها وأخطرها عهد ذلك النظام الفاسد المفروض.

لذا فإني أوصي أبناء الشعب أن يصوتوا في كل دورة انتخابية ـ حاضراً ومستقبلاً ـ لصالح المرشحين الملتزمين بالإسلام والجمهورية الإسلامية انطلاقاً من إرادتهم الصلبة والتزامهم بأحكام الإسلام وحرصهم على مصالح البلاد.

 ولا شك أن مثل هؤلاء المرشحين يكونوا غالباً من الطبقات الاجتماعية الوسطى ومن بين المحرومين غير المنحرفين عن الصراط المستقيم نحو الغرب أو الشرق، ومن غير الميالين نحو المدارس العقائدية المنحرفة، ومن المتعلمين المطلعين على مجريات الأمور المعاصرة والسياسات الإسلامية.

أطالب ممثلي مجلس الشورى الإسلامي ـ في هذا العصر والعصور الآتية ـ أن يصرّوا على عدم قبول أوراق اعتماد العناصر المنحرفة التي تتمكن في وقت ما من فرض تمثيلها على الناس بالدسائس والألاعيب السياسية، وأن يحولوا دون وصول حتى عنصر مخرب عميل واحد إلى المجلس.

* ومن الأمور الهامة مسألة القضاء، فالقضاء يباشر أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم. لذا أوصي القائد أو شورى القيادة أن يتحرّوا الدقّة في مجال التشخيص لأعلى منصب قضائي ـ وهو من صلاحياتهم ـ واختيار المتدينين المحنّكين من أولي الخبرة في الأمور الشرعية والإسلاميّة والسياسية.

* لقد عقد أعداء الإسلام والجمهوريّة في هذا الزمن العزم على القضاء على الإسلام، فهم ساعون بكلّ طريقة ممكنة لتحقيق هذا الهدف الشيطاني، وإحدى الطرق الهامّة في تحقيق هدفهم المشؤوم والخطير على الإسلام والحوزات الإسلاميّة هو زرع أفراد منحرفين فاسدين فيها، والخطر الكبير الناجم عن ذلك على المدى القريب، هو تشويه سمعة الحوزات العلمية من خلال الممارسات غير اللائقة والسلوكيات غير الأخلاقية والمنحرفة لهؤلاء المندسّين، أمّا على المدى البعيد فإنّ الخطر يكمن في وصول البعض من النصّابين إلى المواقع الحسّاسة للقيام في الوقت المناسب بتوجيه ضربة مهلكة للحوزات الإسلاميّة وإلى الإسلام العزيز وإلى البلاد وذلك من خلال اطّلاعهم على العلوم الإسلاميّة واندساسهم بين الجماهير والناس البسطاء وكسب ودّهم.

* من الأمور التي يلزم إصلاحها ومراقبتها، الجهاز التنفيذي، فقد تصدر عن المجلس أحياناً قوانين ممتازة ومفيد للوضع الحالي للمجتمع، وتقوم شورى صيانة الدستور بإمضائها وإبلاغها الوزير المختص إلا أنها عندما تقع بعد ذلك في أيدٍ غير صالحةٍ، قد تُمسخ أو يُعمل خلافاً لها، أو إنها تؤدي ـ ونتيجة لما اعتاده أولئك من الروتين والمسالك الإدارية الملتوية أو لتعمدٍ في ذلك منهم ـ إلى إثارة الاضطراب بين الناس تدريجياً حتى يبلغ الأمر حدوث فوضى اجتماعية.

* أوصى الوزراء المسؤولين في العصر الحاضر والعصور المقبلة أن يُدركوا أنهم وموظفي وزاراتهم يرتزقون من أموال الشعب، لذا وجب عليهم جميعاً أن يكونوا خداماً للشعب وخصوصاً المستضعفين منهم، كذلك عليهم أن يدركوا بأنّ إيجاد المشقة للناس والعمل خلافاً للواجب حرام ويوجب أحياناً الغضب الإلهي ـ والعياذ بالله ـ.

* من الأمور الهامة المصيرية، مسألة مراكز التربية والتعليم بدءاً من دور الحضانة وحتى الجامعات، وسوف اكرّر الحديث باختصار حول هذه المسألة لأهميتها الاستثنائية.

إن على شعبنا المنكوب أن يعلم بأن الضربة المهلكة التي وُجهت إلى إيران والإسلام في النصف الأخير من هذا القرن تعود في معظمها إلى الجامعات. فلو أن الجامعات ومراكز التربية والتعليم الأخرى كانت تسير وفق برامج إسلامية ووطنية في تعاملها مع الأطفال والناشئة والشبان وتهذيبهم وتربيتهم بما ينسجم مع هدفها في الحفاظ على مصالح البلاد، لما أصبح وطننا لقمة سائغة للإنجليز ثم للأمريكان والروس واليوم وبعد أن خرجت الجامعات من قبضة الجناة ـ بحمد الله تعالى ـ لزم الشعب وحكومة الجمهورية الإسلامية في كل العصور، أن يحولا دون تسلل العناصر الفاسدة من أتباع المدارس الفكرية المنحرفة أو ذات الميول للغرب والشرق إلى معاهد المعلمين أو الجامعات أو سائر مراكز التعليم والتربية، وأن يحرصوا على علاج هذا الأمر قبل تفاقمه وانفلات الزمام.

وأوصي الشبان الأعزاء في معاهد المعلمين والثانويات والجامعات، الوقوف بحزم وشجاعة في مقابل الانحراف لكي يُصان الاستقلال والحرية لهم ولبلادهم ولشعبهم.

* تمثل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة وسائل مؤثرة في تدمير الشعوب وتخديرها خصوصاً الجيل الشاب. فقد نفذت هذه الوسائل خلال القرن الأخير ـ سيما في النصف الثاني منه ـ خططاً خطيرة، سواء في مجال الدعاية المضادة للإسلام والروحانية المخلصة أم في الدعاية للمستعمرين الغربيين والشرقيين. كذلك فقد جندت هذه الوسائل لفتح أسواق لترويج سلعهم وبضائعهم خصوصاً الكمالية والتزيينية ومن كل نوع وكذا في الترويج لطُرُز البناء وتزويق المباني، إلى خلق حالة التقليد في المشروبات والملبوسات، حتى أصبح التفرنج في جميع مناحي الحياة من السلوك واللباس والهندام ـ خصوصاً عند النساء المنحدرات من طبقات مرفهة أو نصف مرفهة ـ وفي آداب المعاشرة وفي طريقة التحدث والكتابة باستعمال الألفاظ الغربية ـ والى درجة قد يصعب فهمها أحياناً حتى على أقرانهم ـ من المفاخر الكبرى. كذلك فإن أفلام التلفزيون المنتجة في الغرب أو الشرق هي التي كانت تسوق الشبان رجالاً ونساءً عن المسير العادي للحياة وتصدهم عن اكتساب العلم وعن العمل والانتاج والممارسات المهنية نحو الضياع واليأس وسوء الظن بكل شيء لديهم ولدى بلدهم بما في ذلك الثقافة والأدب والتراث الثقافي المجيد والآثار النفيسة التي تعرض الكثير منها للنقل إلى المكتبات والمتاحف الغربية والشرقية على أيدي الخونة النفعيين.

أما المجلات بما كانت تنشره من مقالات وصور فاضحة مؤسفة والجرائد بتسابقها في نشر المقالات المعادية للثقافة المحلية والإسلام العظيم، فكانت توجه الجماهير ـ خصوصاً شريحة الشبّان الفعالة المؤثرة ـ نحو الغرب أو الشرق. هذا ناهيك عما كانت تبثّه من الداعية الواسعة للترويج لمراكز الفساد والبغاء والقمار واليانصيب ومحلات بيع البضائع الكمالية ووسائل التجميل والألعاب والمشروبات الروحية، بالأخص ما كان يستورد منها من الغرب

* وصيتي الآن إلى مجلس الشورى الإسلامي ـ الحالي أو المستقبلي ـ ورئيس الجمهورية ـ ومن سيليه ـ وشورى صيانة الدستور ومجلس القضاء الأعلى والحكومة في كل زمان أن يحولوا دون انحراف وسائل الإعلام عن الإسلام ومصالح البلاد. وعلينا جميعاً أن نعلم بأن العقل والإسلام يدينان الحرية بشكلها الغربي الذي يمثل السبب الجوهري في انحراف الشبّان والشابات والفتية والفتيات. كذلك فإن الاعلانات والمقالات والخطب والكتب والمجلات المنافية للعفة العامة والمخالفة للإسلام ومصالح البلاد حرام وينبغي علينا وعلى جميع المسلمين منعها

* أنصح وأوصي الأحزاب والفئات وكل من يمارس نشاطاً معادياً للشعب والجمهورية الإسلامية ـ وأوجه الحديث ابتداءً للقادة منهم سواء في الخارج أو الداخل فأقول: لابد أن تجربتكم الطويلة من خلال المسالك التي سلكتموها والمؤامرات التي أقدمتم عليها، والدول والشخصيات التي لجأتم إليها ـ تكون قد علمتكم ـ باعتباركم عقلاء ومدركين كما تدّعون ـ بأنه لا يمكن حرف شعب مضحٍّ عن مساره بالاغتيالات والتفجيرات والقنابل واختلاق الأكاذيب الباطلة المرتجلة، كما لا يمكن أبداً اسقاط أيّة حكومة أو نظام بهذه الأساليب اللاانسانية واللامنطقية خصوصاً إذا كانت مستندة إلى مثل الشعب الإيراني المضحي ـ بدءاً بأطفاله الصغار وانتهاءاً بعجائزه وشيوخه ـ في سبيل تحقيق أهدافه وفي سبيل حماية الجمهورية الإسلامية والقرآن والدين.

* من الأمور التي يجب التذكير بها هي أنّ الإسلام لا يؤيد الرأسمالية الظالمة المطلقة، والتي تتولى حرمان الجماهير المظلومة المضطهدة، فهو يدينها بشكل جدي في الكتاب والسنة ويعتبرها مخالفة للعدالة الاجتماعية رغم أن البعض من أصحاب الفهم الأعوج ممن لا اطلاع لهم على نظام الحكومة الإسلامية أو المسائل السياسية الحاكمة في الإسلام كانوا ـ وما يزالون ـ يؤكدون من خلال كتاباتهم وأقوالهم بأن الإسلام يؤيد الرأسمالية والملكية المطلقة. الأمر الذي أدى ـ ونتيجة الفهم المعوج ـ إلى طمس وجه الإسلام النوراني، وفتح الطريق أمام المغرضين من أعداء الإسلام لمهاجمة الإسلام واعتباره نظاماً يشبه الرأسمالية الغربية، كنظام أمريكا وبريطانيا والناهبين الغربيين الآخرين، مستندين في معارضتهم للإسلام على أقوال هؤلاء الجهلة وأفعالهم ـ مغرضين في استنادهم هذا أو عن بلاهة ـ ودون الرجوع إلى العارفين بالإسلام الحقيقي.

كذلك فإن الإسلام ليس نظاماً كالنظام الشيوعي والماركسي اللينيني، الذي يقمع الملكية الفردية، ويدعو إلى الاشتراك ـ مع التفاوت الكبير بين ما كان سابقاً وما هو مشهور الآن مما يدعو حتى إلى الاشتراك بالنساء والشذوذ الجنسي ـ والذي استتبع ديكتاتورية واستبداداً مدمرين. فالإسلام نظام معتدل يعترف بالملكية الفردية ويحترمها بنحو يتحدد بإطار نشوء الملكية وطرق إنفاقها وبالأسلوب الذي يؤدي إلى دوران عجلة الاقتصاد إذا تم الالتزام به على حقيقته وتحقق العدالة الاجتماعية التي تعدّ لازمة لأي نظام سليم.

وفي الحالة الثانية أيضاً وقفت مجموعة أخرى من ذوي الأفهام المنحرفة ومن عديمي الاطلاع على الإسلام واقتصاده الصحيح في مقابل المجموعة الأولى وقدمت الإسلام أحياناً على انه موافق للمناهج الانحرافية لماركس وأمثاله. متمسكين ببعض الآيات أو العبارات المأخوذة من نهج البلاغة ودون الأخذ بنظر الاعتبار سائر الآيات والفقرات الواردة في نهج البلاغة، فأصرّوا بجهل على فهمهم القاصر وراحوا يروجون للمذهب الاشتراكي، ويدافعون عن الكفر والاستبداد والقمع الذي تجاوز كل القيم الإنسانية، وسمح لأقلية حزبية أن تعامل الجماهير كالحيوانات.

* وصيتي للمجلس وشورى صيانة الدستور والحكومة ورئيس الجمهورية ومجلس القضاء الأعلى، أن يُطيعوا أحكام الله تعالى، وأن لا يقعوا تحت تأثير الدعايات الجوفاء للقطب الرأسمالي الناهب الظالم والقطب الاشتراكي الشيوعي الملحد وليحترموا الملكية ورؤوس الأموال المشروعة وبما ينسجم مع الحدود الإسلامية.

وليشيعوا حالة الاطمئنان لدى الشعب حتى تنطلق رؤوس الأموال وحركة البناء لتمارس دورها وتساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي وإقامة الصناعات الثقيلة والخفيفة في البلاد.

كما أوصي الأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال المشروعة أن يبادروا إلى توظيف رؤوس أموالهم في الفعاليات البنّاءة في المزارع والقرى والمصانع، فإن هذا الأمر يعدُّ عبادة عظيمة.

* أوصي جميع المسلمين والمستضعفين في العالم أن لا يقعدوا على أمل أن يُتحفهم قادة بلدانهم أو المسؤولون في حكوماتهم أو القوى الأجنبية بالاستقلال والحرية، فنحن وهم قد شاهدنا أو أن التاريخ الصحيح نقل لنا ـ على الأقل فيما يتعلق بالقرن الأخير والذي شهد سيطرة الدول الكبرى التدريجية على جميع البلدان الإسلامية وسائر الدول الضعيفة ـ بأن أيّاً من الحكومات القائمة في هذه البلدان لم ـ ولن ـ تكترث بحرية شعوبها ورفاهيتها واستقلال بلدانها، بل ان الغالبية العظمى منها، أما أن تكون هي التي تمارس الظلم والكبت على شعوبها، وان كل ما فعلته إنما هو لمصالحها الشخصية والفئوية، أو إنها تسعى لتحقيق الرفاهية للشريحة المرفهة والمترفة أساساً فيما تترك الطبقات المظلومة من سكان الأكواخ والأقبية محرومة من كل الحاجات الأساسية حتى الماء والخبز أو ما يحقق عيش الكفاف. وتبادر بدلاً عن ذلك إلى تسخير أولئك البائسين لخدمة الطبقة المرفهة الطفيلية، أو إنها تكون أدوات بأيدي القوى الكبرى تمارس دورها لتكريس تبعية الدول والشعوب للدول الكبرى، فحولوا هذه البلدان ـ وبنصب مختلف الأحابيل ـ إلى سوق للشرق والغرب لتأمين مصالحهما وإبقاء الشعوب متخلفة تعيش حالة الاستهلاك، وهم اليوم يسيرون على نفس المنوال.

انهضوا أنتم يا مستضعفو العالم ويا أيتها الدول الإسلامية والمسلمون في العالم أجمع، وخذوا حقوقكم بأيديكم وأسنانكم، ولا يخيفنكم الصخب الإعلامي للدول الكبرى وعملائها العبيد. اطردوا الحكام الجناة من بلدانكم فهم يسلمون حصيلة أتعابكم إلى أعدائكم وأعداء الإسلام العزيز.

لتبادروا أنتم ـ وخصوصاً المخلصين الملتزمين منكم ـ للأخذ بزمام الأمور والنهوض جميعاً تحت راية الإسلام المجيدة للوقوف بوجه أعداء الإسلام دفاعاً عن المحرومين في العالم.

وامضوا قُدماً لإقامة دولة إسلامية واحدة تنضوي تحت لوائها جمهوريات حرة ومستقلة، فإنكم بذلك ستوقفون جميع المستكبرين في العالم عند حدهم، وتحققون إمامة المستضعفين ووراثتهم للأرض، عسى الله تعالى أن يعجل من ذلك الأمر الذي وعدنا به.

* وختاماً لهذه الوصية، أعود فأذكر الشعب الإيراني المجيد بأن المشاق والآلام والتضحيات وبذل الأنفس وتحمل الحرمان في هذا العالم إنما يتناسب وعظمة الهدف وسموّه وعلوّ مرتبته.  

وما نهضتم من أجله ـ أيها الشعب المجاهد المجيد وما زلتم ماضون في تحقيقه، وبذلتم من أجله الأرواح والأموال ـ يعد أسمى وأعلى وأغلى هدف وغاية يمكن السعي من أجلهما منذ صدر العالم في الأزل وحتى ما وراء هذا العالم وإلى الأبد، فهو رسالة الألوهية بمعناها الواسع وعقيدة التوحيد بأبعادها السامية التي تمثل أساس الخلق وغايته في هذا الوجود الرحيب، وفي الغيب والشهود بمختلف درجاتهما و مراتبهما. الأمر الذي تجلى في العقيدة المحمدية (صلى الله على محمد وآله) بتمام معناه ودرجاته وأبعاده والذي انصبت جهود جميع الأنبياء العظام (عليهم السلام) والأولياء المعظمين (عليهم السلام) في سبيل تحقيقه، والذي لا يتيسر دون الاهتداء إلى الكمال المطلق والجلال والجمال اللامتناهيين. فهو ما شرّف الترابيين (أهل الأرض) على الملكوتيين ومن هم أمسى منهم، وإن ما يتحقق للترابيين عبر السير فيه، محجوب عن أي موجود في جميع أجراء الخلق في السر والعلن.

إنكم أيها الشعب المجاهد إنما تسيرون تحت راية تخفق في جميع أرجاء العالم المادي والمعنوي ـ سواءٌ أدركتم ذلك أم لم تدركوا ـ وتسيرون في طريق يمثل وحده طريق جميع الأنبياء (عليهم السلام) والمسلك الوحيد نحو السعادة المطلقة. وبهذا الدافع يسعى الأولياء جميعاً لنيل الشهادة في هذا الطريق ويرون الموت الأحمر أمراً أحلى من العسل، وشبانكم قد تجرعوا في الجبهات جرعة من هذا فولهوا، كما أن ما ظهر على آباء الشهداء وأمهاتهم وإخوانهم إنما كان مظهراً منه، وعلينا أن نقول بحق: يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً، وهنيئاً لهم ذلك النسيم المبهج للقلب، وذلك التجلي المذهل.

كما أوصي الجميع بالانطلاق ـ وبالاتكال على الله تعالى ـ نحو تحقيق الهوية الذاتية، والاكتفاء الذاتي والاستقلال بجميع أبعادهما وإذا صرتم في خدمة الله وأوصلتم التمسك بروح التعاون من أجل تقدم بلدنا الإسلامي ورقيّه فإن الله معكم.

وإني وأنا أرى ما أراه من يقظة الشعب العزيز ووعيه والتزامه وتضحيته ومن روح المقاومة والثبات في سبيل الله ـ آملاً أن تنتقل هذه المعاني الإنسانية بفضل الله تعالى إلى الأجيال القادمة وتزداد رسوخاً جيلاً بعد جيل ـ استأذن الأخوات والأخوة للمضي نحو مقرّي الأبدي بفؤادٍ مستقر وقلب مطمئن وروح متفائلة، وضمير مفعم بالأمل بفضل الله، معلناً عن حاجتي الماسة إلى دعائكم بالخير لي. سائلاً الله الرحمن الرحيم قبول عذري عن قلة ما قدمته وعن قصوري وتقصيري. آملاً من أبناء الشعب قبول عذري عما بدر مني من القصور والتقصير وليمضوا قدماً بحزم وإرادة وتصميم وليعلموا بأن رحيل خادم عنهم لن يُحدث أي خلل في صفوف الشعب الحديدية، فإن هناك من الخدّام مَن هم أفضل وأسمى.

والله الحافظ لهذا الشعب ولجميع المظلومين في العالم.

والسلام عليكم وعلى عباد الله الصالحين ورحمة الله وبركاته