الضريح الفضي

2007-08-22

بقلم: علي لطيفي (مدرسة شهيدين)

في الصِّبا كنت أسمع الناس يردّدون اسمك ولم أكن افقه معنى الإمام والثورة وأنّى لي أن أدري ولم اجتز الربيع الخامس من العمر؛ وكنت أرنو إليك والى الثوّار الحضور في جماران عبر شاشة التلفاز وأصغي إلى هدير الأمواج المتلاطمة, كأنَّ جماران زوبعة والأمواج تزغرد حولك أغاني الوفاء والبسالة.

انتابتني شعورٌ بانّ الغبطة والمعنوية بلغتا مبلغهما في هؤلاء الثوّار, وكنت أحدّق في عينيك فأراها تلوّح بالحنان, ورغم أنني لم ادرس كنت أقرأ السكنية في تجاعيد جبينك الوضّاء وكلما حدقت في وجهك يشع اسم علي بن أبي طالب (عليه السلام) في ذاكرتي.

في يوم ربيعي استرقت كلام أبي من حيث لا يشعر: (يا محمد! سنذهب غداً لزيارة الإمام الخميني في جماران) خففتُ إليه قائلاً: (وأنا آتٍ معكما) أجابني أبي: (أنت صغيرٌ يا بني وجماران مكتظة بالناس، فربما يجلب لك المتاعب) خفضت رأسي وذهبتُ إلى غرفة الاستقبال وقفتُ أمام صورتك لامحاً طلعتك المحفوفة بالحدب والشفقة.. سرعان ما قضى اليومان، وفي العصر الحزين سمعت صوت الباب فهرولتُ إليه, وعندما فتحت الباب قرأت تباشير السرور على وجه أخي. افتر ثغرة وقال لي: (رأيت الإمام.. لكن عليك أن تبقى في البيت فما برحت صغيراً..) ثم قهقه وغادرني مع عاصفة غضب أثارها في نفسي..

وعندما دجى الليل استلقيت على فراشي وصورك مصطفة في بابي. فلما ألقى الكرى رداءه على جفني رأيت نفسي في جماران وقد غصت بضباب ابيض فإذا بصوتٍ هادي يناديني: (اقترب)... أسرعت نحو المنصَّة باحثاً عنك غير أني فوجئتُ بضريحٍ مطعم بالفضة.. أعلقت كفيَّ بالضريح مجهشاً بالبكاء... وبعد آونةٍ، عندما هببت من النوم شعرتُ بارتياحٍ ساد روحي الجريحة...

وفي صبيحة اليوم الرابع من حزيران عام 1989م رأيت في المنام نفس المكان, لكن إعصاراً أحمر خلف الضباب الأبيض, فطفقت أمشي مشية الذاهل لا أعرف لي مذهبا.. وحبوت نحو الضريح ملتجئاً إليه لكن عندما مددت يدي إلى ثوبه انفرج عن الأرض انفراج الهمامة من القيد فتفاقم الإعصار مسدلاً الظلمة على الأرض.. وما أن وصل الأمر إلى هنا حتى أيقظني أخي باكياً.. (لقد رحل الإمام)...