لماذا يجب أن نقرأ الإمام الخميني؟

2007-08-23

العلامة السيد عبد الله الغريفي(حفظه الله)

في ذكرى رحيل الإمام الخميني (رضوان الله عليه) لابد لنا من وقفة نستلهم من خلالها شيئاً من عطاءات هذا الرجل العظيم، وما أحوج أمتنا في عصر التحدي الصعب أن تستحضر الرجال الذين صنعوا تاريخها ولا نشك أن الإمام الخميني له وجوده المبارك والكبير على هذه الأمة فيجب عليها أن تكون وفيةً لذكراه.

أتناول في هذا الحديث مجموعة عناوين: 

(1) لماذا يجب أن نقرأ الإمام الخميني؟

إننا في حاجة أن نقرأ الإمام الخميني (رضوان الله عليه) للأسباب التالية:

أولاً: لنتعرف على واحد من الرجال العظماء الذين صنعوا تاريخ هذه المرحلة، وأعادوا للإسلام حضوره السياسي بعد زمن طويل من الغياب والإنحسار.

ثانياً: ولنتعرف على واحد من الرجال العظماء الذين برهنوا على قدرة الإسلام في هذا العصر على استنهاض الشعوب المستضعفة في مواجهة قوى الاستكبار والظلم والاستبداد من أجل إقامة حكومة القرآن ودولة العدل.

ثالثاً: ولنتعرف على واحد من الرجال العظماء الذين علّموا هذه الأمة معنى الصمود والتحدي والجهاد والتضحية والعزة والكرامة.

رابعاً: ولنتعرف على واحد من الرجال العظماء الذين أعادوا للمسلمين في هذا الزمان أصالتهم الحضارية، وهويتهم الإيمانية في زحمة مشروعات الاستلاب والمصادرة والتغريب.

خامساً: ولنتعرف على واحد من الرجال العظماء الذين عرّفونا معنى الإنتماء إلى المبدأ والعقيدة ومعنى الدين والإسلام في وقت هيمن على واقعنا الفهم المدجّن لمعنى الإنتماء والدين والإسلام.

سادساً: ولنتعرف على واحد من الرجال العظماء الذين جسّدوا دور القيادة الربانية في أعلى درجات التجسيد ليعيدوا إلى ذاكرة الأجيال المعاصرة قيادة الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم.

سابعاً: ولنتعرف على واحد من الرجال العظماء الذين استطاعوا أن يزاوجوا بين الروحانية والفقه والسياسة في ظروف أنتجت كلّ التنافي والتنافر بين هذه المكوّنات.

ثامناً: ولنتعرف على واحد من الرجال العظماء الذين استطاعوا أن يعطوا المسلمين الأمل من جديد بعد أن ضاع هذا الأمل في زحمة الهزائم والفشل والنكسات.

هذه بعض الأسباب التي تفرض علينا أن نقرأ الإمام الخميني في شخصيته وفي حياته وفي مشروعه الكبير. 

(2) كيف يجب أن نقرأ الإمام الخميني (رضوان الله عليه)؟

في البداية أؤكد أن حديث مسجدنا يخاطب حضوراً عاماً لا يملك القدرة أن يمارس قراءة علمية متخصصة للإمام الخميني، فهذه القراءة المتخصصة لها مساحاتها الخاصة وليس محلها الخطب العامة بما تفرضه من لغة تناسبها ومضامين تطرحها، وزمانٍ محدود لا يمكن تجاوزه، إذاً فقراءتنا للإمام الخميني هنا هي ضمن هذه اللحظات والاعتبارات.

فكيف نقرأ الإمام الخميني؟

هناك نمطان لهذه القراءة:

النمط الأول: القراءة التجزيئية:

• أن نجزأ شخصية الإمام الخميني لنقرأ كلَّ جزء قراءة منفصلة عن الأجزاء الأخرى.

• أن نقرأ الإمام الخميني فقهياً فقط.

• أن نقرأه مفسراً فقط.

• أن نقرأه أصولياً فقط.

• أن نقرأه روحانياً عرفانياً أخلاقياً فقط.

• أن نقرأه فيلسوفاً فقط.

• أن نقرأه مفكراً فقط.

• أن نقرأه سياسياً فقط.

• أن نقرأه مرجعاً دينياً فقط.

 وهكذا تتجه القراءة إلى اختيار مفصل واحد من مفاصل شخصية الإمام الخميني، وتعالجه بعيداً عن بقية المفاصل.

النمط الثاني: القراءة الشمولية:

وهنا تمارس القراءة دوراً شاملاً في التعامل مع شخصية الإمام، ومن خلال هذا الشمول نقرأ الإمام الخميني فقيهاً ومفكراً وفيلسوفاً وعرفانياً وأخلاقياً وسياسياً ومرجعاً إلى آخر مكوّنات شخصيته.

فأي النمطين من القراءة نحتاج لكي نتعرف على الإمام الخميني (رضوان الله عليه)؟

لكلّ من النمطين خصائصه وأهميته، فنحن في حاجة لهما معاً، وغياب أحد هذين النمطين من القراءة، يشكل خللاً في فهم شخصية الإمام الخميني، فالقراءة التجزيئية لها أهميتها الكبيرة في إعطاء رؤية تفصيلية لكلِّ مفصل من مفاصل الشخصية، قد لا تتوفر عليه القراءة الشمولية.

  فحينما نقرأ الإمام الخميني فقهياً، فإنَّ هذه القراءة تضعنا أمام تصور كامل وواسع حول شخصية الإمام الفقهية في مكوّناتها وخصائصها وإبداعاتها، وفي أصالتها وتجديداتها.

وحينما نقرأ الإمام عرفانياً، روحانياً، أخلاقياً، نتمكن من التعرف التفصيلي على منهج الإمام في العرفان والسلوك والأخلاق.

وحينما نقرأ الإمام الخميني سياسياً، فإن هذه القراءة تنفتح بنا على مساحة كبيرة من الشأن السياسي في حياة الإمام الخميني، وتبقى القراءة التجزيئية غير قادرة أن تخلق تواصلاً بين مكوّنات الشخصية فهي تضع القارئ في مساحة واحدة من مساحات هذه الشخصية.

وأما القراءة الشمولية فضرورتها أنّها تمنحنا فهماً شمولياً يستوعب كل الأبعاد والمفاصل والمكوّنات، كما أنّ هذه القراءة الشمولية تكشف لنا طبيعة العلاقة بين المكوّنات:

العلاقة بين الخميني الفقيه والخميني الروحاني والخميني السياسي، وهكذا مع بقية المفاصل.

يتضح لنا أنّ القراءة التجزيئية توفر المادة الضرورية للقراءة الشمولية، كما أن هذه القراءة الشمولية تواصل بين وحدات القراءة التجزيئية، فكلا القراءتين حاجة وضرورة. 

(3) الإمام الخميني ومشروع النهوض الإسلامي:

وهنا نؤكّد على مجموعة نقاط:

النقطة الأولى: إنّ المشروع النهضوي عند الإمام الخميني يرتكز على ثلاثة أسس عامة:

الأساس الأول: المبدأ الصالح «وهو الإسلام».

الأساس الثاني: القيادة الصالحة «وتتمثل في المرجعية الدينية المؤهلة».

الأساس الثالث: الأمة الصالحة «وهي الأمة المرتبطة بالمبدأ الصالح والقيادة الصالحة».

هذه هي الأسس العامة لمشروع النهوض في هذا العصر، ولا شك أنّ هذه الأسس في حاجة إلى صوغ عملي يعطيها القدرة على إنتاج مكوّنات النهوض في حركة الواقع.

في الساحة المعاصرة تتحرك إشكالية تتهم الخطاب الديني في هذا العصر بأنه لا يطرح مشروعاً للنهوض بواقع الأمة في مواجهة المشروعات الأخرى، وربّما تجاوزت الإشكالية عند البعض من العلمانيين واللادينيين لتتهم الإسلام نفسه بأنه لا يملك مشروعاً نهضوياً صالحاً لهذا العصر، لا أريد أن أدخل في جدل ونقد لهذه المقولات القاصرة في فهم الإسلام أو العامدة إلى الإساءة والتشويه، إن مشروع النهوض الإسلامي الذي أنطلق به الإمام الخميني في هذا العصر، واستطاع من خلاله أن يؤسس لدولة تعتمد الإسلام، لأكبر برهان على زيف تلك المقولات، صحيح أن التجربة واجهتها الكثير من التعقيدات والصعوبات، والاشكالات، وهذا أمر طبيعي جداً لتجربة فريدة تحركت في وسط حصارات خانقة فرضتها قوى الاستكبار العالمي وعلى رأسها أمريكا، وفي وسط ألغام من الدسائس والفتن والمؤامرات التي نفذت بأيدي المنافقين والحاقدين والموتورين، إضافة إلى حرب مدمرة لم تترك للتجربة أن تلتقط أنفاسها هذا أولاً.

وثانياً: إن مشروعاً تغييرياً على هذا المستوى يهدف إلى إعادة بناء الواقع السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والتربوي والإعلامي وفق منظور جديد تماماً يتنافى مع المنظور الذي هيمن طيلة هذا التاريخ الطويل وأنتج واقعاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وتربوياً وإعلامياً محكوماً لأفكار وقوانين وقيم مستوردة من ثقافات أخرى.

وثالثاً: إن التصفيات والإغتيالات المتلاحقة التي طالت الكوادر الكبيرة والمؤهلة من قبل أعداء الثورة الإسلامية، خلقت فراغاً كان له أثره على مسار التجربة وإنطلاقاتها العملية.

ورابعاً: أن الكثير ممن تسلّموا مسؤوليات التجربة في العديد من مواقعها ومؤسساتها ربّما لم يرتقوا إلى مستوى أهداف الثورة إن لم يكن البعض غير مؤمن بتلك الأهداف مما خلق إرباكاً في حركة المشروع.

وخامساً: ورغم كل ذلك فإن ما أنتجه مشروع النهوض الذي قاده الإمام الخميني من خلال الثورة وإقامة الدولة قد حقق إنجازات كبيرة جداً، إلاّ أن الإعلام المضاد للثورة الإسلامية حاول أن يستنفر كل وسائله وأدواته من أجل تشويه الثورة، والإساءة إلى سمعتها، وتضخيم الأخطاء، والتعتيم على المنجزات والتشويش على كلّ المعطيات.

وسادساً: لو سلّمنا-جدلاً - أن التجربة الإسلامية في إيران قد فشلت-حسب ما يزعم أعداؤها- فلماذا لا يكون المسؤول عن فشلها العوامل الموضوعية المضادة للتجربة في الداخل والخارج وليس لأن التجربة الإسلامية فاشلة، ولو سلّمنا أن تجربة هنا أو تجربة هناك قد فشلت فهل هذا يعني فشل الإسلام نفسه كما تدّعي الكتابات المعادية؟

النقطة الثانية: مكوّنات المشروع النهضوي عند الإمام الخميني (رضوان الله عليه) لا نهدف من خلال هذه النقطة دراسة المكوّنات، فهذا لا يتسع له مقام الحديث هنا، وإنما نهدف إلى وضع خطوط عامة لهذا المشروع النهضوي عند الإمام الخميني وهذه الخطوط أو المكوّنات هي:

(1) المكوّن العقيدي: المكوّن العقيدي هو الأساس الأول لمشروع النهوض الإسلامي عند الإمام الخميني، وهذا الأساس هو الذي يعطي للمشروع هويته الإيمانية ويمايزه عن أيّ مشروع آخر.

وقد حذّر الإمام الخميني في خطاباته وكلماته وكتاباته المسلمين من الانقياد للمشروعات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تتنافى مع مكوّناتنا العقيدية، والتي تكرّس رؤى ومفاهيم تصطدم مع رؤانا ومفاهيمنا الإيمانية.

وطالب الإمام الخميني الحوزات والعلماء والمفكرين والمثقفين وجماهير الأمة بالتصدي لكلّ المشروعات المناهضة والمعادية للإسلام، وعدم الإنخداع بالعناوين الكبيرة التي تحملها هذه المشروعات، ويروّج لها في الصحافة ووسائل الإعلام من أجل الهيمنة على عقول أجيالنا وشبابنا وأبناء أمتــّنا.

(2) المكوّن الفكري والثقافي: وقد أكد مشروع النهوض عند الإمام الخميني على (المضمون الفكري، الثقافي) المستنبط من المصادر الإسلامية الأصيلة، كما حذر (رضوان الله عليه) من اختراقات الثقافة الوافدة التي تشكل تناقضاً مع مكوّناتنا الثقافية الأصيلة.

(3) المكون الفقهي: الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع في مشروع النهوض الإسلامي عند الإمام الخميني، فالأحكام والقوانين التي تتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية مرفوضة تماماً في هذا المشروع ولا فرق في ذلك بين أحكام وقوانين تنظم شؤون الفرد أو تنظم شؤون الأسرة أو تنظم الشؤون الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو أي شأن آخر.

(4) المكوّن الروحي والأخلاقي: الصبغة الروحية والأخلاقية مكوّن أساس في المشروع النهضوي الإسلامي عند الإمام الخميني (رضوان الله عليه)، وقد أكدّ على ذلك كثيراً في خطاباته وكتاباته وكلماته.

فلا قيمة- عند الإمام الخميني - لأيّ حركة ثقافية لا تحمل مضموناً روحياً أخلاقياً.

ولا قيمة لأيّ حركة اجتماعية لا تحمل مضموناً روحياً أخلاقياً.

ولا قيمة لأيّ حركة اقتصادية لا تحمل مضموناً روحياً أخلاقياً.

ولا قيمة لأي حركة سياسية لا تحمل مضموناً روحياً أخلاقياً.

ولا قيمة لأي حركة تربوية، إعلامية، فنية، سياحية لا تحمل مضموناً روحياً أخلاقياً.

وحينما أكدّت خطابات الإمام الخميني على المضمون الروحي الأخلاقي، فقد برهن سلوك الإمام عن أروع نموذج للإنسان الروحاني الأخلاقي في هذا العصر، إن الذين يطالبون بنهوض ثقافي أو اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي أو تربوي أو إعلامي مفصولاً عن المضمون الروحي والأخلاقي يقودون أمتنا وشعوبنا وواقعنا إلى منزلقاتٍ خطيرة ومدمّرة.

(5) المكّون الاجتماعي: وهنا نلتقي في مشروع النهوض عند الإمام الخميني بمجموعة مفردات هامة يحاول المشروع أن يصوغها وفق المضمون الإسلامي:

القيم الاجتماعية، الأعراف الاجتماعية، العلاقات الاجتماعية.

 المؤسسات الاجتماعية، قضايا الشباب، قضايا الأسرة، وقضايا أخرى هامة.

 

ونقف قليلاً مع قضايا المرأة:

كان للمرأة حضور واضح في مشروع الإمام الخميني النهضوي، ولذلك كان لها حضورها الواضح في ثورة الإمام الخميني، وكان لها حضورها الواضح في دولة الإمام الخميني.

لقد شاركت المرأة الإيرانية في الثورة، وأعطت دمها في طريق الشهادة، وقدّمت أبناءها قرابين على مذبح الثورة.

سمعنا الكثير الكثير عن نساء مجاهدات جسّدن أروع أمثلة الصمود والتحدي والعطاء والتضحية من أجل أن تنتصر ثورة الإسلام في إيران.

قالت إحداهن وهي تقف أمام جسد ابنها الشهيد تؤبّنه: «والله أن أرى ولدي هذا ملفوفاً بكفن الشهادة أحب إليّ من أن أراه لابساً ثوب العرس والزفاف»، إنها امرأة بكل مشاعرها وعواطفها وأحاسيسها تقف هذا الموقف الصلب، فكم من الرجال يملكون صمود وصلابة هذه المرأة المؤمنة الصابرة؟

وقالت امرأة أخرى: «لقد أعطيت ثلاثة من أولادي شهداء من أجل أن تنتصر الثورة المباركة، وبقي لي ولدان أتمنى أن أقدمهما على طريق الشهادة من أجل حماية الثورة وحماية خط الإمام الخميني».

أي نموذج من النساء هؤلاء اللواتي تتصاغر أمام هممهن وصمودهن همم الرجال الكبار وصمودهم.

هكذا استطاع الإمام الخميني أن يصوغ المرأة في خط الثورة والشهادة، وفي خط العمل والبناء، فأصبحت المرأة تمارس دوراً فاعلاً في كلّ المواقع الثقافية والاجتماعية والسياسية متحصنة بدينها وقيمها وأخلاقها وبكل أصالتها الإيمانية.

وهنا نقول أن مشروعات النهوض بواقع المرأة والتي بدأت تتحرك بقوة في مجتمعاتنا، إذا لم تنطلق من مكوّناتنا الإيمانية والروحية والثقافية فهي مشروعات لن تقود المرأة إلاّ إلى مزيد من الضياع والتأزم والخسران.

(6) المكوّن السياسي: يشكل المفصل السياسي المفصل الأبرز في مشروع الإمام الخميني النهضوي، وقد حاول الإمام الخميني أن يؤصل لنهجه السياسي من التأكيد على:

1- مسؤولية علماء الدين في التصدي للشأن السياسي، وقد أعتبر الترويج لمقولة فصل الدين عن السياسة، وابتعاد علماء الدين عن التدخل في السياسة من صنع المستعمرين وألاعيبهم. 

جاء في بعض خطابات الإمام الخميني:

«إنّ ما تتناقله بعض الألسن من ضرورة فصل الدين عن السياسة، وأن علماء الإسلام لا ينبغي أن يتدخلوا في الشؤون السياسية والاجتماعية هو من صنع المستعمرين وألاعيبهم، فلا يتفوه بذلك إلاّ من لا دين له، أفكانت السياسة منفصلة عن الدين أبان عصر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، أفكان البعض آنذاك عالماً دينياً والآخر سياسياً؟

إنما روّج المستعمرون وجلاوزتهم المتخاذلون ذلك الكلام لينأوا بالدين بعيداً عن معترك الحياة وممارسة دوره في الأمور الدنيوية وتنظيم شؤون المجتمعات الإسلامية، وليبعدوا علماء الإسلام عن الأمة في نهضتها وسعيها لتحقيق حرياتها وكسب استقلالها، وفي هذه الحالة سيمهد السبيل أمامهم للتسلط علينا ونهب ثرواتنا».

2- التأسيس للحكومة الإسلامية واعتماد مبدأ ولاية الفقيه: وللفقهاء في تحديد دائرة ولاية الفقيه.

عدة إتجاهات:

الإتجاه الأول: يضيق دائرة الولاية ويحدّدها ضمن:

القضاء، رعاية شؤون القاصرين، إدارة شؤون الأوقاف العامة، الأمور الحسبية.

الإتجاه الثاني:

يعطي للفقهاء بالإضافة إلى المهام السابقة صلاحية إقامة الحدود الشرعية في عصر الغيبة الكبرى كالقصاص وقطع يد السارق ورجم الزاني أو جلده ...إلخ.

الإتجاه الثالث:

يوسع دائرة ولاية الفقيه، فيعطي للفقهاء الولاية الشرعية العامة في شؤون المسلمين السياسية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية والحربية والتنظيمية والحياتية بشكل عام.

وقد تبنى هذا الاتجاه الأخير الإمام الخميني والشهيد السيد محمد باقر الصدر وفقهاء آخرون.

والولاية المطلقة للفقيه لا تعني الاستبداد والتسلط والهيمنة الخاضعة لمزاجية الفقيه، وإنما هي ولاية محكومة لمجموعة ضوابط ومعايير متى فقدت أو فقد بعضها سقطت الولاية، ومن أهم الضوابط والمعايير:

• التزام الفقيه بالقانون الإسلامي.

• الحفاظ على المصلحة الإسلامية.

• الحفاظ على مصلحة المسلمين.

3- المرجعية: الفقه، الثورة، الدولة.

إنطلق الإمام الخميني بالمرجعية الدينية في مسارات ثلاثة: أ-الفقه، ب- الثورة، ج-الدولة.

وهكذا أعطى للمرجعية الدينية حضورها الحقيقي في كلّ الواقع الروحي والفقهي والثقافي والاجتماعي والسياسي.

4- الاهتمام بقضايا المسلمين الكبرى وعلى رأس هذه القضايا قضية فلسطين، فقد أعطاها الإمام الخميني اهتماماً متميزاً، ودعا إلى يوم القدس العالمي (آخر جمعة من شهر رمضان)، جاء في خطاب للإمام الخميني: «إنني أعتبر يوم القدس يوم الإسلام، ويوم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ويوم تعبئة الطاقات ليخرج المسلمين من العزلة المفروضة عليهم، ويقفوا بوجه الأجانب بكلّ قوة ومقدرة»، أراد الإمام الخميني أن يعطي للقضية الفلسطينية «عقائديتها»، لأن انهزامات وانتكاسات أكثر من نصف قرن مرت بأمتنا في صراعها مع العدو الصهيوني كان بسبب غياب «العقائدية الإيمانية».

ومن المفارقات أن يكون اليهودي الغاصب لأرضنا يقاتل وهو يحمل شعار «العقائدية التلموذية» الزائفة، وبعض مثقفي هذه الأمة المتغربين يتهم الفكر الديني القرآني بأنه سبب إنهزاماتنا ونكساتنا.

الإمام الخميني أراد أن يواجه هذا النمط من المثقفين المزيفين الذين هم مصدر بلاءات هذه الأمة ومصدر أزماتها وضياعها.

5-ويشكل خطاب الوحدة عند الإمام الخميني أحد مكوّنات المشروع النهضوي: وقد تجسد هذا الخطاب في الدعوة إلى «أسبوع الوحدة» وكان لهذه الدعوة الربانية المباركة دورها الكبير في مواجهة كلّ مشروعات التفتيت والتفريق التي تحركها القوى المناهضة لهذه الأمة ووحدتها.  

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.