مقاربة مفتاحية لموضوع الوحدة في نهضة الإمام

2008-06-05

نعيش هذه الايام في اجواؤ الذكرى التاسعة عشر لرحيل الامام الخميني (قدس سره) مفجر الثورة الاسلامية ومؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية في ايران وهي الذكرى التي في العادة تستعاد فيها المسيرة الثورية للامام الراحل، ويلقى فيها الكثير من الضوء على مشروعه الاحيائي والاستنهاضي وعلى خصائص مدرسته الفقهية، ولان الذكرى تستدعي الكثير من التأمل والتفكر في تناسب مع تعدد ابعاد شخصية الامام وتنوع مراحل نضاله وجهاده فان التعاطي المنهجي في تناسب مع تعدد ابعاد شخصية الامام وتنوع مراحل نضاله وجهاده فان التعاطي المنهجي الذي يفرضه هذا الحيز من الكتابة يلزم منه التركيز على بعد من ابعاد هذه النهضة التي اسس لها الامام الراحل (قدس سره) وقادها باقتدار منقطع النظير. وهو البعد الذي يجب ان ينتقى على قاعدة محوريته في حركة مشروع الثورة وعلى اعتبار ما يمثله من استحقاق جوهري في ساحتنا الاسلامية الراهنة.

ومن هذا المنطلق وفي تقيد بهذه المحددات سنركز على موضوع الوحدة في مشروع الثورة ولعل ما يدفع الى هذا الانتقاء فضلا على ما ذكر هو ما تعيشه الامة من امتحان عسير على صعيد وحدتها بفعل المخطط الامريكي وملحقاته التكفيرية والسياسية في المنطقة، الامتحان الذي بدت خطورته في سياق التطورات الاخيرة التي عاشها لبنان حيث عاينا كيف سعت قوى اقليمية معروفة الى تحويل صراع سياسي حول الشراكة وحق المعارضة في القرار السياسي الوطني الى صراع مذهبي، واذا كان المخطط قد اجهض فان ظلاله لازالت شاخصة ومخلفاته تحتاج الى معالجات سريعة.

ان موضوع الوحدة في علاقته بالثورة اعمق بكثير مما يعتقده البعض واذا سلمنا ان بعض المقاربات المنهجية لفكرة الوحدة وموقعها في المشروع الكفري للسيد الامام (قدس سره) او على صعيد الحركة السياسية للثورة هي مقاربات صائبة توقد الى نتائج مهمة لا اقلها اثبات اصالة فكرة الوحدة في المشروع الاسلامي الثوري الذي اسس له الامام الراحل، الا انها مع ذلك تظل قاصرة لجهة انتمائها لجنس تلك الرؤى والمقاربات التي تتمثل حركة الثورة بما هي نهضة شيعية بالاساس وهو التوصيف الذي يفتقر الى العمق والدقة.

فالثورة الاسلامية لم تكن تحويرا جذريا في الخارطة الجيوسياسية للمنطقة والعالم فحسب ولا كانت انقلابا في موازين القوى لصالح حركة المستضعفين فقط بل كانت الثورة فوق ذلك تحويرا وتجاوزا لمعطيات دينية وتاريخية نشأت وترسخت وفق ثنائية سنة /شيعة منذ ان انقسم المسلمون في تجربتهم السياسية والتاريخية الى سنة وشيعة، نعم لا احد يستطيع ان يناقش في كون الخلفية العقائدية والعمق الايديولوجي للثورة يقع ضمن مدرسة اهل اليبت عليهم السلام الا انها مع ذلك تجاوزت وخرجت عن حد الاطر المذهبية الضيقة والتقليدية واتخذت من الوحدة الاسلامية هوية لها ومن هذا المنطلق فتحت على ضرورة دينية (فوق مذهبية) بامتياز لامست افق الانسانية الرازحة تحت خط الحرمان والاستضعاف.

لقد قدمت الثورة صورة ناصعة عن الاسلام المحمدي الاصيل، اسلام العزة والكرامة، الاسلام المحرر لارادة الشعوب في مقابل الاسلام الامريكي كما كان يسميه الامام الخميني (قدس سره) واعادت صياغة خارطة التموضعات واعطتها هوية جديدة فاضحى الصراع صراع المستضعفين في وجه المستكبرين.

ان الامام لم يشب قط مشروعه التحرري باية نزعة مذهبية ضيقة ودفعا لكل التباس فالحديث هنا عن النزعة الضيقة لا عن اصل الانتماء والانتساب، فهو يقول في وصيته السياسية الالهية.. نفخر ان مذهبنا جعفري وان فقهنا - وهو البحر اللامتناهي- واحد من آثاره (ع) نحن فخورون بجميع الائمة المعصومين (عليهم صلوات الله) ملتزمون بالسير على نهجهم، هو لم ينظر الى نهضته وانجازه الثوري على انه انتصار لجرح الذاكرة الشيعية على قرون من الالم والمظلومية بل كانت حركته مشروعا تحرريا ذا ابعاد انسانية سعت لان تبني نمطها السياسي والاجتماعي على اسس من الدين الحنيف كما تبلورت العناصر الجوهرية لذلك النمط في كتاب الحكومة الاسلامية وليقدمه كنموذج للبشرية وكتجربة في الخلاص من الاستبداد والاستلحاق بالدوائر الاستكبارية كانت الثورة ولازالت نقيضا للهيمنة والاستبداد وتطعلت في نهجها وفي شعاراتها الانسانية المعذبة وانفتحت بصدق على عالم المستضعفين في كل ارجاء المعمورة من منظور اسلامي وتحرري ووضعت كل امكانياتها في دعم واسناد كل حركات التحرر في العالم وفي مقدمتهاحركة التحرر الوطني الفلسطيني.

ان الارتكاس على افق الثورة العظيم وتشوش هويتها في بعض مظاهر الوعي السائد او المزايدة بها على اعتبار انها منجز تاريخي ومكسب استراتيجي للشيعة والتشيع وان كان في ذلك بعض الحقيقة هو في الواقع تبخيس لعظمتها وتقزيم لابعادها الانسانية، وتعد على جوهرها وحقيقتها وسقوط في عدم الفهم لخط ونهج قائدها وفيلسوفها ولعل ذلك مدعاة لاعادة قراءة واقعة الثورة قراءة جديدة ودافعا للارتقاء الى الافق الفكري للسيد الامام (قدس سره) والتكفر في شخصيته الاستثنائية فليس من المعقول في شيء ان تجمع شعوب العالم على اختلاف مذاهبها واعراقها وثقافاتها على حب الامام الراحل وتكن له كل ذلك الاحترام والتقدير فيما هي تتمثله زعميا شيعيا وقائدا لطائفة دينية!

لقد احب الناس الامام لانهم وجدوا فيه قائدا ثوريا ومفكرا رائدا ومعلما انسانيا فوق الطائفة والمذهب حتى وهو ينطلق من مدرسة ونهج آبائه واجداده عليهم السلام ولم يتفاعل الاحرار والثوار من قلب امريكا اللاتينية الى شمال افريقيا مع الثورة الا لكونها ثورة انسانية تحررية.

ان استحضار ذكرى الامام الخميني (قدس سره) هو استحضار للقيم الاسلامية الكبرى هو استحضار لخط الثورة ومبادئها الثابتة والراسخة انه استحضار لهوية الثورة الاسلامية في بعديها الانساني والتحرري والابية على كل تنميط مذهبي.

ان تخليد ذكرى الامام الراحل لا يدرك مداه الا بالانحياز لنمط المرجعية الرشيدة الشاهدة على عصرها كما مثلها الامام الخميني (قدس سره) انه تجديد العهد بالقيم والاهداف الكبرى التي من اجلها عاش الامام وجاهد حتى انتقل الى جوار ربه راضيا مرضيا.