في الذكرى 19 لرحيل الإمام: دور المشروع النهضوي للإمام في اطلاق الطاقات الإيرانية
2008-06-05 في الذكرى التاسعة عشرة لرحيل مؤسس الجمهورية الاسلامية في ايران، آية الله العظمى الامام السيد روح الله الموسوي الخميني «رض»، تبرز الحاجة الى القاء بعض الضوء على سيرة هذا القائد الاسلامي العظيم والبصمات التي تركها على ايران وجعل دورها اليوم دورا رياديا باعتراف الاعداء قبل الأصدقاء. ولا شك بان المكاسب الكثيرة والمتنوعة التي حققتها طهران على المستويين الداخلي والخارجي، مدينة لتعليمات الامام الراحل التي اكدت على وجوب ان تكون البلاد بعيدة عن اية تأثيرات او املاءات استكبارية، الامر الذي حقق لايران قفزات جبارة سياسيا وعلميا، جعلت القوى الاستكبارية تصاب بالصدمة والدهشة في آن معا علما منها بان الوصول الى مدارج العلم النووي والفضائي - على سبيل المثال لا الحصر- يستدعي امتلاك طاقات هائلة لدى اي شعب. وبالفعل فقد نجح الامام «ره» نجاحا باهرا عندما حفز القدرات الكامنة للايرانيين وجعلهم ينطلقون بانجازات خلاقة وضعت البلاد في مصاف الدول المتقدمة اضافة الى انها عبأت الشعوب العربية والاسلامية باتجاه مواكبة العصر والدخول لاعبا اساسيا في المعادلات الدولية الراهنة. وبهذه المناسبة فان تعاظم مكانة الجمهورية الاسلامية الايرانية على المسرح العالمي يدعو الى معرفة الدور الخميني في تفجير الطاقات الجماهيرية التي تكللت بدخول ايران الى النادي النووي العالمي وايضا الى عالم الفضاء. لم يكن الإمام الخميني، قائد أعظم ثورة إيمانية وإنسانية في عصرنا الراهن فحسب، بل لقد كان عالماً ربانياً مجاهداً اختزل في شخصه الكريم الأهداف العظمى والسامية للأنبياء والأوصياء «عليهم السلام» ولهذا فإنه نذر عمره الشريف في هذا الاتجاه، ولم يدخر وسعاً أو جهداً أو فكراً للاضطلاع بالدور المصيري الذي تحمله عن يقين وجدارة لإعلاء كلمة التوحيد وسيادة حكم الله في الأرض ونصرة المستضعفين ومقارعة الاستكبار بشتى أشكاله والتأكيد على مواصلة هذا النهج من قبل الأجيال مهما طال الزمان وعظمت التضحيات. وليس من الغرابة بمكان أن تستولي هذه الثورة على اهتمام كبار المفكرين والفلاسفة والسياسيين الذين انبروا لعرض حقائق التاريخ الإنساني بعيداً عن كل تزييف، وتقديمه على طبق من الإخلاص للبشرية جمعاء، معززاً بالصدق والإنصاف والشفافية، ولم يتردد أحدهم في الصدع بالحق عند وصفه النهضة الخمينية بالقول: إن الثورة الإسلامية التي قادها الإمام الخميني، لا تشبه أي ثورة قامت من قبل، فعبر التاريخ كانت الثورات تهدف إلى تغيير نظام سياسي ما، والثورات الاجتماعية تثير البؤساء ضد الأثرياء والثورات الوطنية تهب ضد مستعمر غاصب، أما الثورة الإسلامية فقد احتوت على كل تلك الدوافع بالإضافة إلى أنها كانت تحمل معاني جديدة انطلاقاً من أنها لم تسقط حكومة سياسية أو اجتماعية أو استعمارية فحسب، بل أكثر من ذلك أسقطت حضارة ونظرة معينة للحياة والعالم وقامت ضد ديانة لا تبوح باسمها، لكنها ترمي إلى التحكم بعلاقات المجتمع والبشرية تحت نظارة الولايات المتحدة الأميركية، إنها ديانة السوق التوحيدية، أي عبادة المال وتقديسه، ولهذا فقد أثارت هذه الثورة حقد كل من يجرد حياتنا من معناها ولا يُبقي لها سوى هدف واحد، باسم النمو والتطور وليس بمعنى نمو الإنسان وروحانيته بل نمو ثروة المنعمين وزيادة بؤس الأكثرية ولا يسمح لهؤلاء «الأكثرية» والآخرين إلا بسعادة واحدة هي سعادة الاستهلاك، ومنذ ذلك الحين أصبحت إيران هدفاً باعتبارها مسؤولة عن جميع أشكال المقاومة ضد الهيمنة الأميركية في العالم، وانطلاقاً من هذا التوجه تقوم الولايات المتحدة وتحت مسميات الأمن القومي الأميركي، بتبرير اعتداءاتها في كل أصقاع الأرض، وخولت إسرائيل موقعاً استراتيجياً مزاحماً لتنفيذ المآرب الأميركية لفرض العولمة أي بمعنى هيمنة ديانة السوق الأميركية التوحيدية من أجل سحق ثقافة الشعوب كلها وسحق معنى حياتهم كذلك. التأكيد على الإسلام المحمدي الأصيل إن الإمام الخميني «طاب ثراه» عندما كان يؤكد وجوب التمسك بالإسلام المحمدي الأصيل، فإنه لم يأت ببدع في الدين، وإنما أراد من أبناء الأمة التزام الوعي واليقظة، في التعامل مع الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقاً بعيداً عن أي حالة من حالات الإفراط والتفريط، التي باتت تلقي بظلالها على أوضاعنا في العصر الحاضر، يقول سماحته: إن ارتكاب ما يخالف الأخلاق والتحضر- حتى إذا كان من أجل تحقيق هدف إسلامي- هو أمر مرفوض وليس من الأساليب الإسلامية، وهو بهذا يقف على النقيض من البراجماتية في السياسة مقتدياً بذلك نهج جده الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام». ويوصي الراحل العظيم أبناءه الثوريين بالقول: إن التطرف عاقبته غير محمودة، كما أن سماحته لم يتردد لحظة في توجيه النصح أيضاً لحملة راية الإسلام من علماء الدين الأفاضل مؤكداً عليهم «الاضطلاع بمسؤولية تنبيه المسلمين كلما أحسوا بالخطر يهدد الإسلام والقرآن، لكي لا يكونوا مسؤولين أمام الله». مما مضى يتبين لنا مدى معرفة الإمام «قدس سره» بالسلبيات المتوقعة، من اتباع التهور أو اللامبالاة في التعاطي مع القضايا المصيرية للإسلام محذراً في الوقت نفسه من الانقياد وراء إسلام يصوغه البيت الأبيض سماه «الإسلام الأميركي» الذي يرمي إلى تشويه صورة الإسلام الناصعة من جهة وتفريغه من مرتكزاته من جهة أخرى، كما حصل في تقديم «جماعة طالبان» نموذجاً للحكم الإسلامي في أفغانستان وتأمين الفرص للمجموعات التكفيرية المتطرفة التي أسدت أكبر خدمة إلى الاستكبار العالمي بزعامة واشنطن في مضمار الإساءة إلى الإسلام والمشروع الإسلامي المعاصر. فها هو الخميني الواعي يستنهض الأمة لتمييز العقيدة الصحيحة من خلال «السعي لتحطيم أسوار الجهل والخرافات لبلوغ المعين الرقراق للإسلام المحمدي الأصيل». ولا شك أن أمتنا، ما كانت لتقع ضحية ما يحدث الآن هنا وهناك باسم الدين والدين منه براء، ما جرّ وبالاً على المسلمين وغيرهم، لو أن علماءها ومفكريها وساستها والملتزمين والرساليين من أبنائها تكاملوا مع بعضهم بعضاً في ممارسة أدوارهم ومسؤولياتهم الشرعية. مواجهة المشروع الاستكباري الأميركي- الصهيوني لقد كان من ثوابت الإمام التي لم تتزعزع طوال مراحل نضاله، ربط مشروعه النضالي الثوري لزحزحة نظام الشاه بهدف رئيسي وهو تحرير القدس من قبضة الحركة الصهيونية حتى إلى ما قبل سقوط ما تبقى من فلسطين في يدها عام 1967م وتوالت اتهاماته للشاه بالرضوخ للهيمنة والنفوذ الصهيوني وجعل إيران ساحة مصالحهم المتساوقة مع المصالح الأميركية، لقد كان ببصيرته النافذة يعلم أن العدو الأول هو أميركا، وأن القضاء على نفوذها في المنطقة يمر عبر تحطيم وإزاحة عملائها وتحرير ثروات المنطقة لأهلها، وفي هذا السياق جاءت وصيته التي أذيعت بعيد رحيله عن هذا العالم إلى رحاب الله الفسيحة لتكريس هذا العنوان الأبرز: «استمرارية الحرب ضد الولايات المتحدة الأميركية رأس الشر في هذا العالم»، حيث يقول في وصيته: «نفخر بعدائنا لأميركا الإرهابية ذاتاً، وشعبنا بل الشعوب الإسلامية ومستضعفو العالم فخورون بأن أعداءهم الذين هم أعداء الله العظيم والقرآن الكريم والإسلام العزيز، هم حيوانات مفترسة لا يتورعون عن ارتكاب أي جناية وخيانة لتحقيق أهدافهم المشؤومة والإجرامية، ولا يميزون- في طريق الوصول إلى الرئاسة ومطامعهم الدنيئة- بين العدو والصديق وعلى رأسهم أميركا هذه الإرهابية ذاتاً، هذه الدولة التي أضرمت النار في جميع أرجاء العالم، وحليفتها الصهيونية العالمية التي ترتكب لتحقيق مطامعها جنايات تخجل الأقلام والألسنة عن كتابتها وذكرها.. ويحملهم الخيال الأبله بإسرائيل الكبرى على ارتكاب أي جناية»، لقد وضع ذلك القائد الهمام شعب إيران المسلم في خندق المواجهة، وترك له كلماته في الوصية وهو يعلم مدى احترام وتكريم هذا الشعب له، لكي يواصل السير على منهجه، رغم صعوبة خوض معركة كهذه، وكلفتها الكبيرة لأنه كان يدرك أن لا مفر من خوض تلك المعركة مع أميركا، لأنها معركة الصمود في وجه الإلغاء والاستئصال الذي تسعى إليه تلك الدولة الاستكبارية الظالمة ضد الشعوب المستضعفة. لقد كان من البديهي أن يقف الإمام الخميني بالمرصاد- منذ البداية- للمشروع الاستكباري الأميركي، الذي بدأت معالمه تتضح في وقتنا الحاضر من خلال الممارسات الشائنة التي ترتكبها قوات الاحتلال الأميركية في العراق وأفغانستان وغيرهما من بلدان المنطقة والعالم باسم الديمقراطية وحرية الإنسان وممارساتها العسكرية البربرية في بلاد وادي الرافدين التي لا تضاهيها في القسوة إلا الممارسات الإرهابية للعدو الصهيوني الغاصب ضد أهلنا في فلسطين السليبة. وكما حذر الإمام الراحل من مغبة التطاول على الحرمات والمقدسات حينما صرخ قائلاً: «إذا أراد المستكبرون الوقوف بوجه ديننا فإننا سوف نقف بوجه دنياهم كلها»، فإنه طمأن العالم أيضاً بحتمية انتصار إرادة الجماهير على الهيمنة والغطرسة والاستخفاف عندما قال: «لتعلم القوى الكبرى، أن اليوم، هو ليس كالأمس، حيث كانت فيه الشعوب- كالحكومات- تنسحب من المواجهة جراء كلمة زجر بسيطة». بيد أن سماحته ربط الأمور بمجرياتها وأدواتها موضحاً أننا «إذا التزمنا بتكاليفنا في الاستمرار في مواجهة أميركا، فنحن على يقين من أن أبناءنا سوف يذوقون حلاوة الانتصار». لقد قال الإمام حقاً وصدقاً وهذه البشرى كان قد زفها فيما مضى لأبناء المقاومة الإسلامية في لبنان، فكان أن تحقق على أيديهم أعظم انتصارين على جيش العدو الصهيوني المتعجرف في 25 أيار 2000م وفي 13 آب 2006م وما كان ذلك ليتحقق لولا تمسك أبطال حزب الله بالنهج الذي رسمه لهم مفجر الثورة الإسلامية العظيم «طاب ثراه» ودعم القوى العربية الخيرة بزعامة سورية الشقيقة. ان شعوب العالم عرفت حقيقة ما نفذ تحت عنوان «الشرق الأوسط الكبير» وهو مشروع كان ينطوي على الكثير من الخبث والتزييف والضحك على الذقون لتمرير مؤامرة التمدد السرطاني الصهيوني المحمي بالغطاء الأميركي الجائر في المنطقة. يقول الإمام: لقد أشرت مراراً إلى المطامع الإسرائيلية، وذكرت بأن من غير المتوقع أن تكتفي إسرائيل بالأراضي التي اغتصبتها، وها هي الآن تجعل من القدس عاصمة لها، كما ترون، وكل ما تدعيه أميركا ومن يسمون أنفسهم منظمات حقوق الإنسان وسائر المحافل والمجالس الدولية لا يعدو كونه شعراً غير موزون فأنتم ترون أنهم يستنكرون ويشجبون، وإسرائيل لا تأبه بذلك أبداً، وتراهم يعترضون، وإسرائيل تدينهم، ليس ذلك إلا لأنهم غير جادين، فمن غير الممكن أن تعارض أميركا- وبصورة جدية- اتخاذ إسرائيل للقدس عاصمة لها ثم تقدم إسرائيل على مثل هذا العمل، إن كل ما يدعونه ليس سوى مناورات، بما في ذلك ما تدعيه منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية الأخرى، فهم جميعاً متواطئون على غزو المسلمين الآسيويين والأفارقة، غير أن المسلمين غافلون وللأسف. استمرارية النهج الريادي إننا لا نزال نذكر عبارة الإمام الخامنئي «دام ظله الوارف» التي قال فيها: إن ثورتنا الإسلامية لا تعرف في أي مكان من العالم إلا باسم الامام الخميني، وقد أكد سماحته التزامه النهج الخميني طوال فترة قيادته سفينة الثورة والدولة في إيران بعد رحيل مؤسس الجمهورية الإسلامية «طاب ثراه» وها هو يؤكد في كلمة ألقاها حول الثورة الإسلامية بتاريخ 6 رجب 1423هـ «أن الإسلام رفض الهيمنة على ثروات الشعوب تحت لافتة العناوين البراقة، أي إن هذه المفاهيم- يقصد مناهضة الاستبداد- قد انبثقت من صميم الإسلام وعرضت أمام العالم كمنهج سياسي للنظام الإسلامي والجمهورية الإسلامية، فانحنى الجميع أمامها تعظيماً وهي التي كانت سبباً في شهرة إمامنا العظيم وإن السر في تعظيم الشعوب حيثما وجدت لاسم الإمام الخميني «ره» هو وجود هذه المفاهيم التي كانت تستوعبها الشعوب وتدركها بكل كيانها وتشعر أنها السبيل الوحيد لعلاج آلامها». صفوة القول: يمكن القول إن المشروع النهضوي التنويري الذي طبقه الإمام الراحل في عملية الإصلاح والتطوير من جانب ومشروع المجابهة مع الاستكبار والصهيونية من جانب آخر يتمثل في المحاور التالية: * تأكيد إمامنا الراحل على التمسك بالإسلام المحمدي الأصيل الذي يحدد الطريق القويم ويوفر أسباب الابتعاد عن الإفراط والتفريط ويصون الأمة من أي انحرافات محتملة. * تأكيده على أهمية الوحدة الإسلامية باعتبارها عماد تأسيس البنيان المرصوص كما أحبه لنا المولى «عزوجل» في القرآن الكريم. * لفت انتباه الأمة الإسلامية قاطبة إلى المخاطر التي قد تضعها في موقع التبعية والاستعباد إن هي سكتت أو تخلت عن أداء واجباتها ومسؤولياتها المصيرية الشرعية والأخلاقية في هذا الاتجاه، كما جاء في دعوته التاريخية لإزالة إسرائيل من الوجود باعتبارها غدة سرطانية قابلة للاستشراء والتمدد، وكذلك تحذيره الدائم من مغبة الوقوع في حبائل أميركا الشيطان الأكبر، والارتهان لمواقفها وسياستها ومشاريعها الاستكبارية والعدوانية. ولا يختلف اثنان في أن الإمام الخميني «قدس سره» كان أول المنفذين لمقولاته وأطروحاته النابعة من القرآن والسنة وتراث أهل البيت «عليهم السلام» وهو لم يأل جهداً في هذا المسار، لقد كان قائداً عالماً عاملاً تمكن من إعلاء صوت الحق رغماً عن أنف الطغاة وقدراتهم الهدامة الهائلة، فكتب الله «سبحانه وتعالى» على يديه الظفر بعد أن عجز عن تحقيقه آخرون، وصنع النهوض الذي عزز الآمال في نفوس أبناء العالم الإسلامي بحتمية النصر للمستضعفين والمقهورين واقتراب زمن الخلاص من نير الاستكبار والطواغيت.
تعليقات الزوار