رسالة مفتوحة إلى أمير عباس هويدا (خيانات الشاه والحكومة)

2009-06-03

 

 

الزمان: 26/ 1/ 1346هـ.ش ـ المصادف 4 محرم 1387هـ.ق[1]

المكان: مدينة النجف

الموضوع: الكشف عن مفاسد وخيانات الشاه وحكومة هويدا

المخاطب: هويدا، أمير عباس (رئيس الوزراء)

بسم الله الرحمن الرحيم

«لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»

السيد هويدا، أرى من الواجب أن أقدم لكم بعض النصائح، وأذكركم ببعض الأمور المهمة، وأنتم في خيار من قبولها أو رفضها.

طيلة هذه الفترة الطويلة التي أقضيها بعيداً عن الوطن بجريمة معارضتي لقانون حصانة الأمريكيين الذي هدَّ أٍساس استقلال البلاد، ولازلت أقضي عقوبة النفي المخالفة للقانون والشرع والدستور، أعاني فيها مرارة الألم الذي يعتصر قلبي لما أشاهده من مصائب تمر على هذا الشعب الأصيل من قبل أجهزة النظام الظالمة.

ومما يبعث على الأسف الشديد، أن دعواتكم الفارغة للإصلاح، لم تتجاوز حد الحملات الدعائية في الإذاعة والصحف الأجيرة لكم، وبعض المقالات المليئة بالخداع والكذب والمبالغة، فلازلنا نشاهد كل يوم تزايد فقر هذا الشعب وفاقته، وإفلاس التجار والأسواق في البلاد.

ولم ينتج عن كل هذه الضوضاء والحملات الدعائية المخادعة، سوى تقوية تسلط الأجانب على السوق السوداء وإبقاء الشعب في حالة من الفقر والتخلف تحت عنوان الشعب المتحضر.

وإن حكومتكم وحكومة أسلافكم البوليسية غير الشرعية، إنما تسلطت على الشعب بدعم أولئك الذين يريدون إبقاء شعوب الشرق في حالة من التخلف، فكانت حكومة القرون الوسطى، حكومة قائمة بقوة السلاح والتعذيب والسجن، حكومة كبت ومصادرة للحريات، حكومة ظالمة وديكتاتورية. فعمدت باسم الحركة الدستورية إلى تأسيس أسوأ أشكال الحكومات المستبدة الديكتاتورية ووجهت باسم الإسلام أقسى الضربات المؤلمة إلى القرآن الكريم والأحكام الإلهية، وتجاوزت باسم تعاليم الإسلام المتعالية أحكام الإسلام واحداً بعد الآخر، ولو سنحت لكم الفرصة ـ لا سمح الله ـ ستتجاوزون عليها مرة أخرى، وبدعواكم المخادعة نحو الرقي والتعالي، أبقيتم البلاد في حالة من التخلف.

فهذه حقائق مؤلمة، ينبغي أن يطلع عليها العالم، وأنا أشير هنا إلى بعضها حتى يشعر بالمسؤولية كل من غفل أو تغافل عنها، ولا ينخدع بمراءاتكم وتصرفاتكم المخادعة. إحدى هذه الحقائق الاحتفالات غير الوطنية التي تقيمونها عدة مرات في كل سنة لتأمين مصالحكم الشخصية، والتي لم تجلب للبلاد في كل مرة سوى المصائب المؤلمة على الإسلام والمسلمين وعلى الشعب الإيراني المستضعف.

فالشرطة تعمد بقوة السلاح إلى جباية الأموال الطائلة من هذا الشعب المستضعف، لتغطية تكاليف هذه الاحتفالات، حيث بلغت تكاليف إحداها ـ والتي أترفع عن ذكر اسمها ـ ما يقارب الأربعة آلاف مليون ريال، جُمع نصفها من خزينة الشعب ونصفها الآخر تم جبايته بالقوة والتهديد من التجار والكسبة، ولم ينتج عنها سوى العبث والشهوة والتلاعب بمشاعر الشعب.

فدفعتم من دماء الفقراء تكاليف لذاتكم وشهواتكم، وما لم يعي الشعب لوظيفته وحقوقه سيظل كل يوم يمر على هذا الوضع بمثابة عيد وسعادة لكم، وحزن ومأساة للشعب.

وقد رافقت هذه الاحتفالات انتهاكات خطيرة لأعراض المسلمين ولمبادئ الإسلام، يترفع القلم عن ذكرها.

وما زلتم تسكنون في قصور مجللة تستبدلونها باستمرار بين فترة وأخرى وتنفقون عليها مبالغ طائلة لا يمكن أن يتصورها الشعب، تجمعونها من جيوب المواطنين المستضعفين، وتنظرون من خلالها إلى فقر الشعب وفاقته، وكساد الأسواق وإفلاسها، وبطالة الشباب الخريجين، وتشهدون اضطراب الوضع الزراعي؛ وكساد الأسواق، وتسلط إسرائيل على شؤون البلاد الاقتصادية، بل تذكر التقارير تدخل إسرائيل حتى في شؤون البلاد الثقافية؛ وتشهدون فقدان أبسط الخدمات عن القرى المحيطة بالمركز من قبيل الماء الصالح للشرب، والحمام، والوسائل الصحية، فكيف بحال القرى النائية، وتشهدون ترويج الفساد الأخلاقي، وسلب الأمانة والدين في أعماق هذه القرى؛ وتشهدون تأسيس صندوق باسم التعاون وجباية الأموال وسرقتها من قبل الشرطة من الإقطاعيين المخدوعين النادمين؛ وأخيراً تشهدون السجن والتهديد بالنفي غير القانوني؛ في حين تنعمون أنتم في ملذاتكم وشهواتكم وتصرفاتكم المخجلة، لتقرأوا الفاتحة على مقبرة اسمها إيران.

فكيف يقبل ضميركم أن تتملقوا إلى هذه الدرجة للأجانب من أجل حكومة سرعان ما تزول، وتسلمونهم ثروات الشعب مجاناً أو بمقدار زهيد، لتلحقوا الظلم والاستبداد برعيتكم، أعني هذا الشعب المظلوم؟ وكيف تقبلوا أن تبينوا للعالم حكومتكم والدولة الإسلامية بمظهر التخلف والرجعية؟ فنقض الدستور دليل على التخلف، وكذلك الاستفتاء غير القانوني والمزيف هو دليل على التخلف.

ومصادرة حرية الشعب في انتخاب ممثليهم، وتعيين أفراد معروفي الاتجاه تبعاً لأوامر الآخرين وبدون تدخل الشعب، هو دليل على الضعف والتخلف أيضاً.

فأنتم تعلمون أن الشعب إذا ما تمكن من استعادة حقه في تعيين مصيره، لما بقيتم على هذه الحال ولأزاحكم عن مواقعكم إلى الأبد.

وإذا ما منحتم الكتاب والصحفيين عشرة أيام من حرية التعبير، لفضحوا جرائمكم أمام الملأ؛ لكنكم لا تمتلكون الجرأة على منح هذه الحرية (والخائن خائف)؛ وبالتالي فإن مصادرة حرية الصحافة واللجوء إلى ما يسمى بجهاز الأمن، هو دليل على التخلف، كما أن إقامة الاحتفالات المتكررة لمناسبات لا تجد لها اسماً في الدول الأخرى، وصرف المبالغ الطائلة التي تقصم ظهر الشعب، تعد دليلاً آخر على هذا التخلف.

كذلك الاستسلام لحكومة إسرائيل الواهية، وتعريض اقتصاد البلاد للخطر، هو دليل على الضعف والتبعية، ودليل على خيانة الإسلام والمسلمين.

ومنح الحصانة للأجانب دليل واضح على التخلف والذل والاستسلام بلا قيد أو شرط. وبإقراركم هذا القانون، هل تدركون مدى الخيانة العظيمة التي ارتكبتموها ضد البلاد والإسلام، وما هي شدة الضربة التي وجهتموها لاستقلال البلاد؟ وبالطبع يكون المعارض لهذا القانون خائناً، ويستحق النفي؟

السيد هويدا، إن الكلام المؤسف الذي طبع مؤخراً وللأسف، كان يتضمن بعض الاعترافات التي تهد أساس الاستقلال في البلاد، وإني أترفع الآن عن ذكرها.

فلماذا لا تحولوا دون طبع أو نشر مثل هذه الكتب؟ هل تتعمدون التلاعب بكرامة هذه البلاد وعزتها، أم أنكم بهذه العقول المريضة عاجزون عن إدراك هذه الأمور؟ وهل ارتكب علماء الإسلام ذنباً سوى النصيحة، وهم الساعون دائماً للمحافظة على استقلال البلاد الإسلامية ووحدتها؟ وهل ارتكبت الحوزات العلمية ذنباً غير خدمة الإسلام والمسلمين والدول الإسلامية؟

إن الأجانب يرون فيها سداً يمنع تدخلهم في شؤون البلاد، فعقدوا العزم على هدمها وزوالها، فيما تنفذون أنتم أحكام الآخرين وتتبعون سلطة الدولار والثروة. وماذا يمكن أن تطلقوا على ضرب الحوزات العلمية، والهجوم المسلح على المدرسة الفيضية وصحن الحرم الطاهر في قم، والقتل الجماعي في 15 خرداد، سوى التبعية العمياء لأصحاب الدولار وخدمتهم؟ وماذا يمكن أن تنتج الضغوط التي تمارسونها ضد مراجع المسلمين والعلماء الأعلام وطلاب الحوزات العلمية واقتحام الجامعات، سوى خدمة الأجانب؟ فهم لا يرغبون بحكومة القرآن الكريم وأحكامه على الشعوب الإسلامية، حتى يتمكنوا من السيطرة على ثرواتهم دون أن يعترض عليهم أحد، بل ويمنحونهم الحصانة بدلاً عن ذلك، فهم لا يرغبون أن نكون شعباً حراً، ولا يرغبون أن يكون الناطقون باسمنا أحراراً؛ وللأسف أنتم تنفذون أوامرهم حرفياً دون أي اعتراض أو نقاش، إن الحوزات العلمية كانت ولازالت تمثل مدافعاً حقيقياً عن العلم والأخلاق والصدق؛ وليس للخداع أو الدعاية، ولو كنتم تحبون العلم، فلماذا تقتحمون بوحشية المراكز العلمية؟ ولماذا هذا القتل الجماعي وإراقة الدماء في المدرسة الفيضية والجامعة؟ ولماذا لا تتركون طلاب العلوم الدينية وشأنهم ولو ليوم واحد؟ ولماذا تعاملون الجامعيين في الداخل والخارج بهذا الشكل؟

السيد هويدا، أرى من واجبي نصيحتكم، فأنتم جزء من هذا الشعب، ولدتم وترعرعتم في هذه البلاد، وحصلتم على المناصب والمراكز المهمة.

أنصحكم أن لا تتلاعبوا إلى هذه الدرجة بكرامة الشعب وعزته، وبدلاً عن هذا الخداع والتضليل، اخدموا هذا الشعب المستضعف، أو على الأقل لا تزيدوا من آلامه بذرائع مختلفة. وتوقفوا عن جباية الأموال من هؤلاء الكسبة المستضعفين، وتوقفوا عن ممارسة الضغوط ضد علماء الشعب والطلاب والجامعيين، إرضاءاً لشهوات الآخرين ورغباتهم؛ وتوقفوا عن التعاون مع إسرائيل عدو الإسلام والمسلمين، التي شردت أكثر من مليون مسلم مظلوم، ولا جرحوا عواطف المسلمين، ولا تفسحوا المجال أكثر من ذلك لإسرائيل وعملائها الخونة للنفوذ في أسواق المسلمين، ولا تعرضوا اقتصاد البلاد للخطر من أجل إسرائيل وعملائها؛ ولا تخاطروا بثقافتنا من أجل شهواتهم وملذاتهم، اتقوا الله، ولا ترسلوا الفتيات المخدوعات إلى الجيش، ولا تخونوا أعراض المسلمين.

وهذه الحقيقة المؤلمة التي أنكرتموها سابقاً وحكمتم علي بالنفي بسببها، هل ما زلتم تنكرونها بعد أن عملتم بها الآن؟ وهل تنكرون الفضائح المخجلة التي قمتم بها في احتفالاتكم بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين؟ اتقوا غضب الله، واخشوا غضب الشعب، ولا تتلاعبوا بأحكام الله تعالى بذريعة الدين المترقي، ولا تسيئوا باسم القرآن إلى أحكامه القطعية المسلّم بها، ولا تمارسوا هذا السلوك الوحشي مع الحوزات العلمية بذريعة الخدمة الإلزامية الواهية وعديمة الفائدة، وتوقفوا عن الإساءة لمن خدموا الثقافة والشعب.

وأخيراً لا تجعلوا علماء الأمة يضطرون للتصرف معكم بشكل آخر.

كانت هذه ثلة من الفجائع التي ارتكبتموها ضد الدين والشعوب، وهناك الكثير منها أيضاً؛ أقولها لعلكم تنتبهون لأخطائكم وتعودون لضمائركم، ولعل مراجع الإسلام والعلماء الأعلام والخطباء المحترمين يشعرون بمسؤولياتهم، ولعل الشباب والمثقفين وطبقات الشعب المختلفة الواعية يشعرون بمسؤولياتهم، ولعل المجتمعات الإنسانية ومدعي حقوق الإنسان يشعرون بمسؤولياتهم، ولعل مجلس الأمن وغيره من المنظمات الدولية يتوقفوا عن دعم مصالح القوى العظمى وإضاعة حقوق الشعوب المستضعفة أكثر من ذلك، ولعل السلطة الحاكمة والنظام الديكتاتوري يعود لضميره قبل فوات الأوان.

إن ربك لبالمرصاد[2]، والله من ورائهم محيط[3]، والسلام على من اتبع الهدى.

4 محرم الحرام 1387ﻫ

روح الله الموسوي الخميني

ـــــــــــــــــ

[1] صحيفة النور، ج1، ص132، وكذلك كتاب نهضة الإمام الخميني، ج2، ص217، ذكرت في تاريخ 27 فروردين 1346، والصحيح هو 26 فروردين حسب التاريخ المذكور في الرسالة.

[2] سورة الفجر, الآية: 14.

[3] سورة البروج, الآية: 20.