هل نحتاج لفكر الإمام الخميني من جديد في البحرين

2010-06-15

كلمتان هزّتا الوعي الإسلامي الأصيل من جديد في البحرين في الذكرى الواحد والعشرين لرحيل السيد الإمام الخميني (قدس سره)، عاصفة فكرية هبّت من سماحة القائد وزلزال ثوري وقيمي من السيد حسن نصر الله، الزلزال والعاصفة بحاجة لهما ساحة البحرين الشيعية المرتبطة بفكر ولاية الفقيه الخمينية لنعرف: هل نحن نرتبط بشعاراتها أم بمضمونها؟ بإطارها أم بمحتواها؟ بصورتها أم بفكرها الحضاري؟، لأننا نلمس كل عام في الإمام الخميني حينما نحيي ذكراه أنه حولنا لمجرد حالة فلكورية تنظم لها المواسم والمؤتمرات وتحدد لها الشعارات، وليس له علاقة بالواقع وفساده ومشاكله وتحدياته.

لننزل للواقع بفكر الإمام وخطه ونهجه وفقهه وعرفانه وفلسفته، حتى يطهّر خطابنا من نجاسة الذات والنرجسية السياسية ولنحرك روح الإمام الثورية حتى لا يصبح اليوم وبإسمه نتعايش مع القهر والظلم والطغاة والجبروت، بل أصبحنا نرسم شخصية جديدة لصورته أما صورة الإمام الحقيقية فأصبحت تشتكي وأصبحت غريبة عنه ولا تنتمي له، أصبحنا بإسم الإمام نأكل بعضنا البعض ونستأصل بعضنا البعض ونقمع بعضنا البعض ونحاصر بعضنا البعض وكل ذلك بإسمه وشعاراته وصوره والمؤتمرات التي بإسمه ومواسمه، ولو فحصنا تراثه ووصاياه ومنهجه وخطه لتبرأ منا كتبرأ الذئب من دمّ يوسف.

كم نحن بحاجة لتأمّل في كلمتي القائد وشبله السيد حسن نصر الله لنعرف هل نحن في البحرين خمينيّون أم مجرد أشباه؟

كلمتا الفصل؛ كانت الأولى للقائد؛ كانت بعقل السيد القائد الخامنئي (حفظه الله) والكلمة الأخرى كانت لسيد المقاومة السيد حسن نصر الله، كلمتان تستحق التأمّل والوقوف عليهما لنتعرف على معالم الطريق في البحرين خاصّة لمن ينتمي لولاية الفقيه الخمينية، لأن التحديات كثيرة وكبيرة وعميقة ومتنوعة، إن كناّ فعلاً ننتمي لنهج وخط وفكر وفقه وروح وثقافة الإمام الخميني (قدس سره).

كلمة السيد القائد الخامنئي (حفظه الله) التي تناولها في خطبة صلاة الجمعة وقد تزامنت مع مرور ذكرى الواحد والعشرون لمفجر الوعي الإسلامي والروح الثورية في العالم، ومجدّد الفقه السياسي والاجتماعي في مختلف المجالات، الكلمة كانت متنوّعة، في مضامينها ومفاهيمها، ومفاعليها، ورسائلها، وتحليلها وكيف لا! هي من ذهنية شخصية ورّثت الثورة والحكمة والصمود والوعي والثبات والتحدي والتجديد ولازالت تضخه بحنكة وبثورية لكل المستضعفين والمحرومين والمظلومين بأمانة وصدق ودون تحريف ودون مبررات واهية ودون رتوش ومكياج.

لنتأمل في هذا المقطع الخامنئي حينما يفلسف لنا خط الإمام الخميني (قدس) ومبادئ النهج الأصيل للإمام الخميني (قدس سره)، مؤكداً أن سيرة الإمام أفضل مؤشر ومعيار لمواجهة الانحراف في الثورة، كما أشار قائد الثورة الإسلامية إلى أن أعداء الإمام الراحل والثورة يحاولون حرف الثورة عن مسارها، مؤكّداً على ضرورة معرفة المؤشرات للحيلولة دون انحراف الثورة، وأوضح أن هوية ومبادئ الإمام الراحل الفكرية تتجسّد في خطبه ورسائله ووصيته، مضيفاً أن هذه هي التي هزت العالم وجعلت الجماهير العظيمة تشتاق إلى الشعب الإيراني والكثير منهم يقتدي به، واعتبر سماحته أن سلب الهوية من الإمام الراحل لا تعدّ خدمة له، مضيفاً أن هذه المبادئ الفكرية هي التي فجرت موجة عاتية ضد نهب الغرب وتفرّد أمريكا، وأكد قائد الثورة أننا لا يمكن أن نكون في جبهة واحدة مع الذين يعارضون صراحة رفع راية الإسلام، وأضاف: لا يمكن القبول بأن تجتمع أمريكا وبريطانيا، والسي آي أيه، والموساد، وأنصار الملكية، والمنافقين حول محور واحد.

القائد كان في مستوى فهم العالم المقعد المرامي المتشابك، حين تحدث عن الإمام الخميني (قدس سره) كمُلهِم ومربي وثائر وقائد وفقيه، القائد كان في مستوى تحليل خط ونهج الإمام، لأنه يعرف أن كرامتنا وعزتنا وتطورنا ووجودنا مرتبط بالثبات على مبادئه وثوابته وتراثه.

المشهد الإسلامي كان حاضراً وبقوة في فصل الخطاب لسماحة القائد (حفظه الله ورعاه) للمرحلة التي تمرّ بها الأمة الإسلامية خطاب كان يمتاز بعمق التحليل الفكري والثقافي والسياسي لكل قضايا الأمة الإسلامية وتحديداً ما يدور في الجمهورية الإسلامية وقضية فلسطين المحتلة.

خطاب القائد وضع النقاط على الحروف، حدّد البوصلة ومعالم الطريق لمن يريد أن يعرف هل هو مع منهج الإمام الخميني (قدس سره) في كل حراكه وسكناته وقضاياه وروحه وفكره وثقافته أم أنه لا زال يرتبط بالقشور والصور؟

أما الكلمة الأخرى فكانت لمحلّل قدير وشخصية كاريزمية في العالم الإسلامي والعربي، هي لسماحة السيد حسن نصر الله (دام ظله)، حيث كان كالمعتاد في مستوى الشخصية الكبيرة، كما القائد الخامنئي، كلمته كانت تعني ـ لمن استمع لها وقرأها بتمعن ـ أنها تمثّل هندسة فكرية وقيمية وتحليلية لشخصية الإمام الخميني (قدس سره)، تحدّث عن المرجفين والمبرين، تحدّث عن قيم الشهادة والتضحية والارتباط بالوعي والغيب، كمعالم لخط الإمام الخميني (قدس سره).

لو تأملنا في هذا المقطع من كلمة السيد حسن نصر الله هذا العام: "للإمام انجازات كبيرة وعظيمة, ومن أهم إنجازات الإمام التي أود أن أتحدث عنها في الوقت المتاح هو إعادة إحياء منظومة القيم الإلهية والنبويّة والإنسانية والأخلاقية في حياة الإنسان والشعوب والأمم, وخصوصاً في عقول وقلوب هذه الأمة, وقد تعدّت تأثيرات هذا الإحياء لمنظومة القيم العظيمة هذه أمتنا العربية والإسلامية إلى أماكن كثيرة في هذا العالم, وكثيرون استلهموا ثورة هذا الإمام وحركته وقيمه في مواجهة تحدياتهم وطغاتهم وظروفهم الصعبة والقاسية.

جاء في الزمن الذي شاء الله سبحانه وتعالى أن يبعث رحمته ويضيء هداه من جديد، في المرحلة التي بدأت تسود فيها لدى شعوبنا وأمتنا وفي هذا العالم مفاهيم وقيم مختلفة, لا صلة لها لا بقيمنا ولا بثقافتنا ولا حضارتنا ولا تاريخنا, كمثل فكرة وثقافة القعود عن نصرة الحق بأعذار وحجج متفاوتة وواهية, بعضها يتغطى بالدين وبعضها يتغطى بالواقعية وبعضها يتغطى بالحكمة، كمفاهيم وثقافة التخلي عن المسؤوليات تجاه القضايا الكبرى, التخلّص من تحمل المسؤوليات, ننسحب من قضية كبرى على مستوى البشرية لنهتم بقضية كبرى على مستوى الأمة، ثم ننسحب من قضية الأمة إلى قضية الوطن، ثم ننسحب من قضية الوطن إلى قضية الجماعة، سواءً أكانت طائفة أو أتباع مذهب أو كانت حزباً أو فئة أو مجموعة أو زعامة، ثم ننسحب من الجماعة لنغرق في ذاتياتنا وحياتنا الشخصية، ثقافة التخلي عن المسؤوليات تجاه القضايا الكبرى, ثقافة الاستسلام لمنطق القوة المادية القاهرة، ثقافة اليأس من تحقيق أي انتصار أو إنجاز، انتشار الثقافة المادية التي تسقط كل القيم المعنوية والدينية من المعادلة، كالتوكل على الله والثقة به ونصره للمجاهدين وللمستضعفين الثائرين دفاعاً عن حقوقهم المشروعة، ثقافة الاستسلام لمقولة التبعية في ذلك الوقت لأحد المعسكرين الشرق أو الغرب، أي أننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً ولا يمكننا إلا أن نكون إما مع المعسكر الغربي أو المعسكر الشرقي، ولنكون هنا وهناك يجب أن نكون تابعين، نتحرك في إطار مشروع الآخر لنحقق بعض فتات مصالح وطننا وأمتنا، ثقافة العجز عن تحقيق الاستقلال، ثقافة عدم الثقة بالذات، عدم الثقة بالناس، عدم الثقة بالأمة في كل الميادين، ولذلك كان علينا دائماً أن نقلّد الآخرين وأن نتبع الآخرين، وأن نجترّ تجاوب الآخرين، وأن نستعين بالآخرين لننقذ أنفسنا.. الثقافة التي كانت تضيع فيها المعايير الصحيحة لتحديد العدو والصديق، والمعركة الصحيحة، أي ما نسميه اليوم بتنظيم الأولويات.. ضياع الانتماء، الإحساس بالتناقض بين الانتماء الوطني والانتماء القومي، بين الانتماء الوطني والانتماء الديني الإيماني.

جاء الإمام رضوان الله تعالى عليه ليقدّم ويحيي ويثبّت منظومة قيم مختلفة ومناقضة تماماً لكل ما هو سائد، فأحيا فينا وفي هذه الأمة ثقافة الجهاد والوقوف في وجه الطواغيت والظالمين. أحيا فينا ثقافة الحياة الكريمة والعزيزة التي يرفض فيها الإنسان الذل والهوان والاكتفاء ببعض عيش أو طعام أو رخاء. أحيا فينا قيم التضحية والعطاء والجود بالنفس والأهل والمال حتى الشهادة في سبيل قضايا أمتنا وفي سبيل قضايانا المقدسة، أحيا فينا ثقافة نصرة المظلومين والمستضعفين وعدم التخلي عنهم. أحيا في البشرية كل القيم المعنوية والإيمانية المتصلة بالعلاقة مع الله تعالى القادر الناصر المعين الهادي المرشد من ثقة وتوكل واستمداد، أحيا فينا ثقافة الثقة بأنفسنا بعد الثقة بالله سبحانه وتعالى، وثقافة الثقة بالناس، بالشعوب، بعقولها وعلمها وحضارتها وطاقاتها المتنوعة وقدراتها البشرية والمادية وقدرتها على التغيير وعلى صنع المصير وعلى تحقيق الاستقلال وعلى إزالة الظلم وعلى تحرير المقدسات.

وكان خطاب الإمام، (رضوان الله تعالى عليه)، خطاباً إيمانياً إنسانياً، لم يتوجه فيه إلى المسلمين فقط بل كان مخاطب الإمام كل المستضعفين والمعذبين والمظلومين في هذا العالم، كان يخاطبهم بهذه المصطلحات: أيها المستضعفون، أيها المعذبون، أيها المظلومون. عندما كان يتحدث عن مصاديق المستضعفين والمعذبين لم يكن يتحدث فقط عن الشعوب الإسلامية أو العربية أو فلسطين. كان يتحدث عن شعوب إفريقيا، عن شعوب أمريكا اللاتينية، عن الهنود الحمر في الولايات المتحدة الأمريكية، عن كثير من الشعوب الآسيوية التي تعاني الظلم والقهر والطغيان والاستبداد والتي تُنهب ثرواتها وتُترك للجوع والحرمان والإهمال والموت جوعاً.

سنجد أن هذا اختصار لخلاصة ولبّ فكر الإمام الخميني (قدس سره) وما أحوجنا له في البحرين، لأن هذا المنطق أصبح الكثير ممن يُحسبون على فكره يروجون له.